الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد...
إليكُم.. أيها الماضون بدرب الفلاح، أيها الهاربون من طي الرذائل والناجون من لجة الهوان..
إنَّه اللسان ما بين الكفر والإيمان ناطق الشهادتين ومعلن الردة، نعمة البديع في صنعه ومؤذي القلب في جرمه..
قال حبيب الله محمد صلى الله عليه وسلم:
(إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في نار جهنم)
فمن استعمله بلفظ الحِكَم وقول النفع وسيل القلم، وضبطه بخلق الدين وتعاليم الشرع، فقد فاز بأعظم النعم وكسب محبة الرب وارتقى بالشعوب والأمم.
ومن أطلق لسانه، وساده فاحش الكلم وبذيء التصرف وقلة الحياء، فقد فـقد القيم وازدانه رذيل الخلق، فهلك واعوج طريقه ولحق به العذاب ولظى نار جهنم.
فاللسان سلاح ذو حدين.. وجب حفظه إذ انه عقرب تنخر لب الإنسان فتهلكه وطريق خير تهديه وتصوب طريقه فتنجيه.
وهنا وقفات يسيرة مع أقبح وأعظم آفات اللسان، حفظنا الله وإياكم منها..
-الشرك بالله تعالى والقول عليه عز وجل بغير علم: يقول الحافظ ابن رجب:
(فإن معصية النطق يدخل فيها الشرك وهو أعظم الذنوب عند الله عز وجل ويدخل فيها القول على الله بغير علم)
قال الله تعالى:
(قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)
- قذف المحصنات:
وَالتَف الجمعُ.. وَنطق الوغد بفاحش الكلم ورذيل الحديث، فسب العذراء وقذف الطهر واتهم البراءة ظلمًا وظن بالنقاء السوء، وفسر النية
بالهوى، فسلخ القلب وكوى الفؤاد ونزفت العفيفة دم الظلم ونقش على صدرها دناءة المعصية بالتهمة..
قال الله تعالى:
(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)
- السب والشتم والسخرية:
حادثهم ومضى في سبيله..
اطرق هنيهة حتى توارت قدما الرجل ثم دنا من خليل السوء يهمس في أذنه.. بقبح الفعل وبشاعة التصرف.. فشتم الصالح وسب
قبيلته ولقبه بفاحش الألقاب، وأشار إلى عيوبه فهمزه ولمزه.. وسخر من لونه واستهزا بمظهره.. ثم انتفض ضاحكا مكهكها تتناقله بذاءة الخلق وقلة الحياء..
قال الله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ
وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَالِموُن)
- شهادة الزور:
وجلس على حواف قلبه، يرقب الحقيقة ممتدا على عرش العدل يبغي الصواب ليرفع عن عاتقه التهم، فأدلى بالحجج وأعطى البراهين على قدر مسكين
ضاع بدوامة الغدر وشدت رقابه ثروة المتسلط وضراوة سيفه..
ثم قام الثري بجمع غفير ممن ابتغوا المال وركعوا للدينار لاهثين وراء جرعة ترف ومظهر غنى، فنصروا الظالم بقولٍ باطل ودافعوا عن المجرم بالبهتان
واكلوا مال الناس بالجاه والسلطان بقول ما لم يسمعوه وشهادة ما لم يروه .. فقتلوا نفس الضعيف بالفسق وألبسوه ثوب الضرر وشنقوه بشهادة الزور..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا قالوا: بلى يا رسول الله قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور)
- اللعن:
واعتلى المنبر رأس الفتنة وخطب في أناس سذج، تهاوى المركب بهم مع وجه الرياح فأصغوا للباطل وتركوا الحق المبين..فاسترسل حديثه
بأقبح الكلم وتوسطه بزرع الخرافات والبدع بين أوساط الجمع الغفير ثم ختمه بلعن * مصابيح الدجى وصفوة الأمة أصحاب
خاتم الأنبياء أسياد الطهر الأمناء... فنشر بين الناس بالجهل الكره والشحناء وأشعل نار الفتنة والبغضاء بفتيلة زادها لعن باطل سوّد القلوب بالأحقاد والضغائن..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها ثم تأخذ يميناً
وشمالاً فإذا لم تجد مساغاً رجعت إلى الذي لعن فإن كان لذلك أهلاً وإلا رجعت إلى قائلها)
- الغيبة:
بقلب تائب طاهر من الذنوب والخطايا، عزمت على دعوتهن ليشاطرنها الفرحة ويقتسمن معها المسرة بكل تفاصيلها.. فلما حضرن، أجلستهن وأكرمتهن
بحسن الضيافة من قول وفعل.. ثم هممن بالخروج ومضين، وفي الطريق أشارت إحداهن لعيب المضيفة وذكرت صفات تابت منها ومقتت تكرارها فاسترسلت في حديث يشمئز منه الصغير
والكبير فطعنتها وآذتها ونالت هي الخزي والعذاب والهلاك..
قال الله تعالى:
(وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ)
- الكلام بالباطل أو السكوت عن الحق:
و نزل بمنزل امتزج به اللغو بالباطل والحديث بالتطرف.. فحط رحاله وشاركهم المجلس، فما إن احتسى الخمر المعجون بالخطيئة وارتخى على بساط الذنوب،
قام احد الجمع يتحدث فيهم بالباطل فكان شيطانا ناطقا يمشي بالرذائل ويتفوه بالخطأ والهوى، وكان الجمع شياطين خُرس
سكتوا عن قول الحق وساهموا في نشر الباطل فكسبوا الإثم وعاشوا بين المعاصي..
يقول ابن القيم رحمه الله:
(.. الساكت عن الحق شيطان اخرس عاص الله مراء مداهن إذا لم يخف على نفسه والمتكلم بالباطل شيطان
ناطق عاص الله وأكثر الخلق منحرف في كلامه وسكوته..)
حدثني محمد بن وضاح قال: قال فضيل:
في آخر الزمان يمشي المؤمن بالتقية وبئس القوم قوم يُمشى فيهم بالتقية
- الكذب
اعتاد عليه وشب به الطمع فراح يمشي في الناس بالكذب عله يحقق أطماعه ويشبع نهمه.. حتى تجرأ على المولى عز وجل بالحلف كذبا وبهتانا،
وكانت يمينه كاذبة فيا لجريمته النكراء وهول إثمه وفضاعة ما ارتكبه لسانه...
قال الله تعالى:
(إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ)
وعليه وجب علينا صيانة ألسنتنا من الغلو والتطرف واجتناب الفواحش والرذائل ما سبق ذكره
لقوله تعالى:
(مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)
و قوله عليه الصلاة والسلام:
( يا معاذ كف عنك هذا وأخذ بلسانه.. (...) وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم)
يقول الشافعي رحمه الله:
لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكلك عورات وللناس ألسن
ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
لا تظننَّ بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيرا وأنت تجد لها في الخير محملا
كما وجب أيضا ترطيب ألسنتنا بذكر الله والصلاة على الحبيب.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة ؟ فسأله سائل من جلسائه كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: يسبح
مائة تسبيحه فيكتب له ألف حسنة أو يحط عنه ألف خطيئة)