ننتظر تسجيلك هنا


الإهداءات


العودة   منتدى همسات الغلا > ¨°o.O (المنتديات الاسلاميه) O.o°¨ > (همسات القرآن الكريم وتفسيره )

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 06-06-2022, 07:57 PM
فاتنة غير متواجد حالياً
Saudi Arabia    
الاوسمة
انامل باذخه 
لوني المفضل Mediumauqamarine
 رقم العضوية : 8862
 تاريخ التسجيل : 11 - 9 - 2019
 فترة الأقامة : 1935 يوم
 أخر زيارة : 08-02-2024 (01:04 AM)
 المشاركات : 849,165 [ + ]
 التقييم : 2147483647
 معدل التقييم : فاتنة يستحق التميز فاتنة يستحق التميز فاتنة يستحق التميز فاتنة يستحق التميز فاتنة يستحق التميز فاتنة يستحق التميز فاتنة يستحق التميز فاتنة يستحق التميز فاتنة يستحق التميز فاتنة يستحق التميز فاتنة يستحق التميز
بيانات اضافيه [ + ]
شكراً: 0
تم شكره 9 مرة في 9 مشاركة
افتراضي •• ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ ﴾ ••



تعددت آياتُ الثناءِ العَطِر على إمام الحُنفاء نبي الله إبراهيم عليـه السلام في كثيرٍ من مواضع القرآن العظيم، بيدَ أن اللافت الجدير بالتأمُّل حقًّا، ما اقترنتْ به تلكمُ المواضعُ من المعاني العظيمة التي لها مَسيسٌ مُباشر بالحنيفية والتوحيد والعقيدة الصحيحة المستفادة من نصوصِ الوحيين؛ الكتاب العظيم والسُّنة المطهرة على صاحبها أفضل الصلاةِ وأتمِّ التسليم.

ليُعلم أن علماءَ الإسلام الأُوَل الراسخين في العلم، لم يكونوا بِدعًا من أولي العلم والصدق والرشاد، كما أنهم لم يأتوا بشيءٍ من التقعيدات والتنظيرات من تلقاءِ أنفسهم، وإنما انطلقوا من نصوص الوحي المطهر وصدروا عن مورِدِهِ العذب، فارْتَوَوْا ورَوَّوْا وأرْوَوْا، للهِ درُّهم وجزاهم الله عن الملة والأمة بخيرِ ما جزى عالِمًا صادقًا.

أما الآيةُ الكريمة التي معنا واشتملت على جلالٍ من المعاني الرشيدة في طَيِّ الثناءات العبِقة العاطرة في حقِّ نبيِّ الله إبراهيم عليـه السلام، فهي قول الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ﴾[1].

فما الأمرُ الذي أعقبَ هذا الثناء الكريم في سياق الآية الكريمة؟! لنتأمل السياق الكريم:
قال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ * قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَىٰ ذَٰلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ * وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ)[2].

إنهُ الإنكارُ على شتى المعبودات من التصاوير والتماثيل، وسدُّ الذرائع بتحريمها لئلا تُعبَدَ من دونِ الله تعالى[3].

إذًا فمما يدلُّ على رُشدِ المسلم المُوحِّد أن ينبذَ بقلبه تلكم المنحوتات والتصاوير لذواتِ الأرواح[4]، إذ هي وسيلة الشيطان بكونها الخطوة الأولى لتقديسها وتعظيمها وعبادتها في الأجيالِ اللاحقة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمَا: "صَارَتِ الأوْثَانُ الَّتي كَانَتْ في قَوْمِ نُوحٍ في العَرَبِ بَعْدُ؛ أمَّا وَدٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بدَوْمَةِ الجَنْدَلِ، وأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ، وأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ، ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بالجَوْفِ عِنْدَ سَبَأٍ، وأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ، وأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ لِآلِ ذِي الكَلَاعِ، أسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِن قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أوْحَى الشَّيْطَانُ إلى قَوْمِهِمْ: أنِ انْصِبُوا إلى مَجَالِسِهِمُ الَّتي كَانُوا يَجْلِسُونَ أنْصَابًا، وسَمُّوهَا بأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ، حتَّى إذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وتَنَسَّخَ العِلْمُ عُبِدَتْ"[5].

وأورَد الإمامُ السعدي عند تفسيره لقول الله تعالى: ﴿ وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ﴾، قال: "وهذه أسماء رجال صالحين لما ماتوا زيَّن الشيطان لقومهم أن يُصوِّروا صورَهم، لينشطوا بزعمهم على الطاعة إذا رأوها، ثم طال الأمد، وجاء غير أولئك، فقال لهم الشيطان: إن أسلافكم يعبدونهم، ويتوسَّلون بهم، وبهم يسقون المطر، فعبدوهم، ولهذا أوصى رؤساؤهم للتابعين لهم ألا يدعوا عبادة هذه الآلهة"[6].

وحيثُ أنذَر الشرعُ الحكيم أتباعه من اتخاذها؛ سدًّا للذرائع المُفضية إلى الشرك في عبادة الله الواحد جلَّ جلاله، فتلك دلالةٌ على أن النتيجة واحدة، وإن تعددت المُقدِّمات والمُبررات الشيطانية لاتخاذها[7].

عن أمِّنا عائشة رضي الله عنها قالت: "لَمَّا اشْتَكَى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذَكَرَتْ بَعْضُ نِسَائِهِ كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بأَرْضِ الحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا: مَارِيَةُ، وكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، وأُمّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنْهما أتَتَا أرْضَ الحَبَشَةِ، فَذَكَرَتَا مِن حُسْنِهَا وتَصَاوِيرَ فِيهَا، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: أُولَئِكِ إذَا مَاتَ منهمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا علَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، ثُمَّ صَوَّرُوا فيه تِلكَ الصُّورَةَ أُولَئِكِ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ"[8].

فحُسن تلك التصاوير بما يُلقيه الشيطان ويوحيه إليهم بتزيين هيْئتها وصورتها وبنائها، وهذا جانبٌ حِسي يُلقي في قلب الجاهل المهابة والتعظيم، كما يحدث تمامًا مع القبور المبنية المعظمة عند أصحابها من القبوريين، وأما الحُسن والتزيين المعنوي، فبما يوحيه إليهم من أنهم على حق وخيرية بالعناية بتلكم التصاوير والتماثيل والنُّصَب تحت أي دعوى أو ذريعة، فتارةً هي تذكار، وتارة هي أعمال فنيَّة، وتارةً هي آثار، وتارة هي تُحفة فنيَّة، أو تراث وثقافة، وموروث تاريخي، أو إحدى التقاليع[9]، وهلمَّ جرًّا تحت أثوابٍ فضفاضة عمودها والأساس فيها (تغيير المسميات مع اتحاد الماهِيَّات).

يقول الشوكاني رحمهُ الله: "لا شك ولا ريب أن السبب الأعظم الذي نشأ منه هذا الاعتقاد في الأموات هو ما زيَّنه الشيطان للناس من رفع القبور، ووضع الستور عليها، وتجصيصها وتزيينها بأبلغ زينة، وتحسينها بأكمل تحسين، فإن الجاهل إذا وقعت عينه على قبر من القبور قد بنيت عليه قبة فدخلها، ونظر على القبور الستور الرائعة، والسرج المتلألئة، وقد سطعت حوله مجامرُ الطيب، فلا شك ولا ريب أنه يمتلئ قلبه تعظيمًا لذلك القبر، ويضيق ذهنه عن تصور ما لهذا الميت من المنزلة ويدخله من الروعة والمهابة ما يزرع في قلبه من العقائد الشيطانية التي هي من أعظم مكائد الشيطان للمسلمين، وأشد وسائله إلى ضلال العباد ما يزلزله عن الإسلام قليلًا قليلًا"[10].

لقد اقترن ذكرُ الأصنام والتماثيل في كثيرٍ من آي الذكر الحكيم، بموقفِ الخليل إبراهيم عليه السـلام منها، وهو الإنكار الشديد والتسفيه لها ولعابديها، تهوينًا لشأنها وغضًّا من هالةِ التعظيم والهيبة التي قد تُضفيها الشياطين عليها تلبيسًا على فقراء العلم الرباني الراسخ من عوام الناس وجهالهم، فمن الإنكار على أبيه آزرَ، ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾[11]، إلى التضرع إلى الله تعالى بأن يجنبه وبنيه عبادة الأصنام ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾[12]، إلى الكيد لها وإظهار ضعفها وهشاشتها أمام مُعَظِّمِيها وعابديها، ﴿ وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ * قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ * قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾[13]، إلى إعلانِ عداوته لها: ﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾[14]، والبراءة منهم ومنها: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾[15]، وتعرية حقيقتها أمامهم وبيان المصير المظلم الذي ينتظرهم جميعًا، ﴿ وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾[16]، إلى بيان حقيقتها بلا زيفٍ ولا تزيينٍ ولا تغيير مسميات ﴿ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾[17].

فكان ذلك هو سبيلَ الرشادِ حقًّا، والميزان الدقيق الواضح الذي تُعرض عليه كل دعوى ويُختَبَرُ به كُل انتساب، فيُحكم عليهما بالحكم الرشيد البيِّن على أساسٍ ونورٍ من الحق.

فما الرشد؟
مأخوذ من مادة (ر ش د) التي تدل على استقامة الطريق، والرَّشد والرُّشد والرَّشاد: نقيض الغيّ، والراشد: المستقيم على طريق الحق، وأرشده الله، ورشَّده: هداه[18].

وإذا تأمَّلنا الآيات التي ذكرت الرشد في القرآن الكريم، وجدنا أغلبها في مقابلة الكفر والشرك، ما يدل على أن الرشد الحق هو الإسلام والإيمان، وأن سبيلهما هو سبيل الرشاد الحق، لا الدعاوى التي يطلقها البعض بلا حُجَّةٍ ولا برهان، كدعوى عدوِّ الله الساقطة حين قال: (ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ)[19].

إنما الرشد نورٌ وهدايةٌ من الله تعالى توصِل السالك الآخذَ بها إلى ربِّه ومولاهُ عز وجل وثوابهِ الجزيل، ولعلنا نستعرض بعض الآيات سريعًا مع مختصرٍ مما أورَدَهُ أهل العلم في تفسيرها:
1- قال تعالى: ﴿ وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾، قال السعدي رحمهُ الله: "﴿ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾؛ أي: يحصل لهم الرشد الذي هو الهداية للإيمان والأعمال الصالحة، ويزول عنهم الغي المنافي للإيمان والأعمال الصالحة"[20].

وكما هو معلوم أن "لعل" من الله واجبة كما قررهُ أهل العلم رحمهم الله، مما يدل ويشير إلى أن التعلق بالله تعالى، وطرق أبواب الدعاء والإلحاح في ذلك - ولا سيما للصائم - أنه من أرجى أسباب الرشد والرشاد، وقد جاء في الحديث: "الدعاء هو العبادة"[21].

2- قال تعالى: ﴿ لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾[22].

وفي تفسيرها يقول السعدي رحمهُ الله: "يخبر تعالى أنه لا إكراه في الدين لعدم الحاجة إلى الإكراه عليه؛ لأن الإكراه لا يكون إلا على أمرٍ خَفِيَّةٌ أعلامه، غامضة آثارُه، أو أمرٍ في غاية الكراهة للنفوس، وأما هذا الدين القويم والصراط المستقيم، فقد تبيَّنت أعلامه للعقول، وظهرت طرقُه، وتبيَّن أمرُه، وعُرف الرشدُ من الغي، فالموفَّق إذا نظر أدنى نظر إليه أثره واختاره، وأما من كان سيئ القصد فاسد الإرادة، خبيث النفس يرى الحق، فيختار عليه الباطل، ويبصر الحسن فيميل إلى القبيح، فهذا ليس لله حاجة في إكراهه على الدين، لعدم النتيجة والفائدة فيه"[23].

3- قال تعالى: ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ ﴾[24].

قال ابن كثير: ﴿ وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ﴾؛ أي: وإن ظهر لهم سبيل الرشد، أي: طريق النجاة لا يسلكوها، وإن ظهر لهم طريقُ الهلاك والضلال يتخذوه سبيلًا"[25].

وللسعدي رحمهُ الله عبارةٌ سديدة جميلة؛ حيث يقول: "سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ أي: عن الاعتبار في الآيات الأفقية والنفسية، والفهم لآيات الكتاب الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ؛ أي: يتكبرون على عباد الله وعلى الحق، وعلى من جاء به، فمن كان بهذه الصفة، حرَمَهُ الله خيرًا كثيرًا وخذَله، ولم يفقه من آيات الله ما ينتفع به، بل ربما انقلبت عليه الحقائق، واستحسن القبيح، وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا لإعراضهم واعتراضهم، ومحادتهم لله ورسوله، وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ؛ أي: الهدى والاستقامة، وهو الصراط الموصل إلى اللّه، وإلى دار كرامته لا يَتَّخِذُوهُ أي: لا يسلكوه ولا يرغبوا فيه، وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ؛ أي: الغواية الموصل لصاحبه إلى دار الشقاء يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا والسبب في انحرافهم هذا الانحراف، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ، فرَدُّهم لآيات الله، وغفلتُهم عما يُراد بها واحتقارُهم لها، هو الذي أوجب لهم من سلوك طريق الغي، وترك طريق الرشد ما أوجب"[26].

4- وقال تعالى فيما قصَّ من خبر المؤمن الهادي لسبيلِ الرشاد حقًّا: ﴿ وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾[27].

وفي تفسيرها أرود الطبري رحمهُ الله: "يقول تعالى ذكره مخبرًا عن المؤمن بالله من آل فرعون ﴿ وَقَالَ الَّذِي آمَنَ من قوم فرعون لقومه: ﴿ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ يقول: إن اتبعتموني فقبِلتم مني ما أقول لكم، بيَّنت لكم طريق الصواب الذي ترشدون إذا أخذتُم فيه وسلكتموه، وذلك هو دين الله الذي ابتعث به موسى"[28].

5- وقال تعالى فيما قصَّهُ من خبر الجن حين استمعوا القرآن: ﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَدًا ﴾[29].

قال القرطبي رحمهُ الله: "يهدي إلى الرشد أي إلى مراشد الأمور، وقيل: إلى معرفة الله تعالى، ويهدي في موضع الصفة أي هاديًا، فآمنا به؛ أي فاهتدينا به وصدَّقنا أنه من عند الله، ولن نشرك بربنا أحدًا؛ أي لا نرجع إلى إبليس ولا نطيعه; لأنه الذي كان بعثهم ليأتوه بالخبر، ثم رمي الجن بالشُّهب، وقيل: لا نتَّخذ مع الله إلهًا آخرَ; لأنه المتفرد بالربوبية، وفي هذا تعجيبُ المؤمنين بذَهاب مشركي قريش عما أدركته الجن بتدبُّرها القرآن"[30].

وأورد البغوي رحمهُ الله: "﴿ يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ ﴾، يدعو إلى الصواب من التوحيد والإيمان، ﴿ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَدًا ﴾"[31].

6- وكذلك قوله تعالى: ﴿ وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا ﴾[32].

قال البغوي: "﴿ وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وهم الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ﴿ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ الجائرون العادلون عن الحق، قال ابن عباس: هم الذين جعلوا لله ندًّا، ﴿ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا ﴾؛ أي: قصدوا طريق الحق وتَوَخَّوْه"[33].
وعودءٌ على بدء، وهي الآية الكريمة التي نحن بصددها وهي قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ ﴾، نجدها قد وردت في سورةِ الأنبياء، ما يدل على أن أكمل الناس عقولًا ورشدًا وأحسنهم إرشادًا هم الأنبياء، كما نستلهم أن العبادة الحقة لله تعالى والعمل الصالح وعلى رأسهِ الإيمان بالله، وما يستلزمه من سائر أركان الإيمان وأركان الإسلام، هما سبيلُ الرشاد، ثم في ذكر المُبرأة أم المسيح عليهما السلام في هذهِ السورة الكريمة إيماءٌ وإشارة إلى حديث: "كَمَلَ مِنَ الرِّجالِ كَثِيرٌ، ولَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّساءِ إلَّا مَرْيَمُ بنْتُ عِمْرانَ.."[34]، وقد شَهِدَ لها الكتاب العزيز بالصِّديقية التي هي أعلى مراتب الكمال الإيماني بعد درجة النبوة.

وفيها إشارة لمعنى عظيم؛ من حيث جهةُ الإنكار على الأصنام والتماثيل، فمن كانت هذهِ سبيلهُ فقد رَشَد، وكذلك ذكر الموت وحسن الاتعاظ به على وجهٍ يحصلُ به الاهتداء والطاعة والبعد عن أسباب الضلال والغِواية، فذلك من الرُشد أيضًا.

قال ابن كثير عند تفسيره للآية: "هذا هو الرشد الذي أُوتيه من صغره، الإنكار على قومه في عبادة الأصنام من دون الله عز وجل، فقال: ﴿ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ﴾[35]، أي: معتكفون على عبادتها"[36].

وكذلك الإيمان بآيات الله المسطورة والمنظورة، وحسنُ الاهتداءِ بها في السيرِ إلى الله عز وجل من الرشد وهو سبيلُ الرشاد، وعسى السائر أن يبلغَ يومًا وأن يصل، فقط جدٌّ وعزمٌ واجتهادٌ نحو الغاية والهدف ﴿ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ ﴾.

ومن الرشد والرشاد أيضًا عدم الغض والإزراء والاستهزاء بالحقِّ وأهلهِ، ولا سيما ما يتعلق بدين الله ورسالاته، وأيما قرية خلت من ذلكم الرشد بتكذيبها آيات الله ورُسُلِهِ والإعراض عنهما، كان جزاؤها العقاب الأليم في الدنيا والآخرة.

وأن السالك لسبيل الرشاد هو المُستحق لجنَّات الخلد ونعيمها المقيم، كما جاء في قصة مؤمن آلِ فرعون: ﴿ وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾[37]، وفي موقف القيامةِ وعرصاتها كذلك لهم الأمنُ والأمان: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾[38].

والكتب الإلهية كتب حق ورُشدٍ ورَشاد، ولا سيَّما خاتمها وناسخها الذي تكفَّل الله بحفظه وهو القرآنُ العظيم؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ ﴾[39]، وقال: ﴿ وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴾[40]، وقال في شأن الكتاب العظيم الذي عندهُ عز وجل: ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾[41].

وغير ذلك من المعاني المستفادة من السورة الكريمة.

أخيرًا:
روى الإمام مسلم عن عبد الرحمنِ بن عبدِ ربِّ الكَعْبَةِ، قال: "دَخَلْتُ المَسْجِدَ فَإِذَا عبدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ العَاصِ جَالِسٌ في ظِلِّ الكَعْبَةِ، وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عليه، فأتَيْتُهُمْ فَجَلَسْتُ إلَيْهِ، فَقالَ: كُنَّا مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في سَفَرٍ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا؛ فَمِنَّا مَن يُصْلِحُ خِبَاءَهُ، وَمِنَّا مَن يَنْتَضِلُ، وَمِنَّا مَن هو في جَشَرِهِ، إذْ نَادَى مُنَادِي رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: الصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَاجْتَمَعْنَا إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: إنَّه لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إلَّا كانَ حَقًّا عليه أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ علَى خَيْرِ ما يَعْلَمُهُ لهمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ ما يَعْلَمُهُ لهمْ، وإنَّ أُمَّتَكُمْ هذِه جُعِلَ عَافِيَتُهَا في أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ، وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتَجِيءُ الفِتْنَةُ فيَقولُ المُؤْمِنُ: هذِه مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الفِتْنَةُ، فيَقولُ المُؤْمِنُ: هذِه هذِه، فمَن أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيُدْخَلَ الجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهو يُؤْمِنُ باللَّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ، وَلْيَأْتِ إلى النَّاسِ الَّذي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إلَيْهِ.. إلخ".

يقول الشارح:
"في هذا الحديثِ يَرْوي التَّابعيُّ عبدُ الرحمنِ بنُ عبدِ ربِّ الكَعْبَةِ أنَّه دَخلَ المسجدَ الحرامَ، فوَجَد الصَّحابيَّ عبدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو رَضيَ اللهُ عنهما جالسًا في ظِلِّ الكَعبةِ، والنَّاسُ مُجتمِعُونَ حولَهُ يَسْألونه ويَتعلَّمون منه حَديثَ وسُنَّةَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَذهَبَ إليهم، وجَلَس في مَجلِسِهم، فأخبَرَ عبدُ الله بنُ عَمْرٍو رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه وأصحابَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانوا مع رسولِ الله في سَفَرٍ، فنَزَلوا مَكانًا للاستراحةِ مِن تَعَبِ السَّفرِ، وأخَذَ النَّاسُ أماكنَهم للرَّاحةِ وإصلاحِ شُؤونِهم، فكان مِن النَّاسِ مَن يُصْلِحُ «خِباءَهُ» وهو الخَيْمَةُ وما يُشْبهها، وكان يُصْنَعُ من صُوفٍ أو وَبَرٍ -وهو شَعَرُ الإبلِ- فكان يَعُدُّها ويُهيِّئُها للرَّاحةِ، وكان منهم مَنْ يَنْتَضِلُ، أي: يَرمي بالسِّهامِ تَدرُّبًا، وكان منهم مَنْ هو في جَشَرِهِ، وهي: الدَّوابُّ الَّتي تُرعى ثمَّ تَبِيتُ في مَكانِها، يُرِيد أنَّهم أخرَجوا دَوابَّهُم منَ المكانِ الَّذِي نَزلوه لِتَرعى، وبيْنما هُم على تلك الحالِ وتَفرُّقِ القومِ في حَوائجِهم، إذْ نادى عليهم مُنادي رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «الصَّلاةُ جامِعةٌ» وهو أمرٌ بالحضورِ للصَّلاةِ، فاجْتَمَع النَّاسُ إلى رسولِ اللهِ، فأخبَرَهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه لمْ يوجَدْ نَبِيٌّ قَبْله إلَّا كان حقًّا عليه أنْ يَدُلَّ أُمَّته على خيرِ ما يَعلَمُهُ لهم، فيُبيِّنَ لهم أعمالَ الطَّاعاتِ والبِرِّ وما فيه صَلاحُ دِينِهم ودُنْياهم؛ لِيَأتوه ويَأتَمِروا به، «ويُنْذِرَهم شَرَّ ما يَعلَمُهُ لهم» فيُبيِّنَ لهم المعاصيَ وما فيه شَرٌّ على دِينِهم ودُنْياهم؛ لِيَحذَروه ويَنتهَوا عنه؛ لأنَّ ذلكَ مِن التَّبليغِ والبيانِ الَّذي أُمِروا به مِن اللهِ عزَّ وجلَّ، «وإنَّ أُمَّتَكم هذِهِ» يعني أُمَّةَ الإسلامِ، «جُعِلَ عافِيَتُها»، أي: سلامَتُها منَ الفِتنِ واستقامتُها واجتماعُ كَلمتِها في أوَّلِها، وهو زمنُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والخُلفاءِ الثَّلاثةِ إلى قتلِ عُثْمَانَ بنِ عفَّانَ رَضيَ اللهُ عنه، وقيل: إنَّ ابتداءَ الفتنِ كان بمَقتلِ عُمرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه، فهذه الأزمنةُ كانت أزمنةَ اتِّفاقِ هذه الأُمَّةِ واستقامةِ أمْرِها وعافيةِ دِينِها، فلمَّا قُتِل عُثمانُ رَضيَ اللهُ عنه هاجَتِ الفِتنُ وتَتابَعَت، ثمَّ لم تَزَلْ ولا تَزالُ مُتواليةً إلى يومِ القيامةِ، ويَحتَمِلُ أنْ يُرادَ بالأوَّلِ زَمنُ الصَّحابةِ والتَّابعينَ وبالآخِرِ ما بَعدهُما، «وسيُصيبُ آخِرَها بَلاءٌ» وهو المِحنةُ والمُصيبةُ، «وأُمورٌ تُنْكِرونها» مِن البِدعِ والخُرافاتِ؛ وذلك لأنَّها تُخالِفُ الشَّرعَ، ثمَّ «تَجيءُ فِتَنٌ يُرَقِّقُ بعضُها بعضًا»، فيَصيرُ بعضُها وأوَّلُها خَفيفًا بالنِّسبةِ لعِظَمِ وهَولِ ما بعدهُ، وتَجيءُ الفِتنةُ العَظيمةُ في الدِّينِ فَيقولُ المُؤمنُ: «هذه مُهْلِكَتِي»، أي: السَّبب في هَلاكي، ثمَّ تَذهبُ وتَنفَرِجُ عنه تلكَ الفِتنةُ الَّتي خافَ منها الهلاكَ، وتَجِيءُ بعدَها فِتنةٌ أُخرى فَيقولُ المُؤمنُ: «هذه هذه»، أي: هذه الفِتنةُ هي الفِتنةُ العُظْمَى، وقِيل: معنى قولِه: «هذه هذه» أي: هذه مُهلِكَتي، هذه مُهلِكَتي، كَرَّره للتَّأكيدِ.

ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «فمَنْ أحَبَّ أنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ» أي: يُبعَدَ عنها ولا يَدخُلَها يومَ القيامةِ، ويُريدُ أنْ يَدخُلَ الجنَّةَ؛ فلْيَأتِهِ الموتُ وهو يُؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ، وذلك بالمُداوَمةِ على الإيمانِ حتَّى يأتِيَهِ الموتُ، وليعامل الناسَ في كلِّ أُمورِه بما يُحِبُّ أن يُعامِله الناسُ بِه، ولْيَجِئْ إليهم بحُقوقِهم مِن النُّصحِ والنِّيَّةِ الحَسنةِ بمِثلِ الَّذي يُحِبُّ أنْ يُجاءَ إليه به، قيل: المقصودُ بالنَّاسِ هنا الأئمَّةُ والأُمراءُ؛ فيَجِبُ عليه لهم السَّمعُ والطَّاعةُ والنُّصرةُ والنَّصيحةُ مِثلَ ما لوْ كان هو الأميرَ لَكان يُحِبُّ أنْ يُجاءَ له به"[42].

وختامًا:
نسأل الله ربَّنا الرفيق الهادي الرشيد[43] أن يرشدَنا للخير والصواب، ويسلك بنا سبيلَ الرشاد، ويصرف عنا السوءَ والسوأة؛ إنه وليُّ ذلك والقادرُ عليه، وصلى الله على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


•• ﴿ ,QgQrQ]X NjQdXkQh YAfXvQhiAdlQ vEaX]QiE ﴾ ﴿ NjQdXkQh vEaX]QiE YAfXvQhiAdlE





رد مع اقتباس
قديم 06-06-2022, 08:02 PM   #2


ذابت نجوم الليل غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5956
 تاريخ التسجيل :  3 - 6 - 2014
 أخر زيارة : اليوم (01:31 PM)
 المشاركات : 3,292,496 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Saudi Arabia
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : red
شكراً: 573
تم شكره 1,036 مرة في 655 مشاركة
افتراضي



بارك الله فيك على الموضوع القيم والمميز
وفي انتظار جديدك الأروع والمميز
لك مني أجمل التحيات وكل التوفيق لك يا رب


 

رد مع اقتباس
قديم 07-06-2022, 11:26 PM   #3


الاداره متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1
 تاريخ التسجيل :  3 - 2 - 2010
 أخر زيارة : اليوم (12:42 AM)
 المشاركات : 900,635 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Crimson
شكراً: 0
تم شكره 4 مرة في 4 مشاركة
افتراضي



جزآك الله جنةٍ عَرضها آلسَموآت وَ الأرض
بآرك الله فيك على الطَرح القيم
في ميزآن حسناتك ان شاء الله ,,
آسأل الله أن يَرزقـك فسيح آلجنات !!
وجَعل مااقدمت في مَيزانْ حسَناتك
وعَمر آلله قلبك بآآآلايمَآآنْ
علىَ طرحَك آالمحمَل بنفحآتٍ إيمآنيهِ
دمت بـِ طآعَة الله .


 

رد مع اقتباس
قديم 08-06-2022, 09:18 PM   #4


البرنس مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل :  16 - 3 - 2015
 أخر زيارة : 26-12-2024 (03:48 PM)
 المشاركات : 873,030 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~


سبحان الله وبحمدة
سبحان الله العظيم
لوني المفضل : Darkorange
شكراً: 0
تم شكره 7 مرة في 7 مشاركة
افتراضي



































جزاكم الله خيراً ونفع بكم
واثابكم الفردوس الاعلى من الجنه
وجعل كل ما تقدمونه في موازين حسناتكم
لكم مني ارق المنى
وخالص التقدير والاحترام

































 

رد مع اقتباس
قديم 08-06-2022, 10:56 PM   #5


ملاذ الفرح غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7815
 تاريخ التسجيل :  24 - 4 - 2017
 أخر زيارة : 31-08-2024 (06:28 AM)
 المشاركات : 275,241 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Saudi Arabia
لوني المفضل : Maroon
شكراً: 0
تم شكره 4 مرة في 4 مشاركة
افتراضي



جزاك الله خير الجزاء ونفع بك على الطرح القيم
وجعله في ميزان حسناتك
وألبسك لباس التقوى والغفران
وجعلك ممن يظلهم الله في يوم لا ظل الا ظله
وعمر الله قلبك بالأيمان

.
.



 

رد مع اقتباس
قديم 09-06-2022, 01:03 AM   #6


فاتنة غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 8862
 تاريخ التسجيل :  11 - 9 - 2019
 أخر زيارة : 08-02-2024 (01:04 AM)
 المشاركات : 849,165 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Saudi Arabia
لوني المفضل : Mediumauqamarine
شكراً: 0
تم شكره 9 مرة في 9 مشاركة
افتراضي



اقتباس:
 
   
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الجوري مشاهدة المشاركة
بارك الله فيك على الموضوع القيم والمميز
وفي انتظار جديدك الأروع والمميز
لك مني أجمل التحيات وكل التوفيق لك يا رب
 
 


يعطِيكـ العَافِيَة عَلىْ مُرُورِكـ العَذْب
وَكَلمَاتِكـ الرَّاقِيَة
لا خَلا ولاَ عَدَم
جَزَاكـ اللهُ خَير
وَألف شُكر



 

رد مع اقتباس
قديم 09-06-2022, 01:03 AM   #7


فاتنة غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 8862
 تاريخ التسجيل :  11 - 9 - 2019
 أخر زيارة : 08-02-2024 (01:04 AM)
 المشاركات : 849,165 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Saudi Arabia
لوني المفضل : Mediumauqamarine
شكراً: 0
تم شكره 9 مرة في 9 مشاركة
افتراضي



اقتباس:
 
   
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الأصيلة مشاهدة المشاركة
جزآك الله جنةٍ عَرضها آلسَموآت وَ الأرض
بآرك الله فيك على الطَرح القيم
في ميزآن حسناتك ان شاء الله ,,
آسأل الله أن يَرزقـك فسيح آلجنات !!
وجَعل مااقدمت في مَيزانْ حسَناتك
وعَمر آلله قلبك بآآآلايمَآآنْ
علىَ طرحَك آالمحمَل بنفحآتٍ إيمآنيهِ
دمت بـِ طآعَة الله .
 
 


يعطِيكـ العَافِيَة عَلىْ مُرُورِكـ العَذْب
وَكَلمَاتِكـ الرَّاقِيَة
لا خَلا ولاَ عَدَم
جَزَاكـ اللهُ خَير
وَألف شُكر



 

رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
, ﴿ , آتَيْنَا , رُشْدَهُ , إِبْرَاهِيمُ , وَلَقَدْ , ••


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
•• أنواع التكريم القرآني للإنسان ومظاهره وأسبابه •• فاتنة (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 16 24-11-2022 12:33 AM
تفسير الربع الثالث من سورة يونس كاملا بأسلوب بسيط البرنس مديح ال قطب (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 12 17-07-2021 03:06 AM
سلسلة كيف نفهم القرآن .. تفسير سورة القلم كاملة البرنس مديح ال قطب (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 9 19-04-2021 12:23 AM
تفسير سورة محمد البرنس مديح ال قطب (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 15 21-10-2019 06:55 AM
التقوى هي قطب رحى هذا الدين البرنس مديح ال قطب (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 21 05-07-2019 10:04 AM

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

الساعة الآن 01:37 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010