الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَنْ لا نبيَّ بعده: تقع
مزدلفة بين عرفاتٍ ومِنًى، ويفصلها عن مِنًى وادي مُحسِّر، وتبعد عن عرفات (6 كم)، وعن المسجد الحرام (8 كم) من جهته الجنوبية الشرقية، وتُقدَّر مساحتها بنحو (36ر9 كم
وسُمِّيت بمزدلفة من التَّزلُّف والازدلاف، وهو التقرُّب؛ لأن الحُجَّاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا إليها، أي: مضوا إليها وتقرَّبوا منها. وقيل: سُمِّيت بذلك لمجيء الناس إليها في زُلف من الليل، أي: ساعات.
وتُسَمَّى أيضاً
جَمْعاً؛ لاجتماع الناس بها، أو للجَمْع بين صلاتي المغرب والعشاء فيها،
وتُسَمَّى أيضاً
المَشْعَر الحرام، من الشِّعار وهو العلامة؛ لأنه مَعْلَمٌ للحج، وارتبط به بعض ما هو مطلوب في الحج؛ كالمبيت، والجمع بين صلاتي المغرب والعشاء، ووُصِف بالحرام؛ لحُرْمَته؛ ولأنه واقع ضِمْن حدود الحرم.
وقد ذَكَرَ اللهُ مزدلفةَ في قوله تعالى: ﴿
فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الضَّالِّينَ ﴾ [البقرة:١٩8].
والمبيت بمزدلفة ليلة العاشر من ذي الحجة واجب من واجبات الحج، فعن جابرِ بنِ عبد اللهِ - رضي الله عنهما - في صفة حَجِّ
النبيِّ صل الله عليه وسلم قال: (حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بها الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، ولم يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شيئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ ر
سولُ اللَّهِ صل الله عليه وسلم حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، وَصَلَّى الْفَجْرَ، حين تَبَيَّنَ له الصُّبْحُ، بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ، حتى أتى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، فلم يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قبل أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ).
فضائل مزدلفة: أ- عن بِلاَلِ بنِ رَبَاحٍ - رضي الله عنه؛ أَنَّ
النَّبِيَّ صل الله عليه وسلم قَالَ لَهُ غَدَاةَ جَمْعٍ: (
يَا بِلاَلُ، أَسْكِتِ النَّاسَ) أو: (
أَنْصِتِ النَّاسَ)، ثُمَّ قَالَ: (
إِنَّ اللَّهَ تَطَوَّلَ عَلَيْكُمْ في جَمْعِكُمْ هَذا فَوَهَبَ مُسِيئَكُمْ لِمُحْسِنِكُمْ، وَأَعْطَى مُحْسِنَكُمْ مَا سَأَلَ، ادْفَعُوا بِاسْمِ اللَّهِ).
ب- وعن أنسِ بنِ مالكٍ - رضي الله عنه - قال:
وَقَفَ النَّبِيُّ صل الله عليه وسلم بِعَرَفَاتٍ، وقَدْ كادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَؤُوبَ، فقال: (
يَا بِلاَلُ! أَنْصِتْ لِي النَّاسَ). فَقَامَ بِلاَلٌ - رضي الله عنه، فَقَالَ: أَنْصِتُوا
لِرَسُولِ اللهِ صل الله عليه وسلم، فَأَنْصَتَ النَّاسُ، فَقَالَ: (
مَعَاشِرَ النَّاسِ! أَتَانِي جِبْرَائِيْلُ - عليه السلام -
آنِفًا، فَأَقْرَأَنِي مِنْ رَبِّي السَّلاَمَ، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ غَفَرَ لأَهْلِ عَرَفَاتٍ، وَأَهْلِ المَشْعَرِ، وَضَمِنَ عَنْهُمُ التَّبِعَاتِ). فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا لَنَا خَاصَّةٌ؟ قَالَ: (
هَذَا لَكُمْ، وَلِمَنْ أَتَى مِنْ بَعْدِكُمْ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ). فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ - رضي الله عنه: كَثُرَ خَيْرُ اللهِ وَطَابَ.
والشَّبَه بين الوقوف بعرفة وبين المبيت بمزدلفة
واضِحٌ وجلي؛ إذ يشتركان في اجتماع الناس بهما في وقت مخصوص؛ ففي عرفات يجتمع الناس نهاراً حتى تغرب الشمس يجأرون إلى الله تعالى، وفي
مزدلفة يجتمعون للمبيت بها يستريحون من المشقَّة والنَّصَب نهاراً.
كما أنه بعرفات يُجمع بين صلاتي الظهر والعصر ويقصران، وفي
مزدلفة يُجمع بين صلاتي المغرب والعشاء ويقصر من صلاة العشاء، ولعل هذا الشَّبَه في النُّسك هو الذي جمع بينهما في الأجر.