المَطْلَب الأوَّلُ: جوازُ الأَنساكِ الثَّلاثَةِ
يجوزُ الإحرامُ بأيِّ
الأنساكِ الثَّلاثةِ شاء: الإفرادِ، أو القِرانِ، أو التمَتُّعِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَة: الحَنَفيَّة ، والمالِكِيَّة ، والشَّافِعِيَّة ، والحَنابِلَة ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك
الدليل مِنَ السُّنَّةِ:
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: خرَجْنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم، فقال: ((مَن أرادَ منكم أن يُهِلَّ بحَجٍّ وعُمْرَةٍ، فلْيَفْعَلْ، ومن أراد أن يُهِلَّ بحَجٍّ فلْيُهِلَّ، ومن أراد أن يُهِلَّ بعُمْرَةٍ فلْيُهِلَّ )) قالت عائشةُ رَضِيَ اللهُ عنها: ((فأهَلَّ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم بحجٍّ، وأهلَّ به ناسٌ معه، وأهلَّ ناسٌ بالعُمْرَةِ والحَجِّ، وأهلَّ ناسٌ بعُمْرَةٍ، وكنتُ فيمَنْ أهَلَّ بالعُمْرَةِ )) ، وفي روايةٍ: ((مِنَّا مَن أهَلَّ بالحَجِّ مُفْرِدًا، ومِنَّا مَن قَرَنَ، ومِنَّا مَن تمتَّعَ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّها ذكرَتْ إحرامَ الصَّحابَة رَضِيَ اللهُ عنهم مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم على أحدِ هذه
الأنساكِ الثلاثَةِ: التَّمتُّعِ، والقِرانِ، والإفْرادِ
المَطْلَب الثَّاني: نُسُكُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم:
النُّسُكُ الذي أحرَمَ به النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم هو القِرانُ، وهذا مَذْهَبُ أبي حنيفةَ ، وأحمدَ في المنصوصِ عنه ، وهو قوْلُ أئمَّةِ الحديثِ؛ كإسحاقَ بنِ راهَوَيهِ، وابنِ المُنْذِرِ ، واختارَه ابنُ حزمٍ ، والنَّوَوِيُّ ، وابنُ تيميَّة ، وابنُ القَيِّمِ ، وابنُ حَجَرٍ ، والكمالُ ابنُ الهُمامِ ، والشَّوْكانيُّ ، والشِّنْقيطيُّ وابنُ باز وابنُ عُثيمين
الأدلَّة: مِنَ السُّنَّة
1- عَن عُمَرَ بْنِ الخَطَّاب رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سمعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم يقول: ((أتاني الليلةَ آتٍ مِن ربِّي عزَّ وجَلَّ، فقال: صَلِّ في هذا الوادي المُبارَكِ، وقُلْ: عُمْرَةً في حَجَّةٍ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه أُمِرَ أن يُهِلَّ بعُمْرَةٍ في حَجٍّ، وهذا إهلالُ القِرانِ، فدلَّ على أنَّه صلَّى الله عليه وسَلَّم كان قارِنًا
2- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((تمتَّعَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم في حَجَّة الوداع بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ، وأهدى فساقَ معه الهَدْيَ من ذي الحُلَيفةِ، وبدأ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم فأهَلَّ بالعُمْرَةِ ثُمَّ أهَلَّ بالحَجِّ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ التمتُّعَ عند الصَّحابَة يتناوَلُ القِرانَ، ويُحْمَل عليه قولُ ابنِ عُمَرَ أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم حجَّ مُتَمَتِّعًا
3- فِعْلُ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما وأنَّه قَرَن الحَجَّ إلى العُمْرَة، وطاف لهما طوافًا واحدًا، ثمَّ قال: ((كذلك فَعَلَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم ))
4- عن حفصَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قلتُ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم: ((ما شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا ولم تَحِلَّ مِن عُمْرَتِك؟ قال: إنِّي قَلَّدْتُ هَدْيي ولَبَّدْتُ رَأْسي، فلا أَحِلُّ حتَّى أَحِلَّ من الحَجِّ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الحديثَ فيه دَلالةٌ على أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم كان في عُمْرَةٍ معها حجٌّ، فإنَّه لا يحِلُّ من العُمْرَةِ حتَّى يَحِلَّ مِنَ الحَجِّ
5- عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((سَمِعْتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم يُلَبِّي بالحَجِّ والعُمْرَةِ جميعًا)) قال بكرٌ: فحَدَّثْتُ بذلك ابنَ عُمَرَ، فقال: ((لبَّى بالحَجِّ وَحْدَه))، فلَقِيتَ أَنَسًا فحَدَّثْتُه بقَوْلِ ابنِ عُمَرَ، فقال أنَسٌ: ما تَعُدُّونَنا إلَّا صِبْيانًا، سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم يقولُ: ((لَبَّيكَ عُمْرَةً وحَجًّا ))
المَطْلَب الثَّالِثُ: أفضَلُ الأَنْساكِ
التمتُّعُ أفضَلُ
الأنساكِ الثلاثَةِ لِمَن لم يَسُقِ الهَدْيَ، وهو مَذْهَبُ الحَنابِلَة ، وأحَدُ قَوْلَيِ الشَّافعي ، وبه قالَتْ طائِفةٌ مِنَ السَّلَفِ ، واختارَه ابنُ حزمٍ ، والشَّوْكانيُّ ، وابنُ باز ، وابن عُثيمين
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قال اللهُ تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ التمتُّعَ منصوصٌ عليه في كتابِ اللهِ تعالى دون سائِرِ الأَنساكِ
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّه حَجَّ مع رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم عامَ ساق الهَدْيَ معه، وقد أهَلُّوا بالحَجِّ مُفْرَدًا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم: أحِلُّوا مِن إحرامِكم، فطُوفوا بالبَيْتِ وبَيْنَ الصَّفا والمَرْوَة، وقَصِّروا، وأقيموا حَلالًا حتى إذا كان يومُ التَّرْوِيَة فأهِلُّوا بالحَجِّ، واجعلوا التي قَدَّمْتُم بها مُتعةً، قالوا: كيف نَجْعَلُها متعةً وقد سَمَّيْنا الحَجَّ؟ قال: افْعَلُوا ما آمُرُكم به؛ فإنِّي لولا أنِّي سُقْتُ الهَدْيَ، لفَعَلْتُ مِثْلَ الذي أَمَرْتُكم به، ولكِنْ لا يَحِلُّ مني حرامٌ، حتى يبلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّه. ففعلوا ))
2- عن عائشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم: ((لو استقَبَلْتُ مِن أَمْري ما استَدْبَرْتُ ما سُقْتُ الهَدْيَ، ولَحَلَلْتُ مع النَّاسِ حين حَلُّوا ))
3- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّه سُئِلَ عن متعَةِ الحَجِّ، فقال: أهلَّ المهاجرونَ والأنصارُ وأزواجُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم في حَجَّةِ الوداعِ، وأَهْلَلْنا، فلمَّا قَدِمْنا مَكَّةَ، قال رسولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم: اجْعَلوا إهلالَكم بالحَجِّ عُمْرَةً إلَّا مَنْ قَلَّدَ الهَدْيَ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ مِنْ هذه النُّصُوصِ مِن وَجْهَينِ:
الوجهُ الأوَّلُ: أنَّه قد تواتَرَتِ الأحاديثُ عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم، أنَّه أمَرَ أصحابَه في حَجَّةِ الوَداعِ لَمَّا طافوا بالبيتِ وبين الصَّفا والمروة، أن يَحِلُّوا من إحرامِهم ويَجْعَلوها عُمْرَةً، إلَّا مَن ساق الهَدْيَ، والنبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم لا يَنْقُلُهم من الفاضِلِ إلى المفضولِ، بل إنَّما يأمُرُهم بما هو أفضَلُ لهم
الوجه الثَّاني: أنَّه آخِرُ الأَمرينِ مِن رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم، فلولا أنَّ التمتُّعَ هو الأفضَلُ لَمَا تأسَّفَ عليه النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم، ولَمَا تَمنَّى أنَّه لم يَسُقِ الهَدْيَ حتى يَحِلَّ مع النَّاسِ مُتَمَتِّعًا
4- عن عِمرانَ بنِ حُصَينٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((أُنْزِلَتْ آيةُ المتعَةِ في كتابِ اللهِ، ففَعَلْناها مع رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم، ولم يَنْزِلْ قرآنٌ يُحَرِّمُه، ولم يَنْهَ عنها حتى مات، قال رجل برَأْيِه ما شاءَ ))
5- عن أبي نضرةَ، قال: ((كان ابنُ عبَّاسٍ يأمُرُ بالمتعة، وكان ابنُ الزُّبير ينهى عنها، قال: فذكرْتُ ذلك لجابرِ بنِ عبدِ الله، فقال: على يَدَيَّ دار الحديثُ؛ تَمَتَّعْنا مع رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم، فلمَّا قام عُمَرُ قال: إنَّ الله كان يُحِلُّ لرَسولِه ما شاء بما شاء، وإنَّ القُرآنَ قد نَزَلَ مَنازِلَه، فـ أَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة: 196] ، كما أمَرَكم اللهُ ))
ثالثًا:أنَّ المتَمَتِّعَ يجتَمِعُ له الحَجُّ والعُمْرَةُ في أشهُرِ الحَجِّ، مع كمالِها وكمالِ أفْعَالها على وَجْهِ اليُسْرِ والسُّهولَةِ، مع زيادةٍ لنُسُكٍ هو الدَّمُ، فكان ذلك هو الأَوْلى
رابعًا:أنَّه أسهَلُ على المكَلَّفِ غالبًا؛ لِمَا فيه من التَّحَلُّلِ بين العُمْرَةِ والحَجِّ
المَطْلَب الرَّابِع: تَعْيينُ أحَدِ الأنساكِ
يُسْتَحَبُّ أن يُعيِّنَ ما يُحْرِمُ به من الأَنساكِ عند أوَّلِ إهْلالِه؛ نَصَّ على هذا الجُمْهورُ: المالِكِيَّة ، والشَّافِعِيَّة في الأصَحِّ ، والحَنابِلَة
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عَن عُمَرَ بْنِ الخَطَّاب رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم يقول: ((أتاني الليلةَ آتٍ مِن ربِّي عزَّ وجَلَّ، فقال: صَلِّ في هذا الوادي المُبارَكِ، وقل: عُمْرَةً في حَجَّةٍ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أن قَوْلَه: ((في)) بمعنى (مع) كأنَّه قال: عُمْرَة معها حَجَّةٌ، فيكون دليلًا على أنَّه صلَّى الله عليه وسَلَّم كان قارِنًا
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: خرَجْنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم، فقال: ((مَن أرادَ منكم أن يُهِلَّ بحَجٍّ وعُمْرَةٍ، فلْيَفْعَلْ، ومن أراد أن يُهِلَّ بحَجٍّ فلْيُهِلَّ، ومن أراد أن يُهِلَّ بعُمْرَةٍ فلْيُهِلَّ ))
ثانيًا: أنَّ التعيينَ هو الأصْلُ في العبادات
ثالثًا: أنَّه بتعيينِ النُّسُك يَعْرِفُ المْحْرِمُ ما يدخُلُ عليه، وهو أقرَبُ إلى الإخلاصِ
المَطْلَب الخامس: الإحرامُ المُبْهَمُ
إذا أحرَمَ ولم يعيِّنْ نُسُكَه فإنَّه ينعَقِدُ إحرامُه، ويَصْرِفُه إلى ما شاءَ مِن أنواعِ النُّسُكِ قبل شُروعِه في أفعالِ النُّسُكِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة ، والمالِكِيَّة ، والشَّافِعِيَّة ، والحَنابِلَة
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن جابرِ بن عبدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((قَدِمَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، بِسعايَتِه، قال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم: بمَ أهْلَلْتَ يا عليُّ؟ قال: بما أهَلَّ به النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم، قال: فأَهْدِ، وامكُثْ حرامًا كما أنت ))
2- عن أبي موسى رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((قَدِمْتُ على رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم وهو مُنِيخٌ بالبَطْحاءِ، فقال لي: أحَجَجْتَ؟، فقُلْتُ: نعم، فقال: بمَ أهْلَلْتَ؟، قال: قُلْتُ: لبَّيْكَ بإهلالٍ كإهلالِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم، قال: فقد أحسَنْتَ، طُفْ بالبَيْتِ وبالصَّفا والمروة، وأَحِلَّ ))
ثانيًا: أنَّه صَحَّ الإهلالُ مُبْهَمًا لتأكُّدِ الإحرامِ، وكَوْنِه لا يَخْرُج منه بمحظوراتِه
ثالثًا: أنَّ هذا مِثْلُ ابتداءِ الإحرامِ بالنِّيَّة مطلقًا، ثم تَعْيِينِه باللَّفْظِ بأيِّ أنواعِ النُّسُكِ شاء
المَطْلَب السادس: مَن لَبَّى بغيرِ ما نوى
من لبَّى بغيرِ ما نوى، كأنْ يَنْوِيَ القِرانَ، ويجري على لسانِه الإفرادُ، ونحو ذلك؛ فإنَّه يكون مُحْرِمًا بما نوى، لا بما جرى على لِسانِه
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَن عُمَرَ بْنِ الخَطَّاب رَضِيَ اللهُ عنه قال: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم يقولُ: ((إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نوى ))
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ المُنْذِر
ثالثًا: أنَّ الواجِبَ النِّيَّةُ، وعليها الاعتمادُ، واللَّفْظُ لا عبرةَ به، فلم يُؤَثِّرْ، كما لا يُؤَثِّرُ اختلافُ النيَّةِ فيما يُعْتَبَرُ له اللَّفْظُ دون النِّيَّةِ
المَطْلَبُ السابعُ: نسيانُ ما أحرَمَ به
مَنْ أحرَمَ بشيءٍ مُعَيَّنٍ، ثم نَسِيَ ما أحرَمَ به؛ فإنَّه يَلْزَمُه حجٌّ وعُمْرَةٌ، ويَعْمَل عَمَلَ القارِن، وهذا مَذْهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة ، والمالِكِيَّة ، والشَّافِعِيَّة
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه تلبَّسَ بالإحرامِ يقينًا فلا يتحَلَّلُ إلا بيقينِ الإتيانِ بالمشروعِ فيه
ثانيًا: أنَّه أحوَطُ؛ لاشتمالِه على النُّسُكَينِ، فيتحَقَّقُ بالإتيانِ بالنُّسُكينِ الخروجُ عمَّا شَرَعَ فيه، فتَبْرَأُ ذِمَّتُه
المَطْلَب الثامن: الإحرامُ بما أحرَمَ به فلانٌ:
مَن نوى الإحرامَ بما أحْرَمَ به فلانٌ؛ انعقَدَ إحرامُه بِمِثْلِه، فإن كان لا يَعْلَمُ ما أحرَمَ به؛ فإنَّه يَقَعُ مُطْلَقًا ويَصْرِفُه إلى ما يشاء؛ نصَّ على هذا الجُمْهورُ: المالِكِيَّة ، والشَّافِعِيَّة ، والحَنابِلَة
الأدلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن جابرِ بن عبدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((قَدِمَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، بِسعايَتِه، قال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم: بمَ أهْلَلْتَ يا عليُّ؟ قال: بما أهَلَّ به النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم، قال: فأَهْدِ، وامكُثْ حرامًا كما أنت ))
2- عن أبي موسى رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((قَدِمْتُ على رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم وهو مُنِيخٌ بالبَطْحاءِ، فقال لي: أحَجَجْتَ؟، فقُلْتُ: نعم، فقال: بمَ أهْلَلْتَ؟، قال: قُلْتُ: لبَّيْكَ بإهلالٍ كإهلالِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم، قال: فقد أحسَنْتَ، طُفْ بالبَيْتِ وبالصَّفا والمروة، وأَحِلَّ ))
ثانيًا: وله أن يَصْرِفَه إلى ما شاء؛ لأنَّه إن صَرَفَه إلى عُمْرَةٍ، وكان نُسُكُ فلانٍ عُمْرَةً، فقد أصاب، وإن كان حجًّا مُفْرَدًا أو قِرانًا فله فَسْخُهُما إلى العُمْرَةِ، وإن صَرَفَه إلى القِرانِ، وكان نُسُكُ فلانٍ قرانًا، فقد أصاب، وإن كان عُمْرَةً، فإدخالُ الحَجِّ على العُمْرَةِ جائزٌ قبل الطواف، فيصير قارنًا، وإن كان مُفْرِدًا، لغا إحرامُه بالعُمْرَة، وصَحَّ بالحَجِّ، وسقط فَرْضُه، وإن صَرَفَه إلى الإفرادِ، وكان مُفْرِدًا، فقد أصاب، وإن كان مُتَمَتِّعًا، فقد أدخَلَ الحَجَّ على العُمْرَة، وصار قارنًا في الحُكْم، وفيما بينه وبينَ الله تعالى، وهو يَظُنُّ أنَّه مُفْرِدٌ، وإن كان قارنًا فكذلك
.