ننتظر تسجيلك هنا


الإهداءات


العودة   منتدى همسات الغلا > ¨°o.O (المنتديات الاسلاميه) O.o°¨ > ( همســـــات الإسلامي ) > ( قسم الفتاوي الاسلامية )

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 05-09-2022, 06:43 AM
ذابت نجوم الليل غير متواجد حالياً
Saudi Arabia    
الاوسمة
سوسنة الادب 
لوني المفضل red
 رقم العضوية : 5956
 تاريخ التسجيل : 3 - 6 - 2014
 فترة الأقامة : 3856 يوم
 أخر زيارة : اليوم (11:56 AM)
 الإقامة : في قلب همسات الغلاالحبيبه
 المشاركات : 3,287,364 [ + ]
 التقييم : 2147483647
 معدل التقييم : ذابت نجوم الليل يستحق التميز ذابت نجوم الليل يستحق التميز ذابت نجوم الليل يستحق التميز ذابت نجوم الليل يستحق التميز ذابت نجوم الليل يستحق التميز ذابت نجوم الليل يستحق التميز ذابت نجوم الليل يستحق التميز ذابت نجوم الليل يستحق التميز ذابت نجوم الليل يستحق التميز ذابت نجوم الليل يستحق التميز ذابت نجوم الليل يستحق التميز
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي حُكم قراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة السرية والجهرية



حُكم قراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة السرية والجهرية

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:

اختلف العُلماء في حُكم قراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة السرية والجهرية على ثلاثة أقول:
القول الأول:
تجب قراءة الفاتحة على المأموم في جميع الركعات السرية والجهرية، سواء سمِعَ المأمومُ قراءةَ الإمام في الجهرية أم لم يسمَعْها، وسواء مكنه الإمامُ من قراءة الفاتحة أم لم يُمكنْه.

وهذا قول عُمر بن الخطاب، وعُبادة بن الصامت، وعبدالله بن عمرو بن العاص، وأبي هريرة، والبُخاري، وابن حزم، والشافعي في الجديد، وعليه أكثر أصحابه، وقال به إسحاق بن راهويه، والأوزاعي، والليث، واختاره ابن حزم الظاهري، والشوكاني، والصنعاني، ورجَّحه الشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين، والشيخ محمد بن محمد المُختار الشنقيطي.

واستدلُّوا بما يلي:
الدليل الأول:
عن عُبادة بن الصامت، قال: كنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فثقلت عليه القراءة، فلما فرغ قال: ((لعلكم تقرؤون خلف إمامِكم؟))، قلنا: نعم هذا يا رسول الله قال: ((لا تفعلوا إلَّا بفاتحة الكتاب؛ فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها))؛ رواه أبو داود والترمذي والبيهقي وابن حِبَّان وابن خُزيمة وأحمد والحاكم والدارقطني والبزار، وضعفه الشيخ الألباني رحمه الله.

وجه الدلالة من هذا الحديث: قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب))؛ أي: لا تقرؤوا وراء الإمام إلا أن تكون القراءة بفاتحة الكتاب، فدلَّ هذا دلالة واضحة على وجوب قراءة فاتحة الكتاب على المأموم مُطلقًا دون تفريق بين الصلاة السرية والجهرية.

قال الخطابي رحمه الله: (هذا الحديث نص بأن قراءة فاتحة الكتاب واجبة على من صلى خلف الإمام، سواء جهر الإمام بالقراءة أو خافت بها، وإسناده جيد، لا طعن فيه)؛ ا هـ.

وقال المُباركفوري رحمه الله: (الأمر كما قال الخطابي لا شك أن هذا الحديث نصٌّ صريحٌ بأن قراءة فاتحة الكتاب واجبة على من صلى خلف الإمام في جميع الصلوات سرية كانت أو جهرية، وهذا القول الراجح المنصور عندي)؛ ا هـ.

وأجيب عن ذلك: بأن هذا الحديث ضعيف، فيه ثلاث عِلل؛ فلا يُبنى عليه حُكم:
العِلة الأولى: أنه من رواية مكحول، وهو مُدلِّس، وقد عنعن في جميع الطرق المروية عنه.

العِلة الثانية: أنه من رواية محمد بن إسحاق، وهو وإن كان صرح بالتحديث فقد انفرد بهذه الزيادة: ((لعلكم))؛ ولذلك لم يعتمدها البُخاري في صحيحه، فروى أصل الحديث: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب))، وقد قال الحافظ أبو زرعة الرازي: (إذا انفرد ابن إسحاق بالحديث لا يكون حُجة، ثم روى له حديث القراءة خلف الإمام وما ورد من متابعات لمحمد بن إسحاق فلا يعوَّل عليها لضعفها)؛ ا هـ.

العِلة الثالثة: أن إسناده مُضطرب عن مكحول، فمرة يرويه عن عُبادة، ومرة عن محمود عن عُبادة، ومرة عنه، عن نافع عن عُبادة، وكلها في سُنن أبي داود، ومرة عن محمود عن أبي نعيم عن عُبادة، رواه الدارقطني.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وهذا الحديث مُعلل عند أئمة الحديث بأمور كثيرة، ضعَّفه أحمد وغيره من الأئمة، وقد بسط الكلام على ضعفه في غير هذا الموضع وبيَّن أن الحديث الصحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا صلاة إلا بأُمِّ القرآن))، فهذا هو الذي أخرجاه في الصحيحين، ورواه الزُّهْري عن محمود بن الربيع عن عُبادة، وأما هذا الحديث فغلط فيه بعض الشاميين، وأصله أن عُبادة كان يؤمُّ ببيت المقدس، فقال هذا فاشتبه عليهم المرفوع بالموقوف على عُبادة)؛ ا هـ.

وقال الشيخ الألباني رحمه الله: (هذا لا يدل على وجوب الفاتحة وراء الإمام كما يُظنُّ بل على الجواز؛ لأن الاستثناء جاء بعد النهي وذلك لا يُفيد إلا الجواز، وله أمثلة في الاستعمال القرآني، وتفصيل ذلك لا يتَّسِع له المقام، فمن شاء التحقيق، فليرجع إلى كتاب "فيض القدير" للشيخ أنور الكشميري، ويشهد لذلك ما في رواية ثابتة في الحديث بلفظ: ((لا تفعلوا إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب))، فهذا كالنص على عدم الوجوب فتأمل)؛ ا هـ.

الدليل الثاني:
عن عُبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب))؛ رواه البُخاري ومُسلم.

وجه الدلالة من هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا صلاة)) وصلاة هنا نكرة، والقاعدة في الأصول: "أن النكرة في سياق النفي تدلُّ على العُموم".

وهذا يدل على أن هذا الحُكم عامٌّ لكل مُصلٍّ سواء كان إمامًا أو مُنفردًا أو مأمومًا؛ أي: إن الصلاة لا تصح سواء كانت من الإمام أو المُنفرد أو المأموم إذا كانت صلاة سرية أو جهرية، إذا لم يقرأ بفاتحة الكتاب، وهذا يدل على وجوب قراءة فاتحة الكتاب على المأموم.

وكذلك قوله: ((لا صلاة)) نفي، والأصل في النفي أن يكون نفيًا للوجود، فإن لم يُمكن فهو نفي للصحَّة، ونفي الصحة نفيٌ للوجود الشرعي، فإن لم يُمكن فلنفي الكمال، فهذه مراتب النفي، فمثلًا: إذا قلت: لا خالق إلَّا الله فهذا نفي للوجود إذ لا خالق إلا رب العالمين.

وإذا قلت: لا صلاة بغير وضوء، فهذا نفي للصحة؛ لأن الصلاة قد تفعل بلا وضوء.

وإذا قلت: لا صلاة بحضرة طعام، فهو نفيٌ للكمال؛ لأن الصلاة تصحُّ مع حضرة الطعام.

فقوله: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) إذا نزلناه على هذه المراتب الثلاث وجدنا أنه قد يُوجد من يُصلِّي ولا يقرأ الفاتحة، وعلى هذا فلا يكون نفيًا للوجود.

فإذا وجد من يُصلي ولم يقرأ الفاتحة، فإن الصلاة لا تصحُّ؛ لأن المرتبة الثانية هي نفي الصحة، وعلى هذا فلا تصح الصلاة، والحديث عامٌّ، لم يُستثن منه شيء، والأصل في النُّصوص العامة أن تبقى على عُمومها، فلا تخصص إلا بدليل شرعي إما نص أو إجماع أو قياس صحيح، ولم يُوجد واحد من هذه الثلاثة بالنسبة لعُموم قوله: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)).

ونُوقش ذلك: بأن هذا الحديث يتعلَّق حُكمه بالإمام والمُنفرد، أما المأموم فلا يشمله هذا الحُكم في الصلاة الجهرية بدلالة الآية: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 204]؛ لأن الآية تدل على الأمر بالاستماع لقراءة القرآن في الصلاة الجهرية، فيحمل مدلول الآية على الصلاة الجهرية، ويحمل مدلول الحديث على الصلاة السرية جمعًا بين دلائل الكتاب والسُّنة، فيكون الحديث بهذا بشأن الإمام والمُنفرد، أما المأموم فينصت لقراءة إمامه إذا جهر بدلالة هذه الآية، وأجيب عن ذلك: بأن الحديث حُكمه عامٌّ، وتخصيصه بالمُنفرد يحتاج إلى حديث صحيح مرفوع.

الدليل الثالث:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن، فهي خِداج ثلاثًا غير تمام))، فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام، فقال: اقرأ بها في نفسك..."؛ رواه مُسلم.

وجه الدلالة من هذا الحديث: أن قوله: ((صلاة)) نكرة تفيد العُموم، ولم يُفرِّق النبي صلى الله عليه وسلم بين صلاة المأموم والإمام، ولم يُفرِّق بين جهرية وسرية، والقاعدة في الأصول: "أن الأصل في العام أن يبقى على عُمومه حتى يدل الدليل على التخصيص"، قالوا: ولو كان المأموم مُستثنى لقال: إلا المأموم أو إلا من كان يُصلِّي وراء الإمام.

وقوله: ((فهي خِداج)) يعني فاسدة.

لأن الخِداج: يُطلق على النقص الذاتي؛ أي: النقص الحاصل بفوات ركن الشيء وجزئه، لا على النقص الوصفي؛ أي: الحاصل بفوات وصف من أوصاف الشيء.

ونُوقش ذلك: بأن الخِداج يُطلق على النقص الذاتي والنقص الوصفي كليهما.

وأجيب عن ذلك: بأنه إذا كان الاستماع للقراءة الزائدة على الفاتحة واجبًا بالكتاب والسُّنة والإجماع، فالاستماع لقراءة الفاتحة أوجب، وأن الخِداج لا يُطلق إلا على النقص الذاتي.

قال الخطابي رحمه الله: (تقول العرب: أخدجت الناقة: إذا ألقت ولدها وهو دم، لم يستبن خلقه، فهي مخدج والخِداج: اسم مبني منه)؛ ا هـ.

فظهر من هذه العبارة أن الخِداج لا يُطلق إلا على النقص الذاتي.

ويتضح ذلك أيضًا أنه يظهر من نُصوص القاموس وغيره أن معنى الخِداج إلقاء الناقة ولدها ناقص الخَلْق أو تام الخلق؛ لكنه ميت لا ينتفع به فإرادة النقص الوصفي من الخِداج ليس بصحيح.

وإن سلم أن الخِداج في لغة العرب يُطلق على النقص الوصفي أيضًا، فمع ذلك يتعيَّن في الحديث معنى النقص الذاتي؛ وذلك لأنه استعمل للصلاة، وإذا أطلق على الصلاة يُراد به النقص الذاتي بفوات بعض أركانها.

الدليل الرابع:
عن يزيد بن شريك أنه سأل عمر رضي الله عنه عن القراءة خلف الإمام، فقال: (اقرأ بفاتحة الكتاب، قلت: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا، قلت: وإن جهرت، قال: وإن جهرت)؛ رواه البيهقي والحاكم الدارقطني، وقال: رواته كلُّهم ثقات وصدق، فإن البُخاري ومسلم قد احتجَّا بجميع رواته.
وقال الشيخ الألباني رحمه الله: سنده صحيح.

القول الثاني:
لا تجب قراءة الفاتحة على المأموم لا في الركعات السرية ولا الجهرية وهو قول الحنفية ورواية عند الحنابلة، وبه قال علي بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، وجابر بن عبدالله، وسعد بن أبي وقاص، وعبدالله بن عباس، وعبدالله بن مسعود، وعبدالله بن عمر.

واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول:
عن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان له إمام، فقراءة الإمام له قراءة))؛ رواه ابن ماجه، وأحمد، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله.

وقال الزيلعي رحمه الله: (له طُرق أخرى، وهي وإن كانت مدخولة؛ ولكن يشدُّ بعضُها بعضًا)؛ ا هـ.

وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على أن المأموم يحمل عنه الإمام القراءة، وهذا شامل لفاتحة الكتاب وغيرها.
ونُوقِش هذا الحديث: بأنه ضعيف.

قال البخاري رحمه الله: (هذا خبر لم يثبت عند أهل العلم لإرساله وانقطاعه)؛ ا هـ.
وقال ابن كثير رحمه الله: (في إسناده ضعف، وقد رُوي من طرق، ولا يصحُّ شيء منها عن النبي صلى الله عليه وسلم)؛ ا هـ.
وقال ابن حجر رحمه الله: (له طُرق عن جماعة من الصحابة وكلها معلولة)؛ ا هـ.
وقالوا: ولو صح فهو محمول على غير الفاتحة جمعًا بين الأدلة لا سيما وأن أدلة قراءة الفاتحة أقوى سندًا من هذا الحديث.
وقيل: هذا الحديث يحمل على الصلاة الجهرية لا السرية؛ لأن المأموم في صلاة الجهرية أمر بالإنصات لقراءة الإمام.

الدليل الثاني:
عن أبي بكرة رضي الله عنه: أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((زادَكَ اللهُ حرصًا ولا تعد))؛ رواه البُخاري.

قالوا: هذا الحديث يُبيِّن أن أبي بكرة رضي الله عنه صحَّتْ منه الركعة، وهو لم يقرأ الفاتحة ولا سمِعَ قراءتها، وهذا يدل على أنها ليست بواجبة.

وأجيب عن ذلك: بأن هذا الحديث خاصٌّ بمن جاء والإمام في الركوع، فإنه يُكبِّر تكبيرةَ الإحرام، وهو واقف، ثم يُكبِّر للركوع، ويركع مع الإمام، ويكون مُدركًا للركعة، ولا تلزمه قراءة الفاتحة في هذه الحالة؛ لأن محل قراءة الفاتحة هو القيام وقد فات فتسقط عنه الفاتحة.

القول الثالث:
تجب قراءة الفاتحة على المأموم في الركعات السرية، وكذلك إذا لم يسمع قراءة الإمام في الركعات الجهرية لبُعْد المكان أو لصَمَمٍ فيجب عليه قراءة الفاتحة عملًا بالأصل، ولا تجب عليه قراءتها في الركعات الجهرية إذا كان يسمع قراءة الإمام، وهو قول جُمهور العُلماء من المالكية والحنابلة في المشهور والقول القديم للشافعي.

وبه قال سعيد بن المُسيب وابن شهاب وابن المبارك وإسحاق والزُّهْري والثوري، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وذكر أنه المُتواتر عن الصحابة والتابعين، ورجحه الشيخ عبدالرحمن السعدي، والشيخ ابن جبرين، والشيخ عبدالله البسام، والشيخ عبدالله بن عقيل، والشيخ صالح الفوزان.

واستدلوا: على وجوبها في الركعات السرية بعُموم الحديثين السابقين: حديث عبادة بن الصامت، وحديث أبي هريرة رضي الله عنهما.

وقالوا: إن هذه الأحاديث عامة، تشمل الإمام والمُنفرد والمأموم، واستثنوا من عُموم هذه الأدلة عدم وجوب قراءتها عليه في الركعات الجهرية، واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول:
قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 204]، وجه الاستدلال في هذه الآية على النحو التالي:
1- أجمع أهل التفسير أن هذه الآية نزلت في الصلاة؛ قال الإمام أحمد رحمه الله: (أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة)؛ ا هـ.
وقال القُرطبي رحمه الله: (قال النقاش: أجمع أهل التفسير أن هذا الاستماع في الصلاة المكتوبة وغير المكتوبة)؛ ا هـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وقد استفاض عن السلف أنها نزلت في القراءة في الصلاة، وقال بعضهم في الخطبة، وذكر أحمد بن حنبل الإجماع على أنها نزلت في ذلك)؛ ا هـ.

2- أن هذه الآية تدل بعُمومها على الإنصات والاستماع للقرآن في الصلاة وفي خارج الصلاة، والإنصات في الصلاة أظهر؛ لأنه مقام الاستماع.

وبناءً عليه تسقط عنه قراءة الفاتحة في الركعات الجهرية؛ لأنه مشغول بالاستماع لقراءة الإمام؛ لأن الأمر صدر بـ﴿ إذا ﴾، وإذا: من أسماء الشرط، وأسماء الشرط من ألفاظ العُموم، والعام يدخل فيه جميع أفراده، ولأنه لم يقل أحد من المُسلمين أنه يجب الاستماع خارج الصلاة، ولا يجب في الصلاة، ولأن استماع المُستمع إلى قراءة الإمام الذي يأتم به ويجب عليه مُتابعته أولى من استماعه إلى قراءة من يقرأ خارج الصلاة.

فالاستماع في الآية إما على سبيل الخُصوص، وإما على سبيل العُموم، وعلى التقديرين فالآية دالة على أمر المأموم بالإنصات لقراءة الإمام سواء كان أمر إيجاب أو استحباب.

3- الآية أمرت بالإنصات إذا قُرئ القُرآن، والفاتحة أُمُّ القُرآن، وهي التي لا بد من قراءتها في كل صلاة، والفاتحة أفضل سُور القرآن، وهي التي لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها، فيمتنع أن يكون المُراد بالآية الاستماع إلى غيرها دونها مع إطلاق لفظ الآية وعُمومها مع أن قراءتها أكثر وأشهر، وهي أفضل من غيرها فقوله: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ ﴾ يتناولها كما يتناول غيرها، وشُموله لها أظهر لفظًا ومعنى.

4- أن العادل عن استماعها إلى قراءتها إنما يعدل؛ لأن قراءتها عنده أفضل من الاستماع، وهذا غلط يخالف النص والإجماع، فإن الكتاب والسُّنة أمرت المُؤتم بالاستماع دون القراءة، والأُمة مُتَّفقة على أن استماعه لما زاد على الفاتحة أفضل من قراءته لما زاد عليها، فلو كانت القراءة لما يقرؤه الإمام أفضل من الاستماع لقراءته لكانت قراءة المأموم أفضل من قراءته لما زاد على الفاتحة، وهذا لم يقل به أحد.

5- أن المصلحة الحاصلة له بالقراءة تحصل بالاستماع لما هو أفضل منها بدليل استماعه لما زاد على الفاتحة، فلولا أنه يحصل له بالاستماع ما هو أفضل من القراءة، لكان الأولى أن يفعل أفضل الأمرين، وهو القراءة، فلما دلَّ الكتاب والسُّنة والإجماع على أن الاستماع أفضل له من القراءة، عُلم أن المُستمع يحصل له أفضل مما يحصل للقارئ، وهذا المعنى موجود في الفاتحة وغيرها، فالمُستمع لقراءة الإمام يحصل له أفضل مما يحصل بالقراءة، وحينئذٍ فلا يجوز أن يُؤمر بالأدنى، ويُنهى عن الأعلى، وثبت أنه في هذه الحال قراءة الإمام له قراءة، كما قال ذلك جماهير السلف والخلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.

وبذلك يَتَبَّين أن الاستماع إلى قراءة الإمام أمرٌ دلَّ عليه القرآن دلالةً قاطعةً؛ لأن هذا من الأُمور الظاهرة التي يحتاج إليها جميع الأُمَّة فكان بيانها في القرآن مما يحصل به مقصود البيان، وجاءت السُنَّة مُوافقةً للقُرآن.

وقد نُوقِش هذا الاستدلال: بأن الآية لم يُتَّفق على أنها نزلت في الصلاة؛ بل إن سبب نزولها مختلف فيه، فقيل في الصلاة وقيل في الخطبة وقيل في الصلاة والخطبة معًا، وقيل غير ذلك.

وأجيب عن ذلك: بأنه حتى وإن حصل الخلاف في سبب نُزول الآية لكن جُمهور العُلماء يقولون: إنها نزلت في الصلاة وقد سبق بيان ذلك.

الدليل الثاني:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما جُعل الإمام ليُؤتَم به، فإذا كبَّر فكبِّروا وإذا قرأ فأنصتوا))؛ رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد، وصحَّحه الشيخ الألباني رحمه الله.

وجه الدلالة: قوله صلى الله عليه وسلم: ((وإذا قرأ فأنصتوا))، وهذا أمر من النبي صلى الله عليه وسلم للمأموم أن ينصت لقراءة الإمام، وهذا يدل على سُقوط القراءة في حقِّه، وأنه لا يجب عليه أن يقرأ وراء الإمام؛ لأنها لو كانت واجبة لأمرهم بالقراءة معه.

ولأن الإنصات إلى قراءة القارئ من تمام الائتمام به، فإن من قرأ على قوم لا يستمعون لقراءته لم يكونوا مُؤتمين به.

ونُوقش هذا الحديث من وجهين:
الوجه الأول: أن هذه الرواية ضعيفة لأنها من رواية محمد بن عجلان وهو مع صدقه وأمانته إلا أنه سيء الحفظ.

الوجه الثاني: أن محمد بن عجلان قد تفرَّد بزيادة: ((وإذا قرأ فأنصتوا)) دون الطرق الأُخرى الصحيحة، فتعيَّن أنها من تخاليطه.

وأجيب عن هذه الوجوه:
بأن هذه الزيادة صحيحة، فقد صحَّحها الإمام مسلم؛ ولكنه لم يخرجها في صحيحه؛ لأنه لم يُجمع على هذه الزيادة ولكنه ذكر أنها عنده صحيحة.

قيل للإمام مسلم رحمه الله: (حديث أبي هريرة صحيح - يعني: ((وإذا قرأ فأنصتوا)) - قال: هو عندي صحيح، فقيل له: لم لا تضعه ها هنا؟ - يعني: في كتابه - فقال: ليس كل شيء عندي صحيح، وضعته ها هنا إنما وضعت ها هنا ما أجمعوا عليه)؛ ا هـ.

الدليل الثالث:
عن أبي موسى رضي الله عنه: قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبيَّن لنا سُنتنا وعلَّمَنا صلاتنا، فقال: ((إذا صليتم فأقيموا الصلاة، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا قرأ فأنصتوا))؛ رواه مُسلم.

ورواه البيهقي والداقطني والبزَّار نحوه، وصحَّحه الشيخ الألباني رحمه الله.
وجه الدلالة في هذا الحديث: كالحديث الذي قبله.

ونُوقش هذا الحديث بعدة وجوه:
الوجه الأول: أن هذا اللفظ حُكم قراءة الفاتحة للمأموم الصلاة(وإذا قرأ فأنصتوا)) قد ضعَّفه بعض المُحدثين؛ كالبُخاري وأبي داود وأبي حاتم الرازي ويحيى بن معين والدارقطني وأبي علي النيسابوري.

قال البيهقي: (وقد أجمع الحُفَّاظ على خطأ هذه اللفظة في الحديث وأنها ليست بمحفوظة: يحيى بن معين وأبو داود السجستاني وأبو حاتم الرازي وأبو علي الحافظ وعلي بن عمر الحافظ وأبو عبدالله الحافظ).

وأجيب عن ذلك: أنه مع تضعيف أهل العلم لهذا الحديث، فإنه قد صحَّحه أيضًا جمعٌ من أهل العلم؛ كالإمام مسلم والإمام أحمد.

الوجه الثاني: أن هذا اللفظ غير محفوظ، توهم فيه سليمان التيمي.
وأجيب عنه: لم يتفرد سليمان التيمي في زيادة هذا اللفظ بل تابعه عليه عمر بن عامر سعيد بن أبي عروبة.

الدليل الرابع:
روى الزُّهري عن ابن أكيمة الليثي عن أبي هريرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها، فقال: ((هل قرأ معي أحد منكم آنفًا؟))، فقال رجل: نعم يا رسول الله، قال: ((إني أقول: ما لي أنازع القرآن))، فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة في الصلوات حين سمِعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ رواه مالك وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي وابن حِبَّان وأحمد وعبدالرزاق والبزار.

قال أبو داود: (سمِعت محمد بن يحيى بن فارس يقول: قوله: "فانتهى الناس..." من كلام الزهري)؛ ا هـ.

وكذلك قال البخاري في "القراءة خلف الإمام" وفي "التاريخ الكبير" وابن حبان في "صحيحه" والخطيب في "الفصل للوصل المدرج في النقل"، ونقله الحافظ ابن حجر في "التلخيص" عن غير واحد، وقد رد هذه الدعوى الإمام ابن القيم في بحث جيد في "تهذيب السنن"، وقال: إنها من قول أبي هريرة رضي الله عنه.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (والصحيح أنه قول الزُّهْري)؛ ا هـ.

وجه الدلالة في هذا الحديث على النحو التالي:
1- أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على من قرأ خلفه في الصلاة الجهرية، وهذا يدل على أن الصلاة السرية يجب على المأموم أن يقرأ فيها بفاتحة الكتاب؛ لأن الأصل وجوبها عليه، أما الجهرية فيلزمه الاستماع والإنصات لقراءة الإمام، وهذا وجه تفريقهم بين السرية والجهرية.

2- أن هذا الأثر يدل على أن الصحابة لم يكونوا يقرؤون في الجهر مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن الزُّهْري وهو من أعلم أهل زمانه أو أعلم أهل زمانه بالسنة هو من قال: (فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة في الصلوات حين سمِعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم).

3- أن قراءة الصحابة خلف النبي صلى الله عليه وسلم إذا كانت مشروعة واجبة أو مُستحبة تكون من الأحكام العامة التي يعرفها عامة الصحابة والتابعين لهم بإحسان، فيكون الزُّهْري من أعلم الناس بها، فلو لم يبينها لاستدل بذلك على انتفائها، فكيف إذا قطع الزُّهْري بأن الصحابة لم يكونوا يقرؤون خلف النبي صلى الله عليه وسلم في الجهر.

ونوقش هذا الحديث من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أنه حديث ضعيف؛ لأنه قد تفرَّد به ابن أكيمة، وهو مجهول.
وأُجيب عن ذلك: بأن ابن أكيمة قد وثَّقه كثيرون، ومنهم ابن حِبَّان، وقد حسَّن الترمذي هذا الحديث.

الثاني: أن المرفوع من قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث هو إلى قوله: ((ما لي أنازع القرآن)) فقط وأما ما بعده وهو (فانتهى الناس... إلخ) فليس بمرفوع بل هو من قول الزُّهْري التابعي، وكان من عادته إدراج قوله في الحديث المرفوع.
ومما يؤكد ذلك أن أبا هريرة كان يأمر بالقراءة خلف الإمام فيما جهر فيه وفيما خافت.

الثالث: أن الحديث ليس فيه ما يدل على منع القراءة سرًّا خلف الإمام بل يدل على منع الجهر بالقراءة من المأموم.

الدليل الخامس:
عن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان له إمام، فقراءة الإمام له قراءة))؛ رواه ابن ماجه وأحمد، وحسَّنه الشيخ الألباني رحمه الله.

وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نصَّ على أن المأموم لا قراءة عليه، ويحمل عنه الإمام هذه القراءة، وهذا شامل لفاتحة الكتاب وغيرها في الصلاة الجهرية والسرية؛ ولكن يُستثنى من هذا الحكم القراءة في الركعات السرية؛ لأنها واجبة عليه عملًا بالأصل.

ونُوقش هذا الحديث: بأنه ضعيف وقد سبق بيان ذلك والرد عليه فليرجع إليه.

الدليل السادس:
أقوال الصحابة رضي الله عنهم وأفعالهم ومن ذلك:
1- روى مالك في مُوطَّئه عن وهب بن كيسان أنه سمِع جابر بن عبدالله يقول: "من صلَّى ركعة لم يقرأ فيها لم يصل إلا وراء الإمام "، وقال الشيخ الألباني رحمه الله: سنده صحيح.

2- وروى أيضًا عن نافع أن عبدالله بن عُمر كان إذا سُئل: هل يقرأ خلف الإمام؟ يقول: "إذا صلى أحدكم خلف الإمام تُجزئه قراءة الإمام، وإذا صلى وحده فليقرأ"، قال: وكان عبدالله بن عُمر لا يقرأ خلف الإمام.

قال الشيخ الألباني رحمه الله: سنده صحيح.

3- وروى مُسلم في صحيحه عن عطاء بن يسار أنه سأل زيد بن ثابت عن القراءة مع الإمام فقال: "لا قراءة مع الإمام في شيء"، قال الشيخ الألباني رحمه الله: سنده صحيح.

4- وروى البيهقي عن أبي وائل أن رجلًا سأل ابن مسعود عن القراءة خلف الإمام فقال: "أنصت للقرآن؛ فإن في الصلاة شُغلًا، وسيكفيك ذلك الإمام"، قال الشيخ الألباني رحمه الله: سنده صحيح.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وابن مسعود وزيد بن ثابت هما فقيها أهل المدينة وأهل الكوفة من الصحابة وفي كلامهما تنبيه على أن المانع إنصاته لقراءة الإمام)؛ ا هـ.

5- عن علي بن أبي طالب قال: "من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ الفطرة"؛ رواه البخاري في كتاب "القراءة خلف الإمام"، والدارقطني وابن أبي شيبة بسند قال فيه الشيخ الألباني رحمه الله: جيد.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ومعلوم أن النهي عن القراءة خلف الإمام في الجهر متواتر عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم كما أن القراءة خلف الإمام في السرِّ متواترة عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم، بل ونفى وجوب القراءة على المأموم مطلقًا مما هو معروف عنهم)؛ ا هـ.

الدليل السابع:
قالوا: إجماع المُسلمين على أنه فيما زاد على الفاتحة يُؤمر بالاستماع دون القراءة: دليل على أن استماعه لقراءة الإمام خير له من قراءته معه؛ بل على أنه مأمور بالاستماع دون القراءة مع الإمام.

الدليل الثامن:
قالوا: لو كانت القراءة في الجهر واجبة على المأموم للزم أحد أمرين إما أن يقرأ مع الإمام، وإما أن يجب على الإمام أن يسكت له حتى يقرأ ولم نعلم نزاعًا بين العُلماء أنه لا يجب على الإمام أن يسكت لقراءة المأموم بالفاتحة ولا غيرها وقراءته معه منهيٌّ عنها بالكتاب والسُّنة، فثبت أنه لا تجب عليه القراءة معه في حال الجهر.

الدليل التاسع:
قالوا: لو كانت قراءة المأموم في حال الجهر والاستماع مُستحبة لاستُحِبَّ للإمام أن يسكت لقراءة المأموم، ولا يُستحَبُّ للإمام السكوت ليقرأ المأموم عند جماهير العُلماء أبي حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل وغيرهم.

وحجتهم في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يسكت ليقرأ المأمومون، ولا نقل هذا أحد عنه؛ بل ثبت عنه في الصحيح سُكوته بعد التكبير للاستفتاح وفي السنن (أنه كان له سكتتان: سكتة في أول القراءة، وسكتة بعد الفراغ من القراءة) وهي سكتة لطيفة للفصل، لا تتسع لقراءة الفاتحة.

قال الترمذي رحمه الله: (وهو قول غير واحد من أهل العلم: يستحبون للإمام أن يسكت بعدما يفتتح الصلاة وبعد الفراغ من القراءة، وبه يقول أحمد وإسحاق وأصحابنا)؛ ا هـ.

وقد روي أن هذه السكتة كانت بعد الفاتحة ولم يقل أحد إنه كان له ثلاث سكتات ولا أربع سكتات، فمن نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سكتات أو أربع، فقد قال قولًا لم ينقله عن أحد من المُسلمين، والسكتة التي عقب قوله: ﴿ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 7] من جنس السكتات التي عند رؤوس الآي، ومثل هذا لا يُسمَّى سُكوتًا؛ ولهذا لم يقل أحد من العُلماء إنه يقرأ في مثل هذا.

ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يسكت سكتة تتسع لقراءة الفاتحة، لكان هذا مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله، فلما لم ينقل هذا أحد علم أنه لم يكن.

الدليل العاشر:
قالوا: لو كان الصحابة كلهم يقرؤون الفاتحة خلفه إما في السكتة الأولى وإما في الثانية، لكان هذا مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله، فكيف ولم ينقل هذا أحد عن أحد من الصحابة أنهم كانوا في السكتة الثانية خلفه يقرؤون الفاتحة مع أن ذلك لو كان مشروعًا لكان الصحابة أحق الناس بعلمه وعمله فعلم أنه بدعة.

الدليل الحادي عشر:
قالوا: المقصود بالجهر استماع المأمومين، ولهذا يؤمنون على قراءة الإمام في الجهر دون السر، فإذا كانوا مشغولين عنه بالقراءة، فقد أمر أن يقرأ على قوم لا يستمعون لقراءته وهو بمنزلة أن يُحدث من لم يستمع لحديثه، ويخطب من لم يستمع لخطبته، وهذا سفه تُنَزَّهُ عنه الشريعة.

ولهذا روي في الحديث: ((مثل الذي يتكلم والإمام يخطب كمثل الحمار يحمل أسفارًا)) فهكذا إذا كان يقرأ والإمام يقرأ عليه.

الدليل الثاني عشر:
قالوا: إن عدم القراءة خلف الإمام في الجهرية هو عمل أهل المدينة، نقل ذلك الإمام ابن العربي في تفسيره، ولا شك أن عمل أهل المدينة المُعتبر الذي يُقدمه الإمام مالك على غيره من الأدلة إنما هو إجماع الصحابة والتابعين السابقين للإمام مالك، وهم بلا شك من القرون الثلاثة المُعتبرة، وإجماع الصحابة والتابعين من أوثق الإجماعات كما قال أهل العلم.

الدليل الثالث عشر:
قالوا: أن الإمام أحمد نقل الإجماع على أنه لا تجب القراءة على المأموم حال الجهر. وقد ذكر هذا الإجماع عن الإمام أحمد الإمام أبو داود في مسائله عن أحمد ونقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية وهو ذو علم بروايات الإمام أحمد.

الدليل الرابع عشر:
قالوا: إن الاستماع للإمام له حُكم القراءة؛ بل يُطلق عليه أنه قراءة شرعًا ولُغةً وعُرفًا.

أما شرعًا فلما يلي:
قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يونس: 89،88].

فتأمل قوله تعالى: ﴿ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا ﴾ كيف أثبت وجود دعوتين حال كون الداعي هو موسى فقط؛ لقوله تعالى: ﴿ وَقَالَ مُوسَى... ﴾ والمعلوم أن الداعي الثاني هو هارون الذي كان يستمع ويُؤمن؛ إذ لو كان يدعو معه لقال: "وقال موسى وهارون".

ويدل أيضًا على أن المُستمع له حُكم القارئ قوله صلى الله عليه وسلم: ((من كان له إمام، فقراءة الإمام له قراءة)).

وأما لُغة: فإن اللُّغة تُطلق على قراءة السِّرِّ (أي القلب) قراءة.

قال ابن العربي رحمه الله: (وقد وجدنا وجهًا للقراءة مع الجهر، وهي قراءة القلب بالتدبُّر والتفكُّر، وهذا نظام القرآن والحديث وحفظ العبادة ومراعاة السُّنَّة وعمل بالترجيح، والله أعلم.

وهو المُراد بقوله تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 205])؛ ا هـ.

وأما عُرفًا: فمن طالع كتابًا بعينه وفهمه وتدبَّره دون أن يتلو حُروفه أو يتحرك لسانه، يصحٌّ له في عرف الناس أن يقول: قرأت هذا الكتاب.

الدليل الخامس عشر:
قالوا: إذا افترضنا أن جميع المأمومين يقرؤون خلف الإمام، فيكون جهر الإمام حينئذٍ لمن لا يستمع له، فلا يكون هناك فائدة في جهر الإمام أصلًا، ولا يكون هناك فائدة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أمَّنَ فأمِّنوا))؛ لأنهم يكونون قد أمَّنُوا على قرآن لم يستمعوه، ولا استمعه أحدٌ منهم.

الدليل السادس عشر:
قالوا: إن حديث عبادة: ((لا صلاة...)) لا يدل على العُموم؛ لأن كثيرًا من الأحاديث التي وردت على نفس صيغة النفي للجنس لم تدل على العُموم لورود المُخصِّص بأدلة أخرى، منها: حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من سمِعَ النداء فلم يُجب، فلا صلاة له، إلَّا من عُذْر))؛ رواه الترمذي والبيهقي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والدارقطني والطبراني، وعبدالرزاق، وصحَّحه الشيخ الألباني رحمه الله، والجمهور على أن صلاة الرجل في بيته مع عدم وجود العُذْر صحيحة مع اختلافهم: هل يلحقه الإثم بذلك أم لا؟


ومنه حديث عن عائشة رضي الله عنها: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا صلاة بحضرة الطعام، ولا وهو يُدافعه الأخبثانِ))؛ رواه مُسلم.

ومعلوم أن الصلاة بحضرة الطعام ليست باطلة على قول عامة أهل العلم.

الترجيح:
الراجح في هذه المسألة أن المأموم يجب عليه أن يقرأ الفاتحة في الركعات السرية؛ كالظهر والعصر والأخيرتين من العشاء والثالثة من المغرب، أما في الركعات التي يجهر فيها الإمام فلا يجب عليه قراءتها، والمتأكد في حقه الإنصات والاستماع إلى قراءة الإمام، فإن لم يسمع قراءة الإمام لبُعْد المكان أو لصَمَمٍ، فيجب عليه قراءة الفاتحة عملًا بالأصل.

أخي الحبيب، أكتفي بهذا القدر وفيه الكفاية إن شاء الله، وأسأل الله عز وجل أن يكون هذا البيان شافيًا كافيًا في توضيح المُراد، وأسأله سبحانه أن يرزقنا التوفيق والصواب في القول والعمل، وما كان من صواب فمن الله، وما كان من خطأ أو زلل فمنِّي ومن الشيطان، والله ورسوله مني بريئان، والله المُوفِّق، وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

وفي الختام:
أسأل الله عز وجل لي ولكم ولجميع المسلمين العلمَ النافع، والعمل الصالح، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.



pE;l rvhxm hgthjpm gglHl,l td hgwghm hgsvdm ,hg[ivdm hgwghm hgsvdm hgthjpm da;g td ,hg[ivdm





رد مع اقتباس
قديم 05-09-2022, 07:21 AM   #2


ابن عمان غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 8137
 تاريخ التسجيل :  22 - 10 - 2017
 أخر زيارة : 04-08-2024 (08:25 AM)
 المشاركات : 215,248 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Oman
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Gold
افتراضي



جزاك الله خير وأثابك
شكرا على ذوقك الراقي وطرحك القيم
لروحك الجنة وماقرب اليها من قول وعمل ..
مع صادق ودي


 


رد مع اقتباس
قديم 05-09-2022, 10:14 AM   #3


مس غناتي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 4303
 تاريخ التسجيل :  25 - 12 - 2013
 العمر : 34
 أخر زيارة : 01-11-2024 (11:47 PM)
 المشاركات : 4,725 [ + ]
 التقييم :  10
 الدولهـ
United Arab Emirates
لوني المفضل : Sienna
افتراضي



جزآك الله جنةٍ عَرضها آلسَموآت وَ الأرض ..
بآرك الله فيك على الطَرح القيم وَ في ميزآن حسناتك ..
آسأل الله أنْ يَرزقـك فسيح آلجنات !!
دمت بحفظ الله ورعآيته ..
لِ روحكك


 


رد مع اقتباس
قديم 05-09-2022, 03:06 PM   #4


فاتنة غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 8862
 تاريخ التسجيل :  11 - 9 - 2019
 أخر زيارة : 08-02-2024 (01:04 AM)
 المشاركات : 849,166 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Saudi Arabia
لوني المفضل : Mediumauqamarine
افتراضي



مَوضُوعٌ شَيِّق
وطَرحٌ رَاقِي ومُمَيَّز
يعطِيكـ العَافِيَة
وجَزَاكـ اللهُ خَيرًا
عَلى جُهُودِكـ المُثمِرَة فِي أرْوِقَة المُنتَدَى


 


رد مع اقتباس
قديم 05-09-2022, 03:17 PM   #5


ميارا غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3158
 تاريخ التسجيل :  19 - 7 - 2012
 أخر زيارة : 20-05-2023 (09:06 PM)
 المشاركات : 944,607 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Kuwait
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
ياكم تمنيت السعادة
بدنياي وشفت
السعادة تبتعد ماتبيني


يارب امنحني
قلبا يتحمل
جروحه وألالامه
لوني المفضل : Crimson
افتراضي



طرح في غاية الروعة بارك الله فيك
جزاك الله خيـــر على الطرح القيم
وجعله الله في ميزان حسناتك
وان يرزقك الفردووس الاعلى من الجنه
الله لايحرمنا من جديــدك


 
مواضيع : ميارا



رد مع اقتباس
قديم 05-09-2022, 06:05 PM   #6
ادارة الموقع


الاداره غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1
 تاريخ التسجيل :  3 - 2 - 2010
 أخر زيارة : 07-12-2024 (09:16 PM)
 المشاركات : 900,645 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Crimson
افتراضي



جزآك الله جنةٍ عَرضها آلسَموآت وَ الأرض
بآرك الله فيك على الطَرح القيم
في ميزآن حسناتك ان شاء الله ,,
آسأل الله أن يَرزقـك فسيح آلجنات !!
وجَعل مااقدمت في مَيزانْ حسَناتك
وعَمر آلله قلبك بآآآلايمَآآنْ
علىَ طرحَك آالمحمَل بنفحآتٍ إيمآنيهِ
دمت بـِ طآعَة الله .


 


رد مع اقتباس
قديم 05-09-2022, 07:29 PM   #7


ذابت نجوم الليل غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5956
 تاريخ التسجيل :  3 - 6 - 2014
 أخر زيارة : اليوم (11:56 AM)
 المشاركات : 3,287,364 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Saudi Arabia
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : red
افتراضي



فاتنه
مروركِ النديُّ كسَحابةٍ معطاءةٍ
سقَتْ أحرفي الجدباءَ فاخضرّت
قوافل شكري وامتناني لحضورِكِ


 


رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
للمأموم , الصلاة , السرية , الفاتحة , يشكل , في , والجهرية , قراءة


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اسباب عدم قبول الصلاه/ صناديق الخط باربي ( همســـــات الإسلامي ) 11 10-09-2021 07:32 AM
بحث كامل عن الصلاة همسات حبك (همسات الجامعة والطلبه والطالبات) 31 30-03-2015 05:14 PM
التفسير الصوتي للمصحف كاملا للشيخ بن سعدي سابين (همسات الصوتيات والفلاشات الاسلاميه ) 30 17-06-2014 06:20 AM
الحيض مسائله وأحكامه جواهر الإمارات ( همســـــات الإسلامي ) 18 11-05-2014 08:48 PM
لفظ الصلاة في القرآن سفير الشوق ( همســـــات الإسلامي ) 16 29-04-2014 02:59 AM

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

الساعة الآن 02:27 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010