#1
| |||||||||||
| |||||||||||
طفلة في غرفة الولادة طفلة في غرفة الولادة كانت تنشغل بعبثِها الطفولي في غرفتِها المسكونة ببرد الشتاء وبرد العاطفة، حينما أخذت تهاجم بطنَها وأسفلَ ظهرِها آلامٌ لم تعتَدْها، ربما تكون نوعًا من التقلُّصات أو هي لا تدري تحديدًا، كما لا تدري كيف بدأت؟ أو إلى أين ستذهب بها؟ ومن دون الكثير من الاستيضاح والتفسير، كانت تصعد الدَّرَج المؤدي إلى قسم الولادة، ترافقها سيدتان؛ تحمل إحداهما حقيبةً قُماشية متوسطةَ الحجم، بينما تُمسِكها الأخرى من ذراعها، جسدُها الصغير يتألَّم قسْرًا، وتعتصر قَسَماتُ وجهها تحت وطأتها، فتنطلق تأوُّهاتُها رغمًا عنها معبِّرة عما يدور داخل هذا الجسد الغضِّ، تتوقف للحظاتٍ، تلتقط صبرَها؛ لتتابع سيرها تحت عبارات الحثِّ التي تُطلِقها المرأتان. كانت طفلةً لم تتوقَّفْ عن ممارسة طقوس براءتها بعد، أقصِد: امرأة يتكوَّر بطنُها أمامها معلنًا للملأ بأنها قريبًا ستغدو أمًّا. طفلةٌ كبِرت قبل أوانِها، أو هكذا أراد لها مَن حولها تحت حُجَّة أنها ستعتاد عما قريب حياةَ الزوجية. أشارت الممرضةُ إلى بابِ غرفةٍ رماديِّ اللون، ولَجَتْ (سجى) من خلاله، وتلقَّت السيدتان أمرًا بالانتظار في الخارج، خَطَتْ ببطءٍ نحو سَرِيرٍ أوصلتْها القابلةُ إليه، وانبعث الخوف ينهَش قلبَها، عندما شاهدت الأجهزةَ الغريبة تحيط بها من كل جانب، ورائحة نفَّاذة لم تعتَدْها من قبل تعبَق بالمكان، ومقصَّاتٍ وملاقطَ وأدوات طبيَّة أخرى صغيرة الحجم لم تشاهد في حياتها قطُّ مثلها، جعلتها تشعر بأن هذا ليس إلا مسلخًا اقتِيدت له رغمًا عنها، سألت نفسها: "ماذا تُراهم سيفعلون بي هنا؟ هل سيستعملون هذه الأدوات والمقصات معي؟ ماذا عليَّ أن أفعل لأحميَ نفسي من الآلام القادمة ومن أدواتهم؟ أأهرُب من هنا؟ ولكن إلى أين؟ وماذا أفعل بآلامي هذه التي تزداد وتكاد تمزِّق ظهري وبطني؟"، أخذت تبكي وتصرخ: "ساعدني يا ألله، ليس لي سواك هنا، أنا خائفة يا رب!". جاءها الأمرُ بالاستلقاء على السرير، ثم وُضِع قرصٌ سميك داكن اللون على بطنها، ثُبِّت بشَريط مطاطي يلتفُّ حول وسطها، أخذ الجهازُ الذي يتصل به القرص يُصدِر صوتًا سريعًا ومنتظمًا، قالت القابلة عابسة الوجه عنه بأنه صوتُ نبض الجنين. كانت التقلصات في بطنها تزداد وتيرةً وحِدَّةً؛ فلا تكاد ترتاح من واحدة، حتى تلحَقَها أخرى تجعل بطنها يغدو شديدَ الصلابة كأنه حجر، وأخذت تخوض معركة من نوع جديد؛ بدأت بانتزاع ما يستر عورتَها، وأيدٍ ترتدي قُفَّازات طبية تعبث بها، سائل دافئ اندفع فجأة بكمية كبيرة أشعرها بالبلل والدِّفء، ودفع قوي من الداخل، وببرودةِ أعصابٍ قالت القابلة: "ما شاء الله، الولادة باتت قريبة، التوسع 7 سنتيمترات، أدخلي الهواء إلى رئتيكِ بعمق من أنفك، وأخرجيه بهدوء من فمك وكأنك تُطفئين شمعةً خلال الانقباضات"، وطلبت منها أن تلتف وتبقى على جانبها الأيسر. رجتْها (سجى) أن تُدخِل إليها والدتَها، رفضت القابلةُ رفضًا قاطعًا قائلة: "ممنوعٌ دخولُ أي شخص هنا سوى النساء اللاتي يتلقين الخدمة الطبية، وأفراد الطاقم الطبي؛ منعًا لانتقال أي عدوى". اقتربت الانقباضات من بعضها، حتى كادت تصل مدةُ كلٍّ منها إلى ما يزيد عن دقيقة بمعدل أربعة انقباضات خلال عشر دقائق، كانت الآلام تبدأ من ظهرها، ثم تنتشر في بطنها من الأعلى، ثم تمتد إلى الجزء الأسفل من البطن، شعرت وكأن شيئًا يدفع الطفلَ داخل رحِمِها إلى الأسفل، وكأنه يهم بالخروج، صرخت (سجى): "أرجوك أشعر بشيء يضغط للأسفل يؤلمني، يكاد يخرج مني، يبدو أنني سأموت، روحي سوف تخرج!"، حضر الطبيب ومعه قابلتان، وعادت القفازات الطبية مرة أخرى تعبث بجسدها، قال الطبيب بصوت مرتفع وحازم: "ادفعي للأسفل، هيا ادفعي، قبل أن ينتهيَ الانقباض، احبسي النَّفَس داخل صدرك، وادفعي للخارج". دفعت قليلًا، الألم يكاد يفتِك بها، صرخت: "سأموت سأموت!". رد الطبيب بحِدَّة: "بل ستلدين، هيا ساعديني لترتاحي، ادفعي إلى الأسفل". أرادت أن تنهض عن السَّرير لتولِّيَ هاربة؛ علَّها ترتاح ممَّا هي فيه؛ ولكن أنَّى لها ذلك؟ فقد وجدت نفسها عاجزة تمامًا، اجتاحتْها رغبةٌ في الموت والبكاء، أخذت تقول: "سامحكِ الله يا أمي، لمْ تقولي لي بأن هذا سيحدث معي، لماذا لم تئديني وأنا وليدةٌ لا أعرف الحياة؛ لتريحيني من هذا العذاب؟". صرخ بها الطبيب مرة أخرى: "هيا ساعدني، سيغدو الجنين في خطر". • ناوليني إبرةَ المخدِّر. • ماذا ستفعل بي؟ • لا تخافي، فقط ادفعي للأسفل، هيا هيا، حسنًا، هذا جيد. • أعطِني المقص. • هل ستجرحني؟ • قلت لك: ادفعي للأسفل! • آه آه آه آه ماذا فعلت بي؟ • هيا ادفعي، هيا هيا، ها قد خرج الرأسُ، هيا هيا. • أكاد أموت، ماذا تفعلون بي؟ آه آه آه آه كفى كفى. انطلق صوتُ طفلٍ وليدٍ يملأ الغرفة بكاءً. • الحمد لله على سلامتكِ، انظري، هذا طفلُك، ضمِّيه إلى صدرك. شعرت بخوف لم تعهَدْه، ما أصغر هذا الطفل! لماذا يُغمِض عينيه؟ هل كل الأطفال هكذا؟ هل هو طفل طبيعي؟ • أرجوكِ، أنزلي ساقيَّ، أريد أن أرتاح، ساقي تشنَّجت. • سنفعل ذلك بعد أن تخرجَ المشيمة. • ماذا؟ ألم أنتهِ بعدُ؟ هل بقي هناك مزيدٌ من الألم؟ • ستخرج المشيمة خلال دقائق، لن يكون خروجُها مؤلمًا كما الطفل. شعرتْ بشيء ثقيل يضغط على أسفل بطنها. • هيا، القليلُ من الدفع، المشيمةُ تكاد تخرج، حمدًا لله على سلامتك. • أرجوكِ، أدخِلي أمي، أريد أن أراها. • لم ننتهِ بعد، اصبري قليلًا. • ماذا بقي أيضًا؟ • يجب أن نخيط الجرح. • أي جرح تقصدين؟ • هو جرح صغير، أحدثه الطبيبُ قرب فتحة الولادة؛ ليتيح للطفل مساحةً أوسع ليخرجَ منها. • يا إلهي، متى سينتهي هذا الكابوسُ المرعب؟! انتهى الطبيب من خياطة الجرح، الذي وجدتْ فيه جرعةً إضافية من العذاب تلقَّتها قبل أن تغادرَ مركز التعذيب هذا. تركت تجرِبة الولادة في نفسها أثرًا سيئًا يصعُب محوُه؛ فالمعاناة لم تنتهِ بانتهاء الولادة؛ فالجرح لم يسمحْ لها بحرية الحركة والجلوس من دون ألم ما يقرُب من ثلاثة أسابيع، وتبِعه ألمُ تشقُّقِ الحَلَمات ونزفها، الذي سبَّبه إرضاعُ الصغير الباكي الذي لم يكن يُسكِته شيءٌ سوى التقام حلمةِ ثديها المجروحة، ناهيك عن الكثير من الآلام النفسية التي رافقت هذه التجربة الصعبة على طفلة غَضَّة. كانت مشاعرُ الأمومة تجيش داخل صدرها؛ حبًّا وتعلُّقًا بهذا الصغير، إلا أنها لم تتقنْ أداءَ الدور المطلوب منها كما ينبغي لها؛ فبعد شهرين من الولادة، أرضعت صغيرَها عند منتصف الليل، وتركته ينام على ظهره إلى جانبها، وغطَّتْه بعدة أغطية سميكة؛ خوفًا عليه من البرد، استيقظت بعد أذان الفجر لتطمئنَّ عليه، فإذا به باردُ الجسد فاقد الحركة، حاولت إيقاظَه؛ ولكن.... صرخت وبكت، وكطفلة صغيرة بحثت عن حضن تلوذ به من الخوف الذي أخذ يمضُغ شجاعتَها، لم تجد أحدًا، أصابعُ الاتهام وُجِّهت إليها: أنتِ مهملة، أنت أمٌّ فاشلة، جهلك سبَّب لنا المصائب.... إلخ. لطَّخت فمَها بشتيمة الصمت، وكبتت حزنها في أروقة صدرها، ولم تدافع عن نفسها بصوتها؛ بل راحت تردم جراحَ قلبها بحروف تخطُّها بيمينها تغدو كلماتٍ تُبكي مَن يُجيد قراءةَ ما بين السطور؛ علَّها تُبعثِر حزنَها المكبوتَ في ثنايا السحاب وخلف الضباب؛ لتهدأَ الروح التي تسكن صدرَها، فتستعيد عافيتها وطفولتها. المصدر: منتدى همسات الغلا 'tgm td yvtm hg,gh]m uvtm td ::: ثلاثة اخرجهم من حياتك: :: من استرخص مشاعرك :: من يتلذذ في تعكير مزاجك :: من هانت عليه العشرة ا-------------------ا |
16-07-2022, 07:59 PM | #2 |
| سلمت أناملك ع القصه رائعة الله يعطيك العافيه ولا تحرمنا جديدك لأنفاسك باقة ورد |
وحدك يالله تدرك عمق ما أشعر به فكن معي دائما _ _ _ _ يبقى الكتمان مريح رغم انه مؤذي داخليا _ _ _ _ اشعر بخيبه مثل ذالك السجين الذي سمحوا له بالزياره مرا واحد في السنه ولم يأتي احد لزيارته |
16-07-2022, 08:09 PM | #3 |
| يعطيك العافية شكرا لكـ وأثابك الله على جهدك الرائع |
|
17-07-2022, 03:43 PM | #4 |
| سلمت أناملك على جمال طرحك الله يعطيك العاافيه لك جنائن الورد وأصدق الود ربي مايحرمنا من روعة ابداعك دام عطائك ياذوق |
|
20-07-2022, 10:28 PM | #5 |
| مَوْضُوٌعْ فِيٍ قَمّةْ الْرَوُعَهْ لَطَالمَا كَانَتْ مَواضِيعَكْ مُتمَيّزهَ لاَ عَدِمَنَا هَذَا الْتّمِيزْ وَ رَوْعَةْ الأخَتِيارْ دُمتْ لَنَا وَدَامَ تَأَلُقَكْ الْدّائِمْ |
|
20-11-2022, 03:14 PM | #7 |
| مجهود رائـــع الله يعطيكـ العافيه لـروحكـ السعاده الدائمــه |
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
الولادة , عرفة , في , طفلة |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
متى تكون الولادة القيصرية ضرورية | ذابت نجوم الليل | (همســـات الاسرة والحمل) | 7 | 14-06-2023 09:24 AM |
جدول تطعيمات الاطفال حسب منظمة الصحة العالمية | ذابت نجوم الليل | (همسات الطفل ) | 10 | 31-05-2023 09:06 PM |
الولادة في الأسبوع 37 | ذابت نجوم الليل | (همســـات الاسرة والحمل) | 10 | 31-05-2023 09:06 PM |
خطورة الولادة المبكرة على الام والجنين | ذابت نجوم الليل | (همســـات الاسرة والحمل) | 13 | 22-11-2022 11:56 PM |
ملف شامل لكيفية تربية والعناية بالارانب | مبارك آل ضرمان | ( قسم الحيوانات والنباتات والاسماك ) | 11 | 19-03-2020 06:20 PM |