قوله تعالى : {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} وسميت القرية قرية لاجتماع الناس فيها ؛ من قولهم : قريت الماء أي جمعته ،
- ابن عباس : الذي مر على القرية هو عزير . والقرية المذكورة هي بيت المقدس :
وطعامه وشرابه المذكور تين أخضر وعنب وركوة من خمر. . .
وقال ابن عباس : إن بختنصر غزا بني إسرائيل فسبى منهم أناسا كثيرة فجاء بهم وفيهم عزير بن شرخيا وكان من علماء بني إسرائيل فجاء بهم إلى بابل ، فخرج ذات يوم في حاجة له إلى دير هزقل على شاطئ الدجلة. فنزل تحت ظل شجرة وهو على حمار له ، فربط الحمار تحت ظل الشجرة ثم طاف بالقرية فلم ير بها ساكنا وهي خاوية على عروشها فقال : أنى يحيي هذه الله بعد موتها. ، إذ الآية إنما تضمنت قرية خاوية لا أنيس فيها ، والإشارة بـ "ـهذه" إنما هي إلى القرية. وإحياؤها إنما هو بالعمارة ووجود البناء والسكان
. وفي الحديث الطويل حين أحدثت بنو إسرائيل الأحداث وقف إرمياء أو عزير على القرية وهي كالتل العظيم وسط بيت المقدس ، لأن بختنصر أمر جنده بنقل التراب إليه حتى جعله كالجبل ، ورأى إرمياء البيوت قد سقطت حيطانها على سقفها فقال : أنى يحيي هذه الله بعد موتها.
والعريش : سقف البيت. وكل ما يتهيأ ليظل أو يكن فهو عريش ؛
قوله تعالى : { قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} معناه من أي طريق وبأي سبب ، وظاهر اللفظ السؤال عن إحياء القرية بعمارة وسكان ، كما يقال الآن في المدن الخربة التي يبعد أن تعمر وتسكن : أنى تعمر هذه بعد خرابها. فكأن هذا تلهف من الواقف المعتبر على مدينته التي عهد فيها أهله وأحبته. وضرب له المثل في نفسه بما هو أعظم مما سأل عنه ، والمثال الذي ضرب له في نفسه يحتمل أن يكون على أن سؤاله إنما كان على إحياء الموتى من بني آدم ،
.
قوله تعالى : {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ } ، وظاهر هذه الإماتة أنها بإخراج الروح من الجسد. قوله تعالى : { ثُمَّ بَعَثَهُ} معناه أحياه ،
قوله تعالى : { قَالَ كَمْ لَبِثْتَ } : والأظهر أن القائل هو الله تعالى ؛ لقوله : {وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً}
قوله تعالى : {قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} إنما قال هذا على ما عنده وفي ظنه ، وعلى هذا لا يكون كاذبا فيما أخبر به ؛ ومثله قول أصحاب الكهف {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [الكهف : 19] وإنما لبثوا ثلاثمائة سنة وتسع سنين - . ونظيره قول النبي صلى الله عليه وسلم في قصة ذي اليدين : "لم أقصر ولم أنْس".صحيح
قوله تعالى : {فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ } وهو التين الذي جمعه من أشجار القرية التي مر عليها. {وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} فالمعنى لم يتغير. و لم ينتن. وقيل : أصح ما قيل فيه أنه من السنة ، أي لم تغيره السنون. وقوله عليه السلام " اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف ". متفق علية
قوله تعالى : { وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ} : وانظر إلى اتصال عظامه وإحيائه جزءا جزءا. ويروى أنه أحياه الله كذلك حتى صار عظاما ملتئمة ، ثم كساه لحما حتى كمل حمارا ، ثم جاءه ملك فنفخ فيه الروح فقام الحمار ينهق ؛ على هذا أكثر المفسرين.
قوله تعالى : { وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ} :
ودلالة على البعث بعد الموت جعلنا ذلك. :
موضع كونه آية هو أنه جاء شابا على حاله يوم مات ، فوجد الأبناء والحفدة شيوخا. .
وروي عن علي رضوان الله عليه أن عزيرا خرج من أهله وخلف امرأته حاملا ، وله خمسون سنة فأماته الله مائة عام ، ثم بعثه فرجع إلى أهله وهو ابن خمسين سنة وله ولد من مائة سنة فكان ابنه أكبر منه بخمسين سنة. وروي عن ابن عباس قال : لما أحيا الله عزيرا ركب حماره فأتى محلته فأنكر الناس وأنكروه ، فوجد في منزله عجوزا عمياء كانت أمة لهم ، خرج عنهم عزير وهي بنت عشرين سنة ، فقال لها : أهذا منزل عزير ؟ فقالت نعم! ثم بكت وقالت : فارقنا عزير منذ كذا وكذا سنة! قال : فأنا عزير ؛ قالت : إن عزيرا فقدناه منذ مائة سنة. قال : فالله أماتني مائة سنة ثم بعثني. قالت : فعزير كان مستجاب الدعوة للمريض وصاحب البلاء فيفيق ، فادع الله يرد علي بصري ؛ فدعا الله ومسح على عينيها بيده فصحت مكانها كأنها أنشطت من عقال. قالت : أشهد أنك عزير!
ثم انطلقت إلى ملأ بني إسرائيل وفيهم ابن لعزير شيخ ابن مائة وثمان وعشرين سنة ، وبنو بنيه شيوخ ، فقالت : يا قوم ، هذا والله عزير فأقبل إليه ابنه مع الناس فقال ابنه : كانت لأبي شامة سوداء مثل الهلال بين كتفيه ؛ فنظرها فإذا هو عزير. وقيل : جاء وقد هلك كل من يعرف
- ، فكان آية لمن كان حيا من قومه إذ كانوا موقنين بحاله سماعا. : وفي إماتته هذه المدة ثم إحيائه بعدها أعظم آية ، وأمره كله آية غابر الدهر ، ولا يحتاج إلى تخصيص بعض ذلك دون بعض.
قوله تعالى : {وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا} :
المعنى : انظر إلى العظام كيف نرفع بعضها على بعض في التركيب للإحياء ؛ لأن النشز الارتفاع ؛ ومنه المرأة النشوز ، وهي المرتفعة عن موافقة زوجها ؛ ومنه قوله تعالى : {وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا} [المجادلة : 11] أي ارتفعوا وانضموا.
الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا والاعجاز العلمى
قوله تعالى : {وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا}
ومن الاعجاز العلمى فى العظام :
لهيكل العظمي