الإهداءات


العودة   منتدى همسات الغلا > ¨°o.O (المنتديات الاسلاميه) O.o°¨ > ( همســـــات الإسلامي )


التوسط والاعتدال (2) تحذير المسلمين من الغلو في الدين

( همســـــات الإسلامي )

2 معجبون
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 08-12-2019, 06:32 PM
البرنس مديح ال قطب غير متواجد حالياً
Egypt     Male
SMS ~ [ + ]


سبحان الله وبحمدة
سبحان الله العظيم
الاوسمة
نيرة قلم 
لوني المفضل Darkorange
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل : 16 - 3 - 2015
 فترة الأقامة : 3562 يوم
 أخر زيارة : يوم أمس (03:12 PM)
 المشاركات : 871,296 [ + ]
 التقييم : 2147483647
 معدل التقييم : البرنس مديح ال قطب يستحق التميز البرنس مديح ال قطب يستحق التميز البرنس مديح ال قطب يستحق التميز البرنس مديح ال قطب يستحق التميز البرنس مديح ال قطب يستحق التميز البرنس مديح ال قطب يستحق التميز البرنس مديح ال قطب يستحق التميز البرنس مديح ال قطب يستحق التميز البرنس مديح ال قطب يستحق التميز البرنس مديح ال قطب يستحق التميز البرنس مديح ال قطب يستحق التميز
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي التوسط والاعتدال (2) تحذير المسلمين من الغلو في الدين





إخوتي الكرام؛ مرة أخرى مع خلق التوسط والاعتدال، ذلكم الخلق الكريم الذي تعبّدنا به رب العالمين، ودعانا إليه سيدُ المرسلين، ففيه الخير للناس أجمعين، وفيه النجاة من مخاطر الغلو والإفراط، ومساوئ التقصير والتفريط. ولا يتحقق التوسط والاعتدال إلا بالبعد عن سبل الغلو والإفراط والتقصير والتفريط.



والغلوّ: هو الإفراط ومجاوزة الحدّ في الأقوال والأعمال.

الغلو: خروجٌ عن المنهج وتعدٍّ للحد، وعملٌ بما لم يأذن به الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم.

الغلوّ: معارضة لهدي الإسلام، وإعراضٌ عن منهجه في التوسط والاعتدال والرحمَة واليسر والرِّفق.



الغلو مرض قديم عانت منه كثير من الأمم، وتناقله أهل الأهواء جيلا بعد جيل، يقول الله تبارك وتعالى محذرا أهل الكتاب من الغلو في الدين: ﴿ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾ [النساء: 171]، وقال عز وجل: ﴿ قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾ [المائدة: 77]



وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة للعالمين ينهى أمته عن الغلو في الدين؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لا يريد الهلاك لأمته، ولا يريد الشقاء لأمته، بل يريد لأمته أن تكون أمة مرحومة أمة ميمونة وأمة سعيدة. وقد قال الله تعالى عنه: ﴿ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].



فعن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يا أيها الناس؛ إيَّاكم والغلوّ في الدّين، فإنَّما أهلكَ من كان قبلكم الغلوُّ في الدّين ». أخرجه ابن ماجة وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.



وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هلك المتنطّعون» قالها ثلاثًا. قال النَّوويُ: والمتنطّعون - كما قال النَّووي -: المتعمِّقون المغالون، المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم.



وعن سهل بن حُنَيفٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تُشَدِّدوا على أنفسكم؛ فإنّما هلك من قبلَكم بتشدِيدِهم على أنفسهم، وستَجِدُونَ بقاياهُم في الصوامع والدِّياراتِ». أخرجه الطبراني في المعجم الكبير والأوسط، والبيهقي في الشعب، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.



أسباب الغلو:

للغلو أسباب كثيرة وعوامل عديدة؛ كاتباع الهوى، وحب الزعامة، والتقليد...



ومن أبرز أسباب الغلو: الجهلُ وسوء الفهم. فلا يوجد متشدد متطرف إلا وهو جاهل بحقيقة الدين ومقاصده وقواعده. أما أهل العلم فهم أهل وسطية واعتدال، ويسر ورفق ورحمة.



وليس كل من يدعي العلم عالما، ولا كل من يدعي الفقه فقيها؛ حتى يجالس العلماء الربانيين والدعاة المخلصين فينهل من علومهم، ويتربى على أيديهم، ويتخلق بأخلاقهم.



ومن شدة الجهل أن مَن يتشدّد في بعض الأحكام الفرعية من العبادات والطاعات، لا يتورع عن مُقارفة كبائر الذنوب والآثام، كالغيبة والنميمة، والقذف والوشاية، والتماس العيوب للبرآء، وتدبير المكايد للمخالف. وقد يتجاوز ذلك إلى تكفير المخالف واستحلال دمه وماله وعرضه. وهذا كله جهل وضلال.



♦ الخوارج نموذج في الغلو والتطرف:

والخوارج هم الذين ظهروا في زمن خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فخالفوه وخرجوا عن طاعته، بل وكفّروه وقاتلوه ومن معه من الصحابة والصالحين...



ومِن سماتهم أنهُم ويأخذون بظواهر النصوص دون معرفة بدلالات الألفاظ ومعانيها وقواعدها، ويُكفّرون مرتكب الكبيرة ويستحلون دمه وماله، ويخرجون عن ولاة الأمر ويقاتلونهم.



وقد ظهر أول رجل منهم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. ففي الصحيحين عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ وَهُوَ بِاليَمَنِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذُهَيْبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا، فَقَسَمَهَا بَيْنَ الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الحَنْظَلِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي مُجَاشِعٍ، وَبَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الفَزَارِيِّ وَبَيْنَ عَلْقَمَةَ بْنِ عُلاَثَةَ العَامِرِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلاَبٍ وَبَيْنَ زَيْدِ الخَيْلِ الطَّائِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ، فَتَغَيَّظَتْ قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ فَقَالُوا: يُعْطِيهِ صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ، وَيَدَعُنَا قَالَ: «إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ»، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ العَيْنَيْنِ، نَاتِئُ الجَبِينِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، اتَّقِ اللَّهَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَنْ يُطِيعُ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُهُ، فَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ، وَلاَ تَأْمَنُونِي»، فَسَأَلَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ قَتْلَهُ، أُرَاهُ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ، فَمَنَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا وَلَّى، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا، قَوْمًا يَقْرَءُونَ القُرْآنَ، لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ»



وفي الصحيحين عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ قِسْمًا، أَتَاهُ ذُو الخُوَيْصِرَةِ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ، فَقَالَ: «وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ، قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ». فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي فِيهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ؟ فَقَالَ: «دَعْهُ، فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَمَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ، -وَهُوَ قِدْحُهُ- فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، قَدْ سَبَقَ الفَرْثَ وَالدَّمَ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ، إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ المَرْأَةِ، أَوْ مِثْلُ البَضْعَةِ تَدَرْدَرُ، وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا الحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فَأُتِيَ بِهِ، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي نَعَتَهُ.



وفي الصحيحين عن علي رضي الله عنه قال: إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا، فوالله لأن أخِرَّ من السماء أحَبّ إليّ من أن أكذبَ عليه، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم، فإن الحرب خدعة، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيخرج قوم في آخر الزمان، أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين، كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة».



فالوصف الأول: للخوارج ومن على شاكلتهم: يقرؤون القرآن، يتقنون تلاوته ويكثرون من قراءته، لكنهم لا يفقهونَه ولا يدركون مقاصدَه، فيتأولونه حسب أهوائهم ورغباتهم. يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في وَصفِهم: (إنّهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار، فجعلوها على المؤمنين).



والوصف الثاني: يُصَلّون، ويحرصون على اتقان الصلاة في ظاهرها. ويُكثِرون من الصوم؛ «يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ». لكنهم لم يستفيدوا من صلاتهم ولا من صيامهم شيئا؛ ولا قيمة لصلاة لا تمنع صاحبها من الوقوع في الفحشاء والمنكر، وقد قال الله تعالى: ﴿ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45] وهؤلاء يرتكبون أبشع أنواع المنكر بقتلهم للأبرياء ونشرهم للرعب بين الناس. كما أنه لا قيمة لصيام لا يربي صاحبه على ترك المنكر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» ومن أقبح العمل بالزور سفك الدماء وقتل الأبرياء.



والوصف الثالث: استحلالُ دماءِ المسلمين: «يقتلون أهلَ الإسلام، ويدَعون أهلَ الأوثان». يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إنّهم يُكفِّرون بالذّنب والسيّئات، ويترتّب على تكفيرهم بالذّنوب استحلالُ دماء المسلمين وأموالِهم، وأنّ دارَ الإسلام دارُ كفر، ودارهم دار الإسلام".



حوار ابن عباس رضي الله عنه مع الخوارج:

فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: «لما خرجت الحرورية اعتزلوا في دار، وكانوا ستة آلاف» فقلت لعلي: يا أمير المؤمنين «أبرد بالصلاة، لعلي أكلم هؤلاء القوم» قال: «إني أخافهم عليك» قلت: كلا، فلبست، وترجلت، ودخلت عليهم في دارٍ نصفَ النهار، وهم يأكلون، فقالوا: «مرحبا بك يا ابن عباس، فما جاء بك؟» قلت لهم: أتيتكم مِن عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار، ومِن عندِ ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وصِهره، وعليهم نزل القرآن، فهُمْ أعلم بتأويله منكم، وليس فيكم منهم أحد، لأبَلّغَكم ما يقولون، وأبلغهم ما تقولون، فانتحى لي نفر منهم، قلت: هاتوا ما نقَمْتُمْ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه، قالوا: «ثلاث» قلت: ما هن؟ قال: «أما إحداهن، فإنه حَكّمَ الرجال في أمر الله» وقال الله: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ﴾ [الأنعام: 57] ما شأن الرجالِ والحُكم؟ قلت: هذه واحدة. قالوا: وأما الثانية، فإنه قاتل، ولم يَسْبِ، ولم يَغنَم، إن كانوا كفارا لقد حلَّ سباهم، ولئن كانوا مؤمنين ما حلّ سباهم ولا قتالهم. قلت: هذه ثنتان، فما الثالثة؟ "وذكر كلمة معناها قالوا: محى نفسه من أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين، فهو أمير الكافرين" قلت: هل عندكم شيء غيرُ هذا؟ قالوا: «حسبنا هذا» قلت لهم: أرأيتكم إن قرأت عليكم من كتاب الله جل ثناؤه وسنة نبيه ما يردّ قولكم، أتَرجعون؟ قالوا: «نعم» قلت: أما قولكم: «حَكّمَ الرجال في أمر الله، فإني أقرأ عليكم في كتاب الله أن قد صير الله حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم [ص:481]، فأمر الله تبارك وتعالى أن يحكموا فيه» أرأيت قول الله تبارك وتعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾ [المائدة: 95] وكان مِن حُكْمِ الله أنه صيره إلى الرجال يحكمون فيه، ولو شاء لحَكم فيه، فجاز من حكم الرجال، أنشدكم بالله أحُكم الرجال في صلاح ذات البين وحقن دمائهم أفضل أو في أرنب؟ قالوا: بلى، هذا أفضل. وفي المرأة وزوجها: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا ﴾ [النساء: 35] فنشدتكم بالله حُكمُ الرجال في صلاح ذات بينهم، وحقن دمائهم أفضل من حكمهم في بضع امرأة؟ خرجت من هذه؟ " قالوا: نعم. قلت: وأما قولكم قاتل ولم يَسْبِ ولم يغنم، أفتَسْبُون أمّكم عائشة، تَستحلون منها ما تستحلون من غيرها وهي أمّكم؟ فإن قلتم: إنا نستحل منها ما نستحل من غيرها فقد كفرتم، وإن قلتم: ليست بأمنا فقد كفرتم: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ [الأحزاب: 6] فأنتم بين ضلالتين، فأتوا منها بمخرج، أفخرجت من هذه؟ قالوا: نعم. وأما محي نفسه من أمير المؤمنين، فأنا آتيكم بما ترضون، إن نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية صالح المشركين فقال لعلي: «اكتب يا علي: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله» قالوا: لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «امحُ يا علي، اللهم إنك تعلم أني رسول الله، امحُ يا علي، واكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله» واللهِ لرسولُ الله صلى الله عليه وسلم خير من علي، وقد محى نفسه، ولم يكن محوه نفسه ذلك محاه من النبوة، أخرجتُ من هذه؟ " قالوا: «نعم. فرجع منهم ألفان، وخرج سائرهم، فقُتِلوا على ضلالتهم، فقتلهم المهاجرون والأنصار». أخرجه النسائي والبيهقي، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.



ومِن جهلِ الغلاة وسوء فهمِهم: عدمُ مراعاتهم لفقه المصالح والمفاسد؛ مع أن دَرْء المفاسد مقدَّمٌ على جَلْب المصالح، وأن أشدّ المفسدتين تُدْفَعُ بارتكابِ أخفّهما.



وفِقهُ المصالح والمفاسد بابٌ عظيمٌ من أبواب الفقه الإسلامي، عليه قامت الشريعةُ كلها. وإدراكُه والتطبيقُ الصحيح له ليس في قدرة أكثر الناس، وإنما هو بابٌ لا يَلِجُه إلا العلماء الربّانيون الفقهاءُ في دين الله تعالى.



وشريعة الإسلام في أصولها الكلية قائمة على حفظ الضروريات الخمس للعباد (الدين والنفس والعقل والنسل والمال) وأصحاب الغلو لا يقيمون لهذه الضروريات وزنا، ولا يعيرونها اهتماما، بل يستحلونها وينتهكونها ويعتدون عليها، ويؤوّلون النصوص ويفسّرونها بما يبرر أفعالهم وجرائمهم، ويجهلون أو يتجاهلون أن الإسلام الذي يدعون نصرته والدفاع عنه قد جاء بحفظ دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، وحرّم انتهاكها وشدّد في ذلك غاية التشديد، ففي الصحيحين عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ، قَالَ: «أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟»، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟» قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟»، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ «أَلَيْسَ ذُو الحَجَّةِ؟»، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ «أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟» قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ «أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الحَرَامِ؟» قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وأعراضَكم عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟»، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ».



فلا بد لمن يريد نصرة الإسلام وبيان الحق والدعوة إليه، من ترتيب الأولويات، ومعرفة بمقاصد الشريعة وكلياتها، ولابد من فهم للنصوص في ضوء بعضها البعض، مع الإلمام بمراتب الأحكام وطريق ثبوتها، مع تقدير ظروف الناس وأعذارهم، فقد قال الله عز وجل: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125]، وقال سبحانه: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾ [يوسف: 108]. أي على علم وفهم وحجة وبرهان، لا عن هوى وجهل وتعصب وضلال.



مظاهر الغلو وصوره:

إخوتي الكرام؛ مرة أخرى مع خُلقِ التوسط والاعتدال؛ وشريعتُنا السَّمْحَةُ تحثنا علَى التوسُّطِ والاعتدالِ، وتُحَذّرُنا مِنَ الغُلوِّ وصَنِيعِ الجُهَّالِ. فبالتوسط والاعتدال يَنعَم الناس بالأمن والاستقرار، ويتمَكّن العباد من عبادة الواحد الديان. أما الغُلوّ والتنطع فإنه يُعطِّلُ الأديانَ، ويُفْسِدُ الأبدانَ، ويُدْخِلُ في الدِّينِ ما ليسَ مِنْه، ويخرِجُ مِنْه ما لا مَحيدَ عَنْه.



وللغلو في الدين مظاهر كثيرة، وصور عديدة؛ على كل مسلم عاقل أن يَحْذَرَ منها ويبتعد عنها، وهذه أبرزُها:

1) إلزامُ النَّفسِ أو الآخَرين بما فوق الطاقة والاستطاعة؛ فتجاوز الطاقة في الأمر المشروع غلوّ وإفراط. وهذا ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم في مواقفَ كثيرة، سدا لباب الغلو أمام من يريد أن يحمّلَ نفسه من العمل مالا تطيق:

ففي الصّحيحين عن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شيخا يهادى بين ابنيه، فقال: «ما بال هذا؟»، قالوا: نذر أن يمشي، قال: «إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني»، وأمره أن يركب.



وفي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم فإذا حبل ممدود بين الساريتين، فقال: «ما هذا الحبل؟» قالوا: هذا حبل لزينب، فإذا فتَرَتْ تعلقت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا، حُلّوه، لِيُصَلّ أحدُكم نشاطه، فإذا فتَرَ فليَقعُدْ».



ومن ذلك أيضا التشدد في حمل الناس على ما يشق عليهم ويؤذيهم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشقّ عليهم فاشقُقْ عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفُقْ به».



وعن جابر رضي الله عنه قال: خرجنا في سفر، فأصاب رجلا منا حجرٌ فشجّه في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء. فاغتسل فمات، فلما قدِمْنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخْبِرَ بذلك فقال: «قتَلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا؟ فإنما شفاء العي السؤال». أخرجه أبو داود والبيهقي والدارقطني، وحسّنه الألباني في صحيح أبي داود.



ومن ذلك أيضا تشدد بعض الناس في بعض الفروع الفقهية التي اختلف فيها العلماء قديما وحديثا، فيأتي طالب علم ممن لم يتذوق بعد حلاوة العلم والفقه فيريد أن يحمل الناس على رأي واحد، وتراه يبدع ويفسق كل من خالفه، بل ولا يستحيي أن يتطاول على العلماء الكبار ممن رسخت أقدامهم في العلم والمعرفة.



2) تحريم الطيِّبات التي أباحها الله تعالى، أو ترك بعض الضّرورات التي بدونها يقع المرء في المشقة والحرج والتهلكة؛ ففي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه، يقول: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني».



ومن التشدّدِ تركُ ما أباحه الله استثناءً من المحظورات عند الضرورة، فقد قال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَن اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة:173].



3) الغلوّ في الحكم على الآخرين؛ إما بالغلو في مدحهم، وإما بالغلو في ذمهم.



ومِن الغلو في المدح وصفُ العبدِ بما يفوق قدرَه ومكانته من الأفعال والصفات، كغلو النصارى في عيسى عليه السلام، إذ وَصَفوه أنه إله، وأنه ابن الله. فقال تعالى محذرا لهم: ﴿ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾ [النساء: 171]. وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ﴾ [المائدة: 17].



وهذا النوع من الغلو هو الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنه أنه سمع عمر رضي الله عنه يقول على المنبر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تُطْرُونِي، كما أطرَتِ النصارى ابنَ مريم، فإنما أنا عبدُه، فقولوا: عبدُ الله ورسولُه».



ومِن ذلك غلوّ الشيعة في علي رضي الله عنه؛ إذ وصفوه بما لا يليق إلا بالله رب العالمين. فقد أخرج ابن الأعرابي في معجمه عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: "جَاءَ نَاسٌ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الشِّيعَةِ فَقَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْتَ هُوَ قَالَ: «مَنْ أَنَا؟» قَالُوا: أَنْتَ هُوَ. قَالَ: «وَيْلَكُمْ مَنْ أَنَا؟»، قَالُوا: أَنْتَ رَبُّنَا أَنْتَ رَبُّنَا. قَالَ: «ارْجِعُوا»، فَأَبَوْا، فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ، ثُمَّ خَدَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ: ثُمَّ قَالَ: يَا قَنْبَرُ ائْتِنِي بِحُزَمِ الْحَطَبِ، فَأَحْرَقَهُمْ بِالنَّارِ، ثُمَّ قَالَ: لَمَّا رَأَيْتُ الْأَمْرَ أَمْرًا مُنْكَرًا.. أَوْقَدْتُ نَارِي وَدَعَوْتُ قَنْبَرَا".



ومن الغلو في الذمّ تكفيرُ الناس واتهامُهم بالفسق والزندقة، بمجرد المخالفة في الرأي، أو وقوعهم في بعض المعاصي والمخالفات.



يقول ابن تيمية رحمه الله: "التكفير حق لله، فلا يُكفر إلا مَن كَفّرَهُ الله ورسُوله"(48). مع ملاحظة أن فهم النصوص الدالة على ذلك لا يكون عن جهل وهوى، وإنما عن علم وبصيرة.



وليس مِن منهج أهل السنة رميُ المخالف والمخطئ بالفسق والكفر والزندقة بمجرد خطئِه ومخالفته؛ فإن المخالِف ومرتكبَ الكبيرة قد يكون مجتهداً مخطئاً يغفرُ الله خطأه. وقد لا يكون بلغه في ذلك من العلم ما تقوم به عليه الحجة فيكون معذورا. وقد يكون له من الحسنات ما يمحو الله به سيئاته. فإن الله تعالى يقول: ﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ [هود: 114]. ثم إن الله تعالى قد قسم الذنوب والمعاصي إلى قسمين:

أ- شرك؛ لا يغفره الله إلا بالتوبة والعودة إلى التوحيد.



ب- ما دون الشرك؛ ومنه كبائر الذنوب، وصاحبها تحت مشيئة الله إن شاء عذبه بعدله، وإن شاء غفر له بفضله.



قال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48].



وفي الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض، وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ، فقال: "ما من عبد قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة" قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: «وإن زنى وإن سرق» قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: «وإن زنى وإن سرق» قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: «وإن زنى وإن سرق، على رغم أنف أبي ذر» وكان أبو ذر إذا حدث بهذا قال: وإن رغم أنف أبي ذر.



وليس هذا فتحا لباب المعاصي والجرأة على الله، وإنما هو فتح لباب الأمل والتوبة والتعلق بالله وحسن الظن به سبحانه.



ومن العَجيبِ أن ترى مَن يَدّعي السنّةَ لا يتورع عن اتهام الآخرين بالكفر والفسوق، مع أنها كلماتٌ خطيرة، حذّرَ منها النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة.



ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما امْرِئٍ قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ».



وفي صحيح البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يرمي رجل رجلا بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك». أي رجعت عليه فكان هو فاسقا أو كافرا.



وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «...وَمَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ، أَوْ قَالَ عَدُوَّ اللَّهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلَّا حَارَ عَلَيْهِ». أي رجع عليه قوله فكان هو من أهله. وهل مِن أحَدٍ يزعم أنه مطلع على سرائر الناس وضمائرهم حتى يتهمهم بالكفر وهم مسلمون يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؟. وهل نحن مكلفون أو موكلون بالحكم على الآخرين بالكفر والفسوق والنفاق خاصة وهم يشهدون لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة؟


ففي الصحيحين عن أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحُرَقَةِ من جُهينة، قال: فصبّحنا القوم فهزمناهم، قال: ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم، قال: فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، قال: فكفّ عنه الأنصاري، فطعنته برمحي حتى قتلته، قال: فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فقال لي: «يا أسامة، أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله» قال: قلت: يا رسول الله، إنما كان متعوّذا، قال: «أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله» قال: فما زال يكررها علي، حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم.



وفي رواية لمسلم: قال: قلت يا رسول الله؛ إنما قالها خوفا من السلاح. قال: «أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟». فمازال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ.



وفي رواية أخرى لمسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أقتلتَه؟». قال: نعم. قال: «فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟». قال: يا رسول الله استغفِرْ لي. قال: «وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ ». قال: فجعل لا يزيده على أن يقول: «كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟».



احذروا من التكفير؛ فإن تكفير المسلم بمنزلةِ قتلِهِ في الإثم والعقاب؛ ففي صحيح البخاري عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «...ومن لعن مؤمنا فهو كقتله، ومَن قذفَ مؤمنا بكفر فهو كقتله». أي يعاقب ويعذب كما لو قتله.



4) بغض الناس واحتقارهم والازدراء منهم:

فمن الناس من يَدّعي التمسك بالدين؛ ينظر إلى نفسه نظرة إعجاب، وينظر إلى غيره نظرة سخرية واحتقار واستهزاء. وهذا مِن تلبيس الشيطان على كثير من الناس، يرى أنه يحافظ على الصلاة، ويرى أنه على سنة من سنن رسول الله، لكنه يهدم طاعته ويفسد أجره وهو لا يدري باستهزائه بالآخَرين، وسوء ظنه بالآخَرين، وسوء حُكمِه على الآخرين. ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: «بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم». رواه مسلم من حديث أبي هريرة.



وربنا سبحانه وتعالى يقول: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾[الحجرات: 11]. فكم مِن ظالم يظن نفسه على السنة والطريق، وهو لا يدري أنه من الظالمين. ويحكم على غيره بالهلاك وهو من الهالكين.



فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سمعتَ الرجل يقول: هَلكَ الناسُ، فهو أهلكُهُم». أخرجه مالك وأحمد ومسلم وأبو داود.



وفي صحيح مسلم عن جُندُب بن عبد الله البَجَلي رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَ أَنَّ رَجُلاً قَالَ: والله لا يغفرُ الله لفلان. فقال الله: «من ذا الذي يتألى عليّ أن لا أغفرَ لفلان؟ فإني قد غفرت لفلان، وأحبطتُ عملك».



ولقد بلغ الغلو بأناس أن هجروا المساجد، وتركوا معاملة الناس، ومنهم من قاطع المدارس والوظائف؛ لأن المجتمعات في نظرهم كافرة، وليس بعد الكفر ذنب. فأين هؤلاء من قوله عليه الصلاة والسلام: «المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم، أعظم أجرا مِن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم». أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما.



وأين هؤلاء في قسوتهم وشدتهم على المذنبين مِن رحمة النبي صلى الله عليه وسلم ورفقه بالمسيئين؟. ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن أعرابيا بال في المسجد، فثارَ إليه الناس لِيقعوا به، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوه، وأهريقوا على بوله ذنوبا من ماء، أو سجلا من ماء، فإنما بعثتم مُيَسّرين ولم تُبعَثوا مُعَسّرين».



فيسّروا ولا تعسّروا، وبشروا ولا تنفروا، وأحسنوا إلى الناس يحسن الله إليكم، وادعوا إلى دين الله بأخلاقكم وأعمالكم، قبل أقوالكم وشعاراتكم.



آثار التنطع والغلو في الدين:

إخوتي الكرام نواصل حديثنا عن آفة الغلو في الدين، الذي يتنافى مع وسطية الدين واعتداله. لنحذر من مخاطر الغلو وآثاره وعواقبه.



فللغلو في الدين آثار مُدمّرة، ونتائج سيئة، وعواقب وخيمة، ومخاطر متعددة على الفرد والأسرة والمجتمع، منها:

♦ إثارة الفتن وتأجيج الصراعات؛ ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴾[البقرة: 191]. لِمَا يترتب عليها مِن حروب ومحن، وصراعات ونزاعات، وفُرقة واختلاف، فكم من أناس يجُرّون الأمة إلى الفتن، ويوقعونها في الحرج والشقاء، بسبب غلوّهم وإفراطهم.



وهذا ما حذّرَ منه النبي صلى الله عليه وسلم، وتبرأ مِن فاعله؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَن خرج مِن الطاعة وفارق الجماعة فماتَ، مات مِيتة جاهلية، ومَن قاتل تحتَ راية عِمِّيَّةٍ، يَغضَبُ لِعَصبة، أو يدعو إلى عَصبة، أو ينصرُ عَصبة، فقُتِل فقِتْلة جاهلية، ومَن خرجَ على أمتي يَضربُ بَرَّها وفاجرَها، ولا يَتحاشى مِن مؤمنِها، ولا يَفِي لِذي عهد عهدَه، فليس مِني ولستُ منه».



فكم من نفوس مسلمة بريئة أزهِقت، وكم من أموالٍ وممتلكات محتَرمة أتلِفت، وكم من مجتمعات آمنة رُوِّعت. مفاسدُ عظيمة، وشرور كثيرة، ومحن وفتن، نتيجة التعصب وسوء الفهم لدين رب العالمين. فأين يذهَب هؤلاء الغلاة مِن قول الله عزّ وجلّ: ﴿ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ﴾ [النساء:93]؟! وأين هؤلاء من قوله عليه الصلاة والسلام: «لَزوال الدنيا أهون عند الله مِن قتل رجل مسلم»؟! أخرجه النسائي عن عبد الله بن عمرو. وأين هؤلاء من قوله عليه الصلاة والسلام: «لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا»؟! أخرجه البخاري في صحيح عن عبد الله بن عمر.



♦ كراهية الناس للدين ونفورهم منه:

ففي الغلوّ ظلمٌ للنّفس وظلمٌ للنّاس، وصدّ عن سبيل الله؛ لِما يُورثه من تشويه صورة الدين وتنفير الناس عنه. ونحن مطالبون بأن ندعو إلى دين الله بالحكمة والموعظة الحسنة، بالرفق واللين، بجميل الأخلاق والقيم، وأن نحبب دين الله تعالى إلى الناس أجمعين، وأن نجتنب كل ما يُنفّرُ الناسَ عنه.



ففي الصحيحين عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني والله لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان، مما يطيل بنا فيها، قال: فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قط أشد غضبا في موعظة منه يومئذ، ثم قال: «يا أيها الناس إن منكم منفرين، فأيكم ما صلى بالناس فليوجز، فإن فيهم الكبير، والضعيف، وذا الحاجة».



والنفوس مجبولة على حُبّ مَن أحسن إليها، ورفقَ بها، وعلى بغض مَن أساء إليها، وقسا عليها، وحسبنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كسب ودّ أصحابه ومحبتهم واستجابتهم إلا بالرفق واللين: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159].



♦ الفتور والانقطاع:

ذلك أن التشدد والغلو قصيرُ العمر، والاستمرار عليه في العادة أمر عسير؛ وطاقة الإنسان محدودة، فسرعان ما ينقطع عن العمل، وسرعان ما يسأم ويمل، وقد ينتقل من الإفراط إلى التفريط، ومن التشدد إلى التسيّب. وهذا ما نبه إليه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: «يا أيها الناس، خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمَلّ حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قل». رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها.



♦ التقصير في حقوق الآخَرين:

فالمتنطع أو المغالي إنما يدور في فلك معين من الفكر والسلوك، منغلقا على نفسه، منقطعا عن الناس، مما يؤدي به إلى التقصير في حقوق يجب أن تراعى، وواجبات ينبغي أن تؤدى.



والتوسط والاعتدال إنما يكون بالموازنة بين مختلف الحقوق والواجبات، وهذا ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لعبد الله بن عمرو بن العاص: «ألمْ أخبَرْ أنك تقوم الليل وتصوم النهار؟» قال: بلى، قال: «فلا تفعل، قم ونم، وصم وأفطر، فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا...».



♦ سبب في الفُرقة والتحزب:

فبالغلوّ والتشدد، والتعصب للآراء الشخصية والفئوية تفشو الكراهية، وتمتلئ النفوس بالأحقاد والضغائن، وتلك أسباب تجرّ الأمة إلى الفرقة والتمزق والتحزّب الذي يدمّر الطاقات، ويشتِّت الجهود، ويُهدِرُ المكتسَبات، ويؤخِّر مسيرةَ الإصلاح، ويخذل الدعوةَ والدعاة، ويفتح أبوابَ الشرّ أمام ألوانٍ من الصّراعات والنزاعات، بل ربّما هيّأ فرَصًا للتّدخّلات الخارجيّة والمحاولات الأجنبيّة.



وربنا سبحانه وتعالى ينهانا عن الفرقة ويحذرنا من أسبابها؛ فيقول سبحانه: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ [آل عمران: 103]. ويقول عز وجل: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 46].



والأُمَّةُ في سفينةٍ واحدةٍ، بتماسكها وتعاونها تنجو من الغرق، وبتمزقها وتفرقها يكون هلاكها وهوانها، ففي صحيح البخاري عن النُّعْمَان بْن بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا».



♦ سبب في غياب الأمن، وحلول المحن:

والأمنُ مطلبٌ عزيزٌ، وكنزٌ ثمينٌ، ونعمة لا تقدر بثمن، فهو قِوام الحياة الإنسانيّة كلّها، وأساس الحضارة المدنيّة أجمعها، بدونه لا يُستساغ طعام، ولا يهنَأ عيش، ولا يُنعَم براحة... إليه تتطلّع المجتمعات، وتتسابق الأمم، وله تُسخَّر الإمكانات الماديّة، والوسائلُ العلميّة، والدراسات الاجتماعيّة والنفسيّة، وتُحشَد له الأجهزة الأمنيّة والعسكرية، وتُستنفَر له الطاقات البشريّة.



يقول ربنا سبحانه: ﴿ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 1 - 4]. ويقول عز وجل: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ﴾ [العنكبوت: 67].



في ظلِّ الأمن تُحفَظ النفوس، وتُصان الأعراض والأموال، وتَأمَن السّبُل، وتُقام الشعائر، ويَسود العمران، وتنمو الثّروات، وتتوافر الخيرات، ويكثر الحرثُ والنّسل.



في ظلّ الأمن تقوم الدعوة إلى الله، وتُعمَر المساجد، وتُقام الجُمَع والجماعات، ويسود الشّرع، ويفشو المعروف، ويقلُّ المنكَر، ويحصل الاستقرار النفسيّ والاطمئنان الاجتماعيّ.



وإذا اضطرب الأمن - عياذًا بالله - ظهرت الفتَن، وتزلزلت الدول والأمم، وكثُر الخبَث، والتبَس الحقّ بالباطل، واستعصى الإصلاح على أهلِ الحقّ.



إذا اختلَّ الأمن - عياذًا بالله - حَكمَ اللّصوص وقطّاع الطريق، وسادت شريعةُ الغاب، وعمّت الفوضى، وهلك النّاس.



وهذا ما نراه في كثير من البلدان الإسلامية، التي اختلَّ فيها الأمن، فهلك فيها الحرث والنّسل، وسُلِبت الأموال، وانتُهِكت الأعراض، وفسد المعاش، وساءت أحوال الناس فيها، نسأل الله تعالى أن يفرج كربهم ويذهب همهم ويرزقهم الآمن في أوطانهم، وأن يزيل عنهم كل محنة وبلاء.



فالإسلام دينُ أمْن وسلام؛ يدعو إلى الأمن، ويحث على السلام، ويحرّم كل عمل يروّع الآمنين، ويخوّف المسالمين.



فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه، ففزع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لمسلم أن يُرَوّعَ مسلما». أخرجه أحمد وأبو داود. وصححه الألباني في صحيح الجامع.



وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري، لعل الشيطان يَنزِعُ في يده، فيقع في حفرة من النار».



وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «مَن أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه، حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمه».



وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أَمِنَهُ الناس على دمائهم وأموالهم». أخرجه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم. وصححه الألباني في صحيح الجامع.



إخوتي الكرام؛ ولما كانَ الغلوُّ والتطرف آفةً خطيرةً، وداءً فتَّاكاً مُسْتطيراً، كانَ لزِاماً معالجتُهُ قبلَ تجرُّعِ عواقِبِهِ الوخيمةِ، والتألُّم ِمِنْ آثارِه الجسيمةِ، وتلكَ مسؤوليةٌ تقعُ علَى عاتِقِ الأفرادِ والأسَر والمؤسساتِ. وأهمُّ طُرُقِ العلاجِ أنْ يُفْهَمَ الإسلامُ فهْماً صحيحاً في عُمومهِ وشُمولهِ، بحكمتِهِ ورحمتِهِ، بواقعيَّتِهِ ومثاليَّتِهِ، بمنأَى عَنِ الأهواءِ والأغراضِ الذاتيَّةِ، وبعيداً عَنِ التعصُّبِ المقِيتِ، والجَهْلِ الممِيتِ، وأنْ نسلكَ مسلَكَ الوسطِيَّةِ والاعتدالِ، ونُحذّرَ مِنَ الغلوِّ والتشدُّدِ، ونتَّبِعَ منهجَ الحِوَارِ، ﴿ ونرجعَ في المسائلِ المشْكِلاتِ والنوازِلِ المدْلَهِمَّاتِ إلى أهلِ العلمِ الذين أمرَنا اللهُ سبحانَه وتعالَى جميعاً بالرجوعِ إليهم قائلاً: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنبياء:7].



نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه من الأعمال والأقوال والأخلاق، وأن يجنبنا ما لا يرضيه من الأعمال والأقوال والأخلاق، وأن يجعلنا من عباده الصالحين ومن أوليائه المتقين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.



وصل اللهم وسلم وبارك على حبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
والاعتدال , المسلمين , امتوسط , الخجل , العلو , تحذير

التوسط والاعتدال (2) تحذير المسلمين من الغلو في الدين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.



إخوتي الكرام؛ مرة أخرى مع خلق التوسط والاعتدال، ذلكم الخلق الكريم الذي تعبّدنا به رب العالمين، ودعانا إليه سيدُ المرسلين، ففيه الخير للناس أجمعين، وفيه النجاة من مخاطر الغلو والإفراط، ومساوئ التقصير والتفريط. ولا يتحقق التوسط والاعتدال إلا بالبعد عن سبل الغلو والإفراط والتقصير والتفريط.



والغلوّ: هو الإفراط ومجاوزة الحدّ في الأقوال والأعمال.

الغلو: خروجٌ عن المنهج وتعدٍّ للحد، وعملٌ بما لم يأذن به الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم.

الغلوّ: معارضة لهدي الإسلام، وإعراضٌ عن منهجه في التوسط والاعتدال والرحمَة واليسر والرِّفق.



الغلو مرض قديم عانت منه كثير من الأمم، وتناقله أهل الأهواء جيلا بعد جيل، يقول الله تبارك وتعالى محذرا أهل الكتاب من الغلو في الدين: ﴿ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾ [النساء: 171]، وقال عز وجل: ﴿ قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾ [المائدة: 77]



وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة للعالمين ينهى أمته عن الغلو في الدين؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لا يريد الهلاك لأمته، ولا يريد الشقاء لأمته، بل يريد لأمته أن تكون أمة مرحومة أمة ميمونة وأمة سعيدة. وقد قال الله تعالى عنه: ﴿ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].



فعن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يا أيها الناس؛ إيَّاكم والغلوّ في الدّين، فإنَّما أهلكَ من كان قبلكم الغلوُّ في الدّين ». أخرجه ابن ماجة وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.



وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هلك المتنطّعون» قالها ثلاثًا. قال النَّوويُ: والمتنطّعون - كما قال النَّووي -: المتعمِّقون المغالون، المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم.



وعن سهل بن حُنَيفٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تُشَدِّدوا على أنفسكم؛ فإنّما هلك من قبلَكم بتشدِيدِهم على أنفسهم، وستَجِدُونَ بقاياهُم في الصوامع والدِّياراتِ». أخرجه الطبراني في المعجم الكبير والأوسط، والبيهقي في الشعب، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.



أسباب الغلو:

للغلو أسباب كثيرة وعوامل عديدة؛ كاتباع الهوى، وحب الزعامة، والتقليد...



ومن أبرز أسباب الغلو: الجهلُ وسوء الفهم. فلا يوجد متشدد متطرف إلا وهو جاهل بحقيقة الدين ومقاصده وقواعده. أما أهل العلم فهم أهل وسطية واعتدال، ويسر ورفق ورحمة.



وليس كل من يدعي العلم عالما، ولا كل من يدعي الفقه فقيها؛ حتى يجالس العلماء الربانيين والدعاة المخلصين فينهل من علومهم، ويتربى على أيديهم، ويتخلق بأخلاقهم.



ومن شدة الجهل أن مَن يتشدّد في بعض الأحكام الفرعية من العبادات والطاعات، لا يتورع عن مُقارفة كبائر الذنوب والآثام، كالغيبة والنميمة، والقذف والوشاية، والتماس العيوب للبرآء، وتدبير المكايد للمخالف. وقد يتجاوز ذلك إلى تكفير المخالف واستحلال دمه وماله وعرضه. وهذا كله جهل وضلال.



♦ الخوارج نموذج في الغلو والتطرف:

والخوارج هم الذين ظهروا في زمن خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فخالفوه وخرجوا عن طاعته، بل وكفّروه وقاتلوه ومن معه من الصحابة والصالحين...



ومِن سماتهم أنهُم ويأخذون بظواهر النصوص دون معرفة بدلالات الألفاظ ومعانيها وقواعدها، ويُكفّرون مرتكب الكبيرة ويستحلون دمه وماله، ويخرجون عن ولاة الأمر ويقاتلونهم.



وقد ظهر أول رجل منهم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. ففي الصحيحين عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ وَهُوَ بِاليَمَنِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذُهَيْبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا، فَقَسَمَهَا بَيْنَ الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الحَنْظَلِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي مُجَاشِعٍ، وَبَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الفَزَارِيِّ وَبَيْنَ عَلْقَمَةَ بْنِ عُلاَثَةَ العَامِرِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلاَبٍ وَبَيْنَ زَيْدِ الخَيْلِ الطَّائِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ، فَتَغَيَّظَتْ قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ فَقَالُوا: يُعْطِيهِ صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ، وَيَدَعُنَا قَالَ: «إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ»، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ العَيْنَيْنِ، نَاتِئُ الجَبِينِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، اتَّقِ اللَّهَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَنْ يُطِيعُ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُهُ، فَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ، وَلاَ تَأْمَنُونِي»، فَسَأَلَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ قَتْلَهُ، أُرَاهُ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ، فَمَنَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا وَلَّى، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا، قَوْمًا يَقْرَءُونَ القُرْآنَ، لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ»



وفي الصحيحين عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ قِسْمًا، أَتَاهُ ذُو الخُوَيْصِرَةِ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ، فَقَالَ: «وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ، قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ». فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي فِيهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ؟ فَقَالَ: «دَعْهُ، فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَمَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ، -وَهُوَ قِدْحُهُ- فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، قَدْ سَبَقَ الفَرْثَ وَالدَّمَ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ، إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ المَرْأَةِ، أَوْ مِثْلُ البَضْعَةِ تَدَرْدَرُ، وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا الحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فَأُتِيَ بِهِ، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي نَعَتَهُ.



وفي الصحيحين عن علي رضي الله عنه قال: إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا، فوالله لأن أخِرَّ من السماء أحَبّ إليّ من أن أكذبَ عليه، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم، فإن الحرب خدعة، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيخرج قوم في آخر الزمان، أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين، كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة».



فالوصف الأول: للخوارج ومن على شاكلتهم: يقرؤون القرآن، يتقنون تلاوته ويكثرون من قراءته، لكنهم لا يفقهونَه ولا يدركون مقاصدَه، فيتأولونه حسب أهوائهم ورغباتهم. يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في وَصفِهم: (إنّهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار، فجعلوها على المؤمنين).



والوصف الثاني: يُصَلّون، ويحرصون على اتقان الصلاة في ظاهرها. ويُكثِرون من الصوم؛ «يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ». لكنهم لم يستفيدوا من صلاتهم ولا من صيامهم شيئا؛ ولا قيمة لصلاة لا تمنع صاحبها من الوقوع في الفحشاء والمنكر، وقد قال الله تعالى: ﴿ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45] وهؤلاء يرتكبون أبشع أنواع المنكر بقتلهم للأبرياء ونشرهم للرعب بين الناس. كما أنه لا قيمة لصيام لا يربي صاحبه على ترك المنكر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» ومن أقبح العمل بالزور سفك الدماء وقتل الأبرياء.



والوصف الثالث: استحلالُ دماءِ المسلمين: «يقتلون أهلَ الإسلام، ويدَعون أهلَ الأوثان». يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إنّهم يُكفِّرون بالذّنب والسيّئات، ويترتّب على تكفيرهم بالذّنوب استحلالُ دماء المسلمين وأموالِهم، وأنّ دارَ الإسلام دارُ كفر، ودارهم دار الإسلام".



حوار ابن عباس رضي الله عنه مع الخوارج:

فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: «لما خرجت الحرورية اعتزلوا في دار، وكانوا ستة آلاف» فقلت لعلي: يا أمير المؤمنين «أبرد بالصلاة، لعلي أكلم هؤلاء القوم» قال: «إني أخافهم عليك» قلت: كلا، فلبست، وترجلت، ودخلت عليهم في دارٍ نصفَ النهار، وهم يأكلون، فقالوا: «مرحبا بك يا ابن عباس، فما جاء بك؟» قلت لهم: أتيتكم مِن عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار، ومِن عندِ ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وصِهره، وعليهم نزل القرآن، فهُمْ أعلم بتأويله منكم، وليس فيكم منهم أحد، لأبَلّغَكم ما يقولون، وأبلغهم ما تقولون، فانتحى لي نفر منهم، قلت: هاتوا ما نقَمْتُمْ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه، قالوا: «ثلاث» قلت: ما هن؟ قال: «أما إحداهن، فإنه حَكّمَ الرجال في أمر الله» وقال الله: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ﴾ [الأنعام: 57] ما شأن الرجالِ والحُكم؟ قلت: هذه واحدة. قالوا: وأما الثانية، فإنه قاتل، ولم يَسْبِ، ولم يَغنَم، إن كانوا كفارا لقد حلَّ سباهم، ولئن كانوا مؤمنين ما حلّ سباهم ولا قتالهم. قلت: هذه ثنتان، فما الثالثة؟ "وذكر كلمة معناها قالوا: محى نفسه من أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين، فهو أمير الكافرين" قلت: هل عندكم شيء غيرُ هذا؟ قالوا: «حسبنا هذا» قلت لهم: أرأيتكم إن قرأت عليكم من كتاب الله جل ثناؤه وسنة نبيه ما يردّ قولكم، أتَرجعون؟ قالوا: «نعم» قلت: أما قولكم: «حَكّمَ الرجال في أمر الله، فإني أقرأ عليكم في كتاب الله أن قد صير الله حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم [ص:481]، فأمر الله تبارك وتعالى أن يحكموا فيه» أرأيت قول الله تبارك وتعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾ [المائدة: 95] وكان مِن حُكْمِ الله أنه صيره إلى الرجال يحكمون فيه، ولو شاء لحَكم فيه، فجاز من حكم الرجال، أنشدكم بالله أحُكم الرجال في صلاح ذات البين وحقن دمائهم أفضل أو في أرنب؟ قالوا: بلى، هذا أفضل. وفي المرأة وزوجها: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا ﴾ [النساء: 35] فنشدتكم بالله حُكمُ الرجال في صلاح ذات بينهم، وحقن دمائهم أفضل من حكمهم في بضع امرأة؟ خرجت من هذه؟ " قالوا: نعم. قلت: وأما قولكم قاتل ولم يَسْبِ ولم يغنم، أفتَسْبُون أمّكم عائشة، تَستحلون منها ما تستحلون من غيرها وهي أمّكم؟ فإن قلتم: إنا نستحل منها ما نستحل من غيرها فقد كفرتم، وإن قلتم: ليست بأمنا فقد كفرتم: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ [الأحزاب: 6] فأنتم بين ضلالتين، فأتوا منها بمخرج، أفخرجت من هذه؟ قالوا: نعم. وأما محي نفسه من أمير المؤمنين، فأنا آتيكم بما ترضون، إن نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية صالح المشركين فقال لعلي: «اكتب يا علي: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله» قالوا: لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «امحُ يا علي، اللهم إنك تعلم أني رسول الله، امحُ يا علي، واكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله» واللهِ لرسولُ الله صلى الله عليه وسلم خير من علي، وقد محى نفسه، ولم يكن محوه نفسه ذلك محاه من النبوة، أخرجتُ من هذه؟ " قالوا: «نعم. فرجع منهم ألفان، وخرج سائرهم، فقُتِلوا على ضلالتهم، فقتلهم المهاجرون والأنصار». أخرجه النسائي والبيهقي، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.



ومِن جهلِ الغلاة وسوء فهمِهم: عدمُ مراعاتهم لفقه المصالح والمفاسد؛ مع أن دَرْء المفاسد مقدَّمٌ على جَلْب المصالح، وأن أشدّ المفسدتين تُدْفَعُ بارتكابِ أخفّهما.



وفِقهُ المصالح والمفاسد بابٌ عظيمٌ من أبواب الفقه الإسلامي، عليه قامت الشريعةُ كلها. وإدراكُه والتطبيقُ الصحيح له ليس في قدرة أكثر الناس، وإنما هو بابٌ لا يَلِجُه إلا العلماء الربّانيون الفقهاءُ في دين الله تعالى.



وشريعة الإسلام في أصولها الكلية قائمة على حفظ الضروريات الخمس للعباد (الدين والنفس والعقل والنسل والمال) وأصحاب الغلو لا يقيمون لهذه الضروريات وزنا، ولا يعيرونها اهتماما، بل يستحلونها وينتهكونها ويعتدون عليها، ويؤوّلون النصوص ويفسّرونها بما يبرر أفعالهم وجرائمهم، ويجهلون أو يتجاهلون أن الإسلام الذي يدعون نصرته والدفاع عنه قد جاء بحفظ دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، وحرّم انتهاكها وشدّد في ذلك غاية التشديد، ففي الصحيحين عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ، قَالَ: «أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟»، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟» قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟»، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ «أَلَيْسَ ذُو الحَجَّةِ؟»، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ «أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟» قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ «أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الحَرَامِ؟» قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وأعراضَكم عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟»، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ».



فلا بد لمن يريد نصرة الإسلام وبيان الحق والدعوة إليه، من ترتيب الأولويات، ومعرفة بمقاصد الشريعة وكلياتها، ولابد من فهم للنصوص في ضوء بعضها البعض، مع الإلمام بمراتب الأحكام وطريق ثبوتها، مع تقدير ظروف الناس وأعذارهم، فقد قال الله عز وجل: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125]، وقال سبحانه: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾ [يوسف: 108]. أي على علم وفهم وحجة وبرهان، لا عن هوى وجهل وتعصب وضلال.



مظاهر الغلو وصوره:

إخوتي الكرام؛ مرة أخرى مع خُلقِ التوسط والاعتدال؛ وشريعتُنا السَّمْحَةُ تحثنا علَى التوسُّطِ والاعتدالِ، وتُحَذّرُنا مِنَ الغُلوِّ وصَنِيعِ الجُهَّالِ. فبالتوسط والاعتدال يَنعَم الناس بالأمن والاستقرار، ويتمَكّن العباد من عبادة الواحد الديان. أما الغُلوّ والتنطع فإنه يُعطِّلُ الأديانَ، ويُفْسِدُ الأبدانَ، ويُدْخِلُ في الدِّينِ ما ليسَ مِنْه، ويخرِجُ مِنْه ما لا مَحيدَ عَنْه.



وللغلو في الدين مظاهر كثيرة، وصور عديدة؛ على كل مسلم عاقل أن يَحْذَرَ منها ويبتعد عنها، وهذه أبرزُها:

1) إلزامُ النَّفسِ أو الآخَرين بما فوق الطاقة والاستطاعة؛ فتجاوز الطاقة في الأمر المشروع غلوّ وإفراط. وهذا ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم في مواقفَ كثيرة، سدا لباب الغلو أمام من يريد أن يحمّلَ نفسه من العمل مالا تطيق:

ففي الصّحيحين عن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شيخا يهادى بين ابنيه، فقال: «ما بال هذا؟»، قالوا: نذر أن يمشي، قال: «إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني»، وأمره أن يركب.



وفي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم فإذا حبل ممدود بين الساريتين، فقال: «ما هذا الحبل؟» قالوا: هذا حبل لزينب، فإذا فتَرَتْ تعلقت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا، حُلّوه، لِيُصَلّ أحدُكم نشاطه، فإذا فتَرَ فليَقعُدْ».



ومن ذلك أيضا التشدد في حمل الناس على ما يشق عليهم ويؤذيهم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشقّ عليهم فاشقُقْ عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفُقْ به».



وعن جابر رضي الله عنه قال: خرجنا في سفر، فأصاب رجلا منا حجرٌ فشجّه في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء. فاغتسل فمات، فلما قدِمْنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخْبِرَ بذلك فقال: «قتَلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا؟ فإنما شفاء العي السؤال». أخرجه أبو داود والبيهقي والدارقطني، وحسّنه الألباني في صحيح أبي داود.



ومن ذلك أيضا تشدد بعض الناس في بعض الفروع الفقهية التي اختلف فيها العلماء قديما وحديثا، فيأتي طالب علم ممن لم يتذوق بعد حلاوة العلم والفقه فيريد أن يحمل الناس على رأي واحد، وتراه يبدع ويفسق كل من خالفه، بل ولا يستحيي أن يتطاول على العلماء الكبار ممن رسخت أقدامهم في العلم والمعرفة.



2) تحريم الطيِّبات التي أباحها الله تعالى، أو ترك بعض الضّرورات التي بدونها يقع المرء في المشقة والحرج والتهلكة؛ ففي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه، يقول: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني».



ومن التشدّدِ تركُ ما أباحه الله استثناءً من المحظورات عند الضرورة، فقد قال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَن اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة:173].



3) الغلوّ في الحكم على الآخرين؛ إما بالغلو في مدحهم، وإما بالغلو في ذمهم.



ومِن الغلو في المدح وصفُ العبدِ بما يفوق قدرَه ومكانته من الأفعال والصفات، كغلو النصارى في عيسى عليه السلام، إذ وَصَفوه أنه إله، وأنه ابن الله. فقال تعالى محذرا لهم: ﴿ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾ [النساء: 171]. وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ﴾ [المائدة: 17].



وهذا النوع من الغلو هو الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنه أنه سمع عمر رضي الله عنه يقول على المنبر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تُطْرُونِي، كما أطرَتِ النصارى ابنَ مريم، فإنما أنا عبدُه، فقولوا: عبدُ الله ورسولُه».



ومِن ذلك غلوّ الشيعة في علي رضي الله عنه؛ إذ وصفوه بما لا يليق إلا بالله رب العالمين. فقد أخرج ابن الأعرابي في معجمه عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: "جَاءَ نَاسٌ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الشِّيعَةِ فَقَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْتَ هُوَ قَالَ: «مَنْ أَنَا؟» قَالُوا: أَنْتَ هُوَ. قَالَ: «وَيْلَكُمْ مَنْ أَنَا؟»، قَالُوا: أَنْتَ رَبُّنَا أَنْتَ رَبُّنَا. قَالَ: «ارْجِعُوا»، فَأَبَوْا، فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ، ثُمَّ خَدَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ: ثُمَّ قَالَ: يَا قَنْبَرُ ائْتِنِي بِحُزَمِ الْحَطَبِ، فَأَحْرَقَهُمْ بِالنَّارِ، ثُمَّ قَالَ: لَمَّا رَأَيْتُ الْأَمْرَ أَمْرًا مُنْكَرًا.. أَوْقَدْتُ نَارِي وَدَعَوْتُ قَنْبَرَا".



ومن الغلو في الذمّ تكفيرُ الناس واتهامُهم بالفسق والزندقة، بمجرد المخالفة في الرأي، أو وقوعهم في بعض المعاصي والمخالفات.



يقول ابن تيمية رحمه الله: "التكفير حق لله، فلا يُكفر إلا مَن كَفّرَهُ الله ورسُوله"(48). مع ملاحظة أن فهم النصوص الدالة على ذلك لا يكون عن جهل وهوى، وإنما عن علم وبصيرة.



وليس مِن منهج أهل السنة رميُ المخالف والمخطئ بالفسق والكفر والزندقة بمجرد خطئِه ومخالفته؛ فإن المخالِف ومرتكبَ الكبيرة قد يكون مجتهداً مخطئاً يغفرُ الله خطأه. وقد لا يكون بلغه في ذلك من العلم ما تقوم به عليه الحجة فيكون معذورا. وقد يكون له من الحسنات ما يمحو الله به سيئاته. فإن الله تعالى يقول: ﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ [هود: 114]. ثم إن الله تعالى قد قسم الذنوب والمعاصي إلى قسمين:

أ- شرك؛ لا يغفره الله إلا بالتوبة والعودة إلى التوحيد.



ب- ما دون الشرك؛ ومنه كبائر الذنوب، وصاحبها تحت مشيئة الله إن شاء عذبه بعدله، وإن شاء غفر له بفضله.



قال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48].



وفي الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض، وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ، فقال: "ما من عبد قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة" قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: «وإن زنى وإن سرق» قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: «وإن زنى وإن سرق» قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: «وإن زنى وإن سرق، على رغم أنف أبي ذر» وكان أبو ذر إذا حدث بهذا قال: وإن رغم أنف أبي ذر.



وليس هذا فتحا لباب المعاصي والجرأة على الله، وإنما هو فتح لباب الأمل والتوبة والتعلق بالله وحسن الظن به سبحانه.



ومن العَجيبِ أن ترى مَن يَدّعي السنّةَ لا يتورع عن اتهام الآخرين بالكفر والفسوق، مع أنها كلماتٌ خطيرة، حذّرَ منها النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة.



ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما امْرِئٍ قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ».



وفي صحيح البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يرمي رجل رجلا بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك». أي رجعت عليه فكان هو فاسقا أو كافرا.



وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «...وَمَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ، أَوْ قَالَ عَدُوَّ اللَّهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلَّا حَارَ عَلَيْهِ». أي رجع عليه قوله فكان هو من أهله. وهل مِن أحَدٍ يزعم أنه مطلع على سرائر الناس وضمائرهم حتى يتهمهم بالكفر وهم مسلمون يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؟. وهل نحن مكلفون أو موكلون بالحكم على الآخرين بالكفر والفسوق والنفاق خاصة وهم يشهدون لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة؟


ففي الصحيحين عن أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحُرَقَةِ من جُهينة، قال: فصبّحنا القوم فهزمناهم، قال: ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم، قال: فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، قال: فكفّ عنه الأنصاري، فطعنته برمحي حتى قتلته، قال: فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فقال لي: «يا أسامة، أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله» قال: قلت: يا رسول الله، إنما كان متعوّذا، قال: «أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله» قال: فما زال يكررها علي، حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم.



وفي رواية لمسلم: قال: قلت يا رسول الله؛ إنما قالها خوفا من السلاح. قال: «أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟». فمازال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ.



وفي رواية أخرى لمسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أقتلتَه؟». قال: نعم. قال: «فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟». قال: يا رسول الله استغفِرْ لي. قال: «وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ ». قال: فجعل لا يزيده على أن يقول: «كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟».



احذروا من التكفير؛ فإن تكفير المسلم بمنزلةِ قتلِهِ في الإثم والعقاب؛ ففي صحيح البخاري عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «...ومن لعن مؤمنا فهو كقتله، ومَن قذفَ مؤمنا بكفر فهو كقتله». أي يعاقب ويعذب كما لو قتله.



4) بغض الناس واحتقارهم والازدراء منهم:

فمن الناس من يَدّعي التمسك بالدين؛ ينظر إلى نفسه نظرة إعجاب، وينظر إلى غيره نظرة سخرية واحتقار واستهزاء. وهذا مِن تلبيس الشيطان على كثير من الناس، يرى أنه يحافظ على الصلاة، ويرى أنه على سنة من سنن رسول الله، لكنه يهدم طاعته ويفسد أجره وهو لا يدري باستهزائه بالآخَرين، وسوء ظنه بالآخَرين، وسوء حُكمِه على الآخرين. ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: «بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم». رواه مسلم من حديث أبي هريرة.



وربنا سبحانه وتعالى يقول: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾[الحجرات: 11]. فكم مِن ظالم يظن نفسه على السنة والطريق، وهو لا يدري أنه من الظالمين. ويحكم على غيره بالهلاك وهو من الهالكين.



فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سمعتَ الرجل يقول: هَلكَ الناسُ، فهو أهلكُهُم». أخرجه مالك وأحمد ومسلم وأبو داود.



وفي صحيح مسلم عن جُندُب بن عبد الله البَجَلي رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَ أَنَّ رَجُلاً قَالَ: والله لا يغفرُ الله لفلان. فقال الله: «من ذا الذي يتألى عليّ أن لا أغفرَ لفلان؟ فإني قد غفرت لفلان، وأحبطتُ عملك».



ولقد بلغ الغلو بأناس أن هجروا المساجد، وتركوا معاملة الناس، ومنهم من قاطع المدارس والوظائف؛ لأن المجتمعات في نظرهم كافرة، وليس بعد الكفر ذنب. فأين هؤلاء من قوله عليه الصلاة والسلام: «المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم، أعظم أجرا مِن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم». أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما.



وأين هؤلاء في قسوتهم وشدتهم على المذنبين مِن رحمة النبي صلى الله عليه وسلم ورفقه بالمسيئين؟. ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن أعرابيا بال في المسجد، فثارَ إليه الناس لِيقعوا به، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوه، وأهريقوا على بوله ذنوبا من ماء، أو سجلا من ماء، فإنما بعثتم مُيَسّرين ولم تُبعَثوا مُعَسّرين».



فيسّروا ولا تعسّروا، وبشروا ولا تنفروا، وأحسنوا إلى الناس يحسن الله إليكم، وادعوا إلى دين الله بأخلاقكم وأعمالكم، قبل أقوالكم وشعاراتكم.



آثار التنطع والغلو في الدين:

إخوتي الكرام نواصل حديثنا عن آفة الغلو في الدين، الذي يتنافى مع وسطية الدين واعتداله. لنحذر من مخاطر الغلو وآثاره وعواقبه.



فللغلو في الدين آثار مُدمّرة، ونتائج سيئة، وعواقب وخيمة، ومخاطر متعددة على الفرد والأسرة والمجتمع، منها:

♦ إثارة الفتن وتأجيج الصراعات؛ ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴾[البقرة: 191]. لِمَا يترتب عليها مِن حروب ومحن، وصراعات ونزاعات، وفُرقة واختلاف، فكم من أناس يجُرّون الأمة إلى الفتن، ويوقعونها في الحرج والشقاء، بسبب غلوّهم وإفراطهم.



وهذا ما حذّرَ منه النبي صلى الله عليه وسلم، وتبرأ مِن فاعله؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَن خرج مِن الطاعة وفارق الجماعة فماتَ، مات مِيتة جاهلية، ومَن قاتل تحتَ راية عِمِّيَّةٍ، يَغضَبُ لِعَصبة، أو يدعو إلى عَصبة، أو ينصرُ عَصبة، فقُتِل فقِتْلة جاهلية، ومَن خرجَ على أمتي يَضربُ بَرَّها وفاجرَها، ولا يَتحاشى مِن مؤمنِها، ولا يَفِي لِذي عهد عهدَه، فليس مِني ولستُ منه».



فكم من نفوس مسلمة بريئة أزهِقت، وكم من أموالٍ وممتلكات محتَرمة أتلِفت، وكم من مجتمعات آمنة رُوِّعت. مفاسدُ عظيمة، وشرور كثيرة، ومحن وفتن، نتيجة التعصب وسوء الفهم لدين رب العالمين. فأين يذهَب هؤلاء الغلاة مِن قول الله عزّ وجلّ: ﴿ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ﴾ [النساء:93]؟! وأين هؤلاء من قوله عليه الصلاة والسلام: «لَزوال الدنيا أهون عند الله مِن قتل رجل مسلم»؟! أخرجه النسائي عن عبد الله بن عمرو. وأين هؤلاء من قوله عليه الصلاة والسلام: «لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا»؟! أخرجه البخاري في صحيح عن عبد الله بن عمر.



♦ كراهية الناس للدين ونفورهم منه:

ففي الغلوّ ظلمٌ للنّفس وظلمٌ للنّاس، وصدّ عن سبيل الله؛ لِما يُورثه من تشويه صورة الدين وتنفير الناس عنه. ونحن مطالبون بأن ندعو إلى دين الله بالحكمة والموعظة الحسنة، بالرفق واللين، بجميل الأخلاق والقيم، وأن نحبب دين الله تعالى إلى الناس أجمعين، وأن نجتنب كل ما يُنفّرُ الناسَ عنه.



ففي الصحيحين عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني والله لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان، مما يطيل بنا فيها، قال: فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قط أشد غضبا في موعظة منه يومئذ، ثم قال: «يا أيها الناس إن منكم منفرين، فأيكم ما صلى بالناس فليوجز، فإن فيهم الكبير، والضعيف، وذا الحاجة».



والنفوس مجبولة على حُبّ مَن أحسن إليها، ورفقَ بها، وعلى بغض مَن أساء إليها، وقسا عليها، وحسبنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كسب ودّ أصحابه ومحبتهم واستجابتهم إلا بالرفق واللين: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159].



♦ الفتور والانقطاع:

ذلك أن التشدد والغلو قصيرُ العمر، والاستمرار عليه في العادة أمر عسير؛ وطاقة الإنسان محدودة، فسرعان ما ينقطع عن العمل، وسرعان ما يسأم ويمل، وقد ينتقل من الإفراط إلى التفريط، ومن التشدد إلى التسيّب. وهذا ما نبه إليه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: «يا أيها الناس، خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمَلّ حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قل». رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها.



♦ التقصير في حقوق الآخَرين:

فالمتنطع أو المغالي إنما يدور في فلك معين من الفكر والسلوك، منغلقا على نفسه، منقطعا عن الناس، مما يؤدي به إلى التقصير في حقوق يجب أن تراعى، وواجبات ينبغي أن تؤدى.



والتوسط والاعتدال إنما يكون بالموازنة بين مختلف الحقوق والواجبات، وهذا ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لعبد الله بن عمرو بن العاص: «ألمْ أخبَرْ أنك تقوم الليل وتصوم النهار؟» قال: بلى، قال: «فلا تفعل، قم ونم، وصم وأفطر، فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا...».



♦ سبب في الفُرقة والتحزب:

فبالغلوّ والتشدد، والتعصب للآراء الشخصية والفئوية تفشو الكراهية، وتمتلئ النفوس بالأحقاد والضغائن، وتلك أسباب تجرّ الأمة إلى الفرقة والتمزق والتحزّب الذي يدمّر الطاقات، ويشتِّت الجهود، ويُهدِرُ المكتسَبات، ويؤخِّر مسيرةَ الإصلاح، ويخذل الدعوةَ والدعاة، ويفتح أبوابَ الشرّ أمام ألوانٍ من الصّراعات والنزاعات، بل ربّما هيّأ فرَصًا للتّدخّلات الخارجيّة والمحاولات الأجنبيّة.



وربنا سبحانه وتعالى ينهانا عن الفرقة ويحذرنا من أسبابها؛ فيقول سبحانه: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ [آل عمران: 103]. ويقول عز وجل: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 46].



والأُمَّةُ في سفينةٍ واحدةٍ، بتماسكها وتعاونها تنجو من الغرق، وبتمزقها وتفرقها يكون هلاكها وهوانها، ففي صحيح البخاري عن النُّعْمَان بْن بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا».



♦ سبب في غياب الأمن، وحلول المحن:

والأمنُ مطلبٌ عزيزٌ، وكنزٌ ثمينٌ، ونعمة لا تقدر بثمن، فهو قِوام الحياة الإنسانيّة كلّها، وأساس الحضارة المدنيّة أجمعها، بدونه لا يُستساغ طعام، ولا يهنَأ عيش، ولا يُنعَم براحة... إليه تتطلّع المجتمعات، وتتسابق الأمم، وله تُسخَّر الإمكانات الماديّة، والوسائلُ العلميّة، والدراسات الاجتماعيّة والنفسيّة، وتُحشَد له الأجهزة الأمنيّة والعسكرية، وتُستنفَر له الطاقات البشريّة.



يقول ربنا سبحانه: ﴿ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 1 - 4]. ويقول عز وجل: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ﴾ [العنكبوت: 67].



في ظلِّ الأمن تُحفَظ النفوس، وتُصان الأعراض والأموال، وتَأمَن السّبُل، وتُقام الشعائر، ويَسود العمران، وتنمو الثّروات، وتتوافر الخيرات، ويكثر الحرثُ والنّسل.



في ظلّ الأمن تقوم الدعوة إلى الله، وتُعمَر المساجد، وتُقام الجُمَع والجماعات، ويسود الشّرع، ويفشو المعروف، ويقلُّ المنكَر، ويحصل الاستقرار النفسيّ والاطمئنان الاجتماعيّ.



وإذا اضطرب الأمن - عياذًا بالله - ظهرت الفتَن، وتزلزلت الدول والأمم، وكثُر الخبَث، والتبَس الحقّ بالباطل، واستعصى الإصلاح على أهلِ الحقّ.



إذا اختلَّ الأمن - عياذًا بالله - حَكمَ اللّصوص وقطّاع الطريق، وسادت شريعةُ الغاب، وعمّت الفوضى، وهلك النّاس.



وهذا ما نراه في كثير من البلدان الإسلامية، التي اختلَّ فيها الأمن، فهلك فيها الحرث والنّسل، وسُلِبت الأموال، وانتُهِكت الأعراض، وفسد المعاش، وساءت أحوال الناس فيها، نسأل الله تعالى أن يفرج كربهم ويذهب همهم ويرزقهم الآمن في أوطانهم، وأن يزيل عنهم كل محنة وبلاء.



فالإسلام دينُ أمْن وسلام؛ يدعو إلى الأمن، ويحث على السلام، ويحرّم كل عمل يروّع الآمنين، ويخوّف المسالمين.



فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه، ففزع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لمسلم أن يُرَوّعَ مسلما». أخرجه أحمد وأبو داود. وصححه الألباني في صحيح الجامع.



وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري، لعل الشيطان يَنزِعُ في يده، فيقع في حفرة من النار».



وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «مَن أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه، حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمه».



وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أَمِنَهُ الناس على دمائهم وأموالهم». أخرجه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم. وصححه الألباني في صحيح الجامع.



إخوتي الكرام؛ ولما كانَ الغلوُّ والتطرف آفةً خطيرةً، وداءً فتَّاكاً مُسْتطيراً، كانَ لزِاماً معالجتُهُ قبلَ تجرُّعِ عواقِبِهِ الوخيمةِ، والتألُّم ِمِنْ آثارِه الجسيمةِ، وتلكَ مسؤوليةٌ تقعُ علَى عاتِقِ الأفرادِ والأسَر والمؤسساتِ. وأهمُّ طُرُقِ العلاجِ أنْ يُفْهَمَ الإسلامُ فهْماً صحيحاً في عُمومهِ وشُمولهِ، بحكمتِهِ ورحمتِهِ، بواقعيَّتِهِ ومثاليَّتِهِ، بمنأَى عَنِ الأهواءِ والأغراضِ الذاتيَّةِ، وبعيداً عَنِ التعصُّبِ المقِيتِ، والجَهْلِ الممِيتِ، وأنْ نسلكَ مسلَكَ الوسطِيَّةِ والاعتدالِ، ونُحذّرَ مِنَ الغلوِّ والتشدُّدِ، ونتَّبِعَ منهجَ الحِوَارِ، ﴿ ونرجعَ في المسائلِ المشْكِلاتِ والنوازِلِ المدْلَهِمَّاتِ إلى أهلِ العلمِ الذين أمرَنا اللهُ سبحانَه وتعالَى جميعاً بالرجوعِ إليهم قائلاً: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنبياء:7].



نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه من الأعمال والأقوال والأخلاق، وأن يجنبنا ما لا يرضيه من الأعمال والأقوال والأخلاق، وأن يجعلنا من عباده الصالحين ومن أوليائه المتقين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.



وصل اللهم وسلم وبارك على حبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.



hgj,s' ,hghuj]hg (2) jp`dv hglsgldk lk hgyg, td hg]dk H, hglwlldk hgj,s' hg]dk hgugk jp`dv td





رد مع اقتباس
قديم 08-12-2019, 06:49 PM   #2


باربي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7407
 تاريخ التسجيل :  25 - 9 - 2016
 أخر زيارة : 27-05-2022 (07:28 PM)
 المشاركات : 185,901 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Jordan
  كآكآويَ :
  مشـروبيُ ~:

  قنـآتيُ ~ :

  الوظيفة  :

 الاوسمة
عيد الاستقلال 
لوني المفضل : Hotpink

افتراضي





 


رد مع اقتباس
قديم 08-12-2019, 07:21 PM   #3


ذابت نجوم الليل غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5956
 تاريخ التسجيل :  3 - 6 - 2014
 أخر زيارة : اليوم (05:51 AM)
 المشاركات : 1,289,019 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Saudi Arabia
  كآكآويَ :
  مشـروبيُ ~:

  قنـآتيُ ~ :

  الوظيفة  :

 الاوسمة
سوسنة الادب 
لوني المفضل : red

افتراضي



جزاكَ الله خيراً أخي

بارك الله فيك


 


رد مع اقتباس
قديم 08-12-2019, 08:10 PM   #4


البرنس مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل :  16 - 3 - 2015
 أخر زيارة : يوم أمس (03:12 PM)
 المشاركات : 871,296 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
  كآكآويَ :
  مشـروبيُ ~:

  قنـآتيُ ~ :

  الوظيفة  :

 الاوسمة
نيرة قلم 
لوني المفضل : Darkorange

افتراضي



اقتباس:



المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الجوري
جزاكَ الله خيراً أخي

بارك الله فيك
...............................


هلآ وغلآ
آختى الغالية
الجوري
سلمت يدآك على روعة الرد المميز
وسلم لنآ مروركم الراقي
لكِ ولحضورك الجميل كل الشكر والتقدير
اسأل البآري لك سعآدة دائمة
تحياتي



القيصر العاشق

البــــــــــــــــــــــ مديح ال قطب ـــــــــــــــــــــــرنس


 


رد مع اقتباس
قديم 08-12-2019, 08:10 PM   #5


البرنس مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل :  16 - 3 - 2015
 أخر زيارة : يوم أمس (03:12 PM)
 المشاركات : 871,296 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
  كآكآويَ :
  مشـروبيُ ~:

  قنـآتيُ ~ :

  الوظيفة  :

 الاوسمة
نيرة قلم 
لوني المفضل : Darkorange

افتراضي



اقتباس:



المشاركة الأصلية كتبت بواسطة باربي



.........................


هلآ وغلآ
آختى الغالية
باربــــــــــــــــــــــي
سلمت يدآك على روعة الرد المميز
وسلم لنآ مروركم الراقي
لكِ ولحضورك الجميل كل الشكر والتقدير
اسأل البآري لك سعآدة دائمة
تحياتي



القيصر العاشق

البــــــــــــــــــــــ مديح ال قطب ـــــــــــــــــــــــرنس


 


رد مع اقتباس
قديم 08-12-2019, 08:21 PM   #6


البرنسيسه فاتنة غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 4429
 تاريخ التسجيل :  3 - 2 - 2014
 أخر زيارة : 15-07-2023 (04:13 PM)
 المشاركات : 1,077,227 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Jordan
  كآكآويَ :
  مشـروبيُ ~:

  قنـآتيُ ~ :

  الوظيفة  :

 الاوسمة
اللمسه المذهبه 
لوني المفضل : red

افتراضي



جزاك المولى الجنه
وكتب الله لك اجر هذه الحروف
كجبل احد حسنات
وجعله المولى شاهداً لك لا عليك
دمتِم بسعاده لاتغادر روحكم


 


رد مع اقتباس
قديم 09-12-2019, 07:26 AM   #7


ابن عمان غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 8137
 تاريخ التسجيل :  22 - 10 - 2017
 أخر زيارة : 04-08-2024 (08:25 AM)
 المشاركات : 215,278 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Oman
 الجنس ~
Male
  كآكآويَ :
  مشـروبيُ ~:

  قنـآتيُ ~ :

  الوظيفة  :

 الاوسمة
سوار عسجدي 
لوني المفضل : Gold

افتراضي








جزاك الله خيرا

وجعله فى موازين حسناتك

احسن الله اليك ورزقك خير الدنيا والاخرة

مشاركة قيمة وجميلة بارك الله فيك









 


رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
(2) , أو , المصممين , التوسط , الدين , العلن , تحذير , في , والاعتدال

جديد منتدى ( همســـــات الإسلامي )
كاتب الموضوع البرنس مديح ال قطب مشاركات 16 المشاهدات 92  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الفلسفه من مفهوم تاريخى الفارس المصرى ( همســـات التاريخ والتراث والأنساب) 10 10-02-2019 01:16 AM
أمير البحر العثماني خير الدين بربروسا ذو اللحية الحمراء . بسام البلبيسي (سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وقصص الانبياء والصحابه ) 12 17-07-2018 05:44 PM
موسوعه كامله عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم..مولده..ونشأته.. وحياته..وغزواته..حتى أنثى برائحة الورد (سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وقصص الانبياء والصحابه ) 33 24-12-2013 10:37 PM
عمر بن الخطاب تناهيد الغرام (سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وقصص الانبياء والصحابه ) 10 16-05-2013 09:06 AM
كيف لايخاَفون منه وهو الدين الحــق مواجع ( همســـــات الإسلامي ) 14 01-04-2013 04:21 PM

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

الساعة الآن 08:51 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc. TranZ By Almuhajir
هذا الموقع يتسخدم منتجات Weblanca.com
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010