20-05-2022, 08:44 PM
|
|
وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِ
قال تعالى: ﴿ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ
عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 108].
سببُ النزول:
أنَّ المشركين قالوا: يا محمد، لتنتهين عن سَبِّك آلهتنا أو لنهجونَّ ربك؛ فأنزل الله: ﴿ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾، الآية.
والغرَضُ الذي سِيقَتْ له هذه الآية هو صيانة جانب خالقنا عز وجل مِن أن يسبَّه المشركون
والدعوةُ إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة.
ومناسبةُ هذه الآية لما قبلها: أنه لَمَّا أَمَرَ اللهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم باتباع ما أوحي إليه والإعراض عن المشركين
نَهَى المؤمنين عن سَبِّ آلهة المشركين؛ لِمَا في ذلك مِن كمال الإعراض عنهم.
وجملةُ: ﴿ وَلَا تَسُبُّوا ﴾ معطوفة على جملة: ﴿ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴾، والسَّبُّ: الشتمُ والطَّعن، والمخاطَبُ بالنهي المؤمنون
والنبيُّ صلى الله عليه وسلم، ولم يقلْ: (ولا تسب)، كما قال: ﴿ اتَّبِعْ ﴾ و﴿ وَأَعْرِضْ ﴾، وعدَلَ بالخطاب إلى عموم المؤمنين، فقال: ﴿ وَلَا تَسُبُّوا ﴾
تكريمًا للنبي صلى الله عليه وسلم عن مقام السَّبِّ، وإشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن سَبَّابًا ولا شتَّامًا.
ومعنى ﴿ يَدْعُونَ ﴾: يعبدون، والموصولُ عبارة عن الأصنام، والعائدُ مَحذوف؛ أي: الذين يعبدونهم
وإنما عبَّر بـ﴿ الَّذِينَ ﴾؛ لأنَّ المشركين نزَّلوا هذه الأصنام منزلة ذوي العلم.
ومعنى الجملة على هذا: ولا تشتموا يا جماعةَ المؤمنين الأصنامَ التي يعبدها المشركون؛ فيشتموا إلهكم.
ويجوز أن يكونَ الموصول عبارة عن المشركين، والعائدُ حينئذٍ فاعل ﴿ يَدْعُونَ ﴾، والمفعولُ محذوف؛ أي: الأصنام
ومعنى الجملة على هذا: ولا تشتموا المشركين مِن حيث عبادتهم لآلهتهم فيشتموا الله، والأولُ أظهرُ.
وإنما نُهوا عن سَبِّ الأصنام - وإن كان في سبِّها طاعة - لِما يترتب على ذلك مِن المفاسد التي هي أعظم من ذلك
وهي سبُّ الله عز وجل وسبُّ رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: ﴿ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ حال مِن الموصول أو العائد.
وقوله: ﴿ فَيَسُبُّوا اللَّهَ ﴾ الفاء للسببية، والفعلُ بعدها منصوب، ويجوز أن تكون الفاء
للعطف؛ كقولهم: لا تمددها فتشققها، والفعلُ بعدها مَجزوم.
ومعنى ﴿ عَدْوًا ﴾: ظُلمًا واعتداءً وتجاوُزًا عن الحق، وهو مصدرُ عدا عليه عَدْوًا وعُدوًا وعُدوانًا بالضم والكسر
بمعنى: ظَلَمَهُ واعتدى عليه، وقرئ بضم العين والدال وتشديد الواو، والمعنى واحد.
وانتصابُ ﴿ عَدْوًا ﴾ على أنه مفعول له، أو على أنه مصدر مِن غير لفظ الفعل؛ لأنَّ السَّبَّ عدوان في المعنى
أو على أنه مصدر في موضع الحال، وهي حال مؤكدة، وقوله: ﴿ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ حال كذلك مؤكدة.
والتقييدُ بهذين القيدين لبيان أنه لا يسب الله إلا معتدٍ جاهلٌ.
وقوله: ﴿ كَذَلِكَ ﴾ نعت لمصدر محذوف؛ أي: زينا لكل أمة عملهم تزيينًا مثل تزيين سبِّ الله
للمشركين وعبادتهم للأصنام، ودفاعهم عنها، والانتصار لها.
والمرادُ بكل أمة هنا: ما يعم أمةَ الإسلام وأمم الشِّرك.
والمرادُ بعمَلهم: الخير الذي يعمله المؤمنون، والشر الذي يَعمله المشركون.
وقيل: المراد بكل أمة يعني: أمم الشرك، والمراد بعملهم: شرهم وفسادهم.
والمراد بالتزيين على الأول: توفيق المؤمنين إلى الطاعة بتَمْكِينهم منها وحملهم عليها، وخذلان
الكافرين عن الطاعة بتمكينهم من المعصية وإقدارهم عليها.
وعلى الثاني المرادُ بالتَّزيين: الخذلان عن الطاعة.
ونسب التزيين هنا إلى الله تعالى؛ لأنه الذي مكَّنهم مِن العمل وحَملهم عليه، ونسبَه إلى الشيطان
في نصوص أخرى، على معنى أنه حسَّن لهم القبيح ودعاهم إليه.
ولا يُقال: كيف زيَّن الله لهم عملهم مِن الشر، ثم هو يجازيهم عليه بالعذاب؟! وهل هذا مِن العدل؟ لأنا نقول: إنه مع توفيق العبد
أو خذلانه لم يسلب اختياره، وهو محلٌّ للثواب أو العقاب بهذا الاختيار، وهذه الجملة مُقررة لمضمون ما قبلها.
و﴿ ثُمَّ ﴾ في قوله: ﴿ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ ﴾ للعطف على محذوف تقديره: (زَيَّنَّا لكل أمة عملهم فهم مرتكبوه، ثم إلى ربهم مرجعهم)
وإنما جيء بـ(ثم) التي للترتيب والتراخي لبيان استمرارهم على السيئات التي زُيِّنَتْ لهم، والتعبير بلفظ (رب) المضاف للضمير (هم)
لتخويفهم ببيان أنه مالكهم ومحيط بهم ولن يفلتوا منه، مع أنه ربَّاهم بنعَمِه وعبدوا غيره.
و(المرجع): المصير والمعاد.
وأصل التنبئة: الإخبار بالأمر الخطير، والمرادُ هنا: الإعلام به والمجازاة عليه، والجمهورُ على أنَّ هذه الآية مُحكَمة
وأنه لا يجوز سب آلهة المشركين إذا كان سبها يؤدِّي إلى سب الله تعالى، أما إذا كان المسلم في مَنَعةٍ والكافرُ لا يجرؤ
على سبِّ الله تعالى إذا سُبَّت آلهته، فإنه يجوز حينئذٍ سبُّ أصنام المشركين.
وقيل: إن الآية منسوخة، وعليه، فإنه يجوز سب الأصنام مطلقًا.
ما يُؤخذ من الآية مِن الأحكام:
1 - الاستدلال على قاعدة سد الذرائع.
2 - تَرْك المصلحة لمفسدةٍ أرجح منها.
3 - أن الطاعة إذا أَدَّتْ إلى معصية راجحة وجب تَرْكُها، فإنَّ ما يُؤدِّي إلى الشر شر.
4 - تحريم سب الأصنام إذا كان ذلك يُؤدِّي إلى سب الله تعالى.
5 - الرد على القدَريَّة.
_ الشيخ عبد القادر شيبة الحمد. |
|
| | | |
,QgQh jQsEfE~,h hgQ~`AdkQ dQ]XuE,kQ lAkX ]E,kA hggQ~iA tQdQsEfE~,h hggQ~iQ uQ]X,Wh fA hggQ~iQ hggQ~iA hgQ~`AdkQ jQsEfE~,h fA dQ]XuE,kQ ]E,kA uQ]X,Wh tQdQsEfE~,h |