#1
| |||||||||||||
| |||||||||||||
تفسير سورة الجاثية تفسير سورة الجاثية • الآية 1:﴿ حم ﴾: سَبَقَ الكلام على الحروف المُقطَّعة في أولسورة البقرة، واعلم أنَّ هذه الحروف تُقرأ هكذا: (حا ميم). • الآية 2:﴿ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ ﴾ إنما هو ﴿ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ ﴾ الذي لا يمنعه شيءٌ مِن فِعل ما يريد، ﴿ الْحَكِيمِ ﴾في أفعالهوأحكامه. • من الآية 3 إلى الآية 6: ﴿ إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ ﴾ بارتفاعها واتِّساعها ﴿ وَالْأَرْضِ ﴾ بجبالها وبحارها ﴿ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي حُجَج وأدلة للمؤمنين على استحقاق الله وحده للعبادة، (وقد خَصَّ سبحانه المؤمنين لأنهم أحياء، يَسمعون ويُبصرون ويَعقلون فيَرون هذه الآيات ويَعتبرون بها)، ﴿ وَفِي خَلْقِكُمْ ﴾ أيها الناس ﴿ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ ﴾ يعني: وفيما يَنشر الله في الأرض من كل أنواع الدواب: ﴿ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ أي يوقنون بأن الذي خَلَقهم هو المُستَحِق وحده لعبادتهم، وأنه القادر على بَعْثهم بعد موتهم لأنه هو الذي ابتدأ خَلْقهم، ﴿ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ يعني: وفي تعاقب الليل والنهار عليكم ﴿ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ ﴾ وهو المطر - الذي يحصل بسببه الرزق - ﴿ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ أي بعد جفافها، فأخرجت النبات والزرع بعد أن كانت ميتة لا حياةَ فيها، ﴿ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ ﴾ يعني: وفي تقلب أحوال الرياح وتوجيهها لكم من جميع الجهات لمنافعكم، ففي ذلك كله ﴿ آَيَاتٌ ﴾ تدل على قدرة الله تعالى وعنايته بمصالح خلقه ﴿ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ (إذ لا يُعقَلُ أبدًا أن يَخلُقَ سبحانه ثم يُعبَد غيرُه، وأن يَرزُقَثم يُشكَر غيرُه)﴿ تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ ﴾ وبراهينه ﴿ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ ﴾ أيها الرسول ﴿ بِالْحَقِّ ﴾ أي بالصِدق(وليس كما يُخبر المُشرِكون عن آلهتهم أنها تقرّبهم إلى الله كذباً وباطلاً) ﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ ﴾ أي بعد حديث الله ﴿ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾؟! يعني فبماذا سيُؤمنون إن لم يؤمنوا بآيات الله الواضحة، التي تدل على أنه الإله الحق، وأنه القادر على إحياء الموتى كما أحيا هذه الأرض الميتة؟! • من الآية 7 إلى الآية 10: ﴿ وَيْلٌ ﴾ أي هلاكٌ ووعيدٌ بالعذاب ﴿ لِكُلِّ أَفَّاكٍ ﴾ أي كثير الكذب (يَصِف الطاهر بالخبيث والخبيث بالطيب، والكاذب بالصادق والصادق بالكاذب) ﴿ أَثِيمٍ ﴾ أي كثير الآثام، منغمس في كبائر الذنوب ﴿ يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ﴾﴿ ثُمَّ يُصِرُّ ﴾ على كُفره بها ﴿ مُسْتَكْبِرًا ﴾ عن الانقياد لها ﴿ كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا ﴾ولم يَنتفع بها ﴿ فَبَشِّرْهُ ﴾ أيها الرسول ﴿ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ في نار جهنم، ﴿ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آَيَاتِنَا شَيْئًا ﴾ يعني إذا وَصَلَ إليه شيء من آيات القرآن: ﴿ اتَّخَذَهَا هُزُوًا ﴾ أي اتخذها سُخرِيّةً ولعباً، ولا يَمتثل لأوامرها ﴿ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ أي عذابٌ يُهِينهم ويُذِلّهم (جزاءً لهم على استهزائهم بالقرآن)،﴿ مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ ﴾ أي سيَلقون بعد موتهم: جهنم تنتظرهم ليُعذَّبوا فيها ﴿ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا ﴾: يعني لن ينفعهم حينئذٍ ما كانوا يكسبونه من الأموال والأولاد، ولن يدفعوا عنهم مِن عذابَ اللهِ شيئاً، ﴿ وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ ﴾ يعني: ولن تنفعهم آلهتُهم الباطلة التي عبدوها مِن دون الله، ظناً منهم أنها ستشفع لهم عند ربهم ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾، (واعلم أنّ لفظ "وراء" يُطلق على ما كانَ خلفاً وما كانَ أماماً، لأنّ كل ما وُورِيَ - أي: استُتِر - فهو وراء). • الآية 11:﴿ هَذَا هُدًى ﴾: يعني هذا القرآن هادٍ من الضلالة، ومُرشدٌ إلى الحق، يهدي مَن آمن به وعمل بهُداه إلى طريق مستقيم يوصله إلى الجنة، ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ ﴾ أي جحدوا بآيات القرآن وأدلته الواضحة، أولئك ﴿ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ ﴾ أي لهم عذابٌ مِن أسوأ أنواع العذاب يوم القيامة. • الآية 12، والآية 13:﴿ اللَّهُ ﴾ سبحانه وتعالى هو ﴿ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ ﴾ أي ذلَّلَهُ لكم ﴿ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ ﴾ أي لتجري السفن فيه بقدرته سبحانه، وبأمْرِهِ للبحر أن يَحملها رغم ثِقَلها، لتحملكم وتحمل أثقالكم ﴿ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ﴾ أي: وتركبونها لتطلبوا رِزقَ اللهِ بالتجارة والربح فيها (وذلك بنقل البضائع والسِلَع من بلدٍ إلى آخر)﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾أي: لتشكروا ربكم على هذه النعم العظيمة فتعبدوه وتُطيعوه ولا تُشركوا به، ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ ﴾ أي لمصالحكم ومنافعكم ﴿ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ﴾ (كالشمس والقمروالنجوم والسحاب) ﴿ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ (كالدَوابِّ والشجر والماء) ﴿ جَمِيعًا مِنْهُ ﴾: يعني أن جميع هذه النعم من الله وحده، وقد أنعم بها عليكم لتعبدوه وحده ولا تشركوا به، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ التسخير ﴿ لَآَيَاتٍ ﴾ تدل على قدرة الله تعالى وعنايته بمصالح خلقه، وأنه وحده الذي يَستحق أن يَعبدوه ﴿ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ أي يتفكرون في هذه الآيات ليَتَّعظوا بها، ويَجتهدوا في فِعل ما يَنفعهم في الدنياوالآخرة. • الآية 14:﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول ﴿ لِلَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ - وذلك قبل الهجرة، قبل أن يأذن الله بجهاد المُشرِكين - أن ﴿ يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ ﴾ أي يتجاوزوا عن أذى الكفار الذين لا يتوقعون أيام الله (التي ينصر فيها المؤمنين عليهم في الدنيا)، ولا يتوقعون عذابه لهم في الآخرة، وقد أمَرَ الله المؤمنين بالصبر ﴿ لِيَجْزِيَ قَوْمًا ﴾ يوم القيامة ﴿ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ (فيجزي المؤمنين على عفوهم وصبرهم بأحسن الجزاء، ويعاقب المُشرِكين على شِركهم وإيذائهم بأشد العقاب). • الآية 15: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا ﴾ بما شَرَعه الله له: ﴿ فَلِنَفْسِهِ ﴾يعني فإنما ثمرة عمله راجعةٌ إليه وحده في الجنة، ﴿ وَمَنْ أَسَاءَ ﴾ فعَصَى اللهَ ورسوله ﴿ فَعَلَيْهَا ﴾ يعني فإنما عقاب تلك الإساءة سيعود على نفسه، ﴿ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾ بعد موتكم، ليحاسبكم على جميع أعمالكم. • الآية 16، والآية 17:﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ ﴾ وهي التوراة والإنجيل ﴿ وَالْحُكْمَ ﴾ أي عَلَّمناهم الحُكم بين المتنازعين على الوجه الذي يُحقق العدل، ﴿ وَالنُّبُوَّةَ ﴾ أي جَعَلنا أكثر الأنبياء منهم، ﴿ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ﴾ أي رَزَقناهم مِن الأطعمة الطيبة (من الثمار والحبوبواللحوم والمَنّ والسلوى وغير ذلك) ﴿ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ أي فضلناهم على عالمي زمانهم من الأمم المعاصرة لهم، (ولَعَلّ المقصود بذلك التفضيل أنَّ الله جَمَعَ لهم بين استقامة الدين والخُلُق، وبين حُكم أنفسهم بأنفسهم بالعدل والحق، مع طِيب العيش وتحقق الأمن والرخاء) (وذلك أيام إيمانهم واستقامتهم، وبسبب صبرهم على إيذاء فرعون وقومه)، ﴿ وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ ﴾: يعني أعطيناهم دلالاتٍ واضحة - مِن أمْر دينهم - تبَيِّن لهم الحق من الباطل، وأعطيناهم شرائع واضحة في التوراة تبَيِّن لهم الحلال من الحرام، وتنَظِّم لهم أمور حياتهم، ﴿ فَمَا اخْتَلَفُوا ﴾ وتفرقوا ﴿ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ﴾: يعني إلا مِن بعد ما تبيَّنوا أن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو النبي الذي وُعِدوا به في التوراة والإنجيل، وذلك ﴿ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ﴾ أي ظلمًا وحسدًا وطلبًا للدنيا (لأنّ كلفرقةٍ منهم كانت تتمنَّى أن يكون هذا النبي الخاتَم مِن عندها)،﴿ إِنَّ رَبَّكَ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ يَقْضِي بَيْنَهُمْ ﴾ أي سوف يَحكم بين المختلفين من بني إسرائيل وغيرهم ﴿ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ من أمور الدين، فيُدخل المُكَذِّبين بك النار، ويُدخل المؤمنين بك الجنة (كعبد الله بن سَلام وأصحابه). • الآية 18، والآية 19:﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ ﴾ أيها الرسول ﴿ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ ﴾: أي جعلناك على شريعة واضحة من أمر الدين الحق (الذي ارتضاه الله لعباده)، ﴿ فَاتَّبِعْهَا ﴾ أي اتَّبع الشريعة التي جعلناك عليها ﴿ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾: أي لا تتَّبع أهواء الجاهلينَ بشرع الله، الذين لا يعلمون الحق ﴿ إِنَّهُمْ ﴾ أي هؤلاء المُشرِكون الذين يدعونك إلى اتِّباع أهوائهم واقتراحاتهم ﴿ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ﴾: يعني لن يدفعوا عنك شيئًا من عقاب الله إن اتّبعتَ أهواءهم، ﴿ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ ﴾ أي المتجاوزين لحدود الله - من المنافقين واليهود وغيرهم - (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾: يعني بعضهم أنصار بعض، إذ يَنصرون بعضهم على المؤمنين، ﴿ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ (وهم الذين يخافون عذابه، فيفعلوا ما يُرضيه ويَجتنبوا ما يُغضبه)، فاللهُ سبحانه سينصرهم على أعدائهم، ويُعينهم في أمورهم. • الآية 20: ﴿ هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ ﴾: يعني هذا القرآنُ براهينٌ ظاهرة للناس، ليُبصِروا بها الهدىمنالضلال (لِمَا اشتملتْ عليه آياته مِن البلاغة والتحَدي والإخبار بالغيب) ﴿ وَهُدًى ﴾ يعني: وهو إرشادٌ لهم إلى الحق، وإلى طريق السعادة في الدنيا والآخرة ﴿ وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ أي يوقنونَ بحقيقة صحته، وأنه تنزيلُ رب العالمين. تابع المصدر: منتدى همسات الغلا jtsdv s,vm hg[hedm jtsdv |
12-08-2019, 08:58 PM | #2 |
| • الآية 21:﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ ﴾ - وهم الذين اكتسبوا الشِرك والمعاصي بجوارحهم، وخالَفوا أمْر ربهم -، فهل ظنوا ﴿ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً ﴾ أي متساوينَ ﴿ مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ﴾؟! أي في دنياهم وآخرتهم؟! (لا يكونُ هذا أبداً) ﴿ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾: أي قبح حُكمهم بالمساواة بين الفجار والأبرار. • الآية 22:﴿ وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ﴾ أي خلَقَهما سبحانه لإقامة العدل والثواب والعقاب بين عباده، فأنزل الشرائع وأرسل الرُسُل، ليَعمل الناس في هذه الدنيا ﴿ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ ﴾ في الآخرة ﴿ بِمَا كَسَبَتْ ﴾ مِن خيرٍ أو شر ﴿ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ (فكيف إذاً يُساوونَ بين الصالحين والمُفسدين؟! هذا ليس من العدل في شيء). • الآية 23: ﴿ أَفَرَأَيْتَ ﴾أيها الرسول ﴿ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾ أي جَعَل طاعته لهَواه كطاعة المؤمن لله، فلا يَهوى شيئاً إلا فَعَله ﴿ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ ﴾ يعني: وأضلَّه الله بعد وصول العلم إليه وقيام الحُجَّة عليه، (ولَعَلّ المقصود من قوله تعالى: (عَلَى عِلْمٍ) أي على عِلمٍ من الله تعالى بأنه لا يَستحق الهداية، بسبب اتّباعه لهواه وعدم انقياده لشرع الله)، ﴿ وَخَتَمَ ﴾ سبحانه ﴿ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ ﴾ فلا يَسمع مواعظَ اللهِ بتدبُّر وانتفاع، ولا يَعقلها بقلبه، ﴿ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً ﴾: أي جعل سبحانه على بصره غطاءً، فلا يرى البراهين الدالة على استحقاق الله وحده للعبادة، ﴿ فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ ﴾: يعني فمن يوفقه للحق والرشد بعد إضلال الله له؟! ﴿ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾: يعني أفلا تتعظون - أيها الناس - فتعلموا أنَّ مَن فَعَل الله به ذلك لن يهتدي أبدًا؟، إذاً فاطلبوا من ربكم الهداية بصِدق، ولا تتّبعوا أهوائكم، (وفي الآية تحذير للمؤمن مِن أن يفعل كل ما تهواه نفسه). • الآية 24، والآية 25: ﴿ وَقَالُوا ﴾ أي قال مُشرِكو مكة: ﴿ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا ﴾: يعني ما الحياة إلا حياتنا الدنيا التي نحن فيها، ولا حياة غيرها (وهذا تكذيبٌ منهم بالبعث بعد الموت)، وقالوا: ﴿ نَمُوتُ وَنَحْيَا ﴾ أي جيلٌ يموت وجيلٌ يَحيا، فيموت الآباءُ مِنّا ويَحيا الأبناء ﴿ وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ﴾: أي ما يهلكنا إلا مَرُّ الليالي والأيام وطول العمر، ثم قال تعالى: ﴿ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ ﴾﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴾: أي ما يتكلمون إلا بالظن الناتج عن التخمين واتّباع الآباء بغير دليل،﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ﴾ أي واضحاتِ الدلالة في قدرة الله على البعث بعد الموت: ﴿ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ﴾: ﴿ ائْتُوا بِآَبَائِنَا ﴾ أي ائتونا - يا محمد أنت ومَن معك - بآبائناالذين قد ماتوا، فأحيُوهم لنا ﴿ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ في أنّ الله يَبعث مَن في القبور. • الآية 26:﴿ قُلِ ﴾ لهم أيها الرسول: ﴿ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ﴾ (فهو سبحانه المُتفرِّد بالإحياء والإماتة، وأنتم تعلمون ذلك أيها المُشرِكون، فلقد كنتم أمواتًا وأنتم في العَدم، فأوجدكم سبحانه ونَفَخَفيكم الحياة، فكذلك لا يُعجزه إحياءكم بعد موتكم) ﴿ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ ﴾مِن قبوركم ﴿ إِلَى ﴾أرض المَحشَر في﴿ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ الذي﴿ لَا رَيْبَ فِيهِ ﴾ أي الذي لا شَكَّفيه ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ أي لا يَعلمون قدرة اللهِ على إحياءهم كما بدأ خَلْقهم. • الآية 27: ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ خَلقًا ومُلكًا وتصرفاً (فالقادر على خَلْق ذلك كله، قادرٌ على بَعْث عباده يوم القيامة من قبورهم أحياءً)، ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ ﴾ (وهم الذين يريدون إبطال الحق الواضح بالأهواء الفاسدة)، فهؤلاء يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة بدخولهم نار جهنم وحِرمانهم من نعيم الجنة. • من الآية 28 إلى الآية 32:﴿ وَتَرَى ﴾ - يوم القيامة - ﴿ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً ﴾: أي ترى أهلَ كل مِلَّةٍ باركينَ على رُكَبهم - لشدة الذل والخوف - يَنتظرون حُكم الله فيهم، ﴿ كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا ﴾ يعني إلى رؤية كتاب أعمالها، ويُقال لهم: ﴿ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾فـ ﴿ هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ ﴾ أي يَنطق عليكم بجميع أعمالكم من غير زيادة أو نقصان، ﴿ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾: أي كنا نأمر ملائكتنا بنسخ أعمالكم وكتابتها وأنتم لا تشعرون، ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾باللهِ ورسوله، وبكل ما أخبَرهم به من الغيب ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ - بإخلاصٍ للهِ تعالى، وعلى النحو الذي شَرَعه - ﴿ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ﴾ أي يدخلهم في جنّته برحمته (بسبب إيمانهم وعملهم الصالح) ﴿ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ﴾ أي الفوز الواضح الذي لا فوزَ مِثله،﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ أي جحدوا أن الله هو الإله الحق وكذَّبوا رُسُله ولم يعملوا بشرعه، فهؤلاء يقول الله لهم توبيخًا: ﴿ أَفَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ ﴾ عن استماعها والإيمان بها، ﴿ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ ﴾ أي كنتم قومًا مُشرِكين تفعلون المعاصي ولا تؤمنون بثوابٍ ولا عقاب؟! ﴿ وَإِذَا قِيلَ ﴾ لكم: ﴿ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ ﴾ بالبعث ﴿ حَقٌّ ﴾﴿ وَالسَّاعَةُ ﴾ التي تقوم فيها القيامة ﴿ لَا رَيْبَ فِيهَا ﴾ أي لا شك في مجيئها، ﴿ قُلْتُمْ ﴾ حينئذٍ: ﴿ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ ﴾﴿ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا ﴾: يعني ما نتوقع وقوعها إلا ظناً ﴿ وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ﴾:أي لسنا على يقين وتأكد من أن الساعة آتية، (وهذا بالنسبة لبعض الناس، وإلاّ فقد تقدم أن بعضهم كان يُنكر البعث بالكُلِّية). • الآية 33، والآية 34، والآية 35:﴿ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا ﴾: أي ظَهَرَ لهؤلاء المُكَذِّبين جزاءُ ما عملوه من الأعمال القبيحة ﴿ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾: يعنيأحاط بهم - من كل جانب - عذاب النار الذي كانوا يَسخرونمنه ويستعجلون به، ﴿ وَقِيلَ ﴾ لهم: ﴿ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا ﴾ يعني: اليوم نترككم في عذاب جهنم، كما تركتم الاستعداد للقاء ربكم بالإيمان والعمل الصالح والتوبة والاستغفار، ﴿ وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ ﴾: أي مَسكنكم الدائم هو نار جهنم ﴿ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ يُنقذونكم مِن حَرّها وعذابها، ﴿ ذَلِكُمْ ﴾ أي هذا العذاب الذي أصابكم ﴿ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ﴾: أي بسبب أنكم اتخذتم آيات الله وحُجَجه استهزاءً ولعبًا ﴿ وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾: أي خدعتكم الحياة الدنيا بزينتها، ﴿ فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا ﴾ أي من النار، ﴿ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ﴾: أي لا يُطلب منهم العُتبَى (وهو إرضاءربهم بالتوبة والعمل الصالح)،فقد فاتَ أوانُ ذلك. • الآية 36، والآية 37: ﴿ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ ﴾ على ما حَكَمَ به لأهل الجنة (فضلاً وإحساناً)، وعلى ما حَكَمَ به على أهل النار (عدلاً وحكمة)، والشكر له على نعمه التي لا تُحصَى، فهو سبحانه ﴿ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ أي مُدَبِّر أمْرالخلائق أجمعين ﴿ وَلَهُ ﴾ وحده ﴿ الْكِبْرِيَاءُ ﴾ أي العظمة والجلال والسُّلْطان والحكم النافذ على مَن شاء ﴿ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾، ﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ أي الغالَب، الذي لا يمنعه أحد من فعل ما يريد ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ في أقواله وأفعاله وقدَره وشَرْعه. |
|
13-08-2019, 07:33 AM | #4 |
| |
|
13-08-2019, 10:56 AM | #5 |
| جزاكم ربي خير الجزاء ونفع الله بكم وسدد خطاكم وجعلكم من أهل جنات النعيم اللهم آآآآمين |
|
13-08-2019, 12:50 PM | #6 |
| جزاك المولى الجنه وكتب الله لك اجر هذه الحروف كجبل احد حسنات |
|
14-08-2019, 12:57 PM | #7 |
| |
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
الجاثية , تفسير , سورة |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
لطفاً عدم التعليق لحين إكتمال الموسوعة | تيماء | (همسات الصوتيات والفلاشات الاسلاميه ) | 16 | 27-03-2020 10:35 AM |
تفسير قوله تعالى { الم - ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين } | مبارك آل ضرمان | (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) | 10 | 01-09-2018 11:06 AM |
تفسير قوله تعالى وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَا | Kassab | (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) | 9 | 15-02-2018 10:21 PM |
كبذه من تفسير الاحلاملبن سيرين | الفارس المصرى | ( همســـــات العام ) | 14 | 21-01-2018 06:50 AM |
التفسير الصوتي للمصحف كاملا للشيخ بن سعدي | سابين | (همسات الصوتيات والفلاشات الاسلاميه ) | 30 | 17-06-2014 06:20 AM |