#1
| ||||||||||
| ||||||||||
لا تمدن عينيك! لا تمدن عينيك! إن المؤمن المتمسك بالقرآن العظيم لا يمتد بصره ولا تتحرك نفسه لشيء زائل في هذه الأرض؛ كما جاء التوجيه الحكيم للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88)} [الحجر : 87 - 88]؛ أي: لا تعجب إعجابا يحملك على إشغال فكرك بشهوات الدنيا التي تمتَّع بها المترفون واغترَّ بها الجاهلون، واستغنِ بما آتاك الله من المثاني والقرآن العظيم. والعين لا تمتد؛ إنما الذي يمتد ويتوجه هو البصر؛ ولكن التعبير التصويري يرسم صورة العين ذاتها ممدودة إلى المتاع، وهي صورة طريفة حين يتصورها الإنسان أو يتخيَّلها. هذه اللفتة كافية للموازنة بين الحق الكبير، والعطاء العظيم الذي مع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وبين المتاع الصغير الذي يتألق بالبريق وهو ضئيل، وما يليه من توجيه كريم للرسول صلى الله عليه وسلم إلى إهمال القوم المتمتعين، والعناية بالمؤمنين. فلا يليق بالمؤمنين الأخيار العُجب أو الاغترار بتمتيع الكفار والمنافقين؛ فإنما هو فتنة لهم واختبار، بينما حقيقة النعيم والمتاع في دار الأبرار: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)} [طه : 131]؛ أي: لا تمد عينيك معجباً، ولا تكرر النظر مستحسناً أحوال الدنيا والممَتَّعين بها؛ من المآكل والمشارب اللذيذة، والملابس الفاخرة، والبيوت المزخرفة، والنساء الـمُجَمَّلة؛ فإن ذلك كله زهرة الحياة الدنيا؛ التي تُطْلِعُها الدنيا كما يُطْلِع النباتُ زهرتَه لامعةً جذابةً. والزهرة سريعة الذبول على ما بها من رَوَاءٍ وزَوَاقٍ؛ تبتهج بها النفوس، وتلتذ بها الأبصار، وربما يتمتع بها أقوام دون آخرين، ثم تذهب سريعا وتمضي جميعا، وتقتل محبيها وعشَّاقها، فيندمون حيث لا تنفع الندامة، ويعلمون ما هم عليه إذا قدموا في القيامة، وإنما جعلها الله فتنة واختبارا؛ ليعلم من يقف عندها ويغتر بها. قال قتادة: هي متاع متروكة، أوشكت - والله الذي لا إله إلا هو- أن تَضْمَحِلَّ عن أهلها؛ فخذوا من هذا المتاع طاعة الله إن استطعتم، ولا قوة إلا بالله. السكرة العاجلة العجلة والاستعجال طبيعة بشرية عميقة الجذور في تكوين الإنسان: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37)} [الأنبياء : 37]، وتلك الطبيعة هي ما يدفع الناس نحو النظرة الدونية، والاغترار بالقريب الفاني، والغفلة عن البعيد الباقي، والنافع الدائم: {وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22)} [القيامة : 21 - 22]، ومجموع ذلك كله هو ما يؤدي إلى التقصير والغفلة، ومن ثم الوقوع في الزلل. قال الغزالي: اعلم أن مَثَل أهل الدنيا في غفلتهم كمثل قوم ركبوا سفينة، فانتهوا إلى جزيرة مُعْشِبَةٍ، فخرجوا لقضاء الحاجة، فحذَّرهم الملاح من التأخر فيها، وأمرهم أن يقيموا بقدر حاجتهم، وحذَّرهم أن يقلع بالسفينة ويتركهم. فبادر بعضهم فرجع سريعا؛ فصادف أحسن الأمكنة وأوسعها، فاستقر فيه. وبعضهم استغرق في النظر إلى أزهار الجزيرة المونقة، وأنهارها المطَّردة([1])، وثمارها الطيبة، وجواهرها ومعادنها، ثم تنبَّه لخطر فوات السفينة فرجع إليها، فلم يصادف إلا مكاناً ضيقاً حرجاً، فاستقر فيه. وبعضهم أكبَّ على تلك الجواهر والثمار والأزهار، ولم تسمح نفسه تركها، فحمل منها ما قدر عليه، فتشاغل بجمعه وحمله، فوصل إلى السفينة فوجد مكانا أضيق من الأول، ولم تسمح نفسه برمي ما استصحبه، فصار مثقلا به، ثم لم يلبث أن ذبلت الأزهار، ويبست الثمار، وهاجت الرياح، فلم يجد بُدًّا من إلقاء ما استصحبه حتى نجا بحُشاشة نفسه([2]). وبعضهم تَوَلَّج في الغياض([3])، وغَفَل عن وصية الملَّاح، ثمّ سمع نداءه بالرحيل، فمر فوجد السفينة سارت، فبقي بما استصحب في البر حتى هلك. وبعضهم اشتدت به الغفلة عن سماع النداء؛ فمنهم من افترسته السباع، ومنهم من تاه على وجهه حتى هلك، ومنهم من مات جوعا، ومنهم من نهشته الحيَّات. فهذا مثل أهل الدنيا في اشتغالهم بحظوظهم العاجلة، وغفلتهم عن عاقبة أمرهم، وما أقبح من يزعم أنه بصير عاقل أن يغتر بالأحجار من الذهب والفضة، والهشيم من الأزهار والثمار([4])، وهو لا يصحبه شيء من ذلك بعد الموت، بل يصير كَلًّا ووبالا عليه، وهو في الحال شاغل له بالحزن والخوف عليه، وهذه حال الخلق كلهم إلا من عصمه الله عزوجل. قال الحسن البصري رحمه الله: من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره. إن التنافس في الدنيا ومتاعها المتروك هو أول درجات الحسد، ومما يبين خطورته ما رواه عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه إلى البحرين يأتي بجِزْيتِها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صالح أهل البحرين، وأمَّر عليهم العلاء بن الحضرمي، فقَدِمَ أبو عبيدة بمالٍ من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فَوَافَوْا صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف تعرَّضوا له، فتبسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم، ثم قال: «أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيْءٍ» قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ مَا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ»([5]). وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ تَتَنَافَسُونَ، ثُمَّ تَتَحَاسَدُونَ، ثُمَّ تَتَدَابَرُونَ، ثُمَّ تَتَبَاغَضُونَ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ثُمَّ تَنْطَلِقُونَ فِي مَسَاكِينِ المُهَاجِرِينَ فَتَجْعَلُونَ بَعْضَهُم عَلَى رِقَابِ بَعْضٍ»([6]). --- [1] أي: الجارية. [2] الحُشاشَةُ: روح القَلب، ورَمَقُ حياة النفس. [3] أي: دخل وتغلغل بين الأشجار الملتفة المجتمعة في مغيض الماء؛ وهو المكان الذي يهبط فيه الماء من عَلِ. [4] الهشيم: هو النبات اليابس المتكسر. [5] صحيح البخاري برقم (3791)، (4/1473)، وصحيح مسلم برقم (7614)، (18/500). [6] صحيح مسلم برقم (7616)، (19/2). أنور إبراهيم النبراوي داعية إسلامي وباحث في الدراسات القرآنية والتربوية المصدر: منتدى همسات الغلا gh jl]k udkd;! fgpk |
17-02-2022, 04:52 PM | #2 |
| أسال الله أن لايرد لك دعوة ولا يحرمك من فضلة وأن يحفظ أسرتك وأحبتك وان يفرج همك ويـيسر لكــ أمرك وان يغفر لنا ولكم ولوالدين وللمسلمين والمسلمات وأن يبلغنا أسمى مراتب الدنيا وأعلى منازل الجنه . اللهم أمين |
|
17-02-2022, 09:24 PM | #3 |
| طرح في غاية الروعة بارك الله فيك جزاك الله خيـــر على الطرح القيم وجعله الله في ميزان حسناتك وان يرزقك الفردووس الاعلى من الجنه الله لايحرمنا من جديــدك |
|
18-02-2022, 08:03 PM | #5 |
| جزآك الله جنةٍ عَرضها آلسَموآت وَ الأرض بآرك الله فيك على الطَرح القيم في ميزآن حسناتك ان شاء الله ,, آسأل الله أن يَرزقـك فسيح آلجنات !! وجَعل مااقدمت في مَيزانْ حسَناتك وعَمر آلله قلبك بآآآلايمَآآنْ علىَ طرحَك آالمحمَل بنفحآتٍ إيمآنيهِ دمت بـِ طآعَة الله . |
|
19-02-2022, 04:49 AM | #6 |
| يعطيك العافية على طرحك الرائع وموضوعك الشيق والنافع جزاك الله خير الجزاء وشكرا لكـ |
|
19-02-2022, 05:45 AM | #7 |
| بارك فيـكى علام الغيوب ونفـــس عنــكى كـل مكــروب وثبـت قلبـكى علـى دينـه إنــه مقلـب القلـوب |
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
لا , بلحن , عينيك! |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
رسائل | ذابت نجوم الليل | (همســــات المقال و الخواطر والنثر ) منقول | 23 | 27-11-2022 06:56 AM |
شاطئ عينيك | ذابت نجوم الليل | (همســــات المقال و الخواطر والنثر ) منقول | 21 | 13-11-2022 07:25 PM |
من أجل عينيك عشقت الهوى | مبارك آل ضرمان | (همســــات المقال و الخواطر والنثر ) منقول | 7 | 17-07-2017 11:55 AM |
بحر عينيك | كراميل نور | ( الطيور المهاجره ) | 23 | 19-02-2015 05:22 PM |
هل تفرش أسنانك ...؟؟ جرب أن تُفرش عينيك .. | دانة جده | ( همســـــات الإسلامي ) | 10 | 12-02-2014 12:33 AM |