الحمد لله الكريم الوهاب، العزيز الغفار؛ جعل في الكون منَ الآيات والبراهين ما يدل على عظمته وقُدْرَتِه، وحُسن خلقه وتدبيره؛ ﴿ ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾[1].
نحمده على وافِر نعمِه، وجزيل عطاياه، ونَشْكُره على عظيم منِّهِ وهدايته، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له؛ جعل الدنيا دار ابتلاء لعبادِه، وظرفًا لأعمالهم، ويوم القيامة يُجْزَوْن بها؛ ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾[2].
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أعرف الخلق بالله - تعالى - وأتْقاهم له، وأعلمهم بحقيقة الدُّنيا ومصيرها، كان - صلى الله عليه وسلم - يدعو، فيقول في دعائِه: ((اللهمَّ بعلمكَ الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيِنِي ما علمتَ الحياة خيرًا لي، وتوفَّنِي إذا علمت الوَفَاةَ خَيْرًا لي))، صَلَّى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه؛ تَرَضَّى عنهم ربُّهم - سبحانه - في كتاب يُتلى إلى يوم القيامة، وإن رغمتْ أنوف الكارهينَ لهم، والحاقدين عليهم؛ ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ﴾[3]، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
أمَّا بعدُ:
فأوصِي نفسي وإيَّاكم بتقوى الله - تعالى - فإنَّ كلَّ عام ينقضي علينا، فإنه من أعمارنا، وهو مستودع أعمالنا، وهو شاهدٌ علينا، فتزوَّدُوا مِنَ الأعمال الصالحة ما يُقرِّبكم إلى الله - تعالى - واحْذَرُوا الدنيا وزينتها وفتنتها، فإنها وإنِ اخْضَرَّتْ لأهلها، يوشك أن تصفَرَّ وتزول، ويوشك جامِعُها أن يترك ما جَمَع، ويوشك بانِيها أن يفارقَ ما بنى، ولا يبقى إلاَّ العمل؛ ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾[4].
أيها الناس: الزمن آيةٌ احتارَ فيها البَشَرُ، وعجبوا منها أشد العَجَب، ومع أنهم يعيشون في الزمن، فإنهم لا يدركون كُنْهَه، ولا يعرفون بدايته ونهايته، وتخبطوا فيه تخبُّطًا كبيرًا، وأنكر أقوام منهم أنَّ للزمن بداية ونهاية؛ ﴿ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴾[5].
والكلامُ عنِ الزمن وآياته وعلاماته وآثاره طويلٌ جدًّا، ويكفي أنَّ الآيات القرآنية التي ذَكَرَتِ الزمنَ أو شيئًا منه قاربتْ أربعمائة آية، وأقسم الله - تعالى - بِجُمْلَةٍ مِن علاماته وأجزائه، وسميتْ سورٌ في القرآن ببعضه وبعض علاماته؛ كـ﴿ الفَجْر ﴾، و﴿ الشمس ﴾، و﴿ اللَّيْل ﴾، و﴿ الضُّحَى ﴾، و﴿ العَصْر ﴾، وغيرها.
ومِن أجزاء الزَّمن: الليلُ والنهار، وعلامتهما: الشَّمس والقمر، فالقمر لِلَّيل، والشمس للنَّهار، جاء ذكرهما كثيرًا في كتاب الله - تعالى - لأهمية ذلك عند البَشَر، فالنَّهار والليل هما زمن العمل، والبناء للدُّنيا وللآخرة.
إنَّ الليل والنهار آيتانِ على وُجُود الخالق - سبحانه - وعلى عظيم قدرته، وعلى حُسن خلقه وتدبيره، جاء ذِكْرهما في القرآن كثيرًا في سياق بيان قدرة الله - تبارك وتعالى - ولُزُوم التفَكُّر في خلقه، وصرف العبادة له وحده دون سواه؛ ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾[6]، وقال: ﴿ إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ ﴾[7]، وقال: ﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ ﴾[8]، وقال: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ﴾[9].
والليل والنهار والشمس والقمر آيات مُسَخَّرات لأهل الأرض، فلا يطالها البشر، ولا يقدرون على تغييرها أو تأخيرها، ولا يستطيعون الإفسادَ فيها كما أفسدوا في الأرض؛ بل هي آيات مسخرات للأقوياء والضُّعفاء، والأغنياء والفقراء، والسادة والعبيد؛ بل ومسخرات للحيوان، والطير والزواحف، كلهم ينتفعون بها، ولا يملك أحدٌ منَ الناس - مهما كانت قوته - أن يحولَ بين أهل الأرض، وبين الانتفاع بالليلِ والنهار، والشمس والقمر، ونجد النَّص على آيةِ التسخير هذه في جُملةٍ منَ الآيات القرآنية؛ ﴿ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ﴾[10]، وقال: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ﴾[11]، وقال: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ ﴾[12]، وقال: ﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ﴾[13]، وقال: ﴿ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ﴾[14].
وكون الليل ظلامًا، والنهار ضياءً آيةٌ منَ الآيات العجيبة، ونعمة منَ الله - تعالى - على عبادِه، ففي الضياء يعملون ويكدحون، وفي الظلام ينامون ويرتاحون، وقد ذكَّرنا الله - تعالى - بهذه الآية والنِّعمة في عدد منَ الآيات؛ قال - سبحانه وتعالى -: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ﴾[15]، وقال: ﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ﴾[16]، وقال: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا ﴾[17]، وقال: ﴿ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ﴾[18]، وقال: ﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ﴾[19].
وذكر لنا ربُّنا - سبحانه وتعالى - أنه لو شاء لجعل الدنيا ليلاً بلا ضياء، ولو شاء لجعلها نهارًا بلا ليل؛ ولكنه - عز وجل - رحم عباده، فعاقب بين الليل والنهار؛ ليستقيمَ عيشُهم، وتعمر أرضهم، وتصلح أحوالهم؛ ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾[20].
وتَعَاقُبُ الليل والنهار، ودخولُ كل واحد منهما في الآخر حتى يمحوه، وأخذ كل واحد منهما من زمن الآخر صيفًا وشتاء - كلُّ ذلك آياتٌ عظيمة، تدلُّ على أنَّ المتصرِّفَ فيهما بذلك هو الله وحده لا شريك له، وأن أيةَ قوَّة - مهما بلغتْ - لا تستطيع أن تمنعَ تعاقبهما، ولا أن تأخذَ منَ الليل للنهار، ولا منَ النهار لليل؛ ولذلك يضبط الناس حياتهم ومعاشهم ونومهم على وفق ساعات الليل والنهار؛ لعجزهم عن تغيير ذلك أو تعديله، ونجد هذا المعنى العظيم مذكورًا في كتاب الله - تعالى - في عدد منَ الآيات؛ ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ﴾[21]، وفي آية أخرى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾[22]، وفي ثالثة: ﴿ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ﴾[23]، وفي رابعة: {﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾[24]، وفي خامسة: ﴿ وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ ﴾[25].
ولعظمة هاتينِ الآيتينِ - الليل والنهار - أَقْسَمَ الله - تعالى - بهما في كتابه العزيز؛ ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ﴾[26]، وأقسم - سبحانه - بعلامتيهما الشمس والقمر؛ ﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا ﴾[27].
والمُلاحَظ - أيها الإخوة - تقديمُ الليل على النهار في الآيات القرآنية، والعرب كانوا يجعلون النهار تبعًا للَّيل، وعلى هذا جاءتْ أغلب أحكام الشريعة في الصيام، والفطر، والأعياد، وغيرها، بينما كان الأعاجم يقدِّمون النهار على الليل.
والشريعةُ الغَرَّاء حَدَّدتْ بداية الليل، مِن غروب الشمس إلى طُلُوع الفجر، وبداية النهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس؛ كما جاء في نصوص الصيام: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾[28]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أقبل اللَّيل مِن ها هنا، وأدبر النَّهار مِن ها هنا، وغربت الشَّمس، فقد أفطر الصَّائم))؛ رواه الشيخان.
الحمدُ لله حمدًا طيبًا كثيرًا مُباركًا فيه، كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومَنِ اهتدى بهداهم إلى يوم الدِّين.
أما بعد:
فاتَّقُوا الله - عباد الله - وأطيعوه، ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾[30].
أيُّها المسلمون:
الليلُ والنهار، والشمس والقمر آياتٌ بيناتٌ على وجود الله - تعالى - وربوبيته وألوهيته، وأنه - سبحانه - المتصَرِّف في الكون دون سواه، وأغلب الآياتِ التي وَرَدَ فيها ذكر الليل والنهار، والشمس والقمر، جاءتْ في سياق الثناء على الله - تعالى - وذِكْر ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وأُمِرَ العبادُ بِلُزُوم توحيده لا شريك له، وذُيِّلَتْ هذه الآيات بالتفكُّر والاعتبار؛ كما في قوله - تعالى -: ﴿ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾[31]، وقوله: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾[32]، وقوله: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾[33]، وقوله: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ﴾[34]، وقوله: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾[35].
ومِن عظيم الاعتبار بالليل والنهار: أن نعلمَ أن تعاقبهما يُنقص أعمارنا، ويُقَرِّب آجالنا، ويعجل آخرتنا، وأن كلَّ عام يمضي فهو لنا أو علينا، بما أودعناه مِن أعمالنا، وكان السَّلَفُ الصالح والعلماء والحكماء يعلمون ذلك، ويعملون صالحًا بِمُقْتضاه، ويعظون الناس به.
قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: "ما نَدِمْتُ على شيء ندمي على يوم غربتْ شمسُه، نقص فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي".
وقال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: "ابن آدم، إنكَ لم تزل في هدم عمرك منذ ولدتك أمك".
وقال عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله تعالى -: "إنَّ الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل أنت فيهما".
وقال الحسن البصري - رحمه الله تعالى -: "ابن آدم، إنكَ بين مطيَّتينِ يوضعانك: الليل إلى النهار، والنهار إلى الليل، حتى يُسلمانك إلى الآخرة".
وقال داود الطائي - رحمه الله تعالى -: "إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة، حتى ينتهي ذلك بهم إلى آخر سفرهم، فإنِ استطعتَ أن تقدِّم في كلِّ مرحلة زادًا لما بين يديها، فافْعل".
وقال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى -: "ينبغي للإنسان أن يعرفَ شرف زمانه، وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قُربة، فيقدم الأفضل فالأفضل منَ القول والعمل".
واعلموا - يا عباد الله - أنه لا راحة في الدُّنيا، إن هي إلاَّ عمل فيما ينفع، أو فيما يضر، والراحة الكاملة في الجنَّة، فالسعيدُ مَن أتى ما ينفعه، وجانَب ما يضره.
جاء رجل مِن أهل خراسان إلى الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - فقال: "يا أبا عبدالله، قصدتكَ من خراسان؛ أسألك عن مسألة، قال له: سَلْ، قال: متى يجد العبدُ طعم الراحة؟ قال: عند أول قدم يضعها في الجنة".
أسألُ الله - تعالى - أن يُوفِّقنا لفِعْل الخيرات، واكتساب الحسنات، وأن يجعلَنا منَ المعتبرين بِتعاقُب الليل والنهار.