نبذة عن الأعشى - مجهودي

قبيلته:
ينتسب الأعشى إلى قبيلة بكر بن وائل التي تمتد في شرقي الجزيرة، ومن فروعها سعد بن ضبيعة التي ينتسب الأعشى إليها، وكانت تسكن اليمامة. وقد اشتركت في حرب (البسوس)، وقد دخلت في ولاءٍ للمناذرة.
كثُر الشعر في قبيلة الأعشى؛ لأنها كانت كثيرة الحروب، فكانت تغير ويُغار عليها، وفي أثناء ذلك ينشد لها شعراؤها القصائد والأناشيد الحماسية، فنما الشعر فيها وازدهر. وقد اشتهر من شعرائها: المرقَّش الأكبر، والمرقَّش الأصغر، والمتلمِّس، وطرفة، والمسيَّب بن عَلس.
اسمه:
ميمون، وسبب تسميته بالأعشى لضعف بصره، لهذا كني بأبي بصير.
لقب بصنّاجة العرب؛ لأنه انتقل بالشعر الجاهلي نقلة، فكلمة صنَّاجة تعني أنه كان يتغنى بشعره.

حياته:
عاش الأعشى في أواخر العصر الجاهلي، ويقال: إنه وُلد بمنفوحة في اليمامة، وأن أباه كان يلقَّب بقتيل الجوع «لأنه دخل غارًا يستظلّ فيه من الحرِّ، فوقعت صخرة عظيمة من الجبل، فسدّت فم الغار، فمات جوعًا».
تدل أخبار الأعشى وأشعاره على أنه كان كثير التنقل والأسفار في أنحاء الجزيرة يمدح سادتها وأشرافها. كما كان يفد على سوق عكاظ، ويمدح من يمرّ به من شيوخ العرب وأشرافهم. والأعشى في شعره لا يعيش لمديح السادة والأشراف وأخذ نوالهم فحسب، بل هو يعيش أيضًا لقبيلته ومنازعاتها الكثيرة.
يقال: إنه لما سمع بالرسول (صلى الله عليه وسلم) وانتصاراته وانتشار دعوته رغب في الوفود عليه ومديحه، فعلمت قريش بذلك فتعرَّضت له تمنعه، وقد قال له أبو سفيان: إنه ينهاك عن خِلال ويحرِّمها عليك، وكلها بك رافق ولك موافق، قال: وما هُنَّ؟ فقال أبو سفيان: الزنا والقمار والرِّبا والخمر؛ فعدل عن وجهته، وأهدته قريش مئة من الإبل، فأخذها وانطلق إلى بلده معرضًا عن الرسول ودعوته، فلما وصل منفوحة رمى به بعيره؛ فقتله.

صفاته:
كان وثنيًا مغرقًا في وثنيته، وفي شعره ما يصور معالم هذه الوثنية؛ إذ نراه كثير الحديث عن القيان، والقمار، وضرب قداح الميسر.
أهم الفنون التي نظم فيها:

1- المديح:
قيل إنه أول من سأل بالشعر واستجدى بالقريض واتخذه مَتْجرًا يطوف به البلاد. ومعاني المديح عنده لا تفترق عن المعاني العامة في مدائح الجاهليين: الكرم، والشجاعة، والوفاء، وعون الضعفاء.
كان يفرط في ثنائه على الممدوح، ويغلو في أوصافه؛ طمعًا في العطاء، وهذا من تأثير الحضارات التي ألمَّ بها في طوافه. كقوله مادحًا قيس بن معديكرب:

وأهان صالح ماله لفقيرها وأسى وأصلح بينها وسعى لها
وترى له ضُرا علي أعدائه وترى لنعمته على من نالها
أثرًا من الخير المزين أهله كالغيث صاب ببلدة فأسالها

2- الهجاء: يغلب على أهاجيه السخرية من المهجو، كقوله:
تَبِيتونَ في المشْتَى مِلاءً بُطونُكُمْ وجاراتُكمْ غَرْثَى يَبِتنَ خَمائصا
ويسخر من كسرى قبل وقعة ذي قار :
واقْعُدْ عَلَيْكَ التّاجُ مُعْتَصِبًا بهِ لا تَطْلُبَنَّ سَوَامَنَا فَتُعَبَّدَا
وكان يُقال عن الأعشى: «إنه إذا مدح رفع، و إذا هجا وضع». فهو إذا مدح غالى في مدحه، حتى رفع ممدوحه على جميع الناس، وإذا هجا أوجع لا بالشتم والهجاء المقذع، وإنما بالتهكم والسخرية والاستهزاء.

3- الفخر:
الأعشى كثير الفخر بقبيلته، وهو يجمع لها ضروب المفاخر والمناقب التي يعتز بها عرب الجاهلية من الجود في الجدب، والشجاعة في الحرب، وإغاثة الملهوف.
نحنُ الفوارسُ يومَ العَين ضاحيةً جَنْبَيْ فُطَيْمَةَ لا مِيلٌ ولا عُزُلُ
قَــالُــوا الـركوبَ فَقُلنَا تِلْكَ عَادَتُنَا أَو تَـــنْــزِلُــونَ فَـــإِنَّــا مَــعْــشَــرٌ نُــزُلُ
وقد ذهب بعض القدماء إلى أن البيت الأخير أشجعُ بيت لما صوَّر فيه الأعشى قومه وأنهم يحسنون الطعان فرسانًا كما يحسنون الضراب راجلين منوِّهًا بأن تلك سجية لهم دَرَج عليها شيوخهم وشبابهم.
4- الوصف:
يكثر من وصف الصحراء وناقته؛ وهذا طبيعي لكثرة رحلاته وأسفاره. وهو في هذا الموضوع يجري على عادة الجاهليين. وإن كان لا يطيل في تصوير الصحراء والناقة والحيوانات الوحشية، وربما جاءه ذلك من ذوقه المتحضر، على حين كان يتسع في وصف الخمر والغزل.

أما الخمر فهو يجيد وصفها إجادة لفتت القدماء إليه، فقالوا إنه أشعر الجاهليين إذا طرب، يقصدون إذا شرب الخمر ووصفها.
5- الغزل:
يُلحظ أنه لا يقف طويلاً عند الأطلال، بل يأخذ في وصف صاحبته ووصف عواطفه نحوها.
كان غزله ماديًّا صريحًا، إلا أنه يمتاز برقّة في الغزل وتعلّق بالمحبوبة. يقول في فاتحة معلقته:
وَدّعْ هُـرَيْرَةَ إنّ الــرَّكْــبَ مــرْتَــحِــلُ وَهَـلْ تُـطِــيـقُ وَداعـًا أَيُّـهَـا الـرَّجُــلُ
فهو يأمر قلبه أن يودعها قبل الرحيل، وسرعان ما يرجع إلى نفسه ينكر ما ظنه فيها من الصبر على الوداع. وهي صبابة لا نعرفها عند الجاهليين، إنما نعرفها عند الأعشى صاحب الذوق الرقيق الذي أثرت فيه الحضارة.

السمات الفنية لشعره:
1- يمتاز الأعشى بكثرة قصائده الطويلة.
2- اتسم برقة اللهجة، فله ذوق يخالف ذوق الجاهليين، وهو ذوق جاءه من طول اختلاطه بأهل الحضر. فالأعشى في جميع شعره صاحب ذوق متحضر، ويعد تمهيدًا للشعر الحضري الذي ظهر من بعده، سواءً في خطاب الأمراء والخضوع لهم، أو في خطاب النساء والتذلل لهن، أو في الاستهزاء بالمهجو، أو في وصف الخمر ومجالسها.
3- المبالغة في شعره؛ فقد كان يسرف في تصوير ممدوحيه، كقوله في هَوْذة الحنفي:
فَتىً لَو يُنادي الشَمسَ أَلقَت قِناعَها أَوِ القَمَرَ الساري لَأَلقى المـقالِدَا
فهو لو ينادي الشمس لألقت قناعها خجلًا، ولو بارى القمر لذلّ له وانقاد صَغارً، وهي مبالغة مفرطة.
4- التعمق في الأخيلة والصور.
5- سهولة لفظه بالقياس إلى معاصريه وسابقيه من قبيلته، أمثال طرفة. ويرجع هذا إلى تأثره بالحضارة؛ فرقَّت معانيه، ورقَّت ألفاظه رقة لم تُعرف لشاعر جاهلي قبله. كذلك ظهرت هذه الرقة في أوزانه وجمال موسيقاها. وهو كثير التنويع في أوزانه يستخدم منها التام والمجزوء.
6 - يلاحظ على أسلوبه شيئين:
أ- كثرة ما نُحل عليه، وقد أدى ذلك إلى دخول ألفاظ فارسية في بعض قصائده.
ب- الأسلوب عند الأعشى ينفك قليلًا عن صورة الأسلوب الجاهلي، حيث نفتقد عنده الأبيات المفردة التي تدور في الحكم والأمثال، كأنما لم تكن لديه مقدرة زهير والنابغة في التركيز وحشد المعاني في الألفاظ القليلة، وهذا سبب كثرة التضمين في شعره، كقوله:
ما بُكاءُ الكَبيرِ بِالأَطلالِ وَسُؤالي فَهَل تَرُدُّ سُؤالي
دِمنَةٌ قَفرَةٌ تَعاوَرَها الصَيـ ــفُ بِريحَيْنِ مِن صَبًا وَشَمالِ
فقد جاء بفاعل «ترد» في أول البيت الثاني. فالأعشى لا يتمم المعنى في بيت واحد، بل يتممه في بيت ثانٍ أو أبيات.

مجهودي..

النــور