#1
| ||||||||||
| ||||||||||
إشراقات من سورة الكهف إشراقات البيان في القرآن الكريم إشراقات من سورة الكهف في بداية الحديثِ ربما يتبادرُ لدى القارئ تساؤلٌ مهمٌّ وهو: هل يوجد في القرآن الكريم ترادفٌ لفظيٌّ؟ هل هناك لفظتان مختلفتان في التركيب، متفقتان في الدلالة؟ وهي تساؤلاتٌ طبيعيةٌ لمن ليس له علمٌ أو دِراية بطبيعة القرآن الكريم، وفصاحته، وبلاغته، وإعجازه؛ كونه كلام رب العالمين، كلام الله الذي ليس كمثله شيء، ولو كان كلام الخالق سبحانه، يشبه كلام المخلوقين؛ لانتفى فضله، وذهبت بلاغته، وإعجازه، فإذا عجز البشر عن التعبير عن المعاني الدقيقة بألفاظ دقيقة تناسب المعنى، فتوسموا في بعض الألفاظ أنها تقوم مقام بعضها البعض، فإن ذلك محال في حق كلام الله جل جلاله المعجز؛ فالنقص صفة ملازمة للمخلوق، بما في ذلك نقصه عن الإتيان بمثل ما جاء به القرآن العظيم، وصدق الله: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 82]. وفي الواقع فإن اللغويين العرب القدماء قد اختلفوا إزاء هذه المسألة، وانقسموا قسمين: قسم ينفي وجود الترادف في اللغة العربية، باعتبارها توقيفية من عند الله عز وجل، وهذا مذهب ابن فارس (ت395هـ)، وقسم آخر يثبتون الترادف باعتبار أن اللغة ليست توقيفية أصلًا، بل هي ما تواضع عليه الناس واصطلحوا عليه فيما بينهم، وهو مذهب ابن جني. المسألة الأولى: بين (لبث-أقام-مكث) يقول سبحانه وتعالى في سورة الكهف: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ [الكهف: 25].فما الحكمة في اختيار القرآن الكريم لفظ (لبث)، ولم يختر لفظ (أقام)، أو (مكث)، وكلها ألفاظ متقاربة في الدلالة على الاستقرار؟ القرآن الكريم هو كلام الله المعجز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، ولا شك أن لكل كلمة من كلماته دلالة خاصة، ومعنى محددًا، لا يدل عليه غيره من مفردات اللغة العربية على اتساع معجمها، وضخامة مفرداتها، مع وجود فوارق دلالية دقيقة جدًّا بينها، عرَفها مَن عرَفها، وجهِلها مَن جهِلها، وهذا وجهٌ يسير من وجوه الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم. لقد اختار القرآن الكريم لفظة (لبث) في الآية السابقة دون غيرها؛ لأنها بالتأكيد الأكثر دلالة على المقصود في سياق الآية الكريمة، فهي تدل على الإقامة المحدودة القصيرة، وهذا ما ينطبق على سياق الآية الكريمة، فعلى الرغم من إقامة الفتية تلك الفترة الطويلة، فإنها كانت محددة بزمن له بداية، وله نهاية، فهو قصير. ومن معاني (لبث): انتظر، والانتظار لا يكون إلا للزمن اليسير القليل. قال جرير: وقد أكون على الحاجات ذا لَبَثٍ *** وأَحْوَذِيًّا إذا انْضَمَّ الذَعاليبُ [1] ومهما لبث المرء عاكفًا على حاجاته، فسَرعان ما ينفضُّ عنها، ويمضي. وفِي الحَدِيث: (فاسْتَلْبَثَ الوَحْيُ)، يُقَال: (اسْتَلْبَثَهُ): إِذا (اسْتَبْطَأَهُ)، وَهُوَ استَفْعَلَ من اللَّبْثِ، وَهُوَ الإِبطاءُ والتَّأَخُّر[2]؛ يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: 76]. ﴿وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ﴾ [يوسف: 42]. ﴿وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ [الكهف: 19]. ﴿قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ﴾ [المؤمنون: 113]. ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ [هود: 69]. ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ [يونس: 45]. ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا﴾ [الكهف: 12]. ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ﴾ [الروم: 55]. ﴿وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا﴾ [الأحزاب: 14]. ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [الأحقاف: 35]. ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾ [النازعات: 46]. ولا يخفى على القارئ الكريم أن (لبث) وما اشْتُقَّ منها في الآيات السابقة، جميعها قد دلَّت على الإقامة اليسيرة المحدودة. * أما الفعل (أقام)، فإنه يفيد الإقامةَ الطويلة، فأقام في المكان: اتخذه موطنًا ومستقرًّا، وهذا ما يبدو جليًّا في الآيات التالية؛ يقول جل جلاله: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ [المائدة: 37]. ﴿مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ [الزمر: 40]. ﴿وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ﴾ [الشورى: 45]. ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ [التوبة: 68]. ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ [هود: 39]. ﴿يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ﴾ [التوبة: 21]. ومنه: أقام الصلاة؛ أي: حافظ عليها وأدامها[3]: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [البقرة: 43]؛ فإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة تدلان على الديمومة، وعدم الانقطاع مادام الإنسان حيًّا. ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: 277]؛ فقد ارتبط دوامُ الأجر والأمن، وعدم الحزن في الآية بديمومة الصلاة. ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: 66]؛ فقد ارتبط الرزق العميم والخير متصل بمداومة العمل بما جاء في التوراة والإنجيل، فحاجة الإنسان إلى الرزق حاجة مستمرة، تتَّسم بالدوام، ودوام هذا الرزق بحاجة إلى دوام العمل بما جاء في التوراة والإنجيل، كما أنه من المعلوم أن العبادات تتصف بالديمومة. ﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾ [الأعراف: 170]، فعدم ضياع الأجر مرهونٌ بالمداومة على الصلاة، ومن ذا الذي لا يحرص على ديمومة الأجر والثواب. ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 5]، فعلَّةُ الحرية، وإطلاق سراحهم هو الاطمئنان إلى أنهم صاروا يداومون على الصلاة، ولا يوجد عاقلٌ لا يحرص على ديمومة حريته، وديمومة الحرية مرتبطة بديمومة إقامة الصلاة. ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [التوبة: 11]، فديمومة الأخوة في الدين مرهونة بالدوام على الصلاة، فإن انقطعت الصلاة فلا ديمومة ولا استمرار للأخوة. ﴿وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ﴾ [الرعد: 22]، فالعاقبة الحسنة يوم القيامة، وهي ديمومة أبدية، مقترنة بالمداومة المستمرة على أداء الصلاة. ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ [الحج: 41]، فالمداومة على أداء الصلاة هي علة التمكين في الأرض، فمن أراد ديمومة التمكين حرَص على إقامة الصلاة وديمومتها. ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ [فاطر: 18]، فقد كرَّم المولى من يؤمنون بالغيب، ويداومون على الصلاة بأنهم يستحقون التزكية من الله جل جلاله، وليس هناك عاقلٌ واحد لا يطمع، أو لا يحرص على تزكية الله عز وجل له، ورضاه عنه على الدوام، فديمومةُ التزكية الربانية مرتبطة بديمومة إقامة الصلاة كما أمر ربُّنا وشرع. ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾ [فاطر: 29]، فالتجارة مع الله سبحانه رابحةٌ بلا شك، فمن حرص على ديمومة هذا الربح، فليُقم الصلاة وليداوم عليها. ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [الشورى: 38]. وبربط الآية 38 من سورة الشورى بالآيات السابقة، وخصوصًا الآية 36 التي يقول فيها الحق سبحانه: ﴿ فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الشورى: 36]، التي تفيد أن "ما أعطيتم أيها الناس من شيء من رياش الدنيا من المال والبنين، فمتاع الحياة الدنيا؛ يقول تعالى ذكره: فهو متاع لكم تتمتعون به في الحياة الدنيا، وليس من دار الآخرة، ولا مما ينفعكم في معادكم"[4]. ﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الشورى: 36]، ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الشورى: 36]، وكذلك للذين ﴿يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾ [الشورى: 37]، وكذلك ﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ للذين ﴿اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [الشورى: 38]، وبهذا يتضح أن ما عند الله خير وأبقى لمن يستجيبون لربهم، ولمن أقاموا الصلاة...، فديمومة هذه الخيرية مرتبطة بديمومة الاستجابة لله، وبديمومة إقامة الصلاة كما أمَر ربُّنا عباده الصالحين، وديمومة الخيرية هذه لا يستغني عنها إلا الأشقى، أما الأسوياء فهم حريصون عليها. ﴿لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 162]، ومن ذا الذي يزهد في دوام الأجر العظيم من رب العالمين، فمن أراد ذلك فعليه أيضًا بالمداومة على الصلاة، كما أمر الشارع سبحانه وتعالى. ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾ [إبراهيم: 40]، وكذلك الأمر هنا، فطلب ديمومة استجابة الدعاء مرتبطة بديمومة إقامة الصلاة. ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [الحج: 34، 35]. فقد بشَّر الله عز وجل في الآية السابقة المخبتين، المتواضعين، المطيعين، ثم عطف (المقيمي الصلاة) على أولئك المخبتين، فاشتركوا جميعًا في البشرى من الله، فمن أراد المحافظة على تلك البشارة وعلى ديمومتها، فليحرِص على أن يكون من المخبتين دائمًا، كما يحرص على أن يكون من مقيمي الصلاة المحافظين عليها دائمًا. ويبدو جليًّا من الآيات السابقة أن وصف عذاب جهنم، وكذلك نعيم الجنة، قد اتسم بالديمومة، والخلود، فقد استخدم القرآن الكريم لذلك الخلود الفعل (قام) ومشتقاته، بينما استخدم الفعل (لبث)، وما اشتق منه للدلالة على الإقامة المؤقتة، وبهذا تتجلَّى أسمى آيات البلاغة والفصاحة القرآنية في اختيار اللفظ المناسب، والدقيق، الذي لا يحل غيره محلَّه في أداء المعنى الحقيقي للآية الكريمة. ♦ وربما يتساءل متسائل عن السر في استخدام القرآن الكريم للفعل (مكث) بدل الفعل (لبث)، أو الفعل (أقام). وهو تساؤل معتبر، فقد تبيَّن لنا مما سبق أن الفعل (لبث) مُمَحَّض للإقامة الزمانية المؤقتة، والفعل (أقام) مُمحض للإقامة الطويلة، أما الفعل (مكث) فيستخدم تارة للإقامة المؤقتة، وأخرى للإقامة الطويلة الدائمة، فهو فعل مشترك للحالتين. أما ما يدل على الإقامة الدائمة؛ فقوله عز وجل: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ﴾ [الرعد: 17]، فقد جاء الفعل (يمكث) بمعنى (يستقر) الذي يفيد الديمومة، ويقول عز وجل في سورة الكهف: ﴿مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا﴾ [الكهف: 3]، فالمكث جاء هنا للتأبيد في الجنة، ومما جاء على معنى التأبيد كذلك، ولكن في النار[5] قول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾ [الزخرف: 77]. وأما ما يدل على الإقامة اليسيرة أو المؤقتة، فقوله عز وجل: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا﴾ [الإسراء: 106]؛ أي على مهل وتُؤَدة ليَفهموه[6]. وقوله سبحانه وتعالى: ﴿فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾ [النمل: 22]، وواضحٌ هنا أن الهدهد قد مكث يَسِيرًا مِنْ الزَّمَن، ولم يُطل الغيبة عن سليمان عليه السلام؛ فقد عاد إليه بخبر أهل سبأ، وقوله عز وجل في سورة القصص: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ [القصص: 29]، وقوله تبارك وتعالى في سورة طه: ﴿إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ [طه: 10]، فالمكث هنا يسيرٌ، ولا يستغرق سوى مسافة الطريق ذهابًا وإيابًا، ومعلوم أن مكث المسافر يكون قليلًا مهما طال، والله أعلم بمراده. المصدر: منتدى همسات الغلا Yavhrhj lk s,vm hg;it H, hg;it s,vm Yavhrhj |
30-09-2022, 02:59 PM | #2 |
| طرح في غاية الروعة بارك الله فيك جزاك الله خيـــر على الطرح القيم وجعله الله في ميزان حسناتك وان يرزقك الفردووس الاعلى من الجنه الله لايحرمنا من جديــدك |
|
30-09-2022, 04:20 PM | #4 |
| يعطيك العافية على روعة المنقول شكرا لكـ وأثابك الله على جهدك الرائع |
|
02-10-2022, 02:27 PM | #5 |
| جزاكم الله خير ونفع بكم .‘ وجعله في موآزين حسنآتكم .. ورفع به درجآتكم على هذآ الطرح القيم .. |
|
03-10-2022, 01:32 PM | #6 |
ادارة الموقع | جزآك الله جنةٍ عَرضها آلسَموآت وَ الأرض بآرك الله فيك على الطَرح القيم في ميزآن حسناتك ان شاء الله ,, آسأل الله أن يَرزقـك فسيح آلجنات !! وجَعل مااقدمت في مَيزانْ حسَناتك وعَمر آلله قلبك بآآآلايمَآآنْ علىَ طرحَك آالمحمَل بنفحآتٍ إيمآنيهِ دمت بـِ طآعَة الله . |
|
17-10-2022, 06:19 PM | #7 | |
|
| |
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
أو , الكهف , سورة , إشراقات |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
علمتني سورة الكهف | امجد | (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) | 11 | 15-02-2018 10:11 PM |
علمتني سورة الكهف | Kassab | ( همســـــات الإسلامي ) | 14 | 13-02-2015 09:42 PM |
كهف أصحاب الكهف والرقيم | نجوى العراق | ( همســـــات الإسلامي ) | 15 | 08-09-2014 03:21 AM |
تفسير سورة الكهف وسبب نزولها... | قطرات احزان | (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) | 24 | 12-06-2014 01:51 PM |
أحاَديث ذكر فيهاَ فضل يوم الجمعهـ | مواجع | (سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وقصص الانبياء والصحابه ) | 40 | 21-03-2014 04:33 PM |