#1
| |||||||||||
| |||||||||||
سعفة وباقة زهور (قصة) (قصة) استيقظتُ لأجدها كالعادة قد انفلتت، ولكن صوتها ظل يتردد في أذني، وأنا بين اليقظة والإغفاء، صوتها العفي النضر: "قم يا كسول؛ لتُخرِج الأبقار للمرعى، قم، فالشمس ملأت الدنيا نورًا". فقد كانت تستيقظ مع نسمة السحر الأولى، تتوضأ وتصلي ما قدَّر الله لها من الليل، وترتل وِرْدها المعتاد حتى يَحِين الفجر فتصلّيه، وتتضرع إلى الله، وتلحّ عليه في طلب الستر والمغفرة، وتختصني بدعوات سأظل أجني خيراتها ما حَيِيت، ثم تحمل الأواني، وتغدو للحظيرة، تحلب الأبقار، تغلي اللبن، وتصنع الجبن، ثم تعود لتوقظني بكلماتها الرقيقة التي لا تغادرني: "قم يا صغيري؛ لتصلي الصبح قبل شروق الشمس، قم، لا تجعل الشيطان يغلبك، الشياطين تستيقظ فجرًا؛ لتتبول في آذان الكُسالى الذين تدركهم الشمس نيامًا". هذه الكلمات التي تبثُّها روحك، التي تحوطني وتحمحم حول رأسي رقيقة، يوقظني صداها كل صباح، حتى بعد أن اختلف الزمن، وتبدل الناس، وتلوثت القلوب والنفوس، وحتى بعد أن توارى مني منتصف أربعينيات العمر. الكسول الآن أصبح أشهر أطباء مرضك اللعين، وإن ازدادت الأمراض، وتنوعت، وانتشرت لتلتهم الناس في بلداننا التهامًا. العالم كله يعرف قدره ويرحب به، بفضلك وفضل ما غرسته: من محبة، ووفاء، وإخلاص، واجتهاد. ها هو يغلبني الحنين، وها أنا أعود، فسامحيني يا جدة إن تأخرتُ عليك، كم أنا محتاج ليدِك تُربِّت فوق كتفي، إلى نصائحك تضيء لي الدروب، إلى دعواتك تذلل لي الصعب العسير، إلى صدرك يحتويني! ها هي السعفة فوق قبرك، كما طلبتِ وقلتِ قديمًا: "كن خشنًا يا ولد، الزهور ستموت سريعًا فوق قبر عمك". عمي الذي أورثك استشهادُه غصَّةً وألمًا، يخالطهما الفخر، وكان يحمل بأعماقه: الثورة، والطوفان، والحلم، فلا يرضى بالظلم، ولا الذل، ولا المهانة، شهيد "حرب 67"، راح يحمل قنبلته، ويهاجم بها إحدى دبابات العدو، بعدما أحاطته الهزيمة، وحاصره الاستسلام من كل صَوب، وكيف لرفاقه جاؤوك بثيابه العسكرية ملطخة بدمائه، وبفيض من أحلامه؟ كان دومًا مثالاً للبطل في كل قضية بأفعاله يا جدة. وها هي الزهور فوق قبرك، زهور أمي النواعم بنت البندر، التي تنشط في الذاكرة كل حين نظرتك الحادة لها، وهى كما قلتِ: "تلخبط العجين"، ويداعب أذنيَّ صدى كلماتك اللائمة الجافة: "أصلها تربية بندر، عايشين على خبيز الطابونة الممشش"، فتضحك أمي بدلال، وتحتويك وتقبِّل يديك، وتهمس بصوتها الصادق الحنون: "علميني يا ست الكل"، تنفضين نفسك منها، وتبتسمين من خلف الكلمات الجافة: "شوفوا يا ناس، سهوكة النسوان، امشي يا بنت شوفي الخبيز حيتحرق في الفرن". ثم تأتي لأبي توصينه بها: "صون مراتك يا بني، مراتك أصيلة، ومفيش منها في الزمن ده". أما تعلمين يا جدة، أنها أصبحت مثلك، لديها أحفاد، وزوجات أبناء، وأزواج بنات، وما زالت رقيقة، تُحضِر لك سعفة وباقة زهور، تضعهم فوق قبرك في يوم الخميس كل أسبوع، تقرأ لروحك الفاتحة، وتمضي الهُوَينى، ثم ترجع تُهاتفنِي في بلادي البعيدة، تحثني على زيارتك، ولمّا أعود، وأصعد النخلة المثمرة بملابسي الرسمية، تضحك، وتهش الأحفاد المغتبطين بعصاها؛ كي لا يشاهدوا عمهم الطبيب الكبير، وهو يجلب السعف من فوق النخلة، تضحك، وتؤكد أنني سأظل طفلاً، حتى لو أصبحت وزيرًا. تنفض عني غبار النخيل، تربت فوق كتفي بحنوٍّ، وأنا أقبِّل يدها، تسألني: هل أحضرت الزهور؟ تتغير ملامحها حين أقول: إن جدتي كانت تحب السعف، وكانت تردد: إن الزهور تموت سريعًا، تتأوَّه غير مقتنعة بحججي؛ لأنها تعلم الحقيقة أن الوقت لم يسعفني، تذهب للداخل - ببطء وسط ارتباكي ونظراتي المستفهمة - وتعود تمهر سائقي النقود، لجلب باقة الزهور، وتقول: إن الزهور تموت سريعًا، ولكنها تحتفظ بالرائحة. المصدر: منتدى همسات الغلا sutm ,fhrm .i,v (rwm) wuJf .i,v ::: ثلاثة اخرجهم من حياتك: :: من استرخص مشاعرك :: من يتلذذ في تعكير مزاجك :: من هانت عليه العشرة ا-------------------ا |
05-06-2022, 08:03 PM | #2 |
| ذَائِقَة مُتَمَيِّزَة واختِيَار مُوفَّق يعطِيكـ العَافِيَة عَلى هَذَا { الطَّرْح } الجَمِيل وجَزَاكـ اللهُ خَيرًا عَلى جُهُودِكـ المُثمِرَة فِي أرْوِقَة المُنتَدَى |
|
06-06-2022, 05:02 PM | #5 |
| مَوْضُوٌعْ فِيٍ قَمّةْ الْرَوُعَهْ لَطَالمَا كَانَتْ مَواضِيعَكْ مُتمَيّزهَ لاَ عَدِمَنَا هَذَا الْتّمِيزْ وَ رَوْعَةْ الأخَتِيارْ دُمتْ لَنَا وَدَامَ تَأَلُقَكْ الْدّائِمْ |
|
15-06-2022, 06:35 PM | #6 | |||||||||||
|
| |||||||||||
"سلاماً على من ألقت الدنيا في طريقهم شوكاً فعبروا من فوقه كاتمين الشعور، متيقنين أن نهاية هذا الطريق بُستاناً" |
18-06-2022, 04:07 PM | #7 |
| سلمت أناملك ع القصه رائعة الله يعطيك العافيه ولا تحرمنا جديدك لأنفاسك باقة ورد |
وحدك يالله تدرك عمق ما أشعر به فكن معي دائما _ _ _ _ يبقى الكتمان مريح رغم انه مؤذي داخليا _ _ _ _ اشعر بخيبه مثل ذالك السجين الذي سمحوا له بالزياره مرا واحد في السنه ولم يأتي احد لزيارته |
الكلمات الدلالية (Tags) |
(قصة) , صعـب , زهور , وباقة |
| |