ننتظر تسجيلك هنا


الإهداءات


العودة   منتدى همسات الغلا > ¨°o.O (المنتديات الاسلاميه) O.o°¨ > ( همســـــات الإسلامي )

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 04-11-2019, 06:46 AM
ابن عمان غير متواجد حالياً
Oman     Male
الاوسمة
سوار عسجدي 
لوني المفضل Gold
 رقم العضوية : 8137
 تاريخ التسجيل : 22 - 10 - 2017
 فترة الأقامة : 2619 يوم
 أخر زيارة : 04-08-2024 (08:25 AM)
 الإقامة : دار قابوس
 المشاركات : 215,248 [ + ]
 التقييم : 2147483647
 معدل التقييم : ابن عمان يستحق التميز ابن عمان يستحق التميز ابن عمان يستحق التميز ابن عمان يستحق التميز ابن عمان يستحق التميز ابن عمان يستحق التميز ابن عمان يستحق التميز ابن عمان يستحق التميز ابن عمان يستحق التميز ابن عمان يستحق التميز ابن عمان يستحق التميز
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي الافتراء على الله أصنافه وعقوباته



الافتراء على الله: أصنافه وعقوباته
﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ * وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ [الأنعام: 92 - 94].
الصراع بين الحق والباطل والإيمان والكفر في الحياة الدنيا، دائم متجدد، مهما تعاقبت الأجيال واختلفت الأمم، منذ أُهبِط آدم عليه السلام إلى الأرض بالعقيدة إيمانًا واحتسابًا، كلما ضلَّت أُمَّة بعث الله فيها من يردُّها إلى الحق وإلى صراط مستقيم، لكل جيل هُداته ومُذكِّروه من الأنبياء والرسل عليهم السلام، يقودون ركب السالكين ويُثبتون الواصلين، ويُجدِّدون العقيدة في نفوس من غشيتْهم الضلالة، ويبدعون الأخلاق الكريمة والمعاملات الرحيمة في المجتمعات الإنسانية على هدي الوحي، يبينون به ما خفي والتبس من أمري الدنيا والآخرة، وقد تميَّزت هذه المسيرة الإيمانية بشجرة مباركة من الدوحة الإبراهيمية هي خاتمة النبوة؛ إذ بُعِث محمد صلى الله عليه وسلم مرسلًا إلى العالمين بالقرآن الكريم، على امتداد الحقب والأزمان إلى يوم القيامة، وتلك بحق أعظم رسالة من رب العباد إلى العباد، وأقوى تكليف وأخطره؛ لذلك واجه صلى الله عليه وسلم العنت والتكذيب من مشركي قريش؛ إذ بقدر عظمة الرسول وقوة الرسالة، تكون عداوة أولياء الشيطان بكافة أصنافهم لأولياء الرحمن، فيبلغ بهم الإصرار على الكفر حدًّا ينكرون به ما تُقرُّه العقول السوية والفطر السليمة، ويقولون عنادًا وتحديًا: ﴿ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 91]، وإذ واجههم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحقيقة تقصيرهم في الفهم وتهافتهم على الاعتراض الغبي، وأبطل بالحجة والدليل إنكارهم وجحودهم إرسال الله الرسل وإنزاله الوحي، أعرض عن مماحكاتهم ومهاتراتهم بأمر من ربِّه عز وجل، وقد قال له: ﴿ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ﴾ [الأنعام: 91].
إلا أن الإعراض عن سفاهات المشركين لا يعني مطلقًا ترك تبليغ كتاب الله والتبشير بالإسلام عقيدةً وشريعةً؛ لأن في ترك ذلك مخالفة لقصد الشارع الحكيم من الخلق والتدبير، وما دام دليل إنزال الله التوراة على موسى عليه السلام قد قام على مشركي قريش، وعرَفوا أهله، فقد كان حريًّا بهم أيضًا أن يؤمنوا بإنزال القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم؛ لذلك خاطبهم عز وجل بقوله: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ ﴾ [الأنعام: 92]؛ أي: وهذا الكتاب الذي يتلوه عليكم محمد صلى الله عليه وسلم هو ما تُلزِمكموه معرفتكم بالتوراة المنزَّلة على موسى عليه السلام، إنه كتاب الله عز وجل، وقد عبَّر الوحي الكريم عن القرآن بلفظ "الكتاب"؛ لأن أصله مكتوب في اللوح المحفوظ، ثم نزل إلى السماء الدنيا، ثم نزل منجَّمًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يتلوه على صحابته، ويأمرهم بالمداومة على حفظه وتلاوته، كما اتخذ له من بعض صحابته[1] من يكتبه مُفرَّقًا في الرِّقاع والعُسُب[2] والأكتاف[3] واللِّخاف[4] ونحوها، فلم يلتحق صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى إلا والقرآن كله مقروءٌ يُسمَّى "القرآن"، ومكتوبٌ يُسمَّى "الكتاب".
إنه كتاب الله تعالى إلى البشرية كافة من يوم نزوله إلى يوم الدين؛ ليكون كلمة الفصل والعدل يوم الحساب والجزاء، وهو بذلك ذو شأن عظيم ومكانة شريفة كريمة وخطيرة؛ لأنه كلام رب العالمين؛ ولذلك عبَّر الوحي عن إنزالهبنون العظمة التي هي أدَلُّ على عظمته وعظمة مُنزله عز وجل، فقال تعالى: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ ﴾ [الأنعام: 92]، لبيان أنه من عند الله، وليس من عند رسوله.
إن الأصل في لفظ ﴿ أَنْزَلْنَاهُ ﴾، هو الفعل المجرد "نزل"، عُدِّي في هذه الآية الكريمة بالهمز، واستُعمِل في القرآن الكريم بمعنى نزوله كله من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا؛ كما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 1]، وقوله سبحانه: ﴿ وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ﴾ [الإسراء: 105]، وقوله عز وجل: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ﴾ [آل عمران: 7]، أما عندما يعبر الوحي بفعل "نزَّل" متعديًا بالتضعيف، فلبيان نزوله من السماء الدنيا على رسول الله صلى الله عليه وسلم على مدى ثلاث وعشرين سنة في مكة والمدينة، منجَّمًا مناسبًا للأحداث، أو تبعًا لحاجة التشريع والتربية والتعليم؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴾ [الفرقان: 32]، وقوله عز وجل: ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا ﴾ [الإسراء: 106].
لقد كان أول وصف للقرآن الكريم في هذه الآية هو الإنزال، بخلاف قوله تعالى في سورة الأنبياء: ﴿ وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ ﴾ [الأنبياء: 50]، التي تقدَّم فيها الوصف بالبركة على الوصف بالإنزال؛ لأن تقديم الوصف بالإنزال على الوصف بالبركة كان هو الأولى؛ إذ جاء عقب إنكارهم أن ينزل الله على بشرٍ شيئًا من الوحي أو غيره، والآية بذلك تأكيد لنزول القرآن من الله تعالى، أما الوصف فيها بجملة فعلية ﴿ أَنْزَلْنَاه ﴾، فدليلٌ على أن الإنزال مستمرٌّ ومتجدِّدٌ على صاحب الرسالة عليه السلام، وأنه من الأعلى ﴿ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [الشورى: 4]، إلى الأدنى للتكليف والعمل والحساب والجزاء.
أما الصفة الثانية للقرآن في هذه الآية الكريمة فهي البركة بقوله تعالى: ﴿ مُبَارَك ﴾، وهي صفة ثابتة وملازمة للقرآن؛ كما في قوله عز وجل: ﴿ وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ ﴾ [الأنبياء: 50]،
والبَرَكة لغةً: اسم مشترك، يفيد معانيَ كثيرةً تتميَّز من سياق استعمالها، من هذه المعاني: الزِّيادة والنَّماءُ، والسعادة والفضل، والكثرة واليُمْن، والعظمة والتقدُّس والتطهُّر، وثبات الخير لدى صاحبه، من "البروك" وهو اللزوم والثبوت، ومنه بروك البعير - وكان من أعز مال العربي - إذا برك بين يدي صاحبه، ومدَّ عُنقَه إلى الأرض، وفي الحديث الصحيح: ((اللهم اجعلْ بالمدينةِ ضِعفَي ما جعَلْتَ بمكةَ من البرَكةِ))، وهذا يعني أن القرآن إذ جعله الله مباركًا قد ضمَّ جميع معاني البركة، لمن يشتغل به حفظًا أو تلاوةً، أو تعلُّمًا أو تعليمًا أو مدارسةً أو تدبُّرًا له أو عملًا به، أو استشفاءً به من أدواء القلوب وأمراض الأنفس والأبدان، وتطهُّرًا به من خبث المنشأ والمأكل والمشرب والمنكح والتقاليد والعادات، واهتداءً به إلى خيري الدنيا والآخرة، ولا عجب أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أجمل بركته إذ قال: ((إنَّ هذا القرآنَ مَأْدُبةُ اللهِ، فتَعَلَّموا مَأْدُبَتَه ما استطعتم، وإنَّ هذا القرآنَ هو حبلُ اللهِ، وهو النورُ المبينُ والشفاءُ النافعُ، عِصْمةُ مَن تَمَسَّك به، ونجاةُ مَن تَبِعَه، لا يَعْوَجُّ فيُقَوَّمُ، ولا يَزِيغُ فيُسْتَعْتَبُ، ولا تَنْقَضِي عجائبُه، ولا يَخْلَقُ عن كَثْرَةِ الرَّدِّ، اتلُوه فإنَّ اللهَ يأجرُكم على تلاوتِه بكلِّ حرفٍ عَشْرُ حسناتٍ، أَمَا إني لا أقول: "الم" حَرْفٌ؛ ولكنَّ بالألفِ عَشْرًا، وباللامِ عَشْرًا، وبالميمِ عَشْرًا)).
والصفة الثالثة التي وصف رب العزة تعالى بها القرآن هي قوله تعالى عقب ذلك: ﴿ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾ [الأنعام: 92]، وتعبير "بين يدي الشيء" يعني ما سبق الشيء، كأن تقول: يتأثَّر الابن الأصغر سلبًا وإيجابًا بمن بين يديه من إخوته، وتصديق القرآن لما بين يديه هو شهادته على صدق الكتب التي نزلت قبله، ومنها صحف إبراهيم، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وزبور داود، عليهم السلام، ولا يعني ذلك تصديق المحرَّف منها مطلقًا؛ بل ينحصر في كون أصلها الصحيح من الله حقًّا، وكونها نزلت على الأنبياء المنسوبة إليهم حقًّا، وأنها نُسِخت متنًا وأحكامًا بالقرآن، وليس لنا منها إلا أن نؤمن بها دون العمل بها، ولم يبق علينا تكليف إلَّا بما ورد في القرآن، وما بلغنا صحيحًا من سُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم.
والصفة الرابعة: هي أنه منهج إنذار وتحذير للعالمين من عاقبة الكفر والشرك؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾ [الأنعام: 92]، وقد قرأ عاصم في رواية أبي بكر: ﴿ وَلِتُنْذِرَ ﴾ بالياء: ﴿ وَلِيُنْذِرَ ﴾؛ أي: أنزل القرآن للإنذار به، على أن القرآن هو المنذِر؛ لأن فيه آيات الإنذار؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ ﴾ [إبراهيم: 52]؛ أَيْ: بِالكِتَابِ، وقوله عز وجل: ﴿ وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ ﴾ [الأنعام: 51]، وقوله: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ ﴾ [الأنبياء: 45].
وقرأ الباقون بالتاء: ﴿ وَلِتُنْذِرَ ﴾ خطابًا لمحمد صلى الله عليه وسلم، وتكليفًا له بالإنذار، والأصل في فعل "تُنذر" مضموم الأول من فعل أنذر يُنذر إنذارًا، والإنذار لغةً معناه: الإعلام المقرون بالتخويف والتحذير من ضرر ما، ومنه تناذر القوم: إذا أنذر بعضُهم بعضًا، وأنذره بالأمر إنذارًا ونَذْرًا بفتح النون، ونُذْرًا بضم النون، ونُذُرًا بضمتين، ونذيرًا: أعلمه وحذَّره وخوَّفه مما فيه ضرر؛ قال الزمخشري: "لا يكون الإنذار إلَّا إعلامًا بشيء فيه خوف؛ ولذلك سُمِّي الأنبياء منذِرين؛ لأنهم أخبروا العباد بالقيامة ليَحذروا ما يؤديهم إليها، فكل من أعلمك شيئًا يُخافُ منه، فهو نذير ومنذر"، ومنه قوله تعالى: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ [السجدة: 3]، وقوله عز وجل: ﴿ عُذْرًا أَوْ نُذْرًا * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ ﴾ [المرسلات: 6، 7].
إن الوحي الكريم إذ بين المنذِر به في هذه الآية الكريمة؛ وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: ﴿ وَلِتُنْذِرَ ﴾، وقوله عز وجل: ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ ﴾ [الرعد: 7]، وحدَّد ما ينذر به، وهو القرآن بقوله سبحانه: ﴿ وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 51]، وقوله تعالى: ﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 52]، قد بيَّن في نفس الآية التي نحن بصدد شرحها من يُوجِّه إليهم الإنذار بقوله عز وجل: ﴿ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى ﴾ [الأنعام: 92]؛ أي: لتنذر مَنْ في أم القرى مِن غضب الله وبطشه وعذابه، وهم قاطنو مكة المكرمة باعتبارها مركز الثقل في بداية الدعوة وانطلاق مسيرتها، ثم أضاف إليهم غيرهم بقوله: ﴿ وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾ [الأنعام: 92]؛ أي: من يوجدون حولها في جهاتها الأربع، شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا على امتداد الكرة الأرضية من جميع الأقوام والأجناس والأُمَم؛ كما في قوله تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ [الأعراف: 158]، وقوله سبحانه: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 1]، وكما ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((أعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِياءِ قَبْلِي))، وذَكرَ مِنْهُنَّ: ((وَكانَ النَّبيُّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ، وَبُعِثْتُ إلى النَّاسِ عامَّةً))، والآية بهذا المفهوم ردٌّ مفحم على من زعم من قبلُ أن القرآن خاص بدعوة عرب مكة والقرى العربية المجاورة، وعلى طائفة معاصرة من قوميين متعصبين للعروبة أو معادين لها، يزعمون أن القرآن خاص بالعرب وحدهم، يُمثِّل عبقريَّتهم الإبداعية.
ثم خص عز وجل طائفة هي أقرب إلى التأثُّر بالقرآن واستيعابه من غير المشركين؛ لأن بينها وبينه سببًا هو الإيمان بالآخرة؛ كما كان حال بعض اليهود والنصارى وبقايا رسالات الأنبياء قبلهم، فقال عز وجل: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ [الأنعام: 92]؛ أي: والذين يؤمنون بأن لهم مصيرًا بعد الموت إلى حياة أخرى أبدية، فيها الحساب والعقاب والتقاضي بين الناس، هؤلاء أقرب إلى الإيمان؛ لأن فطرتهم أقرب إلى السلامة والسواء، والإسلام دين الفطرة السليمة السوية، فبيَّنه وبينهم نقطة التقاء وتجاوب؛ قال تعالى: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30]، وكلما كانت فطرة المرء أقرب إلى السواء - ومنها أن يؤمن بأن له يومًا في الآخرة يعود إليه - كان أقرب إلى الإيمان بالقرآن، ولديه استعداد فطري للإسلام والقيام بفرائضه وواجباته، وقد ضرب الله لنا في القرآن ثلاثة أمثال لأصحاب الفطر السليمة أولها من الجن في قوله عز وجل: ﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾ [الجن: 1، 2]، ومثلًا آخر من بعض القسيسين والرهبان، فقال عنهم تعالى: ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [المائدة: 83]، ومثلًا من زوجة فرعون بقوله عز وجل عنها: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [التحريم: 11].
إن أصحاب الفِطَرِ السليمة يوجدون في كل مذهب وفي كل دين، فإن غشيتهم غفلة أو غبش جلَّاهما عنهم سماع القرآن وتدبُّرُه، ولنا مثل في عبدالله بن سلام رضي الله عنه، وكان يهوديًّا، فأسلَم، ونزل فيه قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [آل عمران: 199] [[5]]، وما على الداعية الفطن إلَّا أن يتوجَّه بالحوار الهادئ المتعقِّل وآيات القرآن إلى أقرب الناس للفطرة ممن يؤمنون باليوم الآخر، يحاول ردَّهم إلى أصل فطرتهم في سلامتها وصفائها وسوائها، لا سيَّما وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((ما من مولود إلَّا يُولد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه أو يُنصِّرانه أو يُمجِّسانه، كما تنتج البهيمةُ بهيمةً جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟)).
ثم لتأكيد استعدادهم الفطري للإسلام وقابليتهم للقيام بأحكامه، جعل محافظتهم على الصلاة عنوانًا لصدق التزامهم بالدين؛ فقال تعالى: ﴿ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ [الأنعام: 92]؛ أي: وهم في حال إسلامهم صادقون جادُّون، يحرصون على أداء العبادات المفروضة بأمانة وانضباط، وخصَّ الصلاة بالذكر؛ إذ لم يكن قد فرض عند نزول سورة الأنعام غيرها، وهي بذلك إعداد نفسي لنزول غيرها من العبادات، وعماد دين المسلم بها يتميَّز عن غيره من ذوي الديانات الأخرى، ولم يقع اسم الإيمان على شيء من العبادات إلا على الصلاة؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ [البقرة: 143]؛ أي: صلاتكم، ولم يقع اسم الكفر على شيء من المعاصي إلا على ترك الصلاة؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((العَهْدُ الَّذِي بَيْنَنا وبَيْنَهُمْ الصَّلاةُ، فَمَنْ تَرَكَها فَقَدْ كَفَر))، من حافظ عليها حريٌّ به أن يُحافظ على ما سواها، كما فهِم من ذلك عمر رضي الله عنه، وكتب به إلى عُمَّالِه بقوله: "إن أهم أمركم عندي الصلاة، فمن حفِظها، وحافظ عليها حفِظ دينه، ومن ضيَّعها فهو لما سواها أضيعُ".
إن هذا القرآن كلام الله بكامل قدسيته وعظمته، وهو بذلك خطابه للعالمين ومنهج عبادتهم له، كل حسب ما كتَبه الله عليه من التكليف، وما بلَغ من الاستطاعة وارتقى في مراتب الإيمان؛ قال عز وجل: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ [الإسراء: 44]، وإن الجراءة على هذا القرآن بتحريفه أو الكفر به أو هجره أو تبعيضه، أو المتاجرة به أو مخالفة أوامره، ونواهيه وأحكامه، أو الاعتداء عليه بكافة ضروب العدوان - تُعَدُّ تطاولًا على الحق سبحانه وتحديًا له في ملكه؛ ولذلك عقب سبحانه على ما ذكره من إنزال القرآن مباركًا، فقال: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾ [الأنعام: 93]، والاستفهام في هذه الآية الكريمة إنكاري وللإخبار والتبكيت، إنكار للافتراء على الله، وإخبار بأشد الكفر وعدم وجود ما هو أشد ظلمًا منه، أو أكبر عدوانًا، وتبكيت لمن ارتكبه قولًا أو فعلًا أو رِضًا به؛ ولذلك ورد التحذير الشديد منه في عدد من سور القرآن؛ فقال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الأنعام: 21]، وقال سبحانه: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ [هود: 18]، وقال عز وجل: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ ﴾ [العنكبوت: 68]، وقال سبحانه: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الصف: 7]، وكانت عقوبته الاستئصال والْمَحْق والإسحات؛ كما قال موسى لقومه: ﴿ قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى ﴾ [طه: 61].
إن الافتراء لغةً من الفعل "افترى"؛ ومعناه: اختلق ما لا يكون، ولا يصحُّ أن يكون، ولا يجوز أن يُقال أو يرتكب، وقد استعمل قرآنيًّا في التعبير عن الظلم والشرك والكفر والكذب على الله؛ كما في قوله تعالى: ﴿ فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [آل عمران: 94]، وقوله عز وجل: ﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 48]، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾ [النحل: 105].
ولكون الفعل "افترى" لفظًا مشتركًا يحوي معاني كثيرة للكذب على الله عز وجل، فقد عقب الحق سبحانه ببيان تفصيلي لصنفين من هذا الافتراء هما الأشد والأعتى؛ أولهما: ادِّعاء النبوة، وتلقِّي الوحي من غير نفيه عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وثانيهما: انتحال صفة القدرة على إنزال الوحي على النفس وعلى الغير مطلقًا؛ فقال سبحانه: ﴿ أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ ﴾ [الأنعام: 93]، وهو الافتراء الأول بادِّعاء النبوة، مع عدم نفيها عن الرسول صلى الله عليه وسلم، كما هو شأن مسيلمة الكذاب؛ إذ ادَّعى النبوة، واتخذ أتباعًا، وأخذ يزوِّر لهم كلامًا مُسَجَّعًا، ويجعل لهم طقوسًا عبادية تُضاهي ما رأى من عبادات الإسلام، وقلَّده في ذلك الأسود العنسي، وسجاح بنت الحارث، وكانوا يدَّعون الرسالة والنبوة من عند الله افتراءً عليه، وكان مسيلمة يقول: "محمد رسول قريش، وأنا رسول بني حنيفة"، كما هو حال زعماء بعض الطوائف المعاصرة؛ كالبهائية والقاديانية وغيرهما، ومزاعم بعض الصوفية الذين يزعمون أن روحانيتهم تكشف لهم أخبارًا من الغيب وبدعًا من العبادات والأدعية والطقوس، وأحوال الحاضر والمستقبل مما لم يرد به كتاب أو سُنَّة صحيحة.
أما الصنف الثاني من الافتراء فقد عبَّر عنه الوحي الكريم بقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾ [الأنعام: 93]؛ أي: سأنزل قرآنًا مثل القرآن الذي أنزله الله، ولئن كان الافتراء السابق هو ادِّعاء تلقِّي الوحي من الله من غير تكذيب بنزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا الصنف الثاني من الافتراء هو ادِّعاء المرء القدرة على إنزال الوحي لنفسه ولغيره، ونفيه عن الرسول صلى الله عليه وسلم، مع سخريةٍ مبطنة بأصل الوحي والموحي به، والموحى إليه، ومضاهاةٍ لكلامه تعالى وتدبيره للدين وأهله، وفي هذا الزعم تطاول شديد ووقاحة أشد، قال عنهما تعالى: ﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ ﴾ [الزمر: 60].
والعبرة بعموم المعنى لا بخصوص سبب النزول؛ لأن القرآن الكريم عام الإنذار من غضب الله، مطلق التحذير من الافتراء عليه سبحانه، فاعلية إنذاره مطلقة في كل زمان ومكان، ومعركة الإيمان فيه مع الكفر مستمرة إلى يوم الدين، سلاحها قرع الحجة بالحجة، ودحض الباطل بالحق، وضرب الجهل بالعلم، والسفاهة بالحلم، والوقاحة بالمروءة والمنطق السليم، مصداق ذلك ما نعيشه في حياتنا اليومية وما تنقله إلينا في كل آن وسائل الإعلام المختلفة من محاولات الافتراء على القرآن الكريم والتشكيك في مصدره وصدقيته، وثبات عقيدته، وأزلية أحكامه وشريعته، وحقيقة ما يخبر به، بالتحريف والتأويل والافتراء والانتقاص والاستزادة، وإرهاب أهله والملتزمين به والداعين إليه، والتضييق على من يحوم حوله بالمدارسة الموضوعية والبحث الجاد المحايد؛ ولذلك حض الله تعالى المؤمنين على مواظبة مدارسته ومواجهة أباطيل خصومه بنشره والتبشير بمعانيه، وعد ذلك جهادًا في سبيل الله؛ فقال عز وجل: ﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 52].
ولئن كان التحذير من عاقبة الافتراء على الله مجملًا في هذه الآية الكريمة، فقد أردفها الوحي الكريم بتفصيل لهذه العاقبة، وتوضيح لمخاطر ما يلقاه المفترون؛ فقال عز وجل: ﴿ وَلَوْ تَرَى ﴾ [الأنعام: 93]، والخطاب في الآية للرسول صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى له: لو ترى يا محمد حال الظالمين مشركين ومفترين على الله ومتنبِّئة ومتشيطنة، لرأيت من عذابهم هولًا عظيمًا ﴿ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ ﴾ [الأنعام: 93]؛ إذ المشركون في النزع الأخير من الموت، وقد غمرتهم شدَّتُه، وتلبَّست كروبه وآلامُه بأنفسهم وأبدانهم، وأيقنُوا بنهاية دُنياهم وإقبال آخرتهم: ﴿ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ ﴾ [الأنعام: 93]، يبسطون أيديهم عليهم بالتعذيب والتبكيت والإذلال، وضرب الوجوه والأدبار؛ كما قال عز وجل: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ [الأنفال: 50]، ولأن جزعهم الشديد حال دون انسياب الروح بيسر من الأجساد، فاشتدَّ بهم الكرب، وتمنَّوا التعجيل بإماتتهم، زادهم الملائكة تعذيبًا وأسًى، فقالوا لهم: ﴿ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ﴾ [الأنعام: 93]، أخرجوا أنفسكم من عذاب الموت وكرباته، بإخراج أرواحكم من أجسادكم إن استطعتم، حتى إذا حانت لحظة الموت توفتهم رسل الله، وقالوا لهم: ﴿ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ ﴾ [الأنعام: 93]، اليوم تقبلون على جزاء أعمالكم، هوانًا وعذابًا وخزيًا مُقيمًا، بدءًا من مِحنة قبض الروح، ثم بعذاب القبر، ثم بذلَّة السؤال يوم العرض، واقتحام الخلود في نار جهنم، نعوذ بالله من ذلك كله، ونسأله العفو والعافية.
هذا المصير الأليم والعذاب المقيم ما كان ليحلَّ بأصحابه من دون أن يعرفوا جريرتهم، ويوقنوا بعدل ربهم واستحقاقهم ما نالهم؛ ولذلك عقَّب الحق سبحانه ببيان ذلك وحصره في سببين:
أولهما: ﴿ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ﴾ [الأنعام: 93]؛ أي: بسبب ما اختلقتم على الله تعالى الأكاذيب، ونسَبتم له الأباطيل، ومعلوم أن قول غير الحق على الله سبحانه يشمل الكذب عليه في أسمائه وصفاته وأفعاله، وتدبيره الكون، وإرساله الرسل، وإنزاله الكتب والوحي، ويدخل في حكمه كل مَن يرتكب ذلك من اليهود والنصارى والمسلمين.
أما السبب الثاني: فهو قوله عز وجل: ﴿ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [الأنعام: 93]؛ أي بما كنتم تتعظمون عن الإيمان، وتتعالون عن تصديق آيات الله، واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم [6].
ثم عقب الحق تعالى بتقرير موجز لحياة المشركين، وقد عاشوا في دنياهم يفترون على الله الكذب ويستكبرون عن آياته، حتى فجَأَهم السَّوْق إلى الآخرة أذِلَّة مقبوحين مُفلسين مُثقلين بالآثام، والملائكة تقول لهم بأمر من الله وحكاية عنه عز وجل، توبيخًا وازدراءً: ﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ [الأنعام: 94]،لقد جيء بكم فجئتمونا وُحدانًا: فرادى ومنفردين، عراة غُرلًا[7] على الهيئة التي خرجتم بها إلى الحياة الدنيا، وحضرتم للعقاب مجبرين مسوقين، لا خيار لكم ولا إرادة، وصيغة الماضي في هذه الآية ﴿ جِئْتُمُونا ﴾ [الأنعام: 94]، حكاية لحال المشركين يوم قبض رُوحهم، ويوم القيامة؛ إذ يُعرضون على الحساب والعقاب، تقول لهم ملائكة العذاب ذلك حكاية عن الله تعالى؛ لأنهم يومئذٍ محجوبون عنه عز وجل، لا يكلمهم ولا ينظر إليهم؛ قال الحق سبحانه: ﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾ [المطففين: 15]، وقال: ﴿ أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [آل عمران: 77]، لقد جئتم في هذه الحالة من الفقر والذلة والضعف والتجرُّد من الأب والأم والأخ والابن والزوج والقريب والحبيب والنصير ﴿ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ﴾ [الأنعام: 94]، وتركتم خلفكم في الدنيا ما أعطاكم الله فيها من الأموال والأملاك والأزواج والأولاد والأرحام والأنصار والحلفاء والأحباب.
ويواصل ملائكة العذاب توبيخهم وتحقيرهم والشماتة بهم، يقولون لهم: ﴿ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ﴾ [الأنعام: 94]، لقد كان لكم في الدنيا أوثان وأنداد وسادة من الحجر والشجر والبشر والجن والشياطين، تتخذونهم أندادًا، وتزعمون أنهم لي شركاء في خلقكم، يدبرون أموركم، ويُقرِّبونكم، ويحمونكم وينصرونكم، ويشفعون لكم، فأين هم اليوم؟ لماذا لا نراهم معكم في هذا اليوم العصيب، وقد رافقتكم إليه نواياكم الخبيثة ومعتقداتكم الفاسدة وأعمالكم السيئة، بخلاف المؤمنين الذين صفت عقيدتهم في الدنيا، وصرفوا جهودهم في العمل الصالح، فرافقهم ذلك في قبورِهم وحضر معهم يوم العرض والحساب، وأدخلوا به الجنة: ﴿ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ﴾ [آل عمران: 195].
ثم يُقال لهم تأكيدًا لتقريعهم وتوبيخهم وإهانتهم وإيلامهم، وتيئيسهم من النجاة: ﴿ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ [الأنعام: 94]، وقد قرأ نافع وحفص عن عاصم والكسائي: ﴿ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ﴾ [الأنعام: 94] بفتح النون؛ أي: انقطع ما بينكم، وقرأها الباقون بالرفع على الفاعلية: ﴿ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنُكُمْ ﴾ [الأنعام: 94]؛ أي: تقطَّع وصلُكم وتواصُلُكم، وانقطعت العلاقة الواهية التي كانت تجمعكم، ﴿ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ [الأنعام: 94]، وغاب عنكم ما كانت تفتريه عليكم خيالاتكم المريضة، وتلفقه لكم أوهامكم الكاذبة وتمنِّياتكم الخائبة، من أن لكم أندادًا وشركاء يَنصرونكم يوم الدين، أو يفدونكم، أو يشفعون لكم بين يدي رب العالمين.
إن مجموع هذه الأحوال المرعبة المخوفة التي يمرُّ بها المشرك عند وفاته وعند مساءلته وتوبيخه في القبر، ويوم العرض والحساب، وقد أيقَن أن قد فاته تدارُك ما هُدي إليه من الإيمان والإحسان... مما تشتدُّ به حسرته وتعظُم به آلامه ومحنته، قبل أن يُلقى في نار جهنم خالدًا فيها.
........................................

[1] منهم زيد بن ثابت، وعلي بن أبي طالب، وأُبي بن كعب رضي الله عنهم.
[2] العُسُب: جريد النخل، واحدها: عسيب.

[3] الأكتاف، جمع كتف، من الجمل يجرِّدونه من اللحم، فإن اشتد يُبسُه كتبُوا عليه.

[4] اللِّخاف واحدتها: لَخْفَةٌ؛ وهي حجارةٌ بيض دِقاق، يكتبون عليها.
[5] قال ابن إسحاق: وكان من حديث عبدالله بن سلام، كما حدثني بعض أهله عنه، وعن إسلامه حين أسلم، وكان حبرًا عالِمًا، قال: لما سمِعت برسول الله صلى الله عليه وسلم عرَفتُ صفتَه واسمَه وزمانَه الذي كنا نتوكَّف له، فكنت مسرًّا لذلك، صامتًا عليه، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فلما نزل بقباء في بني عمرو بن عوف، أقبل رجل حتى أخبر بقدومه، وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها، وعمَّتي خالدة بنت الحارث تحتي جالسة، فلما سمِعتُ الخبرَ بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم كبَّرت، فقالت لي عمَّتي، حين سمِعت تكبيري: خيَّبَك الله، والله لو كنت سمِعت بموسى بن عمران قادمًا ما زدْتُ، قال: فقلت لها: أي عمَّة، هو والله أخو موسى بن عمران، وعلى دينه بُعِث.

[6] ورد لدى كثير من المفسرين أحاديث كثيرة حول كيفية احتضار المؤمن والكافر عند تفسير قوله تعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [إبراهيم: 27]، فليرجع إليها.
[7] غُرْلًا: جمع "أغرل"؛ أي: تام الخلقة، ليس بجسده نقص مما كان في الدُّنيا؛ نحو: الختان والعَمَى والعَرَج، والجُذام والبَرَص؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا))، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ [الأنبياء: 104].


hghtjvhx ugn hggi Hwkhti ,ur,fhji hggi hghtjvhx ugn





رد مع اقتباس
قديم 04-11-2019, 11:48 AM   #2


رحيق الجنه غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 8091
 تاريخ التسجيل :  18 - 9 - 2017
 أخر زيارة : 16-12-2019 (11:02 AM)
 المشاركات : 125,214 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
لوني المفضل : Linen
افتراضي



جزااااك الله خيرا.. على هذا المجهود الرائــع..
بــارك الله فيــك على الموضـــوع ..
الى الأمـــام..
لاتبـخل عليــنا بجـــديــدك..
و تقـبل مروري



 


رد مع اقتباس
قديم 04-11-2019, 11:59 AM   #3


مبارك آل ضرمان غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 6704
 تاريخ التسجيل :  22 - 12 - 2015
 العمر : 34
 أخر زيارة : 29-10-2024 (09:03 PM)
 المشاركات : 288,679 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkorange
افتراضي




.
اشكرك على عظيم طرحكم الأنبق وروعة المضمون


لكم اقدم آيات الشكر على الجهود والعطاء المتواصل

طرح في غاية ابداع تجلى لنا هنا
شكرا للذائقة وشكرا للإبداع

وننتظر جديدكم بشوووق

دمتم بخير وللسعادة اتمناها لكم








 


رد مع اقتباس
قديم 04-11-2019, 12:40 PM   #4


البرنس مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5942
 تاريخ التسجيل :  16 - 3 - 2015
 أخر زيارة : اليوم (03:45 PM)
 المشاركات : 872,613 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~


سبحان الله وبحمدة
سبحان الله العظيم
لوني المفضل : Darkorange
افتراضي



هلا وغلا
اخى الغالي
ابن عمان
طرحكم للموضوع مميز يستحق المتابعة
بارك الله فيكم واسعدكم فى الدارين
يسلمواااااااااااااااااااااا



القيصر العاشق
البـ مديح ال قطب ـــرنس


 


رد مع اقتباس
قديم 04-11-2019, 12:45 PM   #5


ذابت نجوم الليل غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5956
 تاريخ التسجيل :  3 - 6 - 2014
 أخر زيارة : اليوم (06:03 PM)
 المشاركات : 3,287,365 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Saudi Arabia
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : red
افتراضي



بارك الله فيك واسعدك فى الدارين



منونه لك


 


رد مع اقتباس
قديم 04-11-2019, 01:39 PM   #6


باربي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7407
 تاريخ التسجيل :  25 - 9 - 2016
 أخر زيارة : 27-05-2022 (07:28 PM)
 المشاركات : 185,038 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Jordan
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
بالانـاا أنا فخــورهـ
وانانيتــي تأبى الوقوف عند تأثير الريااحـ

لوني المفضل : Hotpink
افتراضي





 


رد مع اقتباس
قديم 04-11-2019, 04:51 PM   #7
ادارة الموقع


الاداره غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1
 تاريخ التسجيل :  3 - 2 - 2010
 أخر زيارة : 07-12-2024 (09:16 PM)
 المشاركات : 900,645 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Crimson
افتراضي



جزآك الله جنةٍ عَرضها آلسَموآت وَ الأرض
بآرك الله فيك على الطَرح القيم
في ميزآن حسناتك ان شاء الله ,,
آسأل الله أن يَرزقـك فسيح آلجنات !!
وجَعل مااقدمت في مَيزانْ حسَناتك
وعَمر آلله قلبك بآآآلايمَآآنْ
علىَ طرحَك آالمحمَل بنفحآتٍ إيمآنيهِ
دمت بـِ طآعَة الله .


 


رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أصنافه , الله , الافتراء , على , وعقوباته


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

الساعة الآن 06:53 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010