عن حَفْصَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُا زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ قَالَ: «إِنِّي
لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلاَ أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ».
وفي رواية: "أَن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يَحْلِلْنَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، قَالَتْ حَفْصَةُ:....".
تخريج الحديث:
الحديث أخرجه مسلم حديث (1229)، وأخرجه البخاري في "كتاب الحج"، "باب التمتع والقران والإفراد في الحج"، حديث (1566)، وأخرجه أبو داود في "كتاب المناسك"، "باب في الإقران"، حديث (1806)، وأخرجه النسائي في "كتاب مناسك الحج"، "باب تقليد الهدي"، حديث (2780)، وأخرجه ابن ماجه في "كتاب المناسك"، "باب من لبَّد رأسه"، حديث (3046).
شرح ألفاظ الحديث:
((وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ)): أي لم تحلل من عمرتك التي ضممتَها مع حجك؛ لأنه أهلَّ بالعمرة فقط، ولذا استدل بهذا من يقول أن النبي صلى الله عليه وسلم حج متمتعًا؛ لأنه أهل بعمرة، واستدل به أيضًا من قال أن النبي صلى الله عليه وسلم حج مفردًا، متأولًا ذلك بتأويلات بعيدة منها أن معنى عمرتك حجك؛ لأنهما يشتركان في كونهما قصد البيت الحرام، والصواب ما تقدم، وأن المعنى ولم تحلل أنت من عمرتك التي ضممتها إلى الحج.
((إِني
لَبَّدْتُ رَأْسِي)): تقدم معنى التلبيد، وهو أن يجعل المحرم في شعره ما يسكنه ويلم شعثه ليجتمع من صمغ ونحوه.
((وَقَلَّدْتُ هَدْيِي)): التقليد هو أن يعمِد إلى حبال من وبر أو شعر، ثم يربطها في رقاب الهدي، وقد يعلق في الرقبة نعلين، وهذا كله علامة على أنها مهداة للبيت، ومثله الإشعار، وهو أن يشق سنام الإبل حتى يخرج منها دم، ثم يأخذ من ذروة سنامها وبرًا ويبلُّه حتى يحمرَّ، ثم يعقد في ذروة السنام علامة تدل على أنها مهداة؛ لئلا يتعرض لها أحد؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ ﴾ [المائدة: 2].
من فوائد الحديث:
الفائدة الأولى: الحديث نص صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم حجَّ قارنًا، ووجه ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لو كان متمتعًا لحلَّ من عمرته، ولوكان مفردًا لم تسأله زوجته حفصة رضي الله عنها عن عمرته؛ لأن المفرد لا يأتي بعمرة، ثم أجابها النبي صلى الله عليه وسلم بما يفعله القارن، وهو أنه لا يتحلل حتى ينحر هديه يوم النحر.
الفائدة الثانية: الحديث فيه مشروعية التلبيد وتقليد الهدي؛ قال النووي رحمه الله: "فيه استحباب التلبيد، وتقليد الهدي وهما سنتان بالاتفاق"؛ انظر شرح النووي لمسلم حديث (1229).
الفائدة الثالثة: الحديث دليل على أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حججنَ متمتعات؛ لأن النبي صلى الله علي وسلم أمرهنَّ أن يحللن إلا ما كان من شأن عائشة رضي الله عنها عندما حاضت أمرها أن تحول نسكها إلى قران كما تقدم.