الإهداءات | |
| LinkBack | أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
| |||||||||||
| |||||||||||
بَيَان اتِّفَاق الشَّرَائِع على إِثْبَات النبوات : 2 بَيَان اتِّفَاق الشَّرَائِع على إِثْبَات النبوات 2 تبشير الإنجيل بمحمد ومن البشارات به في الإنجيل ما في الفصل الخامس عشر من الإنجيل الذي جمعه يوحنا أن الفارقليط روح الحق الذي يرسله الله هو يعلم كل شيء انتهى وفي موضع آخر منه والفارقليط روح القدس الذي يرسله الله هو يعلم كل شيء وهو يذكركم ما قلت لكم وفي موضع آخر منه إذا جاء الفارقليط الذي أرسله الله روح الحق الذي هو يشهد لي قلت لكم هذا حتى إذا كان يؤمنون به ولا يشكون فيه وفي الفصل السادس عشر منه لكني أقول لكم الحق إنه خير لكم أن أنطلق لأني إن لم أنطلق لم يأتكم الفارقليط فإذا انطلقت أرسلته إليكم فهو يوبخ العالم على الخطيئة وعلى البر وعلى الحكم. أما على الخطيئة فإنهم لم يؤمنوا بي وأما على البر فإني منطلق ولستم تروني وأما على الحكم فإن رئيس هذا العالم يدان وأن لي كلاما كثيرا لستم تطيقون كله الآن لكن إذا جاء روح الحق ذاك فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بكل ما يأتي انتهى وقد تكرر ذكر الفارقليط في الإنجيل وأنذر به المسيح وبشر به قومه في غير موضع منه وقد اختلفوا في المراد فالفارقليط في لغتهم على أقوال وذهب الأكثر من النصارى إنه المخلص وقالوا هو مشتق من الفاروق أو من فارق قالوا ومعنى ليط كلمة تزاد كما يقال رجل هو وحجر هو وعالم هو وجاهل هو وقد تقرر أنه لا نبي بعد المسيح غير نبينا وهذه البشارات قد تضمنت أنه سيأتي بعد المسيح نبي يخلص تلك الأمة مما هم فيه ويوبخهم على الخطية ويتكلم بما يسمع ويخبر بكل ما يأتي ولم يكن هذا لأحد بعد المسيح غير نبينا ومما يدل على أن المراد بالفارقليط هو نبينا أنه وقع الحذف بهذا اللفظ من بعض نسخ الإنجيل مع ثبوته في غالبها وليس ذلك إلا تغييرا وتبديلا من النصارى لما يعلمونه من أن المراد بهذا اللفظ هو التبشير بنبي يأتي بعد المسيح وأنها ستقوم بذلك الحجة عليهم فحذفوا هذا اللفظ لهذه العلة وقد حكى الله سبحانه في القرآن العظيم أن المسيح بشر بنبينا محمد فقال : " وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني اسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد " وفي الإنجيل الذي جمعه يوحنا أن المسيح قال أركون العالم سيأتي وليس لي شيء وهذا اللفظ فيه أعظم بشارة بنبينا محمد فإن الأركون في لغة النصارى العظيم القدر ولم يأت بعد المسيح من هو بهذه الصفة إلا نبينا فإنه جعله أركون العالم وقال عن نفسه ليس له من الأمر شيء فدل هذا على أنه سيأتي بعده عظيم من عظماء العالم يكون منه الإصدار والإيراد والحل والعقد في الدين وإثبات الشرائع وأن المسيح بالنسبة إليه كمن ليس له شيء وهذا إنما يكون تبشيرا بمن هو أعظم من المبشر به أعني المسيح عليه السلام ولا يصح حمله على رجل عظيم القدر في الدنيا أو في الملك أو غير ذلك لأن الأنبياء لا يبشرون بمن هو كذلك ويجعلونه أركون العالم ويجعلون الأمر إليه وينفون الأمر عن أنفسهم فإن هذا لا يكون أبدا من الأنبياء ولا يصح نسبته إليهم ولا صدوره منهم قط بلا خلاف بين أهل الملل ولا يمكن أن يدعي مدع أنه جاء بعد المسيح من هو بهذه الصفة غير نبينا فإن الحواريين إنما دانوا بدينه ودعوا الناس إلى شريعته ولم يستقل أحد منهم بشيء من جهة نفسه قط ومن جاء بعدهم من أتباع المسيح فهو دونهم بمراحل إشارة القرآن والسنة إلى بشارات الكتب السابقة وقد حكى الله سبحانه في القرآن الكريم ما تتضمنه الكتب المنزلة والرسل المرسلة من التبشير بنبينا محمد ما يغني عن جميع ما ذكرناه من نصوص تلك الكتب وإنما أردنا بالنقل منها إلزام الحجة وتكميل الفائدة لمن كان في قلبه ريب وفي صدره حرج فمن ذلك قوله سبحانه الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث وقال تعالى الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وقال تعالى وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يفعلون وقال سبحانه وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين وقال سبحانه والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين وقال سبحانه قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب وقال تبارك وتعالى أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل وقال سبحانه وإذا سمعوا ماأنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين وقال تعالى إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا وقال سبحانه فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك وهذا بعض ما اشتمل عليه الكتاب العزيز وفي الأحاديث ما يؤيد ذلك ويؤكده فمن ذلك ما رواه ابن اسحاق قال حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن اليهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله قبل بعثته فلما بعثه الله من العرب كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه فقال معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور وداود بن سلم يا معشر اليهود اتقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل شرك وتخبرونا أنه مبعوث وتصفونه بصفته فقال سلام بن مشكم أحد بني النضير ما جاءنا بشيء نعرفه وما هو بالذي كنا نذكره لكم فأنزل الله تعالى فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين وروى ابن اسحاق نحو هذه القصة التي هي سبب نزول هذه الآية من طرق ومنها أنه قال حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف عن محمود بن لبيد حدثنا يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة الأنصاري قال حدثني من شئت من رجال قومي عن حسان بن ثابت الأنصاري قال والله إني لغلام يفعة ابن سبع سنين أو ثمان سنين أعقل كلما سمعت إذ سمعت يهوديا يقول على أطم يثرب فصرخ يا معشر اليهود فلما اجتمعوا عليه قالوا مالك وتلك قال طلع نجم أحمد الذي يبعث الليلة ومن ذلك ما كان من خروج زيد بن عمرو بن نفيل وسؤاله لأهل الكتاب وإخبارهم عن أن نبيا يبعث في العرب فرجع وأدرك النبي قبل أن يبعث ومات قبل البعثة وهذا الحديث في البخاري وغيره وأخرج البيهقي بإسناد صحيح من حديث أنس بن مالك أن غلاما يهوديا كان يخدم النبي فمرض فأتاه النبي يعوده فوجد أباه عند رأسه يقرأ التوراة فقال له رسول الله يا يهودي أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى هل تجد في التوراة صفتي ومخرجي قال لا قال الفتى بلى والله يا رسول الله إنا نجد في التوراة نعتك ومخرجك وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال أقيموا هذا من عند رأسه ولوا أخاكم وثبت في البخاري ومسلم وغيرهما من حديث ابن عباس عن أبي سفيان بن حرب لما سأله هرقل ملك الروم عن صفات رسول الله فأخبره فقال إن يكن ما تقوله حقا إنه نبي وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أظنه منكم ولو أعلم أني أخلص إليه لأحسنت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه وفي البخاري حكاية عن هرقل هذا إنه كان جزاء ينظر في النجوم فنظر فقال إن ملك الختان قد ظهر فمن يختتن من هذه الأمة قالوا يختتن اليهود فلا يهمك شأنهم وابعث إلى من في مملكتك من اليهود فيقتلونهم ثم وجد إنسانا من العرب فقال انظروا أفختتن هو فنظروا فإذا هو مختتن وسأله عن العرب فقال يختتنون وفيه أيضا وكان برومية صاحب لهرقل كان هرقل نظيره في العلم فأرسل إليه وسار إلى حمص فلم يرم حمص حتى أتى كتاب من صاحبه يوافق رأيه على خروج النبي ومن هذا ما ثبت في كتب السير والحديث من إسلام النجاشي وتصديقه بالنبي وهو في الحبشة لم يشاهد النبي وإنما وصل إليه بعض أصحابه وسمع ما تلوه عليه من القرآن فآمن وصدق وثبت في الصحيح أن ورقة بن نوفل الذي دار في طلب الدين وسأل طوائف أهل الكتاب لما أخبره رسول الله بما رأى من نزول جبريل عليه في غار حراء وما قال له فقال ورقة هذا الناموس الذي انزل الله على موسى ليتني كنت جذعا أدرك إذ يخرجك قومك فقال النبي أو مخرجي هم فقال ورقة لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ثم لم ينشب ورقة أن توفي ومن هذا ما رواه ابن إسحاق قال حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن شيخ من بني قريظة قال هل تدري عما كان إسلام أسيد وثعلبة ابني سعية وأسد بن عبيد نفر من هذيل لم يكونوا من بني قريظة ولا النضير كانوا فوق ذلك قلت لا قال فإنه قدم علينا رجل من الشام من يهود يقال له ابن الهيبان فأقام عندنا والله ما رأينا رجلا قط لا يصلي الخمس خيرا منه فقدم علينا قبل مبعث النبي بسنين وكنا إذا قحطنا أو فل علينا المطر نقول يا ابن الهيبان أخرج فاستق لنا فيقول لا والله حتى تقدموا أمام مخرجكم صدقة فنقول كم فيقول صاع من تمر أو مدين من شعير فنخرجه ثم يخرج إلى ظاهر حرتنا ونحن معه فيستقي فوالله ما نقوم من مجلسه حتى تمر السحاب وقد فعل ذلك غير مرة ولا مرتين ولا ثلاثة فحضرته الوفاة فاجتمعنا إليه فقال يا معشر يهود ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض البؤس والجوع قالوا أنت أعلم قال فإنه إنما أخرجني أتوقع خروج نبي قد أظل زمانه هذه البلاد مهاجره فاتبعوه ولا تسبقن إليه إذا خرج يا معشر يهود فإنه يبعث بسفك الدماء وسبي الذراري والنساء فمن يخالفه فلا يمنعكم ذلك منه ثم مات فلما كان الليلة التي فتحت فيها قريظة قال أولئك الثلاثة الفتية وكانوا شبانا أحداثا يا معشر يهود والله إنه الذي ذكر لكم ابن الهيبان فقالوا ما هو به قالوا بلى والله إنه بصفته ثم نزلوا فأسلموا وخلوا أموالهم وأولادهم وأهاليهم فلما فتح الحصن رد ذلك عليهم وأخرج البخاري في تاريخه والبيهقي في دلائل النبوة عن محمد بن عمر بن إبراهيم بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال سمعت أبي جبير يقول لما بعث الله نبيه وظهر أمره بمكة خرجت إلى الشام فلما كنت ببصرى أتتني جماعة من النصارى فقالوا لي أمن الحرم أنت قلت نعم قالوا تعرف هذا الذي تنبأ فيكم قلت نعم قال فأخذوا بيدي فأدخلوني ديرا لهم فيه تماثيل وصور قالوا لي أنظر هل ترى صورة هذا الذي بعث فيكم فنظرت فلم أر صورته قلت لا أرى صورته فأدخلوني ديرا أكبر من ذلك الدير الذي فيه صور أكثر مما في ذلك الدير فقالوا لي أنظر هل ترى صورته فنظرت فإذا أنا بصفة رسول الله وصورته وإذا أنه بصفة أبي بكر وصورته وهو آخذ بعقب رسول الله فقالوا لي انظر هل ترى صفته قلت نعم قالوا هو هذا وأشاروا إلى صفة رسول الله قلت اللهم نعم قالوا أتعرف هذا الذي أخذ بعقبه قلت نعم قالوا تشهد أن هذا هو صاحبكم وأن هذا الخليفة من بعده وقريب من هذه القصة ما رواه موسى بن عقبة بن هشام بن العاص ونعيم بن عبد الله ورجل آخر قد سماه بعثوا إلى ملك الروم زمن أبي بكر قال فدخلنا على جبلة بن الأيهم وهو بالغوطة فذكر الحديث وأنه انطلق بهم إلى الملك وأنهم وجدوا عنده شبه الربعة العظيمة مذهبة وإذا فيها أبواب صغار ففتح فيها بابا فاستخرج منه حريرة وفيها صورة نوح ثم إبراهيم ثم حريرة فيها صورة محمد وقال هذا آخر الأبواب ولكني عجلته لأنظر ما عندكم وأمثال هذا كثيرة جدا يطول المقام ببسط بعضها فضلا عن كلها وفي القرآن الكريم من دلائل إثبات النبوات على العموم وإثبات نبوة نبينا على الخصوص ما لا يخفى على من يعرف القرآن ويفهم كلام العرب فإنه مصرح بثبوت جميع الأنبياء من لدن آدم إلى محمد وفيه ذكر كل واحد منهم بصفته والى من أرسل وفي أي زمان كان مع تقديم المتقدم وتأخير المتأخر وذكر ما وقع لكل واحد منهم من إجابة قومه له وامتناعهم عليه وردهم لما جاء به وما وقع بينه وبينهم من المقاولة والمحاولة والمقاتلة ومن نظر في التوراة وما اشتملت عليه من حكاية حال الأنبياء من لدن آدم إلى موسى وجد القرآن موافقا لما فيها غير مخالف لها وهكذا ما اشتملت عليه التوراة مما اتفق الموسى وبني إسرائيل في مصر مع فرعون وما كان من تلك الحوادث من الآيات البينات التي جاء بها ومن تلك العقوبات التي عوقب بها فرعون وقومه ثم ما كان من بني إسرائيل مع موسى من بعد خروجهم من مصر إلى عند موت موسى مع طول تلك المدة وكثرة تلك الحوادث فإن القرآن حكى ذلك كما هو وذكره بصفته من غير مخالفة ثم ما كان من الأنبياء الذين جاءوا بعد موسى إلى عند قيام المسيح فإن القرآن الكريم حكى قصصهم وما جرى لهم وما قالوه لقومهم وما قاله قومهم لهم وما وقع بينهم من الحوادث وكان ما حكاه القرآن موافقا لما في كتب نبوة أولئك الأنبياء من غير مخالفة ثم هكذا ما حكاه القرآن عن نبوة المسيح وما جرى له وأحواله وحوادثه فإنه موافق لما اشتمل عليه الإنجيل من غير مخالفة ومعلوم لكل عاقل يعرف أحوال نبينا أنه كان أميا لا يقرأ ولا يكتب وكان منذ ولد إلى أن بعثه الله تعالى بين قومه وهم قوم مشركون لا يعرفون شيئا من أحوال الأنبياء ولا يدرون بشيء من الشرائع ولا يخالطون أحدا من اليهود والنصارى ولا يعرفون شيئا من شرائعهم وإن عرفوا فردا منها فليس ذلك إلا في مثل ما هو متقرر بينهم يعملون به في عباداتهم ومعاملاتهم باعتبار ما يشتهر عنهم في ذلك كما يبلغ بعض أنواع العالم عن البعض الآخر فإنه قد يبلغهم بعض ما يتمسكون به في دينهم باعتبار اشتهار ذلك عنهم وأما العلم بأحوال الأنبياء وما جاءوا به والى من بعثهم الله وما قالوا لقومهم وما أجابوهم به وما جرى بينهم من الحوادث كلياتها وجزئياتها وفي أي عصر كان كل واحد منهم والى من بعثه الله وكون هذا النبي كان متقدما على هذا وهذا كان متأخرا عن هذا مع كثرة عددهم وطول مددهم واختلاف أنواع قومهم واختلاف ألسنتهم وتباين لغاتهم فهذا أمر لا يحيط بعلمه إلا الله تعالى ولولا اشتمال التوراة على حكاية أحوال من قبل موسى من الأنبياء لانقطع علم ذلك عن البشر ولم يبق لأحد منهم طريق إليه البته فلما جاءنا هذا النبي العربي الأمي المبعوث من بين طائفة مشركة تعبد الأوثان وتكفر بجميع الأديان قد دبروا دنياهم بأمور جاهلية تلقاها الآخر عن الأول وسمعها اللاحق من السابق لا يرجع شيء منها إلى ملة من الملل الدينية ولا إلى كتاب من الكتب المنزلة ولا إلى رسول من الأنبياء المرسلة بل غاية علمهم ونهاية ما لديهم ما يجري بين أسلافهم من المقاولة والمقاتلة وما يحفظونه من شعر شعرائهم وخطب خطبائهم وبلاغات بلغائهم وجود أجوادهم وإقدام أهل الجرأة والجسارة منهم لا يلتفتون مع ذلك إلى دين ولا يقبلون على شيء من أعمال الآخرة ولا يشتغلون بأمر من الأمور التي يشتغل بها أهل الملل فإن راموا مطلبا من مطالب الدنيا ورغبوا في أمر من أمورها قصدوا أصنامهم وطلبوا حصولها منها وقربوا إليها بعض أموالهم ليبلغوا بذلك إلى مقاصدهم ومطالبهم وكان هذا النبي العربي الأمي لا يعلم إلا بما يعلمون ولا يدري إلا بما يدرون بل قد يعلم الواحد منهم المتمكن من قراءة الكتب وكتابة المقروء بغير ما يعلمه هذا النبي فبينما هو على هذه الصفة بين هؤلاء القوم البالغين في الجهالة إلى هذا الحد جاءنا بهذا الكتاب العظيم الحاكي لما ذكرناه من تفاصيل أحوال الأنبياء وقصصهم وما جرى لهم مع قومهم على أكمل حال وأتم وجه ووجدناه موافقا لما في تلك الكتب غير مخالف لشيء منها كان هذا من أعظم الأدلة الدالة على ثبوت نبوته على الخصوص وثبوت نبوة من قبله من الأنبياء على العموم ومثل دلالة هذا الدليل لا يتيسر لجاحد ولا لمكابر ولا لزنديق مارق أن يقدح فيها بقادح أو يعارضها بشبهة من الشبه كائنة ما كانت إن كان ممن يعقل ويفهم ويدري بما يوجبه العقل من قبول الأدلة الصحيحة التي لا تقابل بالرد ولا تدفع بالمعارضة ولا تقبل التشكيك ولا تحتمل الشبهة ومع هذا فقد كان النبي الأمي المبعوث بين هؤلاء يصرح بين ظهرانيهم ببطلان ما هم عليه ويزيف ما هم فيه أبلغ تزييف ويقدح فيه أعظم قدح ويبين لهم أنهم أعداء الله وأنهم مستحقون لغضبه وسخطه وعقوبته وأنهم ليسوا على شيء فبهذا السبب صاروا جميعا أعداء له يطعنون عليه بالمطاعن التي يعلمون أنه منزه عنها مبرأ منها كقولهم إنه كذاب وإنه مجنون وإنه ساحر فلو علموا أنه تعلم من أحد من أهل الكتاب أو أخذ عن فرد من أفرادهم لجاءوا بهذا المطعن بادئ بدء وجعلوه عنوانا لتلك المطاعن الكاذبة بل لو وجدوا إلى ذلك سبيلا لعولوا عليه ولم يحتاجوا إلى غيره فلما لم يأتوا بذلك ولا تكلموا به ولا وجدوا إليه سبيلا علم كل عاقل أنه لم يتعلم من أحد من اليهود ولا من النصارى ولا من غير هاتين الطائفتين إذ لم يطعن عليه بذلك هؤلاء الذين هم قومه وقد ولد بينهم وعاش في ديارهم يخالطهم ويخالطونه ويواصلهم ويعرفون جميع أحواله ولا سيما من كان من قرابته منهم الذين صاروا له بعد البعثة أشد الأعداء وأعظم الخصوم كأبي لهب وأمثاله فإنه لا شك ولا ريب أنه لا يخفى عليهم ما هو دون هذا من أحواله وأيضا لو كان قد تعلم من أحد من أهل الكتاب لم يخف ذلك على أهل الكتاب الذين صرح لهم بأنهم إن لم يؤمنوا به فهم من أعداء الله ومن المستحقين لسخطه وعقوبته وأنهم على ضلالة وأنهم قد غيروا كتابهم وحرفوه وبدلوه وأنهم أحقاء بلعنة الله وغضبه فلو كان له معلم منهم أو من أمثالهم من أهل الكتاب لجعلوا هذا المطعن عليه مقدما على كل مطعن يطعنونه به من تلك المطاعن الكاذبة بل كان هذا المطعن مستغنيا عن كل ما طعنوا به عليه لأن مسافته قريبة وتأثيره ظاهر وقبول عقول العامة له من أهل الكتاب ومن المشركين أيسر من قبولها لتلك المطاعن الكاذبة التي جاءوا بها هذا معلوم لكل عاقل لا يشك فيه شاك ولا يتلعثم عنده متلعثم ولا يكابره فيه مكابر فلما لم يطعن عليه أحد منهم بشيء من ذلك علمنا علما يقينا انتفاء ذلك وأنه لم يتعلم من أحد منهم وإذا تقرر هذا البرهان الذي هو أوضح من شمس النهار أنه لم يكن له معلم من اليهود ولا من النصارى ولا من غيرهم ممن له علم بأحوال الأنبياء فلم يبق إلا أن يكون اطلع بنفسه منفردا عن الناس على مثل التوراة والزبور والإنجيل ونحو ذلك من كتب الأنبياء وقد علمنا علما يقينيا بأنه كان أميا لا يقرا المكتوب ولا يكتب المقروء ثبت هذا بالنقل المتواتر عن أصحابه مع عدم مخالفة المخالفين له في ذلك فإنه لم يسمع عن واحد منهم أنه نسب اليه أنه يقدر على قراءة المكتوب أو كتابة المقروء وحينئذ انتفت هذه الطريقة أعني كونه اطلع على الكتب المتقدمة بنفسه منفردا عن الناس وإنما قلنا منفردا عن الناس لأنا لو فرضنا قدرته على ذلك في محضر أحد من الناس لم يخف ذلك على أتباعه ولا على أعدائه فإذا انتفت قدرته على قراءة المكتوب من حيث كونه أميا وانتفى اطلاع أحد من الناس على شيء من ذلك علمنا أنه لم يأخذ شيئا من ذلك لا بطريق التعليم ولا بطريق المباشرة منه لتلك الكتب ولم يسمع عن أحد لا من أتباعه ولا من أعدائه أنه كان بمكة من يعرف أحوال الأنبياء وقصصهم وما جاءوا به من الشرائع ولا كان بمكة من كتب الله سبحانه المنزلة على رسله شيء ولا كانت قريش ممن يرغب إلى ذلك أو يطلبه أو يحرص على معرفته ومع هذا فقد كان أعداؤه من كفار قريش معترفون بصدقه ويقرون بأنهم لم يجربوا عليه كذبا وفي حديث ابن عباس في الصحيحين وغيرهما في قصة سؤال هرقل لأبي سفيان أنه قال له فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فقال أبو سفيان لا وفي الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن مسعود أن سعد بن معاذ لما قال لأمية بن خلف أن النبي ذكر أنه سيقتل فقال ذلك لامرأته فقالت والله ما يكذب محمد وعزم على ألا يخرج خوفا من هذا وأخرج البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس أن النبي قال لقريش لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي قالوا نعم ما جربنا عليك إلا صدقا وأخرج البخاري في تاريخه وأبو زرعة في دلائله وابن اسحق أن أبا طالب لما قال للنبي أن يكف عن قريش فقال والله ما أقدر على أن أدع ما بعثت به فقال أبو طالب لقريش والله ما كذب قط فارجعوا راشدين وأخرج ابن مردويه في كتاب التفسير وأبو يعلى الموصلي في مسنده وعبد بن حميد أن عتبة بن ربيعة قال لقريش وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب المصدر: منتدى همسات الغلا fQdQhk hj~AtQhr hga~QvQhzAu ugn YAeXfQhj hgkf,hj : 2 hgkf,hj hj~AtQhr fQdQhk ugn |
27-10-2018, 11:08 AM | #3 |
| يعجز القلم على الاطراء ويعجز النبض على التعبير بما كتبت وبما طرحت .. بارك الله فيك وجعله فى موزين حسناااااااتك وجزيت الجنه ونعيمهااااا** } تحياتى |
|
27-10-2018, 12:18 PM | #4 |
| بارك الله فيكم ونفعنا بما قدمتم جزاكم الله خير الجزاء نسأل الله ان يجعله في ميزان حسناتكم لـروحكـ السعاده الدائمــه |
|
27-10-2018, 01:58 PM | #5 |
| طرح في غاية الروعة بارك الله فيك جزآآك الله خيـــر على الطرح القيم وجعله الله في ميزآآن حسنآآتك وان يرزقك الفردووس الاعلى من الجنه الله لايحرمنآآآ من جديــدك تحيــآآتي دمت بود |
|
27-10-2018, 03:24 PM | #7 |
| بورك حرفك وحبرك والذي انتج لنا هذه الكلمات من حيث التميز والرقي وطيب الانتقاء لاعدمناك ولك احترامي وتقديري |
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
الشَّرَائِع , النبوات , اتِّفَاق , بَيَان , على , إِثْبَات |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
اتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات : 2 | تيماء | ( همســـــات الإسلامي ) | 18 | 29-10-2018 03:29 PM |