. . بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أسرار سورة الفاتحة • أسماء السورة : سميت هذه السورة بفاتحة الكتاب لكون القرآن افتتح بها إذ هي اول مايتلوه التالي من كتاب الله , وليست أول مانزل من القرآن .. قيل أنها مكية وقيل أنها مدنية .. تسمى فاتحة الكتاب , أم الكتاب , السبع المثاني , سورة الحمد , سورة الصلاة , الواقية .. • شرح الآيات : ( بِسْمِ اللَّهِ ) أي: أبتدئ بكل اسم لله تعالى, لأن لفظ ( اسم ) مفرد مضاف, فيعم جميع الأسماء [الحسنى] . ( اللَّهِ ) هو المألوه المعبود, المستحق لإفراده بالعبادة, لما اتصف به من صفات الألوهية وهي صفات الكمال. ( الرَّحْمَنِ الرَّحِيم ) اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء, وعمت كل حي, وكتبها للمتقين المتبعين لأنبيائه ورسله. فهؤلاء لهم الرحمة المطلقة, ومن عداهم فلهم نصيب منها. والرحمن اشد مبالغة من الرحيم . والرحمن اسم لم يستعمل لغير الله عز وجل . واعلم أن من القواعد المتفق عليها بين سلف الأمة وأئمتها, الإيمان بأسماء الله وصفاته, وأحكام الصفات. فيؤمنون مثلا بأنه رحمن رحيم, ذو الرحمة التي اتصف بها, المتعلقة بالمرحوم. فالنعم كلها, أثر من آثار رحمته, وهكذا في سائر الأسماء. يقال في العليم: إنه عليم ذو علم, يعلم [به] كل شيء, قدير, ذو قدرة يقدر على كل شيء. قال ابن عباس عن فضل بسم الله الرحمن الرحيم : فأخرجها الله لكم ما أخرجها لأحد من قبلكم . ( الْحَمْدُ لِلَّهِ ) [هو] الثناء على الله بصفات الكمال, وبأفعاله الدائرة بين الفضل والعدل, فله الحمد الكامل, بجميع الوجوه. الفرق بين الحمد والشكر : الحمد يكون باللسان فقط .. أما الشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح , ولايكون الشكر إلا مقابل نعمة أما الحمد فيكون لكمال المحمود ولو في غير مقابلة نعمة . ( رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الرب, هو المربي جميع العالمين -وهم من سوى الله- بخلقه لهم, وإعداده لهم الآلات, وإنعامه عليهم بالنعم العظيمة, التي لو فقدوها, لم يمكن لهم البقاء. فما بهم من نعمة, فمنه تعالى. وتربيته تعالى لخلقه نوعان: عامة وخاصة. فالعامة: هي خلقه للمخلوقين, ورزقهم, وهدايتهم لما فيه مصالحهم, التي فيها بقاؤهم في الدنيا. والخاصة: تربيته لأوليائه, فيربيهم بالإيمان, ويوفقهم له, ويكمله لهم, ويدفع عنهم الصوارف, والعوائق الحائلة بينهم وبينه, وحقيقتها: تربية التوفيق لكل خير, والعصمة عن كل شر. ولعل هذا [المعنى] هو السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب. فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة. فدل قوله ( رَبِّ الْعَالَمِينَ ) على انفراده بالخلق والتدبير, والنعم, وكمال غناه, وتمام فقر العالمين إليه, بكل وجه واعتبار. والرب اسم من أسماء الله الحسنى ولايقال لغيره إلا مضافا كقول رب المنزل أو الرب السيد .. (العالمين) جمع عالم وهو كل موجود سوى الله تعالى , وقيل عبارة عمن يعقل وهم أربعة أمم : الانس والجن والملائكة والشياطين . (الرحمن الرحيم) لما كان في اتصافه تعالى برب العالمين ترهيب قرنه بالرحمن الرحيم لما تضمن من الترغيب , ليجمع في صفاته بين الرهبة منه والرغبة إليه فيكون أعون على طاعته . (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) المالك: هو من اتصف بصفة الملك التي من آثارها أنه يأمر وينهى, ويثيب ويعاقب, ويتصرف بمماليكه بجميع أنواع التصرفات, وأضاف الملك ليوم الدين, وهو يوم القيامة, يوم يدان الناس فيه بأعمالهم, خيرها وشرها, لأن في ذلك اليوم, يظهر للخلق تمام الظهور, كمال ملكه وعدله وحكمته, وانقطاع أملاك الخلائق. حتى [إنه] يستوي في ذلك اليوم, الملوك والرعايا والعبيد والأحرار. كلهم مذعنون لعظمته, خاضعون لعزته, منتظرون لمجازاته, راجون ثوابه, خائفون من عقابه, فلذلك خصه بالذكر, وإلا فهو المالك ليوم الدين ولغيره من الأيام. وقوله ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) أي: نخصك وحدك بالعبادة والاستعانة, لأن تقديم المعمول يفيد الحصر, وهو إثبات الحكم للمذكور, ونفيه عما عداه. فكأنه يقول: نعبدك, ولا نعبد غيرك, ونستعين بك, ولا نستعين بغيرك. وقدم العبادة على الاستعانة , من باب تقديم العام على الخاص, واهتماما بتقديم حقه تعالى على حق عبده. و ( العبادة ) اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال, والأقوال الظاهرة والباطنة. و ( الاستعانة ) هي الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع, ودفع المضار, مع الثقة به في تحصيل ذلك. والقيام بعبادة الله والاستعانة به هو الوسيلة للسعادة الأبدية, والنجاة من جميع الشرور, فلا سبيل إلى النجاة إلا بالقيام بهما. وإنما تكون العبادة عبادة, إذا كانت مأخوذة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقصودا بها وجه الله. فبهذين الأمرين تكون عبادة, وذكر ( الاستعانة ) بعد ( العبادة ) مع دخولها فيها, لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى. فإنه إن لم يعنه الله, لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر, واجتناب النواهي. ثم قال تعالى: ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) أي: دلنا وأرشدنا, ووفقنا للصراط المستقيم, وهو الطريق الواضح الموصل إلى الله, وإلى جنته, وهو معرفة الحق والعمل به, فاهدنا إلى الصراط واهدنا في الصراط. فالهداية إلى الصراط: لزوم دين الإسلام, وترك ما سواه من الأديان, والهداية في الصراط, تشمل الهداية لجميع التفاصيل الدينية علما وعملا. فهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو الله به في كل ركعة من صلاته, لضرورته إلى ذلك. وهذا الصراط المستقيم هو: ( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) هم المذكورون في الآية ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ) ( غَيْرِ ) صراط ( الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ) الذين عرفوا الحق وتركوه كاليهود ونحوهم. وغير صراط ( الضَّالِّينَ ) الذين تركوا الحق على جهل وضلال, كالنصارى ونحوهم. يقول الرسول صل الله عليه وسلم ( ماحسدتكم اليهود على شيء ماحسدتكم على السلام والتأمين ) , ومعنى (آمين) اللهم استجب لنا . فهذه السورة على إيجازها, قد احتوت على ما لم تحتو عليه سورة من سور القرآن, فتضمنت أنواع التوحيد الثلاثة : توحيد الربوبية يؤخذ من قوله: ( رَبِّ الْعَالَمِينَ ) . وتوحيد الإلهية وهو إفراد الله بالعبادة, يؤخذ من لفظ: ( اللَّهِ ) ومن قوله: ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) وتوحيد الأسماء والصفات, وهو إثبات صفات الكمال لله تعالى, التي أثبتها لنفسه, وأثبتها له رسوله من غير تعطيل ولا تمثيل ولا تشبيه, وقد دل على ذلك لفظ ( الْحَمْدُ ) كما تقدم. وتضمنت إثبات النبوة في قوله: ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) لأن ذلك ممتنع بدون الرسالة. وإثبات الجزاء على الأعمال في قوله: ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) وأن الجزاء يكون بالعدل, لأن الدين معناه الجزاء بالعدل. وتضمنت إثبات القدر, وأن العبد فاعل حقيقة, خلافا للقدرية والجبرية. بل تضمنت الرد على جميع أهل البدع [والضلال] في قوله: ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) لأنه معرفة الحق والعمل به. وكل مبتدع [وضال] فهو مخالف لذلك. وتضمنت إخلاص الدين لله تعالى, عبادة واستعانة في قوله: ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) فالحمد لله رب العالمين • فوائد سورة الفاتحة : -عن خارجة بن الصلت التميمي عن عمه انه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ثم أقبل راجعا من عنده فمر على قوم عندهم رجل مجنون موثق بالحديد فقال اهله : إنا حدثنا أن صاحبكم هذا قد جاء بخير فهل عندك شيء تداويه ؟ فرقيته بفاتحة الكتاب فبرأ فأعطوني مائة شاة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبرته فقال ( هل قلت غير هذا ؟) قلت : لا , قال ( خذها فلعمري لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق ). -قال رسول الله صل الله عليه وسلم ( في فاتحة الكتاب شفاء من كل داء ) . - قال ابن تيمية رحمه الله : تأملت انفع الدعاء , فإذا هو سؤال العون على مرضاته تعالى , ثم رأيته في الفاتحة ( إياك نعبد وإياك نستعين ) - يقول الطحاوي : انفع الدعاء وأعظمه وأحكمه دعاء الفاتحة ( اهدنا الصراط المستقيم ) فإنه إذا هداه هذا الصراط أعانه على طاعته وترك معصيته فلم يصبه شيء لا في الدنيا ولا في الآخره . - أسباب الخروج عن الصراط المستقيم : إما لجهل أو عناد .. الجهل كالنصارى ( الضالين ) والعناد كاليهود ( المغضوب عليهم ) . ( ابن عثيمين ) - من أسرار سورة الفاتحة في قوله ( اهدنا الصراط المستقيم ) إنها دعوة جماعية للهداية تكرس التفوق على الـ(أنا) التي تحاصر الآخرين بالخطأ , وتختص نفسها بالصواب , فهو هتاف جماعي ينشد الهداية ويتضرع إلى الله بتحصيلها . ( العودة ) بحث مبسط عن سورة الفاتحة .. |
. . |