18-12-2022, 05:20 PM
|
|
•• نظم الشعر الفصيح بحروف عربية أصيلة عند العرب ( مشاركة المنقول ) ••
*
انصرف العرب عن الشعر والمنافسة فيه في أوَّل عصر الإسلام بما شغلهم من أمر الدين والنبوَّة والوحي وما أدهشهم من أسلوب القرآن ونظمه، فَأُخْرِسوا عن ذلك وسكتوا عن الخوض في النظم والنثر زمانًا، ثم استقر ذلك وأُونسَ الرُّشْد من المِلَّة ولم ينزل الوَحْي في تحريم الشعر وحَظْره، وسمعه النبي ﷺ وأثاب عليه فرجعوا حينئذ إلى دَيْدَنهم منه. وكان لعُمَر بن أبي ربيعة كبير قريش لذلك العهد مقامات فيه عالية وطبقة مرتفعة، وكان كثيرًا ما يَعْرِض شِعْره على ابن عباس، فيقف لاستماعه مُعْجَبًا به. ثم جاء من بعد ذلك المُلْك والدولة العزيزة، وتَقَرَّب إليهم العرب بأشعارهم يمتدحونهم بها، ويجيزهم الخلفاء بأعظم الجوائز على نسبة الجودة في أشعارهم ومكانهم من قومهم، ويَحْرِصون على استهداء أشعارهم يَطَّلِعون منها على الآثار والأخبار واللغة وشرف اللسان، والعرب يطالبون وليدهم بحفظها. ولم يزل هذا الشأن أيام بني أمية وصدرًا من دولة بني العباس. ا.ه. من المقدِّمة لابن خلدون، من الفصل الخمسين، من الكلام على العلوم.
وقال حَمَّاد الراوية: أمَرَ النُّعمانُ فنُسِخت له أشعار العرب في الطُّنُوج، أي الكراريس، فكُتِبت له ثم دَفَنها في قَصْره الأَبْيض.
فلمَّا كان المختار بن عُبَيد قيل له: إن تحت القصر كنْزًا؛ فاحتَفَره فأخرج تلك الأشعار، فمِن ثَمَّ كان أهل الكُوفة أعلم بالأشعار من أهل البَصرة. وقال ابن خلدون أيضًا: إن كلام الإسلاميين من العرب أعلى طبقة في البلاغة من كلام الجاهلية في منثورهم ومنظومهم، فإنَّا نجد شعْر حَسَّان بن ثابت وعمر بن أبي ربيعة والحُطَيْئة وجَرِير والفَرَزْدق ونُصَيْب وغَيْلان ذي الرُّمَّة والأحْوص وبَشَّار، ثم كلام السَّلَف من العرب في الدولة الأموية وصدر الدولة العباسية، في تَرَسُّلهم وخُطَبهم ومُحَاوَرتهم للمُلُوك؛ أرفع طبقة في البلاغة من شعر النابِغة وعنترة وابن كُلْثوم وزُهَيْر وعَلْقمة بن عَبَدَة وطَرَفة بن العَبْد، ومن كلام الجاهلية في منثورهم ومحاورتهم.
والطبع السليم والذوق الصحيح شاهدان بذلك للناقد البصير بالبلاغة، والسبب في ذلك أن هؤلاء الذين أدركوا الإسلام سمعوا الطبقة العالية من الكلام في القرآن الكريم والحديث الشريف اللذين عجز البشر عن الإتيان بمثلهما؛ لكونها وَلَجَت في قلوبهم ونشأت على أساليبها نفوسهم، فنهضت طِبَاعهم، وارتقَت مَلَكاتهم في البلاغة على مَلَكات مَن قَبْلَهم من أهل الجاهلية مِمَّن لم يَسْمَع هذه الطَّبَقة ولا نشأ عليها، فكان كلامُهم في نَظْمهم ونَثْرهم أحسنَ دِيباجةً وأصفَى روْنقًا من أولئك، وأرْصَفَ مَبْنًى وأعْدَل تثقيفًا بما استفادوه من الكلام العالي الطبقة. ا.ه.
والشعراء الذين أدركوا الجاهلية والإسلام يُسَمَّوْن المُخَضْرمِين (من الخَضْرمة وهي الخَلْط؛ لأنهم جَمَعوا بين العَصْرَين الجاهلي والإسلامي)، ومن أشهرهم: حسَّان بن ثابت، والنابغة الجَعْدي، وكَعْب بن زُهَير، والعَبَّاس بن مِرْداس، والحُطَيْئَة. وأما الذين لم يُدْرِكوا عصر الجاهلية بل نَشَئوا في الإسلام بعد هؤلاء المخضرمين، فإنهم يُسَمَّوْن بالإسلاميين، ومِن أشهرهم: جَرِير، والفَرَزْدق، والأخْطَل، وذو الرُّمَّة، والكُمَيت، وبَشَّار بن بُرْد آخرهم وهو ممن أدرك العصرين الأموي والعباسي.
وكلا الفريقين يُسْتَشْهد بكلامه في اللغة ويُحْتَجُّ به.
وقد امتاز الشعر في هذا العصر ببلاغة في المعنى، ومتانة في التعبير، وإحكام في التركيب، مع رقَّة وحُسْن تصرف في القول، وسَعة في التصوُّر فاق في كل منها الشعر الجاهلي.
ولم يزل للشعر من المكانة في النفوس في العصر الأموي وصدر من العصر العباسي مثل ما كان له في العصر الجاهلي، وإن كان بعض المخضرمين كالحُطَيْئة والإسلاميين كالأخطل وجرير اتَّخذوه صناعة للتكسب وطَلَب الرِّزْق من السادات والأمراء والخلفاء؛ فإن ذلك لم يَحُطَّ مِن قَدْره ولم يَخْضِد من شوكته، ومن شواهد ذلك ما رواه الجاحظ في البيان عن أبي عبيدة قال: كان الرجل من بني نُمير إذا قيل له: ممن الرجل؟ يقول: نُمَيري كما ترى، فما هو إلَّا أنْ قال جرير:
فَغُضَّ الطَّرْفَ إنَّك من نميرٍ فلا كعبًا بَلَغْتَ ولا كلابا
حتى صار الرجل من بني نمير إذا قيل له: ممن الرجل؟ قال: من بني عامر.
وروى الجاحظ أيضًا عن أبي عبيدة قال: كان الرجل من بني أنْف الناقة إذا قيل له: ممن الرجل؟ قال: من بني قُرَيْع، فما هو إلا أن قال الحطيئة:
قَوْمٌ هُمُ الأَنْفُ والأَذْنَاب غَيْرُهُمُ ومَنْ يُسوِّي بأنفِ الناقة الذَّنَبا؟
حتى صار الرجل منهم إذا قيل له: ممن الرجل؟ قال: من بني أنف الناقة.
منقــــــــــول
* |
|
|
•• k/l hgauv hgtwdp fpv,t uvfdm Hwdgm uk] hguvf ( lahv;m hglkr,g ) gQdgm hglkr,g hgauv hguvf hgtwdp fpv,t uvfdm uk] |