#1
| |||||||||||
| |||||||||||
أزرق قاتل أزرق قاتل أكتافٌ لوَّحَتْها الشَّمسُ حتَّى صارت بلونِ الخبزِ اليوميِّ، وعيونٌ أنهكهَا النعاسُ وطولُ التحديق في الأفقِ ترنو للبعيد، ترقب اللَّحظة المناسبة للانقضاض على الأرض الحلم. هناك كانت سفنٌ تحطُّ المراسي أو ترفعُهَا؛ لتغادر الميناء، وتذهب في رحلتها عبر البحر بكامل حريتها، وبكرامةٍ غير منقوصةٍ. حريةٌ لا تمتلكونهَا، وكرامةٌ لستم موعودين بها. عند الإشارةِ، عَمدَ الجميعُ لطمس أيِّ دليلٍ على هويَّاتِهِم، حاكيتهم في فِعلهم، فأحرَقْتَ جواز السَّفر. واحدٌ وعشرون شخصًا من طالبِي الضِّفةِ الأخرى على متْنِ قاربٍ يتَّسعُ في الحالة الطبيعيَّة لعشرة أشخاصٍ، يَسْعون نحو أملٍ يسكن وراء البحر، يظنُّه البعض منكم ورديَّ اللون ناعمَ الملمس. هم جميعًا أندادُكَ ونُظَراؤُكَ من المزروعين في أزمنةٍ غير مناسِبةٍ على مربَّعاتٍ منتشرةٍ على مدى جغرافيا الرُّقعةِ العربيةِ، مَلُّوا حرفةَ الانتظارِ، فركبوا الصَّعب كفرسان يعاندون أزمنتهم الصعبة، يركضون وراء أحلامٍ كأفراسٍ جَمُوحةٍ، وإنْ توقَّعوا نهايةً محتملةً في بطن حيتانٍ تترصَّدهم عند كلِّ ارتفاعِ موجٍ، لكنَّها تظلُّ أفضلَ من السقوطِ فريسةً للمفخَّخات والعبوات النَّاسفة، وتظلُّ أفضل من الغُربة في وطنٍ أصبح ملكيَّةً فرديةً لعصابةٍ من المفسدين في الأرض. • • • • • تؤلِمُكَ معدتُك، لَم تتناول شيئًا منذ أيامٍ، آخِرُ عهدك بالطَّعام كان كوبَ عدَسٍ منقوعٍ في ماء البحر، الآن نَفِدَ كلُّ المخزون، حتَّى شَرْبة الماء لَم تعد تتوفَّر. تبتسم في حنانٍ وأنت ترى نفسك عائدًا من المدرسة إلى البيت؛ حيث تستقبلك رائحة خبز أمِّك من منتصف الطريق. أمك.. آه! كم أنت في حاجةٍ لترتمي بين ذراعين يغري دِفؤهما بالمكوث دهرًا! كم تشتاق أن تمرَّ أنامِلُها على وجهك؛ كي يزول ألَمُ الوحشةِ والجوعِ والخوفِ! تستيقظ من غفوة الحلم على واقعٍ مرٍّ. صار للمكان رائحةُ دورة مياهٍ عموميةٍ في منطقةٍ شعبيَّة، ارتفع بخر محتويات مثانات ركَّاب القارب المحفوظ في زجاجات الماء المستهلكة حتى آخر قَطْرة.. فظيع ما تحسُّ به الآن من جوعٍ ومن عطش، ومن خوف وضَعْف، جمدت الأوصالُ، جفَّ الحلقُ، ذهب الصَّوتُ أو يكاد، لم يعد هناك من الطَّاقة ما يكفي لمجرَّد تحريك الحبال الصوتيَّة! تعمد إلى الزُّجاجة الموضوعة أمامك، تغمض عينيك، وتسدُّ أنفك، وتفرغُ كلَّ محتواها في جوفك. معدتك لم تقْوَ على تحمُّل المشروب المنفِّر، فلفظَتْ كلَّ ما تلقَّته، تتقيأُ، تفرغُ كلَّ ما في جوفك، ومعه يندلقُ كأس المرارةِ الممتلئُ حدَّ الحافة. • • • • • طيلة حياتك واجهَتْك المواقفُ الصَّعبةُ، ذلك روَّضك قسرًا على الصَّبر بلا حدودٍ، وعلى قوَّةِ احتمالِ ما لا يُحتمَل. كم مرَّةً خضتَ هذه الرحلة عبر البحر، ثم عدت خائبًا، ومع ذلك ظلَّت الحاجة التي تَسْكن داخلك أكبر، وظلَّت نظرةُ عينَيْ أمِّك المتوسلةُ نجدتَكَ أكبر من مِحَن البحر وأخطار الإبحار؟ دائمًا تعود للمغامرة والمخاطرة مرةً ومرَّةً وأخرى، هل هو مقدَّرٌ على الإنسان ألا يتقن سوى مغامرةٍ واحدة، فلا يعود يحفلُ بسواها؟ ولكن الجواب يظلُّ عصيًّا. ماذا لو كان هناك حلٌّ آخر؟ حل آخَر؟! تغمضُ عينيك في استسلام، وترتجلُ بسمةَ تَهكُّمٍ. • أريد أن أشرب شربة ماء، هل يسمعني أحدكم؟ النَّجدة، النَّجدة. لكن صوتك لم يكن يغادر حلقك، بل كان يرتدُّ مكتومًا حسيرًا كسيرًا إلى الدَّاخل، إلى عمق جوفك. كم من الوقت مرَّ عليك، وأنت على هذه الحال؟ تنتابُك حالةٌ من السكينة المريبة، يبدو أنَّ تلك الساعة قد حانت، فلا محالة من الاستسلام لفكرة الموت. شرعتَ في استعراض شريط شقائك، تنقِّبُ في زوايا الذاكرة عن صورٍ متعاقبةٍ لأحداث حياتك، كفيلمٍ سينمائيٍّ يوثـِّق لسلسلة هزائمك وانكساراتك الشَّخصية منذ فشلك في تحقيق حلم والِدَيْك في الدِّراسة، إلى عَجْزِك عن تأمين لقمة عيشٍ يوميةٍ مستمرَّةٍ لوالدتك، ولإخوةٍ صغار تركَهم الوالد أمانة في عنقك بمقتضى ترسيمه لك رجلَ الدَّارِ بعدَه. طابور من الذِّكريات تتقافَزُ بخيالك، ثعالب لئيمة شرسة، تُشْهِر المخالب، وتكشِّر عن الأنياب، تتسابق، تنقضُّ على أيامك وتتخطَّفُهَا. لطالما كنت مسالمًا منصاعًا لِعُرف القطيع في الطاعة اللا مشروطة، وفي التَّسليم والرِّضا بما هو كائن، لكن ما مِن مرَّةٍ مدَدْتَ يدك فيها لتنال شيئًا إلاَّ وعادت لك فارغةً كما أرسلتَها، رغم أنَّك لم تكن متطلبًا، ولا كانت حاجاتك في هذه الحياة معجزةً كبرى غيرَ محتملةِ الحدوثِ. فقط زوجةٌ وأولادٌ، وبيتٌ ووطنٌ يعرفك ويَعترف بك، تلك كانت كلَّ مطالبك. ولكنَّك مع ذلك ظَلِلت دائمًا عصِيًّا على الانزلاق في مستنقعاتِ الخطأ. • • • • • رَفرَفت فوق رأسك سعادةٌ مبهمةٌ كالخدر، تحسُّ وكأنك تغرق في سائلٍ دافئٍ بلَّل وجهك، تشرفُ عليك دموع أمِّك وهي تتمسَّك بك بيدين متعرِّقتين ومرتعشتين؛ تحضنك مرَّة، وتبعدك قليلاً حتَّى تتملَّى وجْهَك، وهي لا تزال مستغرقةً في انتحابها، تعود وتردِّدُ على سمعك بعض وصاياها، ثمَّ لا يلبثُ صوتها أن يغيب، تعزله عن سمعك شهقاتُ البكاء. تستيقظُ على شعورٍ بالصَّدمة، صوت ارتطام القارب بشيءٍ صلبٍ، ثم صدمةٌ ثانيةٌ. فتحت عينَيك الكليلتين على الهلع، وأنت ترى أزرق البحر يبتلع زُرقة السماء. الرُّؤية صارت غائمةٌ، تجدُ نفسك في دوامةٍ، تضغط على جفنيك، ثم تحاول أن تباعدهما من جديد؛ لتحصل على بعض الرؤية. تمتدُّ يدك لتقبض على شيء تتمسَّك به، فلا تجد غير الماء، يشُقُّ عليك التقاطُ الـهواءِ اللاَّزمِ لرئتيك، ينتابُ جسمَك بعضُ الانهيار، تستسلم روحك لبعض الإغفاء. • • • • • غدًا سيقبضُ حرسُ السَّواحلِ على أجسادٍ أكلَ بعضَها الحوتُ، ومزَّقها طولُ التَّداولِ بين موج البحر وصخور الشاطئ. وستتبارى الصحفُ في نحت مانشيتاتٍ عريضةٍ جذَّابةٍ، وستتحدَّث وسائلُ الإعلامِ بعباراتٍ حَفِظَها الجميعُ، ولا يفهمها أحدٌ عن الظَّاهرة العابرة للحدود، وعن ضرورة تدخُّل كافة الشركاء في إطارِ المسؤوليةِ الإقليميةِ المشتركة، وسيغفلون الحديثَ عن أصل ما حدثَ، تطوُّعُ الشَّباب "الطائش المتهوِّر" للقيام بمهمة أوكِلـَت أصلاً لغيره وفَشِلَ فيها، القضاءُ على سوءِ أوضاعِهـِم المادِّية، وتحسينُ ظروفِ معيشتهم. حثالةُ اليقظةِ المترسِّبةِ في قاع وعْيِك تنذرُك بالخطرِ، تذكِّرُك بأنَّك سبَّاحٌ ماهرٌ. لكن أين لعضلاتك أن تستجيب؟! بفعل قوَّة السقوطِ الحرِّ، يهوى جسدُكَ بثقله إلى القاع، يسابقُ رأسُكَ بقيةَ الأعضاءِ، لكن الرِّسالة استمرَّت في الإلحاح ولو بشكلٍ ضبابيٍّ، تصرُّ على إقناعك أن ساعتك لم تَحِن بعدُ، ينتصرُ بداخلك حبُّ البقاءِ، بمجهودٍ خرافيٍّ، تفيقُ من إغماءةِ حواسِّك، تستديرُ حول نفسِكَ مائةً وثمانين درجةً عموديًّا، ترفعُ ذراعيك للأعلى، تفتح كفَّيك المنغلقين بإحكامٍ، تُصالبُ بين أصابع يديك، وتقفزُ بكل القوَّة التي أنت قادرٌ عليها للأعلى، تشهقُ شهقةَ الحياة حينما وجَد الهواء أخيرًا طريقه لفتحتي أنفك،تحسُّ بتمزق رئتيكَ وحلقِكَ، وكلِّ مجاريكَ التنفُّسيةِ وأنت تشرقُ بالماءِ المالحِ الذي ابتلعتَه قسرًا، طعمُ الملح كان قاسيًا وحارقًا على لسانك وشفتيك المتشقِّقتين، بصعوبةٍ بالغةٍ استطعت أن تُباعد بين جفنين منتفخين لتُفْسحَ الطَّريقَ لعينين محمرَّتين أتى ماء البحر على كل دموعهما، تحاولُ أن تستطلعَ المكانَ، لا شيءَ، ليس من حولك سوى امتدادٍ شاسعٍ أزرق مفتوحٍ على كلِّ الاحتمالاتِ، وحده جسدُكَ كان يطفو على هذه المساحات الممتدة من اللَّون الأزرق، استعدتَ شيئًا من دُرْبتِك الكبيرةِ في السِّباحة، جعلتَ جسمَك يطفو على سطحِ الماءِ، وسلَّمتَه أمانةً يقودُها الموج حيث المشيئة. المصدر: منتدى همسات الغلا H.vr rhjg lavr rhjg |
13-06-2020, 10:33 PM | #3 |
| سلمت أنآملك ع القصه رائعة الله يعطيك العافيه ولا تحرمنا جديدك ل أنفآسك بآقة ورد |
وحدك يالله تدرك عمق ما أشعر به فكن معي دائما _ _ _ _ يبقى الكتمان مريح رغم انه مؤذي داخليا _ _ _ _ اشعر بخيبه مثل ذالك السجين الذي سمحوا له بالزياره مرا واحد في السنه ولم يأتي احد لزيارته |
13-06-2020, 10:39 PM | #5 |
| يعطيك العافيه سلمت يمناك باأانتظار جديدك دمتي بخير |
::: ثلاثة اخرجهم من حياتك: :: من استرخص مشاعرك :: من يتلذذ في تعكير مزاجك :: من هانت عليه العشرة ا-------------------ا |
21-06-2020, 02:38 AM | #6 |
| مَوْضُوٌعْ فِيٍ قَمّةْ الْرَوُعَهْ لَطَالمَا كَانَتْ مَواضِيعَكْ مُتمَيّزهَ لاَ عَدِمَنَا هَذَا الْتّمِيزْ وَ رَوْعَةْ الأخَتِيارْ دُمتْ لَنَا وَدَامَ تَأَلُقَكْ الْدّائِمْ |
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
مشرق , قاتل |
| |