#1
| ||||||||||
| ||||||||||
عرفة في القديم إنَّ في صحراء عرفةَ آبارًا معطَّلة، احتفرها آباؤُنا وأهملْناها نَحن، فدلَّت على أنَّ الأبناء قصَّروا عن شأو الآباء، وأنَّ الأبناء إنَّما ارتفقوا بِما عجز الحدثان عن طمْسِه من مآثِر الآباء، ولكنَّهم لم يَزيدوا عليها شيئًا، بل هم لم يُصْلِحوا ما عطَّله الدَّهر من حُلاها، والحال أنَّ الآخِر حقيقٌ بأن يَزيد على الأوَّل، وأنَّ الذي يتسنَّى للخلف بِما استفادوه من عِبَر الدَّهر المتراكمة، واستثْمروه من التَّجاريب المتكرِّرة، لم يكن يتسنَّى للسَّلف، فنحنُ ترانا بعكْس القاعدة نعجز في عنفوان المدنية عن مباراة ما حقَّقه أجدادُنا في حداثتِها، وليت شعري لو لم تكن زبيدة امرأة هارون الرَّشيد أجرتْ مياه نعمان إلى عرفات، مَن يقول إنَّ رجلاً من مُسلمي اليوم - فضلا عنِ امرأة - تسمو همَّته إلى القيام بمشروع كهذا. فعرفات التي هي ما هي اليوم من القحولة واليبوسة، والتي كان الحاجُّ يظمأ فيها إلى الموت لولا قناة عين زبيدة المارَّة بها، قد كانت في الماضي ذاتَ رياض وغياض، وسقايات وحياض، انظر ما في "معجم البلدان" بشأن عرفات فهو يقول: "قال ابن عباس: حدُّ عرفة من الجبل المشرف على بطن عرنة إلى جبالِها إلى قصْر آل مالك ووادي عرفة. وقال البشاري: فرعة[1] قرية فيها مزارع وخضر ومباطخ، وبها دور حسنة لأهل مكَّة ينزلونها يوم عرفة، والموقف منها على صيحة عند جبل متلاطئ - أي متدانٍ إلى الأرض - وبها سقايات وحياض وعلم بني يَقِفُ عنده الإمام ... إلخ". وقد ذكروا في أخبار عبدالله بن كُريز العبشمي، الذي كان من شجعان الصَّحابة وأُسُود فتوحات الإسلام، وهو الذي فتح فارس وخراسان وسجستان وكابُل - بضم الباء - أنَّه اتَّخذ النِّباج[2] وغرس فيها، فهي تدعى نباج ابنِ عامر، واتَّخذ القريتيْن أو غرس بِها نخلاً، وأنْبط عيونًا تُعْرَف بعيون ابْنِ عامر، بينها وبين النِّباج ليلة على طريق المدينة وحفر الحفير، ثُمَّ حفر السمينة، واتَّخذ بقرب قباء قصرًا وجعل فيها زنجًا ليعملوا فيه، فماتوا فتركه، واتَّخذ بعرفات حياضًا ونخلا، وولي البصرة لعثمان بن عفان فاحتفر بها نهرين وحفر نهر الأبلَّة، وكان يقول: لو تركت لخرجت المرأة في حداجتِها على دابَّتها ترِدُ كلَّ يوم ماءً وسوقًا حتَّى توافي مكة، وكان علي بن أبي طالب يقول عنه: إنَّه فتى قريش. مات سنة 59. فالإسلام ولاسيَّما العرب في أشدِّ حاجةٍ إلى رجال كعبدالله بن عامر بن كريز العبشمي، الفاتح الماتح، المعمِّر المثمِّر، الذي كان مغرمًا بالعمارة حيث حلَّ وأيْنما ارتحل، وناهيك بِمن يقول فيه أميرُ المؤمنين - كرَّم الله وجهَه - إنه "فتى قريش"[3]. ولنا الرجاء في معالي هِمم جلالة ابْنِ سعود الذي حضَّر طائفةً كبيرة من الأعراب، وبنى لهم "الهُجَر" (جمع هجرة، وأصل معنى المُهاجرة في العربي النزوع من البادية إلى الحاضرة[4]) وحَملهم على الحرْث والزرع، ولا يزال يشوِّق النَّاس إلى الحضارة - أن تنصرِف تلك الهِمم الشمَّاء، إلى استِنْباط المياه، واحتِقار الآبار الارتوازيَّة في الصحاري المحْرِقة، حتى يعود بِها الغامر عامرًا، واليابس ناضرًا، والموات حيًّا، والجماد غضًّا طريًّا. ولنذكر شيئًا عن البقاع التي عمرها الصحابي الجليل عبدالله بن عامر بن كريز، فالنِّباج كما نقله ياقوت عن أبي منصور نباجان، أحدهما: موضع على طريق البصرة، يقال له نباج بني عامر وهو بِحذاء فيد، والآخر: نباج بني سعد بالقريتَين، وقال غيره: النباج لحجَّاج البصرة، وقيل: النباج بين مكَّة والبصرة للكُريْزيين، وقال عبد الله السكوني: النباج من البصرة على عشر مراحل، وقال: النباج استنبط ماءه عبدالله بن عامر بن كريز، شق فيه عيونا وغرس نخلاً وولده به، وساكنه رهطه بنو كُريز ومن انضمَّ إليْهِم من العرب" انتهى. وأمَّا الحفير فإنَّه اسم لأكثر من عشرين بئرًا ومنزلاً في بلاد العرب، هذا على تقْدير أنَّه بوزن فَعيل بفتح الأول وكسْر الثاني، وأمَّا إذا كان لفظه مصغَّر حفْر؛ أي بضمِّ الأوَّل وفتح الثاني، فهو اسم لمنازل عدَّة أيضا[5] وقال الحفصي: إذا خرجت من البصرة تُريد مكَّة فتأخذ بطْن فلج، فأوَّل ماء ترد الحفير. قال بعضهم: وَلَقَدْ ذَهَبْتُ مُرَاغِمًا أَرْجُو السَّلامَةَ بِالحُفَيْرِ وأمَّا السُّمَيْنة - بضمِّ الأوَّل وفتْح الثَّاني على التَّصغير - ففي المعجم أنَّه أوَّل منزل من النِّباج للقاصد إلى البصرة، وأمَّا قباء التي اتَّخذ بها عبدالله بن عامر بن كريز قصرًا فلا نظنُّها قباء التي في المدينة على مسافة ميليْن منها على يسار القاصِد إلى مكَّة، والتي فيها المسجد الذي أُسِّس على التَّقْوى من أوَّل يوم، ولكنِّي أظنُّها قباء التي يقول عنها ياقوت في معجمه إنَّها "موضع بين مكَّة والبصرة" والدَّليل على ذلك أنَّ عبدالله بن عامر ولي البصْرة لعثمان بن عفَّان فأكثر من البناء والحفر والغراس على الطريق المؤدِّية من البصرة إلى مكَّة، فالنباج والحُفَير (بضم ففتح على التَّصغير) والسُّمينة (بالتصغير أيضًا) كلُّها على هذا السَّمت، فالأشْبه أن تكون قباء التي بنى عبدالله فيها صرحًا هي قباء التي موْقِعها بين مكَّة والبصْرة، ولقد أوْرد ياقوت بعد ذِكْرِه قباء التي بين مكَّة والبصْرة أبياتًا للسري بن عبدالرحمن بن عتبة بن عويْمِر بن ساعدة الأنصاري، ممَّا يوهم أنَّ هذه الأبيات قيلت في قباء هذه، والأوْلى هو أن تكون قباء المقصودة في شعر السَّري بن عبدالرحمن الأنصاري هي قباء المدينة المنوَّرة؛ لأنَّ الأنصار كان لهم مساكنُ فيها، ولأنَّه يصِف فيها ماءَ بئر عروة الشَّهيرة بالعذوبة، والتي يُقال إنَّه كان يُحمل من مائها إلى هارون الرَّشيد وهو بالرَّقَّة، وبئر عروة هي في ضواحي المدينة كما هو معلوم، وعندها بستان لطيف.فَرَجَعْتُ مِنْهُ سَالِمًا وَمَعَ السَّلامَةِ كُلُّ خَيْرِ وقد قسم الله لي النزهة "أو القيلة كما يقول أهل الحجاز" عند هذه البئر منذ خَمسَ عشرة سنة قبل الحرب العامَّة بقليل، ووجدتُ من خفَّة مائِها وحلاوته ما تذكَّرته هذه المرَّة عند شربي من بئر جعرانة التي في ضواحي مكَّة، أمَّا الأبيات التي استشهد بها ياقوت فهي هذه. وَلَهَا مِرْبَعٌ بِبُرْقَةِ خَاخٍ وَمَصِيفٌ بِالقَصْرِ قَصْرِ قُبَاءِ وخاخ هي روضة خاخ بقُرب حمراء الأسد من المدينة، كانت من الأحماء التي حماها النبي - صلى الله عليه وسلَّم - والخلفاء الرَّاشدون، يقال: إنها في حدود العقيق بين الشوطي والناصفة، وقد أكثر من ذكرها الشُّعراء، وكانت فيها منازل لأئمَّة من آل البيت وغيرهم من أعيان المدينة.كَفِّنُونِي إِنْ مِتُّ فِي دِرْعِ أَرْوَى وَاغْسِلُونِي[6] مِنْ بِئْرِ عُرْوَةَ مَائِي سُخْنَةٌ فِي الشِّتَاءِ بَارِدَةُ الصَّيْفِ سِرَاجٌ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ وأمَّا نهر الأبلَّة الذي يقال: إنَّ عبدالله بن عامر شقَّه، فهو نهر بالبصرة، وهو إحدى جنان الدُّنيا الأرْبع بِحسب قوْلِ بعضِهم، وهي غوطة دمشق، وصغد سمرقند، وشِعْب بوَّان، ونهر الأبلَّة. وحكيَ أنَّ بكر بن النطاح مدح أبا دُلَف العِجْلي بقصيدةٍ، فأثابه عليْها عشَرة آلاف درهم، فاشترى بها ضيعة بالأبلَّة، ثُمَّ جاء بعد قليل وأنشده: بِكَ ابْتَعْتُ فِي نَهْرِ الأُبُلَّةِ ضَيْعَةً عَلَيْهَا قُصَيْرٌ بِالرُّخَامِ مَشِيدُ إِلَى جَنْبِهَا أُخْتٌ لَهَا يَعْرِضُونَهَا وَعِنْدَكَ مَالٌ لِلْهِبَاتِ عَتِيدُ فقال أبو دلف: وكم ثَمن هذه الضَّيعة الأخرى؟ فقال: عشَرة آلاف درهمٍ، فأمر أن يُدْفَع ذلك إليْه، فلمَّا قبضَها قال له أبو دلف: "اسْمع منِّي يا بكر، إنَّ إلى جنْبِ كلِّ ضيعةٍ أخرى إلى الصين، وإلى ما لا نِهايةَ له، فإيَّاك أن تَجيئَني غدًا وتقول: إلى جنب هذه الضَّيعة أخرى، فإن هذا شيء لا ينقضي". خاف أبو دلفٍ أن تَصير ضياع بكر بن النطاح مثْلَ مستعمرات الإنكليز، كل واحدةٍ تَجُرُّ جارتَها، وهلمَّ جرًّا. المصدر: منتدى همسات الغلا uvtm td hgr]dl uvtm |
09-06-2022, 12:44 PM | #2 |
| جزآك الله جنةٍ عَرضها آلسَموآت وَ الأرض بآرك الله فيك على الطَرح القيم في ميزآن حسناتك ان شاء الله ,, آسأل الله أن يَرزقـك فسيح آلجنات !! وجَعل مااقدمت في مَيزانْ حسَناتك وعَمر آلله قلبك بآآآلايمَآآنْ علىَ طرحَك آالمحمَل بنفحآتٍ إيمآنيهِ دمت بـِ طآعَة الله . |
|
09-06-2022, 02:53 PM | #3 |
| ذَائِقَة مُتَمَيِّزَة واختِيَار مُوفَّق يعطِيكـ العَافِيَة عَلى هَذَا { الطَّرْح } الجَمِيل وجَزَاكـ اللهُ خَيرًا عَلى جُهُودِكـ المُثمِرَة فِي أرْوِقَة المُنتَدَى |
|
09-06-2022, 09:34 PM | #4 |
| |
|
09-06-2022, 10:32 PM | #5 |
| جزآك الله جنةٍ عَرضها آلسَموآت وَ الأرض .. بآرك الله فيك على الطَرح القيم وَ في ميزآن حسناتك .. آسأل الله أنْ يَرزقـك فسيح آلجنات !! دمت بحفظ الله ورعآيته .. لِ روحك |
|
10-06-2022, 02:34 PM | #6 |
| جزيتم الجنان ورضى الرحيم الرحمن أدام الله سعادتكم ودمتم بــ طاعة الرحمن... |
|
10-06-2022, 02:34 PM | #7 |
| جزيتم الجنان ورضى الرحيم الرحمن أدام الله سعادتكم ودمتم بــ طاعة الرحمن.... |
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
القديم , عرفة , في |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
حين احدثكم عن بيتنا القديم تتحدث معي السعاده//.نبص وقلم الجوري | ذابت نجوم الليل | ( قناة وحصريات الجوري ) | 11 | 25-07-2020 02:49 PM |
عصور ماقبل التاريخ | الفارس المصرى | ( همســـات التاريخ والتراث والأنساب) | 7 | 27-02-2020 02:33 PM |
ممالك دولة اليمن القديمه | الفارس المصرى | ( همســـات التاريخ والتراث والأنساب) | 9 | 25-02-2020 10:01 AM |
أقوال وكلمات قيلت عن التراث القديم _ الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. ” رحمه الله :- | مبارك آل ضرمان | ( همســـات التاريخ والتراث والأنساب) | 7 | 23-03-2019 10:56 PM |
تاريخ اليمن القديم جدا | الفارس المصرى | ( همســـات التاريخ والتراث والأنساب) | 9 | 22-02-2019 11:15 AM |