#1
| ||||||||||
| ||||||||||
خطبة: {إذ نادى ربه نداء خفيا} 1 خطبة: {إذ نادى ربه نداء خفيا} إبراهيم الدميجي الحمد لله، أمر بالدعاء، ووعد الإجابة، وأمر بذكره، ووعد بشكره، فله الحمد في الأولى والآخرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، سيد الذاكرين وإمام الداعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعه بإحسان؛ أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واشكروه ولا تكفروه، واذكروه ولا تنسَوه، واعلموا أن أحب عباده إليه أكثرهم له ذكرًا، وألحهم عليه مسألة. عباد الرحمن: يتساءل بعض العباد، فيقولون: هل الأولَى في دعاء الله تعالى أن يُجهَر به أو يُسر به؟ ولماذا قرن الله تعالى الذكر بالخِيفة والدعاء بالخفية؟ أجاب عن هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى؛ فقال: "قول الله تعالى: ï´؟ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ï´¾ [الأعراف: 55] يتناول نوعي الدعاء، لكنه ظاهر في دعاء المسألة متضمن دعاء العبادة؛ ولهذا أمر بإخفائه وإسراره. قال الحسن: بين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفًا، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يُسمَع لهم صوت؛ أي: ما كانت إلا همسًا بينهم وبين ربهم عز وجل؛ وذلك أن الله عز وجل يقول: ï´؟ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ï´¾ [الأعراف: 55]، وأنه ذكر عبدًا صالحًا ورضيَ بفعله؛ فقال: ï´؟ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ï´¾ [مريم: 3]. وفي إخفاء الدعاء فوائد عديدة: أحدها: أنه أعظم إيمانًا؛ لأن صاحبه يعلم أن الله يسمع الدعاء الخفي. ثانيها: أنه أعظم في الأدب والتعظيم؛ لأن الملوك لا تُرفَع الأصوات عندهم، ومن رفع صوته لديهم مَقَتُوهُ، ولله المثل الأعلى. فإذا كان يسمع الدعاء الخفي، فلا يليق بالأدب بين يديه إلا خفض الصوت به. ثالثها: أنه أبلغ في التضرع والخشوع الذي هو روح الدعاء ولُبُّه ومقصوده، فإن الخاشع الذليل إنما يسأل مسألة مسكين ذليل، قد انكسر قلبه، وذلت جوارحه، وخشع صوته، حتى إنه لَيكاد تبلغ ذلته وسكينته وضراعته إلى أن ينكسر لسانه، فلا يطاوعه بالنطق، وقلبه يسأل طالبًا مبتهلًا، ويكون لسانه لشدة ذلته ساكتًا، وهذه الحال لا تأتي مع رفع الصوت بالدعاء أصلًا. رابعها: أنه أبلغ في الإخلاص. خامسها: أنه أبلغ في جمعية القلب على الذِّلَّة في الدعاء، فإن رفع الصوت يفرقه، فكلما خفض صوته، كان أبلغ في تجريد همته وقصده للمدعوِّ سبحانه. سادسها: وهو من النكت البديعة جدًّا؛ أنه دال على قرب صاحبه للقريب، لا مسألة نداء البعيد للبعيد؛ ولهذا أثنى الله على عبده زكريا بقوله عز وجل: ï´؟ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ï´¾ [مريم: 3]، فلما استحضر القلب قرب الله عز وجل، وأنه أقرب إليه من كل قريب، أخفى دعاءه ما أمكنه. وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى المعنى بعينه، بقوله في الحديث الصحيح لما رفع الصحابة أصواتهم بالتكبير وهم معه في السفر؛ فقال: ((أرْبِعوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا، إنكم تدعون سميعًا قريبًا، إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته)). وقد قال تعالى: ï´؟ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ï´¾ [البقرة: 186]، وهذا القرب من الداعي هو قرب خاصٌّ، ليس قربًا عامًّا من كل أحد، فهو قريب من داعيه، وقريب من عابديه، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وقوله تعالى: ï´؟ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ï´¾ [الأعراف: 55] فيه الإرشاد والإعلام بهذا القرب. سابعها: أنه أدعى إلى دوام الطلب والسؤال، فإن اللسان لا يَمَلُّ، والجوارح لا تتعب، بخلاف ما إذا رفع صوته، فإنه قد يمل اللسان وتضعف قواه، وهذا نظير مَن يقرأ ويكرر، فإذا رفع صوته، فإنه لا يطول له، بخلاف من خفض صوته. ثامنها: أن إخفاء الدعاء أبعد له من القواطع والمشوشات، فإن الداعي إذا أخفى دعاءه، لم يدرِ به أحد، فلا يحصل على هذا تشويش ولا غيره، وإذا جهر به فرطت له الأرواح البشرية ولا بد، ومانعته وعارضته، ولو لم يكن إلا أن تعلقها به يفرق عليه همته؛ فيضعُف أثر الدعاء، ومن له تجربة يعرف هذا، فإذا أسَرَّ الدعاء أمِن هذه المفسدة. تاسعها: أن أعظم النعمة الإقبال والتعبد، ولكل نعمة حاسد على قدرها دقَّت أو جلَّت، ولا نعمة أعظم من هذه النعمة، فإن أنفُسَ الحاسدين متعلقة بها، وليس للمحسود أسلم من إخفاء نعمته عن الحاسد. وقد قال يعقوب ليوسف عليهما السلام: ï´؟ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ï´¾ [يوسف: 5]، وكم من صاحب قلب وجمعية حال مع الله تعالى قد تحدَّث بها، وأخبر بها، فسلبه إياها الأغيار؛ ولهذا يوصي العارفون والشيوخ بحفظ السر مع الله تعالى، ولا يطلع عليه أحد. والقوم أعظم شيئًا كتمانًا لأحوالهم مع الله عز وجل، وما وهب الله من محبته والأنس به وجمعية القلب، ولا سيما فعله للمبتدئ السالك، فإذا تمكن أحدهم وقوِيَ وثبَّت أصول تلك الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء في قلبه؛ بحيث لا يُخشى عليه من العواصف، فإنه إذا أبدى حاله مع الله تعالى ليُقتدى به ويؤتم به، لم يبالِ، وهذا باب عظيم النفع إنما يعرفه أهله. وإذا كان الدعاء المأمور بإخفائه يتضمن دعاء الطلب والثناء، والمحبة والإقبال على الله تعالى، فهو من عظيم الكنوز التي هي أحق بالإخفاء عن أعين الحاسدين، وهذه فائدة شريفة نافعة. عاشرها: أن الدعاء هو ذكر للمدعو سبحانه وتعالى، متضمن للطلب والثناء عليه بأوصافه وأسمائه، فهو ذكر وزيادة، كما أن الذكر سُمِّيَ دعاءً لتضمنه للطلب؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الدعاء الحمد لله))، فسمَّى "الحمد لله" دعاءً وهو ثناء محض؛ لأن الحمد متضمن الحب والثناء، والحب أعلى أنواع الطلب؛ فالحامد طالب للمحبوب، فهو أحق أن يسمى داعيًا من السائل الطالب؛ فنفس الحمد والثناء متضمن لأعظم الطلب فهو دعاء حقيقة، بل أحق أن يسمى دعاء من غيره من أنواع الطلب الذي هو دونه. والمقصود أن كل واحد من الدعاء والذكر يتضمن الآخر ويدخل فيه؛ وقد قال تعالى: ï´؟ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً ï´¾ [الأعراف: 205]، فأمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يذكره في نفسه. قال مجاهد وابن جريج: "أُمروا أن يذكروه في الصدور بالتضرع والاستكانة دون رفع الصوت والصياح"، وتأمل كيف قال في آية الذكر: ï´؟ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً ï´¾ [الأعراف: 205]، وفي آية الدعاء: ï´؟ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ï´¾ [الأعراف: 55]، فذكر التضرع فيهما معًا؛ وهو التذلل والتمسكن والانكسار، وهو روح الذكر والدعاء. المصدر: منتدى همسات الغلا o'fm: VY` kh]n vfi k]hx otdhC 1 o'fm: vfi ,hp] ,dhl |
09-09-2022, 02:51 PM | #3 |
| طرح في غاية الروعة بارك الله فيك جزاك الله خيـــر على الطرح القيم وجعله الله في ميزان حسناتك وان يرزقك الفردووس الاعلى من الجنه الله لايحرمنا من جديــدك |
|
09-09-2022, 04:46 PM | #4 |
| يعطيك العافية على روعة المنقول شكرا لكـ وأثابك الله على جهدك الرائع |
|
09-09-2022, 11:09 PM | #5 |
| جزآك الله جنةٍ عَرضها آلسَموآت وَ الأرض بآرك الله فيك على الطَرح القيم في ميزآن حسناتك ان شاء الله ,, آسأل الله أن يَرزقـك فسيح آلجنات !! وجَعل مااقدمت في مَيزانْ حسَناتك وعَمر آلله قلبك بآآآلايمَآآنْ علىَ طرحَك آالمحمَل بنفحآتٍ إيمآنيهِ دمت بـِ طآعَة الله . |
|