ننتظر تسجيلك هنا


الإهداءات


العودة   منتدى همسات الغلا > ¨°o.O (المنتديات الاسلاميه) O.o°¨ > ( همســـــات الإسلامي )

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 20-11-2018, 03:00 PM
مبارك آل ضرمان غير متواجد حالياً
Saudi Arabia     Male
الاوسمة
بريق القوافي 
لوني المفضل Darkorange
 رقم العضوية : 6704
 تاريخ التسجيل : 22 - 12 - 2015
 فترة الأقامة : 3289 يوم
 أخر زيارة : 29-10-2024 (09:03 PM)
 العمر : 34
 المشاركات : 288,679 [ + ]
 التقييم : 2147483647
 معدل التقييم : مبارك آل ضرمان يستحق التميز مبارك آل ضرمان يستحق التميز مبارك آل ضرمان يستحق التميز مبارك آل ضرمان يستحق التميز مبارك آل ضرمان يستحق التميز مبارك آل ضرمان يستحق التميز مبارك آل ضرمان يستحق التميز مبارك آل ضرمان يستحق التميز مبارك آل ضرمان يستحق التميز مبارك آل ضرمان يستحق التميز مبارك آل ضرمان يستحق التميز
بيانات اضافيه [ + ]
Post Thanks / Like
Eslamy الاحتِفالُ بالمَولِد النَّبويِّ - بدع وشُبهاتٌ ورُدودٌ حول الموضوع حول من ابتدع المول






الاحتِفالُ بالمَولِد النَّبويِّ وشُبهاتٌ ورُدودٌ


الاحتِفالُ بالمَولِد النَّبويِّ وشُبهاتٌ ورُدودٌ


الحمدُ للهِ ربِّ العالَمِين، القائِلِ في مُحكَمِ التَّنزيلِ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].
والصَّلاةُ والسَّلامُ على سيِّدِنا، وقدْوَتِنا، وحبِيبِنا وحبِيبِ ربِّنا، وقرَّةِ أعيُنِنا، وشفِيعِنا يومَ القِيَامة، محمَّدٍ بن عبدِالله وعلى آلِه وصَحْبِه ومَن تبِع هُداه إلى يومِ الدِّين.

أمَّا بعدُ:
فإنَّ ممَّا أحْدَثه الناسُ في القُرونِ المتأخِّرةِ بعدَ القرونِ الثَّلاثةِ الأُولى المُفضَّلةِ: الاحتفالَ بيومِ وِلادةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وأمَّا قرنُ الصَّحابةِ والتابِعين ومَن جاءَ بعدَهم، فلم يكُن أحدٌ فيه يَحتفِلُ بمولدِ النبيِّ صلَّ الله عليه وسلَّم، لا صحابتُه الأبرار، ولا مَن جاء بَعدَهم مِن العُلماءِ والأئمَّةِ المتبوعِين الأخيار، لا مِن أئمَّة الفِقهِ كأبي حَنيفةَ ومالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ، ولا مِن المُحدِّثين كالبُخاريِّ ومُسلِمٍ وغيرِهما، وإنَّما أُحدِثَ هذا الاحتِفالُ البِدعيُّ في أواخِر القرنِ الرابعِ الهِجريِّ، وأوَّلُ مَن أحْدَثه وابتدَعه هم الرافضةُ العُبَيديُّون (الذين يُسمَّوْن زُورًا وتَلبيسًا بالفاطميِّين)؛ ابْتَدعوه مع ما ابْتَدعوه في يَومِ عاشوراءَ- من ضَرْبِ الصُّدورِ، ولطْمِ الخُدودِ، وشَجِّ الرُّؤوسِ وغيرِ ذلك من البِدَعِ؛ إظهارًا للحُزنِ على مَقتْلِ الحُسَينِ بنِ عليٍّ رضِيَ اللهُ عنهما- في عامٍ واحدٍ، وهذه حَقيقةٌ تاريخيَّةٌ لا يُنكِرُها إلا جاهلٌ بالتاريخِ؛ فقدَ سَطَّرها المَقريزيُّ المتوفى عام 845هـ في كِتابه ((الخِطط)) (2/436)، وذكَر أنَّهم أحْدَثوا عددًا من الموالدِ والاحتفالاتِ البِدعيَّة؛ منها: مولِدُ النبيِّ صلَّ الله عليه وسلَّم ، ومولِدُ عليٍّ وفاطمةَ والحَسنِ والحُسَينِ، وغيرُها من الموالدِ، حتى عدَّد سَبعةً وعِشرين احتفالًا لهم، كلُّها انقرضتْ بسُقُوط الدولةِ العُبيديَّة عام 567هـ على يدِ صلاح الدِّين الأَيوبيِّ رحِمَه الله.

ثُمَّ أحيا الصوفيةُ
مِن بعدِ ذلِك بِدعةَ الاحتِفالِ بيومِ مولدِ النبيِّ صلَّ الله عليه وسلَّم ، وأحيا الرافضةُ بِدعَ يومِ عاشُوراءَ من جَديدٍ، وما زالتْ هذِه البِدعُ مُستمِرَّةً إلى يومِ الناسِ هذا.
ولَمَّا ثقُل على المُغرَمِينَ بالاحتِفالِ بالمولدِ أنْ يكونَ أوَّلَ مَن أحْدَثه رافضيٌّ خبيثٌ ، زَعَموا أنَّ أوَّلَ مَن أحْدَثه صاحِبُ إربل المَلِكُ المظفَّرُ أبو سعيد كوكبرى المتوفى عام 630هـ، ونَسَبوا ذلك لابن كَثيرٍ في كتابِه ((البداية والنهاية)) (13/136- 137)، وهذا غيرُ صحيح؛ فنصُّ كلامِ ابنِ كَثيرٍ هو: (وكان يَعمَلُ المولِدَ الشريفَ في ربيعٍ الأوَّل، ويحتفِلُ به احتفالًا هائلًا)؛ فابنُ كَثيرٍ لم يقُلْ: إنَّه أوَّلُ مَن أحْدَثه، وإنَّما قال: إنَّه كان يَحتفِلُ به في رَبيع الأوَّل.

والحقيقةُ التاريخيَّةُ الثانيةُ التي لا تَقبَلُ الشكَّ أيضًا: أنه لم يَثبُتْ أنَّ الثاني عَشرَ من ربيعٍ الأوَّل هو يومُ وِلادةِ النبيِّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ، بل الأرجحُ والأصحُّ: أنَّه ليس يومَ مَولدِه، والثابتُ الذي عليه أكثرُ المؤرِّخين أنَّه يومُ وفاتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وكان ذلك يومَ الإثنين، ودُفِنَ يومَ الثلاثاء، فِداه أبي وأُمِّي ونفْسي.

ثم انتَشرَ هذا الاحتفالُ في بِقاعِ الأرضِ واستحسنَه بعضُ العُلماءِ والوُعَّاظ؛ لِمَا فيه من ذِكرٍ لسِيرةِ النبيِّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ ، ولبَّس الشيطانُ على بعضِهم وأنساهُم مُبتدأَه وخُلوَّ القرونِ الأولى منه؛ فبَدؤوا يَستدلُّون على جوازِه، بل على مَشروعيَّتِه واستحسانِه بأدلَّةٍ مُشرِّقةٍ ومغرِّبةٍ لا عَلاقةَ لها البتَّةَ بهذا الاحتِفال! فانبرَى لهم العُلماءُ ليردُّوا عليهم استِدلالاتِهم، بَلْهَ شُبهاتِهم.

وكما هي عادةُ البِدعِ، لا تقِفُ عند حدٍّ؛ فقد دخلتْ على هذه الموالدِ بِدعٌ مُنكَرةٌ وأعمالٌ قبيحةٌ أخرى كالطَّبلِ والتمايُلِ والرَّقص، واختلاطِ الرِّجالِ بالنِّساءِ في بعض البلدان، وغيرِها من المعَاصي، وإلْقاءِ القَصائدِ الشِّركيَّةِ التي فيها استِغاثةٌ بغيرِ اللهِ تعالى، وإطراءٌ للرَّسولِ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ كإطراءِ النَّصارَى لعيسى ابنِ مَريمَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ.

وفي هذا المقالِ لن أتحدَّث عن تِلكَ المُنكراتِ التي تقَعُ في بعضِ هذه الموالِدِ على تفاوُتٍ بينها، لوضوحِ أمرِها، بل سيكونُ الحديثُ عن شُبهاتِ المُجوِّزِينَ للاحتِفالِ بالموالِدِ والرُّدودِ عليها، ولو فُرِضَ خُلوُّها من المُنكراتِ والمعاصِي؛ فإنَّ تغييرَ ما أنزلَ اللهُ تعالى على نبيِّه مُحمَّدٍ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ ، وإضافةَ شعائرَ وأعمالٍ له، وإدخالَها في الدِّينِ بشُبهاتٍ يَدَّعيها أصحابُها، أخطرُ مِن تِلكُم المنكراتِ.
الاحتِفالُ بالمَولِد النَّبويِّ وشُبهاتٌ ورُدودٌ





ومن هذه الشُّبهات:
الشُّبهة الأُولى:
استِشهادُهم بقولِه تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: 58]، حيثُ زَعَموا أنَّ أعظمَ فرَحٍ هو الفَرَحُ بمولدِه صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ ، وأنَّ الاحتِفالَ به تعبيرٌ عن هذا الفَرَحِ، وهذا قولٌ لم يقُلْه أحدٌ من أئمَّة الإسلامِ، وما أعظمَ فَضلَ اللهِ علينا ونِعمَه! فمولِدُه نِعمةٌ، ومَبعَثُه نِعمةٌ، وهِجرتُه نِعمةٌ؛ أوَ كُلَّما تفضَّل اللهُ وأنعَمَ علينا نِعمةً جَعَلْنا ذلك اليومَ احتفالًا؟!
ثم إنَّ فَضْلَ اللهِ ورَحْمتَه المأمورَ بالفرَحِ بهما في هذِه الآيةِ ليس هو يومَ وِلادتِه، وإنَّما هو القُرآنُ وما نزَلَ به مِن شرائِعِ الإسلامِ، كما في الآية التي قَبْلَها: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 57- 58]، والرَّحمةُ هي البعثَةُ والرِّسالةُ كما قال اللهُ تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، وقال صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ : « إنِّي لم أُبعَثْ لعَّانًا، وإنما بُعثتُ رحمةً » رواه مسلم. ولم يَذكُرْ أيُّ مُفسِّرٍ للقُرآنِ الكريمِ هذا المعنى الذي ذَكَرُوه.
ثمَّ كيفَ غاب هذا المعنى الغريبُ عن صاحبِ الرِّسالةِ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ ؛ كونُ الآيةِ نزلتْ في مولدِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، ثم هو صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ لا يَحتفِلُ بميلادِه، ولا يُبلِّغُنا بهذا المعنى؟!.

وأعجبُ مِن استشهادِهم بهذه الآيةِ: استشهادُهم بقولِه تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 157]، حيث زَعَموا أنَّ الاحتِفالَ بالمولدِ هو مِن إكرامِ النبيِّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ ، وتَبجيلِه وتَعظيمِ شأنِه، وقد أثْنَى اللهُ سُبحانَه في هذِه الآيةِ على مَن يَفعلُ ذلك! وهذا كلُّه من الجَهلِ والتَّلبيسِ على العامَّة؛ فليسَ في الآيةِ ما يدلُّ على أنَّ الاحتِفالَ بمولدِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ تعزيرٌ وتوقيرٌ له، وهذا هو محلُّ النِّزاع. وليس كلُّ شيءٍ ظنَّ صاحبُه أنه تعزيرٌ وتوقيرٌ له صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ يجوزُ فِعلُه لمجرَّدِ ظنِّه؛ فلا يجوزُ توقيرُه بآلاتِ العَزْفِ كالطَّبلِ وغيرِه، ولا بإطراءٍ كإطراءِ النصارَى لعيسى ابنِ مَريمَ عليه الصَّلاةُ والسلامُ، وقد نهَى النبيُّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ أُمَّتَه عن ذلك؛ فالاحتفالُ بالمولدِ مِن هذا البابِ.
الاحتِفالُ بالمَولِد النَّبويِّ وشُبهاتٌ ورُدودٌ





الشُّبهةُ الثانيةُ:
استِدلالُهم بالحَديثِ الذي أخرَجَه مُسلِمٌ عن أبي قَتادَة الأنصاريِّ رضِي اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ : (سُئلَ عن صَومِ الإثنَينِ؟ قال: ذاك يومٌ وُلدتُ فيه)، حيثُ زَعَموا أنَّ هذا احتفالٌ منه بيومِ وِلادتِه! وهذا تَفسيرٌ للحديثِ لم يقُلْ به أحدٌ من العُلماءِ وشُرَّاحِ الحديثِ الأوائِل؛ فالإمامُ النوويُّ- وهو أشهرُ مَن شرَح أحاديثَ صحيحِ مُسلِمٍ- لم يستدلَّ بهذا الحديثِ على الاحتِفالِ بمولِدِ النبيِّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ ؛ فشُكرُ اللهِ على وِلادةِ النبيِّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ إنَّما يكونُ بصِيامِ اليومِ الذي وُلِدَ فيه وهو يومُ الإثنينِ مِن كلِّ أسبوعٍ، كما فَعَل ذلك النبيُّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ وجعَلَه سُنَّةً لأُمَّتِه باقِيَةً إلى يومِ الِقيامَةِ، وهذا ما يَقتَضِيه المعقولُ والمنقولُ، وهو أنْ يكونَ الشكرُ من نوْعِ ما شَكَرَ الرسولُ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ به ربَّه، وليس بالاحتِفالِ والنَّشيد، والقَصائِد والمَديح، ممَّا لم يَفعلْه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولا أمَرَ به، ولا فَعَله أحدٌ مِن الصَّحابةِ ولا التابِعين وتابعِيهم، والنبيُّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ هو أحرصُ النَّاسِ على شُكرِ ربِّه؛ وأعْلمُهم بكيفيَّةِ ذلِك؛ وهذا الشُّكر كشُكرِ اللهِ على نَجاةِ نبيِّ اللهِ موسى عليه الصَّلاةُ والسلامُ بصِيامِ يومِ عاشوراءَ، وهو اليومُ الذي نَجَّاه اللهُ فيه مِن فِرعونَ، كما فعَل ذلك النبيُّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ ، وجعَلَه سُنَّةً لأمَّتِه إلى يومِ القِيامَةِ.
الاحتِفالُ بالمَولِد النَّبويِّ وشُبهاتٌ ورُدودٌ





الشُّبهةُ الثالثةُ:
استدلالُهم بالحديثِ الذي رواه أحمدُ وأبو دَاودَ والنَّسائيُّ وغيرُهم، عن أَوْسِ بنِ أَوسٍ رضِي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ قال: (مِن أفْضلِ أيَّامِكم يومُ الجُمُعة؛ فيه خُلِقَ آدَمُ، وفيه قُبِضَ، وفيه النَّفخةُ وفيه الصَّعقةُ؛ فأكثِروا عليَّ من الصَّلاةِ فيه؛ فإنَّ صَلاتَكُم مَعروضةٌ عليَّ... الحديثَ)، حيثُ قالوا: إذا كان النبيُّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ قدْ شرَعَ لنا الصَّلاةَ عليه يومَ أنْ خَلَق اللهُ نبيَّه آدَمَ عليه السَّلامُ؛ فالصلاةُ على نبيِّنا محمَّدٍ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ يومَ وِلادتِه أَوْلَى وأحْرَى، وزَعَموا أنَّ الاحتِفالَ بالمولِدِ ما هو إلَّا اجتِماعٌ للصَّلاةِ عليه. وهذا منهم استِدراكٌ على النبيِّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ ، ولا يقولُ هذا مَن وقَر حُبُّ النبيِّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ في قَلبِه، ولو زعَم ذلك، ولو كان هذا الاستدلالُ صحيحًا لرَأيْنا تسابُقَ الصحابةِ فمَن بعدَهم في تَخصيصِ يومَ الإثنينِ بالصَّلاةِ عليه، غير أنَّ الواقِعَ أنَّهم لم يَخصُّوا ذلك اليومَ بصَلاةٍ، فضلًا عن الاحتِفالِ والاجتماعِ فيه؛ ممَّا يدلُّ قطعًا على أنَّ الاستدلالَ به في غيرِ محلِّه، بلْ ولم يقُلْ أحدٌ مِن العُلماءِ بفَضلِ الصَّلاةِ على النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يومَ ولادتِه حقًّا، وهو يومُ الإثنينِ، فضلًا عن أنْ يكونَ ذلك يومَ الثاني عَشرَ مِن ربيع الأوَّل، وهو لم يَثبُتْ، وحتَّى ما ورَد في فَضلِ يومِ الجُمُعة فهو أولًا ليس فقط لخلْقِ آدَمَ فيه، بل كما هو نصُّ الحديثِ؛ لأنَّ فيه النفخةَ والصَّعقةَ، وفي رواية مسلمٍ: (أنَّ فيه أُدْخِلَ آدمُ الجنَّةَ، وفيه أُخرِجَ منها، وفيه تقومُ الساعةُ)، وثانيًا: ليس فيه الاحتِفالُ والاجتماعُ للصَّلاةِ عليه، وذِكرِ سِيرتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ.
الاحتِفالُ بالمَولِد النَّبويِّ وشُبهاتٌ ورُدودٌ





الشُّبهةُ الرَّابعةُ:
ومِن الشُّبهِ العجيبةِ التي يَذكُرونها: أنَّهم يَستدِلُّون بنُصوصِ الأمرِ بالصَّلاةِ والسَّلامِ على النبيِّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ وأحاديثِ مدْحِ النبيِّ نفْسَه، ومدْحِ الصحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم له بحَضرتِه، فيقولون: المولِدُ ليس فيه إلَّا صلاةٌ وسلامٌ على النبيِّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ ومدحٌ له؛ فلماذا تُنكِرونَ علينا ذلِك؟! ورغْمَ أنَّ هذا غيرُ صحيحٍ وفيه مُغالطةٌ؛ فالمولِدُ فيه أفعالٌ كثيرةٌ أخرى مُحرَّمَةٌ كما سبَق الإشارةُ إليه، إلَّا أنَّ المُغالطةَ الكُبرى هي أنَّ هذا ليس هو مَحَلَّ النِّزاعِ أصلًا؛ فإنَّ مُنكِري المولِدِ لا يُنكِرونَ الصلاةَ على النبيِّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ ولا مَدْحَه، بل هم يُصلُّون عليه دائمًا وأبدًا، وبخاصَّةٍ يومَ الجُمُعة، لكنْ إنكارُهم هو على الاجتِماعِ لذلك في يومٍ أو أيامٍ مَخصوصةٍ؛ لأنَّه لم يَرِدْ في السُّنَّةِ مطلقًا ولا مرَّةً واحدةً أنَّ النبيَّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ اجتمَعَ مع أصحابِه رضِيَ اللهُ عنهم، أو اجتمَع أصحابُه مع بعضِهم في أيِّ مُناسَبةٍ مِن أجلِ الصلاةِ عليه أو مَدْحِه، فضلًا عن أنْ يكونَ ذلك في ليلةٍ مَخصوصةٍ.
الاحتِفالُ بالمَولِد النَّبويِّ وشُبهاتٌ ورُدودٌ





الشُّبهةُ الخامِسةُ:
استِشهادُهم بالحديثِ الذي رواه التِّرمذيُّ وغيرُه عن بُريدةَ رضِيَ اللهُ عنه، وفيه: أنَّ جاريةً نذَرتْ أن تَضرِبَ بالدُّفِّ وتَتغنَّى بَينَ يَدَيِ رَسولِ اللهِ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ إنْ رَدَّه اللهُ سالِمًا من إحْدَى غَزواتِه، وأنَّ النبيَّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ قال لها: (إنْ كُنتِ نَذرْتِ فاضْرِبي وإلَّا فَلا...) الحديثَ، وقالوا: هذا احتفالٌ وإعلانٌ للفرَحِ بقُدومِه صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ من الغزوِ، وقد أَقرَّها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، والفرحُ بقُدومِه إلى الدُّنيا أعظمُ. فيا سُبحانَ اللهِ! ما أعظمَ كيدَ إبليسَ لهذه الأمَّةِ وتَلبيسَه عليها! يَستشهِدون بحادثةٍ واحدةٍ لم تَتكرَّرْ طِيلةَ حياةِ النبيِّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ ويَغفُلون عن ترْكِه وترْكِ صَحابتِه مِن بَعدِه للاحتفالِ بيومِ وِلادتِه مع تَكرارِه وعَودتِه مَرَّاتٍ كَثيرةً، ثم أهُمْ أعلمُ بفَضلِ قُدومِه إلى الدُّنيا على نجاتِه في الغزوةِ أم هذِه الصحابيةُ؟! لِمَ لَمْ تَنْذِرْ أن تَحتفِلَ وتفرَحَ بيومِ قُدومِه للدُّنيا بدلَ أن تَفرَحَ بيومِ نجاتِه وعودتِه من الغَزو؟! ثُمَّ إنَّ هذا ليس احتفالًا منها جمَعتْ له الناس، بل هو وفاءٌ لنذرٍ نَذَرتْه على نفْسِها فأوفَتْ بنذرِها، ولو كان احتِفالًا كاحتفِالِ المولِد لأعادَتْه كلَّ عامٍ كما يَفعَلُ أصحابُ الموالدِ.
الاحتِفالُ بالمَولِد النَّبويِّ وشُبهاتٌ ورُدودٌ





الشُّبهةُ السَّادسةُ:
أنَّهم يَستدِلُّون على جوازِ الاحتفالِ بيومِ مولدِ النبيِّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ بما رواه البيهقيُّ في سُننه، عن أنسٍ رضِيَ الله عنه، أنَّ النبيَّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ عقَّ عن نفْسِه بعدَ النُّبوَّة، ويقولون: هذا رسولُ الله قد عقَّ عن نفْسِه فرَحًا بمولدِه، مع أنَّ أبا طالبٍ قد عقَّ عنه يومَ وِلادتِه، وفي ذلك دَليلٌ على جوازِ تَكرارِ الفرحِ مَرَّةً بعدَ مرَّةٍ.
وهذا الحديثُ كما ذَكر البيهقيُّ نفْسُه عَقِبَه: (حديثٌ مُنكَر)، وقال النوويُّ في ((المجموع)) (8/431): (باطلٌ). وقال ابنُ حَجرٍ العسقلانيُّ في ((الفتح)) (9/509): (لا يَثبُت)؛ فسَقطَ الاحتجاجُ به أصلًا، على أنَّه لو ثبَتَ لم يكُن فيه دليلٌ أيضًا لهم؛ لاختِلافِ ما بين هذا الفِعلِ وما بَينَ الاحتِفالِ بالمولِدِ كلَّ عامٍ؛ فهو قياسٌ مع الفارِقِ.

وأعجَبُ من ذلك:

استدلالُهم بعِتقِ أبي لَهَبٍ لمولاتِه ثُوَيبةَ الأَسلميَّةِ لَمَّا بشَّرتْه بمولدِ النبيِّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ ، وأنَّه يُخفَّفُ عنه العذابُ بذلك، وقالوا: فإذا كان هذا في حقِّ الذي جاء القرآنُ بذَمِّه؛ يُخفَّفُ عنه العذابُ لفَرحِه بمولدِ المصطفَى؛ فما بالُك بمَن يَفرَحُ به صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ وهو مُؤمِنٌ مُوحِّد؟!
وما أقبحَ أن يُستشهَدَ بفِعلِ كافرٍ في الجاهليَّةِ فرِحَ بمولدِ ابنِ أخٍ له في زَمنٍ كانوا يَفرَحون بالذَّكرِ ويَدفِنون الأُنثى خشيةَ العارِ! وهل فرِحَ به لأنَّه نبيُّ الله؟! وهل كان يَعلمُ أن سيُبعَثُ فيهم؟! وأنَّه سيَنزِلُ فيه قولُه تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1]؟!
ويُقالُ فيه ما قِيل فيما قَبْلَه: ليس النِّزاعُ في فَضلِ الفَرَحِ به صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ وحبِّه وتوقيرِه، ولكنَّ النِّزاعَ في مشروعيَّةِ ما تَزعُمونَه حبًّا، وتُخالفون فيه هَدْيَه صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ .
وأسوأُ من ذلك ما نقَله السَّخَاويُّ في ((الأجْوبة المَرْضِيَّة)) (3/ 1117) عن أحدِهم قائلًا: (إذا كان أهلُ الصَّليب اتَّخَذوا ليلةَ مَولِد نبيِّهم عيدًا أكبَر، فأهْلُ الإسْلامِ أَوْلَى بالتَّكريم وأجْدر)، ولا أجدُ في الرَّدِّ على هذا القَوْل أبلغَ ممَّا رواهُ البُخاريُّ ومُسلِمٌ في صحيحَيهما من حديثِ أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضِيَ اللهُ عنه، عن رسولِ اللهِ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ أنَّه قال: (لتتَّبعُنُّ سَننَ الَّذين من قبلِكم شِبرًا بشبرٍ، وذراعًا بذراعٍ، حتَّى لو دَخلوا في جُحرِ ضبٍّ لاتَّبعتموهم! قُلنا: يا رسولَ اللهِ، اليهودُ والنَّصارَى؟ قال: فمَن؟!).
الاحتِفالُ بالمَولِد النَّبويِّ وشُبهاتٌ ورُدودٌ





الشُّبهةُ السَّابعةُ:
لَمَّا ثبَت لهم أنَّ الاحتِفالَ بالمولِدِ بِدعةٌ لم يَفعَلْها رَسولُ اللهِ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ ولا صحابتُه الكِرامُ رضِيَ اللهُ عنهم، وأكَّد على ذلك عددٌ من العُلماء، منهم الحافظُ ابنُ حجرٍ بقولِه: (أصلُ عمَلِ المولدِ بِدعةٌ لم تُنقَلْ عن أحدٍ مِن السَّلفِ الصالِح من القُرونِ الثلاثةِ)، كما نقلَه عنه السُّيوطيُّ في ((الحاوي للفتاوي)) (1/ 229)؛ قالوا: نعَمْ! هو بِدعةٌ لكنَّه بِدعةٌ حسَنة، وابنُ حجرٍ نفْسُه ذَكَر ذلك وغيرُه من العُلماء.
والصوابُ الذي عليه المحقِّقون من العُلماءِ:

أنَّه لا يُوجَدُ في الإسلامِ بِدعةٌ حَسَنةٌ وبِدعةٌ ضلالةٌ، بلْ كلُّ بِدعةٍ ضلالةٌ، كما هو صريحُ الحديثِ الصَّحيحِ عن رَسولِ اللهِ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ .
وكلامُ العُلماءِ في إنكارِ تَقسيمِ البِدعةِ إلى حَسنةٍ وسيِّئةٍ كثيرٌ، ويطولُ ولا يتَّسعُ المقامُ لذِكره، لكن أَكتفي بنَقلَينِ اثنينِ فقط لعالِمينِ مَشهودٍ لهما بالفِقهِ والتأصيل.

الأوَّل:

الإمامُ أبو عُبَيدٍ القاسمُ بنُ سلَّام، وهو مِن أعيانِ القرنِ الثالثِ، وقد تُوفِّي عام 224هـ؛ نقَل عنه ابنُ بَطَّالٍ في شرْحه للبُخاريِّ (8/588) قولَه: (البِدعُ والأهواءُ كلُّها نوعٌ واحدٌ في الضلال).
والثاني:

أبو إسحاقَ إبراهيمُ بنُ موسى الشاطبيُّ، العالِمُ الأُصوليُّ المالكيُّ؛ قال في ((فتاويه)) (ص180): (إنَّ قولَ النبيِّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ : (كلُّ بِدعةٍ ضلالةٌ) مَحمولٌ عند العُلماءِ على عُمومِه، لا يُستثنَى منه شيءٌ البتَّةَ، وليس فيها ما هو حَسَنٌ أصلًا). وقال في كتابه ((الاعتصام)) (1/246): (هذا التقسيمُ أمرٌ مُخترَعٌ، لا يدلُّ عليه دليلٌ شرعيٌّ).

وممَّا يُؤيِّد كلامَهما ما قالَه إمامُ دارِ الهجرة مالكُ بنُ أنسٍ، في قاعدتِه العظيمة: (مَن ابتدَعَ في الإسلامِ بِدعةً يراها حسَنةً، فقد زعَم أنَّ محمدًا خان الرِّسالةَ؛ لأنَّ اللهَ تعالى يقولُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}؛ فما لم يكُن يومئذٍ دِينًا، فلا يكونُ اليومَ دِينًا) ((الإحكام في أصول الأحكام)) لابن حزم (6/ 58)، و((الاعتصام)) للشاطبي (1/62).
ومَن بَعدِه تلميذُه الإمامُ الشافعيُّ؛ فقَد نقَل عنْه الجوينيُّ في ((نهاية المطلب في دراية المذهب)) (18/ 473)، والغزاليُّ في ((المستصفى)) (1/171) قوله: (مَن اسْتَحسَن فقد شَرَعَ)، ولا يُتصَوَّر ممَّن يرَى أنَّ الاستحسانَ تَشريعٌ لم يَأذَنْ به اللهُ، أنْ يقولَ بتَحسينِ بعضِ البِدعِ.

وشَبيهٌ بذلك:

استشهادُهم بالحديثِ الذي رواه مسلمٌ عن جَريرٍ رضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ قال: (مَن سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حسنَةً فعَمِلَ بها مَن بَعدَه، كان له أجْرُها ومِثلُ أجْرِ مَن عمِلَ بها مِن غيرِ أن يَنتقِصَ مِن أجورِهم شيءٌ)،
فقالوا: الاحتفالُ بالمولِد سُنَّةٌ حسَنةٌ.
وهذا منهم تَحريفٌ للحديثِ عن معناه الصَّحيحِ، وجَهلٌ أو تجاهُلٌ لسببِ وُرودِه، وهو (أنَّ قومًا أتَوُا النبيَّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ من الأعرابِ مُجتابِي النِّمَارِ (أي: لابِسي الصُّوفِ المُخرَّقِ مِن فَقرِهم)، فحَثَّ رسولُ اللهِ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ الناسَ على الصَّدقةِ، فأبْطَؤوا حتى رُئِي ذلك في وجْهِه، فجاء رجُلٌ من الأنصارِ بقِطعةِ تِبْرٍ فطرَحَها، فتتابَع الناسُ حتَّى عُرِفَ ذلك في وجْهِه صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ، فقال: مَن سَنَّ سُنَّةً حسَنةً...)؛ فالمقصودُ بالحديثِ: مَن أحْيا سُنَّةً مِن سُننِ النبيِّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ ، كما عندَ ابنِ ماجهْ وغيرِه من حَديثِ عَمرِو بنِ عَوفٍ المُزَنيِّ رضِيَ الله عنه مرفوعًا: (مَن أحيا سُنَّةً مِن سُنَّتي قد أُميتتْ بَعدي كان له من الأجرِ مِثلُ مَن عمِلَ بها من غيرِ أنْ يَنقُصَ من أجورِهم شيئًا، ومَن ابتَدعَ بِدعةً لا يَرضاها اللهُ ورسولُه، فإنَّ عليه مِثلَ إثمِ مَن عمِلَ بها من الناسِ، لا يَنقُصُ مِن آثامِ الناسِ شيئًا)، علَّق الشاطبيُّ بقولِه: (فدلَّ على أنَّ السُّنَّةَ هاهنا مِثلُ ما فعَل ذلك الصحابيُّ، وهو العملُ بما ثبَت كونُه سُنَّةً- يعني الصَّدقةَ) وليس المولدَ!
وإنَّ الذي قال: ((مَن سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حسَنةً ...)) هو القائلُ: ((عليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلفاءِ الراشدينَ المهديِّينَ مِن بَعدي، تمسَّكوا بها وعَضُّوا عليها بالنواجِذ، وإيَّاكم ومُحْدَثاتِ الأمورِ؛ فإنَّ كلَّ مُحْدَثةٍ بِدعةٌ، وكلَّ بِدعةٍ ضَلالةٌ)) وهو القائِل: ((مَن أحْدَثَ في أمْرِنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ)) وكلُّها أحادِيثُ صحِيحة والأخْذُ بها جميعًا والتوفِيقُ بينها هو المتعيِّن.
الاحتِفالُ بالمَولِد النَّبويِّ وشُبهاتٌ ورُدودٌ





الشُّبهةُ الثامِنةُ:
زعْمُهم أنَّ بعضَ الصحابةِ ابتدَع بِدعًا حسنةً، ويَستشهِدون بما جاءَ في صحيح البخاريِّ عن رِفاعةَ بنِ رافعٍ الزُّرَقيِّ، قال: كنَّا يومًا نُصلِّي وراءَ النبيِّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ ، فلمَّا رفَع رأسَه من الرَّكعةِ، قال: سمِعَ اللهُ لِمَن حمِدَه، قال رجلٌ وراءَه: ربَّنا ولكَ الحَمدُ، حمْدًا كثيرًا طيِّبًا مُبارَكًا فيه، فلمَّا انصرَف، قال: مَنِ المتكلِّمُ؟ قال: أنا، قال: رأيتُ بِضعَةً وثلاثينَ مَلَكًا يَبتَدِرونها؛ أيُّهم يَكتبُها أوَّلُ!)؛ قالوا: هذا الصحابيُّ ابتدَعَ هذا الذِّكرَ ولم يَسمَعْه من النبيِّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ ، وهذه بِدعةٌ حسَنةٌ.
وهذا فهمٌ خاطئٌ؛ فالصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم لهم مَزيَّةٌ ليستْ لغيرِهم، وهي كونُ النبيِّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ بين ظَهرانَيْهِم يُصحِّحُ أفعالَهم؛ فما فعَلَه الصحابيُّ وأقرَّه النبيُّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ

عليه فإنَّه يَصيرُ من السُّننِ التقريريَّة وليس مِن البِدعِ، كما قرَّر ذلك عُلماءُ الأُصول، وكلُّ ما يَروُونه ممَّا فعَلَه الصحابةُ وأقرَّهم عليه النبيُّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ فهو مِن هذا القَبيلِ.
ومن ذلك: استِدلالُهم بجَمْعِ عُمرَ بن الخطاب رضِيَ اللهُ عنه الصَّحابةَ لصلاةِ التراويحِ خلْفَ إمامٍ واحدٍ بعدَ وفاةِ النبيِّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ ؛ قالوا: وهذه منه بِدعةٌ حسَنةٌ.
والمتأمِّل لحادثةِ عُمرَ بن الخطاب رضِيَ الله عنه هذِه يجِدُ أنَّ الاستشهادَ بها أضعفُ مِن سابقتِها؛ لأنَّ هذا الفِعلَ قد فعلَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم نفْسُه، حيثُ صلَّى بالصحابةِ صلاةَ التراويحِ جماعةً، وكان هو إمامَهم كما ثبَت ذلك عند الشَّيخَينِ البُخاريِّ ومُسلمٍ مِن حديثِ عائشةَ رضِي اللهُ عنها، ثمَّ لم يَخرُجْ إليهم النبيُّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ بعدَ ذلِك خَشيةَ أنْ تُفرَضَ عليهم تلك الصَّلاةُ؛ فانقطعتْ هذه الصلاةُ في عهدِ أبي بَكرٍ وأعادَها عُمرُ رضِيَ اللهُ عنه بعدَما زالتِ العِلَّةُ، وهي خوفُ الفَرْضيَّة؛ فكيف يُقال: إنَّ عُمرَ ابتدَعَ صلاةً جديدةً لم تكُن في زمنِ النبيِّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ؟! وأين هذا من إحداثِ الاحتِفالِ بالمولِد؟!

وممَّا يَلحَقُ بهذه الشُّبهةِ:

استشهادُهم بأعمالٍ فعَلَها الصحابةُ رضِيَ الله عنهم بعدَ مماتِه صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ ، مِثل كِتابةِ القُرآنِ وجمْعِه، ونَقْطِ المصحفِ وضَبْطِه بالشَّكلِ، وقالوا: هذه كلُّها بِدَعٌ حسَنةٌ، والمولِدُ من جِنسِ هذه الأعمالِ.
وقائلُ مِثل هذا الكلامِ إمَّا جاهلٌ بعِلمِ الأُصولِ، أو مُلبِّسٌ على العامَّةِ؛ فالبِدعُ المذمومةُ هي ما لم ‏يَفعَلْه النبيُّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ مع وجودِ المُقتضِي الدَّاعي إليه وعدمِ وجودِ ما يَمنَعُ مِن فِعله؛ فما الذي كان يمنعُ النبيَّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ من إقامةِ المولِد؟! وإذا كان مقتضاه حُبَّ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم؛ فهذا كان موجودًا عند الصحابةِ؛ فلماذا لم يَفعلُوه؟ والجواب: لأنَّه ليس مَشروعًا.

أمَّا كِتابةُ القُرآنِ وجمْعُه فهو مِن بابِ حِفظِه مِن الضَّياعِ، وهذا المُقتضِي لم يكُن موجودًا في حياةِ النبيِّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ ؛ فالوحيُ كان يَتنزَّلُ على النبيِّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ إلى قُبَيلِ وفاتِه بأبي هو وأُمِّي ونفْسِي، وجُلُّ الصحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم كانوا في المدينةِ، فلمَّا تُوفِّي رسولُ اللهِ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ ، وانقطَعَ الوحيُ بعدَما اكتَمَل، وتوسَّعتْ رُقعةُ الإسلامِ وانتَشرَ الصحابةُ ومَن جاء بَعدَهم في أنحاءِ المعمورةِ، واختَلَف بعضُ الناسِ في آياتٍ مِن القُرآنِ، اقتَضَى الأمرُ جَمْعَه وكِتابتَه في مُصحَفٍ واحدٍ، فجَمعوه من الصُّدورِ ومِن الألْواحِ المُفرَّقةِ في مُصحَفٍ واحدٍ ونَسخوا مِنه نُسخًا وزَّعوها على الأمصارِ، وأحْرَقوا ما سِوى ذلك، ولَمَّا بعُدَ الناسُ عن العربيةِ ودَخلتْهم العُجمةُ؛ بسببِ دُخولِ عددٍ كبيرٍ من العَجمِ في الإسلامِ، احتاجوا لنَقْطِه؛ ليُقرأَ قِراءةً صحيحةً، أمَّا في زمنِ النبيِّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ فلم يكُن مَجموعًا ولا مَكتوبًا بهذه الصُّورةِ، وهذا يُسمِّيه عُلماءُ الأصولِ المصالِحَ المُرسَلةَ، وشَرحُها يطولُ، وليس هذا مَقامَه.

والتقرُّبُ إلى اللهِ تعالى بالمُحْدَثاتِ، والتعبُّدُ له بالبِدعِ-كما هو الحالُ في الاحتِفالِ بالمولِدِ-، ليس من بابِ المصالِحِ المُرْسلَةِ؛ ففي بابِ العِباداتِ لا يُحْتجُّ بالمصالِح المرسلَةِ؛ لأنَّ العِباداتِ توقيفيَّةٌ، لا مجالَ فيها للرأي والاجتِهادِ والعَملِ بمُسْتَحسَناتِ الناس، ولأنَّ العِباداتِ حَقٌّ محضٌ للهِ تعالى، ولا يُمكِنُ معرفةُ حقِّه تعالى كَمًّا وكَيْفًا، وزَمانًا ومَكانًا إلَّا من جِهتِه سُبحانَه.
الاحتِفالُ بالمَولِد النَّبويِّ وشُبهاتٌ ورُدودٌ





الشُّبهةُ التاسعةُ:
قولُهم: إنَّ الاحْتِفالَ بالمولدِ عادةٌ وليس عِبادةً؛ فلماذا تُنكرون علينا العاداتِ؟!
وهذه مُغالَطةٌ منهم وهُروبٌ من الواقِع والحَقيقةِ، وإلَّا فكيف يُقال لاجتِماعٍ فيه قِراءةٌ للقرآنِ، وذِكرٌ لله، ودُعاءٌ، وتذكيرٌ بسِيرةِ المصطفى صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ وشمائلِه؛ يَتقرَّبون به إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، ويَدْعُون الناسَ إليه، ويَحثُّونهم عليه؛ ويَعدُّونه مِن أجَلِّ أعمالِهم التي يَرجُون بها الأجرَ والثوابَ؛ كيف يقولون عن مِثل هذا: إنَّه عادةٌ وليس عِبادةً؟! فما هي العبادةُ إذنْ؟!
ولو سُئل المحتفِلُ بمولدِ النبيِّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ : لماذا تَحتفِلُ؟ سيقولُ: لأنِّي أُحبُّ النبيَّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ . فلو قِيل له: هل الاحتِفالُ بمولِدِه صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ طاعةٌ أو معصيةٌ؟ قطعًا لن يقولَ: هو معصيةٌ؛ إذْ كيف يَحتفِلُ بمعصيةٍ؟! سيقول: إنَّها طاعةٌ وقُرْبةٌ، فيُقال له: هل عَلِم النبيُّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ هذه الطاعةَ أم جَهِلها؟ فقطعًا لن يقولَ: جَهِلها؛ فإنْ قال: عَلِمَها، سألْناه: هل بلَّغَها لأُمَّتِه أو كتَمَها؟ وهنا لا يُمكِن أن يقول: كَتَمها، فإنْ قال: بلَّغَها. قُلنا له: هاتِ الحديثَ الذي حثَّنا فيه النَّبيُّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ على الاحتِفالِ بمولدِه ، وسنكونُ نحنُ أوَّلَ المحتفِلين به؛ لأنَّنا نُحبُّه وحَريصونَ أشدَّ الحِرْصِ على اتِّباعِ سُنَّته صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ ، وهيهاتَ هيهاتَ أنْ يأتِيَ بحديثٍ واحدٍ صحيحٍ أو ضَعِيفٍ فيه الحثُّ على ذلك، أو حتَّى فِعلُه أو تَقريرُه!
الاحتِفالُ بالمَولِد النَّبويِّ وشُبهاتٌ ورُدودٌ



الشُّبهةُ العاشرةُ:
ومِن شُبهاتِهم في تجويزِ الاحتِفالِ بالمولِد:

تَشبيهُهم المَولِد بإقامةِ المؤتَمَراتِ؛ تكريمًا لعالِم، وإبرازًا لجُهودِه، وذِكرًا لسِيرتِه ومآثرِه، وقولهم: إنَّ اجتماعَنا لتذكُّرِ سِيرةِ النبيِّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ وفَضلِه على الأُمَّةِ أَوْلَى من ذلك.
والردُّ على هذه الشُّبهةِ مِن وَجهينِ:
الأوَّل:

أنَّ عقْدَ ندوةٍ أو مُؤتَمرٍ للتعريفِ بالنبيِّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ وسِيرتِه والدِّفاعِ عنه أَوْلَى بلا شكٍّ مِن غيرِه، لكنَّ عقْدَ ندوةٍ أو مؤتمرٍ مرَّةً أو أكثرَ، وفي بلدٍ واحدٍ، أو أكثرَ لا يُقاسُ عليه المولدُ بحالٍ من الأحوالِ؛ فالمؤتمرُ أو الندوةُ ليس احتِفالًا وفرحًا وطربًا بقُدومِه، بل هو تعريفٌ وتعليمٌ ودعوةٌ لِمَن يَجهَلُ سِيرته ودَعوتَه مِن المسلِمين وغيرِهم.
الثاني:

هذه المُؤتَمراتُ ليس لها أوقاتٌ مُحدَّدة، ولا يصحُّ أن تُعقدَ في اليومِ الذي وُلِد فيه العالِمُ؛ فهي ليستْ أعيادَ مِيلادٍ له؛ فقد يكونُ هذا العالِمُ وُلِد في رجب والمؤتمرُ يُقامُ في مُحرَّم؛ فهو ليس مُرتبِطًا بمولدِه، بل بما يُناسِبُ الحُضورَ والمشاركِينَ والقائِمينَ على المؤتمر.
فإنْ قالوا: وكذلك المولدُ يُقامُ طِيلةَ العامِ وليس في يَومٍ مُحدَّد. قلنا: هذه مُغالَطةٌ؛ بل أجمَع القائِمون على هذه الموالدِ على القِيامِ بها في اليومِ الثاني عَشرَ من ربيعٍ الأوَّل وإنْ كانوا يُقيمونَه في أيَّامٍ مُتفرِّقةٍ طِيلةَ العامِ؛ إمعانًا في تَكرارِ البِدعةِ.
وقد ذَكَر الإمامُ جمالُ الدِّينِ السُّرَّمَرِّيُّ

حُكمَ الاحتِفالِ بالمولِدِ النبويِّ، فقال- بعدَ حِكايتِه للخِلافِ في أيِّ شهرٍ وُلِدَ النبيُّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ، وفي أيِّ يَومٍ مِن شَهرِ المولدِ-:
(وفي هذا الخِلافِ ما يَدلُّ على أنَّ السَّلفَ لم يكونوا يَجعلون ذلك مَوسِمًا للاجتِماعِ والولائمِ والاحتِفالِ في صُنعِ الأطعمةِ والأشربةِ والسَّماعاتِ؛ إذ السَّلفُ كانوا أعظمَ الناسِ تَوقيرًا ومحبَّةً وتَعظيمًا للنبيِّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ ، وأحرصَ الخَلقِ على نَشْرِ مَحاسنِه؛ فلو كان يومُ مولدِه عِندَهم موسِمًا لتوفَّرتْ هِمَمُهم على حِفظِه، ولم يَكُنْ عِندَهم ولا عِندَ غَيرِهم فيه خِلافٌ، ولاتَّفَقوا عليه كما اتَّفَقوا على يَوميِ العِيدينِ وأيَّامِ التشريقِ، ويومِ عَرفةَ ويومِ عاشوراءَ، ... فلو كان المولدُ مِثلَها لحُفِظَ كما حُفِظتْ.

ولكنَّ الاجتِماعَ على قِراءةِ القُرآنِ ونَشْرِ مُعجزاتِ النبيِّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ ، وذِكرِ أخلاقِه وآدابِه، والتعريفِ لحقوقِه، وامتثالِ أوامرِه والوقوفِ لزواجرِه، وتَعليمِ سُنَنِه؛ مُستحَبٌّ في كلِّ وقتٍ، بل واجبٌ) [((المولد الكبير للبشير النذير صلى الله عليه وسلم)) ورقة (10 ب)- بواسطة: ((منْهجُ الإمَامِ جمالِ الدِّينِ السُّرَّمَرِّيِّ في تقرير العقِيدة)) لخالِد المطلق (72 - 73)].
الاحتِفالُ بالمَولِد النَّبويِّ وشُبهاتٌ ورُدودٌ



الشُّبهةُ الحاديةَ عَشْرةَ:
زَعْمُهم أنَّ الاجتماعَ لتذكيرِ الناسِ بسِيرةِ النبيِّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ يومَ وِلادتِه كالتذكيرِ في خُطبِ الجُمُعة بيومِ البَعثةِ والهِجرةِ، وكالتذكيرِ في السابِعَ عَشرَ مِن رمضانَ بغزوةِ بدرٍ، وغيرِ ذلك مِن أحداثِ السِّيرة النبويَّة؛ فلِمَ تُحرِّمون هذا وتُبيحون ذاك؟!
وهذه مُغالَطةٌ أخرى أيضًا؛ فالذين يُجيزون تَذكيرَ الناسِ بالهِجرةِ والبَعثةِ وبالغزواتِ على مِنبَرِ الجُمُعةِ يُجيزون تَذكيرَهم بوِلادتِه وبوفاتِه، فتَجِدُهم يَخطُبون بهذا وبهذا، ولا يُنكِرون شيئًا من ذلك، وليس هذا مَحَلَّ النِّزاعِ والخلافِ؛ فمَحلُّ الخِلافِ هو الاجتماعُ مِن أجلِ ذلك، والتَّداعي إليه، وتَكرارُه في أوقاتٍ مُحدَّدةٍ، والاحتفالُ به؛ لذلك فهُم أيضًا لا يُجيزون أنْ يجتمِعَ الناسُ في يَومِ البَعثةِ أو الهِجرةِ أو الغزوةِ كلَّ عامٍ ويُقيمون الولائمَ والقَصائدَ والمدائحَ والذِّكرَ مِن أجلِها، ولا يُخصِّصون ذلك اليومَ بشَيءٍ، ومعلومٌ أنَّه لنْ يُصادفَ يومُ السابِعَ عَشرَ من رَمضانَ في كلِّ عامٍ يومَ جُمُعةٍ؛ حتى يُخطُبَ عن هذه المناسبةِ قَصدًا.
ونقول أيضًا: لقد وقعَتْ ثلاثةُ أحداثٍ في شَهرِ ربيع الأوَّل؛ المولِدُ (على فَرْض التَّسليمِ بصِحَّتِه)، والهِجرةُ، والوفاةُ. ومع ذلك لم يُحْدِثِ الصحابةُ في هذا الشهرِ أيَّ عِبادةٍ دِينيةٍ مُتكررةٍ تُذَكِّرُهم بهذه الأحداثِ؛ وما ذلك إلَّا لأنَّهم فَهِموا أنَّ كمالَ الاقتِداءِ والمحبَّةِ إنما هو في الاتِّباع، وقد كانوا رضِي اللهُ عنهم أشدَّ الناسِ تعظيمًا للنبيِّ صلَّ اللهُ عليه و سلَّمَ ، وأَشدَّهم حُبًّا له، ومع هذا التعظيمِ والحُبِّ فإنَّهم رضِي الله عنهم لم يَحتفِلوا بيومِ مَولدِه، ولا جعَلوا يومَ هِجرتِه عِيدًا، ولا صنَعوا مَأتمًا ليومِ وفاتِه صلَّى الله عليه وسلَّم.

الشُّبهةُ الثانيةَ عَشرةَ:
قولُهم: إنَّ أكثرَ العُلماءِ يُجيزون الاحتِفالَ بالمولِد، ولم يُحرِّمْه إلَّا المتشدِّدون مِن أتْباعِ ابنِ تَيميَّة.
وهنا ثَلاثُ نِقاطٍ مُهمَّة للردِّ على هذه الشُّبهةِ:
الأولى:

أنَّ العِبرةَ بالحقِّ والدليلِ وليس بالكَثرةِ.
الثانية:

سبَق في أوَّلِ المقالِ أنَّ عُلماءَ المسلِمين الأوائِل كالأئمَّةِ الأربعةِ وغيرِهم لم يُنقَلْ عن أحدٍ منهم جوازُه أو فِعلُه؛ فكيف يُقَال: إنَّه قولُ أكثَرِ العُلَماءِ؟
الثالثة:

الزَّعمُ بأنَّه لم يُحرِّمه إلَّا أتباعُ ابنِ تيميَّة زعمٌ غيرُ صحيحٍ،

وحتَّى لا أُثقِلَ على القارئِ فسأنقُلُ نقولاتٍ لثلاثَةِ عُلماء أفْتَوا بتَحريمِه ليسوا من المدرسةِ التيميَّةِ.

الأوَّل: العلَّامة تاجُ الدِّين الفاكهانيُّ، المالكيُّ؛ قال في رسالته ((المورِد في عمَل المولِد)) (ص20): (لا أعلمُ لهذا المولِدِ أصلًا في كِتابٍ ولا سُنَّةٍ، ولا يُنقَلُ عَمَلُه عن أحدٍ مِن عُلماءِ الأُمَّة، الذين هُم القُدوةُ في الدِّين، المتمسِّكونَ بآثارِ المتقدِّمين، بلْ هو بِدعةٌ أحْدَثها البَطَّالون... وهذا لم يأذنْ فيه الشرعُ، ولا فعَلَه الصحابةُ ولا التابِعون، ولا العُلماءُ المتديِّنون، فيما عَلِمتُ، وهذا جوابي عنه بين يَدَيِ اللهِ إنْ عنه سُئلتُ، ولا جائزٌ أن يكونَ مُباحًا؛ لأنَّ الابتِداعَ في الدِّين ليس مُباحًا بإجماعِ المسلِمين).

الثاني: ابنُ الحاجِّ الفاسِي؛ قال في ((المدخل)) (2/312): (فإنْ خلا- أي: عمَلُ المولِد- منه- أي: مِن السَّماعِ- وعمِلَ طعامًا فقط، ونوَى به المولِدَ، ودعَا إليه الإخوانَ, وسَلِم مِن كلِّ ما تقدَّمَ ذِكرُه- أي: مِن المفاسِد- فهو بِدعةٌ بنَفْسِ نِيَّتِه فقط؛ إذ إنَّ ذلك زِيادةٌ في الدِّين ليس من عمَلِ السَّلفِ الماضين، واتِّباعُ السَّلفِ أَوْلَى، بل أوْجَبُ، مِن أن يَزيدَ نِيَّةً مُخالِفةً لِما كانوا عليه؛ لأنَّهم أشدُّ الناس اتِّباعًا لسُنَّة رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وتَعظيمًا له ولسُنَّتِه صلَّى الله عليه وسلَّم، ولهُم قدَمُ السَّبقِ في المبادَرةِ إلى ذلك، ولم يُنقَلْ عن أحدٍ منهم أنه نوَى المولِدَ، ونحن لهم تبَعٌ؛ فيَسعُنا ما وَسِعَهم... إلخ).
وقال أيضًا: (وبعضُهم- أي: المشتغلِين بعمَلِ المولِد- يتورَّع عن هذا- أي: سماعِ الغِناءِ وتوابعِه- بقِراءةِ البخاريِّ وغيرِه؛ عوضًا عن ذلك، هذا وإنْ كانتْ قراءةُ الحديثِ في نفْسِها من أكبرِ القُرَبِ والعباداتِ، وفيها البركةُ العظيمةُ، والخيرُ الكثيرُ، لكنْ إذا فُعِل ذلك بشَرْطِه اللائِقِ به على الوجهِ الشرعيِّ، لا بنِيَّةِ المولِد، ألَا ترَى أنَّ الصلاةَ مِن أعظمِ القُرَبِ إلى اللهِ تعالى، ومع ذلك فلو فعَلَها إنسانٌ في غيرِ الوقتِ المشروعِ لها، لكان مذمومًا مُخالِفًا؛ فإذا كانتِ الصلاةُ بهذه المثابةِ؛ فما بالُك بغيرِها؟!).

الثالث:
العلَّامةُ الأصوليُّ أبو إسحاقَ الشاطبيُّ، وهو من عُلماءِ المالكيَّة أيضًا؛ قال في فتاويه (ص 203): (معلومٌ أنَّ إقامةَ المولدِ على الوصفِ المعهودِ بين الناسِ بِدعةٌ مُحدَثةٌ، وكلُّ بِدعةٍ ضلالةٌ).
الاحتِفالُ بالمَولِد النَّبويِّ وشُبهاتٌ ورُدودٌ




وختامًا:
قد يقولُ القائلُ: إنَّ الأُمَّةَ اليومَ تمرُّ بمُنعطَفٍ خطيرٍ، وقد تَكالَبَ الأعداءُ عليها من كلِّ صَوبٍ، وهي في غِنًى عن إثارةِ مِثل هذه الموضوعاتِ، التي تُفرِّقُ المسلِمين ولا تَجمَعُهم!
وللجوابِ

عن ذلك أقولُ: نعمْ تمرُّ الأُمَّةُ بأخطارٍ عِظامٍ، منها تكالُب الأعداءِ عليها، ومنها انتشارُ البِدعِ والشُّبهاتِ، وتفشِّي المنكرات، وحُبُّ الشَّهوات؛ فوجبَ على الناصحِينَ النُّصحُ والتحذيرُ؛ حفاظًا على الأمَّة، وجمعًا لكلمتِها على التوحيدِ والسُّنَّة، وإنَّ هذه الأُمَّةَ المُمتحنَةَ اليومَ والمبتلاةَ، يَتوجَّب عليها في هذا الوقتِ أكثرَ مِن أيِّ وقتٍ آخَر أن تُراجِعَ عَلاقتَها مع ربِّها، وذَنْبَها الذي استوجبتْ به ما حلَّ بها؛ فـ«ما نزَلَ بلاءٌ إلا بذَنبٍ»، وأنْ تُبادِرَ بالتَّوبةِ منه؛ لأنَّه «وما رُفِعَ إلا بتوبةٍ»، وأعظمُ ما عُصي اللهُ تعالى به بعدَ الشِّركِ به هو البِدعُ؛ فإنَّ البِدعةَ أحبُّ إلى إبليسَ مِن المعصيةِ، والله يقولُ الحقَّ وهو يَهدِي السَّبيلَ.
هذا:

وإنَّ مِما يَصُدُّ كثيرًا من الناسِ عن قَبولِ الحقِّ ولو ظهَر لهم جليًّا بعدَ إيضاحِ الحُجَّةِ وبيانِ الأدلَّةِ النَّقليَّةِ والعَقليَّةِ: صُعوبةَ الانفكاكِ عما اعتادَوا عليه سِنينَ عديدةً، وكُرهَهم لمفارقةِ ما كان عليه الآباءُ والأجدادُ أو تخطِئَتَهم.
فنَسألُ اللهَ بمَنِّه وكَرمِه أن يُرِيَنا والمسلِمين جميعًا الحقَّ حقًّا ويَرزُقَنا اتِّباعَه، وأنْ يُرِيَنا الباطِلَ باطلًا ويَرزُقَنا اجتنابَه، وندعو بدُعاءِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، :
الاحتِفالُ بالمَولِد النَّبويِّ وشُبهاتٌ ورُدودٌ





اللهمَّ ربَّ جَبرائيلَ ومِيكائيلَ وإسرافيلَ، فاطرَ السَّمواتِ والأرضِ، عالِمَ الغيبِ والشهادةِ، أنْتَ تحكُمُ بين عِبادكَ فيما كانوا فيه يَختلفونَ؛ اهدِنا لِمَا اختُلفَ فيه من الحقِّ بإذنك؛ إنّكَ تَهدي من تشاءُ إلى صراطٍ مستقيمٍ.


الاحتِفالُ بالمَولِد النَّبويِّ وشُبهاتٌ ورُدودٌ



الاحتِفالُ بالمَولِد النَّبويِّ وشُبهاتٌ ورُدودٌ







hghpjAthgE fhglQ,gA] hgk~Qf,d~A - f]u ,aEfihjR ,vE],]R p,g hgl,q,u lk hfj]u hgl,g H, hgH,g hgl,q,u hghpjAthgE hgk~Qf,d~A hfj]u fhglQ,gA] j]u d,l ,vE],]R





رد مع اقتباس
قديم 20-11-2018, 03:13 PM   #2


المها غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3032
 تاريخ التسجيل :  7 - 5 - 2012
 العمر : 12
 أخر زيارة : 11-07-2022 (03:46 AM)
 المشاركات : 124,907 [ + ]
 التقييم :  506960307
 الدولهـ
Kuwait
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Chartreuse
Post Thanks / Like
افتراضي



جزَآك آللَه خَيِرآ علىَ طرحكَ الرٍآَئع وَآلقيَم
وًجعلهآ فيِ ميِزآن حسًنآتكْ
وًجعلَ مُستقرَ نَبِضّكْ الفًردوسَ الأعلى ًمِن الجنـَه
حَمآك آلرحمَن


 

رد مع اقتباس
قديم 20-11-2018, 04:41 PM   #3


ريحانة بغداد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 6091
 تاريخ التسجيل :  16 - 5 - 2015
 أخر زيارة : 10-09-2024 (01:40 AM)
 المشاركات : 184,955 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Iraq
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Darkorange
Post Thanks / Like
افتراضي





بارك الله تعالى فيك وثقل ميزانك بما تفعله من
مجهود في الدعوة لدين الله تعالى
تقبل مني مرورا متواضعا


 

رد مع اقتباس
قديم 20-11-2018, 05:10 PM   #4


بسام البلبيسي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 8412
 تاريخ التسجيل :  23 - 3 - 2018
 العمر : 63
 أخر زيارة : 13-12-2024 (12:57 AM)
 المشاركات : 59,828 [ + ]
 التقييم :  1026666763
 الدولهـ
Palestine
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Gold
Post Thanks / Like
افتراضي



جزاك الله خيـر

بارك الله في جهودك
وأسال الله لك التوفيق دائما
وأن يجمعنا على الود والإخاء والمحبة
وأن يثبت الله أجرك
ونفعنا الله وإياك بما تقدمه


 

رد مع اقتباس
قديم 20-11-2018, 05:14 PM   #5


باربي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7407
 تاريخ التسجيل :  25 - 9 - 2016
 أخر زيارة : 27-05-2022 (07:28 PM)
 المشاركات : 185,038 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Jordan
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
بالانـاا أنا فخــورهـ
وانانيتــي تأبى الوقوف عند تأثير الريااحـ

لوني المفضل : Hotpink
Post Thanks / Like
افتراضي





 

رد مع اقتباس
قديم 20-11-2018, 05:58 PM   #6


ذابت نجوم الليل غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5956
 تاريخ التسجيل :  3 - 6 - 2014
 أخر زيارة : اليوم (08:46 PM)
 المشاركات : 3,287,376 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Saudi Arabia
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : red
Post Thanks / Like
افتراضي



بارك الله فيك لطرحك القيــم
جزاك الله خير الجــزاء


 

رد مع اقتباس
قديم 20-11-2018, 06:09 PM   #7


البرنسيسه فاتنة غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 4429
 تاريخ التسجيل :  3 - 2 - 2014
 أخر زيارة : 15-07-2023 (04:13 PM)
 المشاركات : 1,076,460 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Jordan
لوني المفضل : red
Post Thanks / Like
افتراضي



جزاك المولى الجنه
وكتب الله لك اجر هذه الحروف
كجبل احد حسنات
وجعله المولى شاهداً لك لا عليك
دمتِم بسعاده لاتغادر روحكم


 

رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أو , الأول , الموضوع , الاحتِفالُ , النَّبويِّ , ابتدع , بالمَولِد , تدع , يوم , ورُدودٌ , وشُبهاتٌ


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فاعلية التعلم التعاوني في تحصيل الطلاب وتنمية اتجاهاتهم ملكه (همسات الجامعة والطلبه والطالبات) 13 14-05-2016 11:33 AM
أساسيات كتابة موضوع تعبير شـوش آلشـريف (همسات الجامعة والطلبه والطالبات) 15 02-01-2016 03:19 PM
أخبار فريق الهلال الأول لكرة القدم ليوم السبت 19 ديسمبر 2015م من الصحف بحريني رومانسي ( همســـات الرياضه) 8 28-12-2015 08:43 PM
أسرار تذييل الآيات في الربع الأول من سورة التوبة (1) البرنس مديح ال قطب (همسات القرآن الكريم وتفسيره ) 17 14-05-2015 12:12 AM
كيف تكون مميزآ بآي منتدى حلآهآ حربي♪ ( أطروحات إحترافيه وبنود أدبية ) 18 29-05-2014 02:54 PM

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

الساعة الآن 09:20 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
Feedback Buttons provided by Advanced Post Thanks / Like v3.3.2 (Pro) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

Security team