26-08-2018, 08:04 PM
|
|
عدم تتبع عورات المسلمين والنهي عن ذلك عدم تتبع عورات المسلمين والنهي عن ذلك من الظَّواهر الغريبة الَّتي غزت مجتمع أهل الإسلام ففضحت ستره وكشفت عيبه ونالت من شرف أفراده وجماعاتهم، ـ والَّتي تولَّى كبرها مالكو ومحرِّرو الصُّحف والجرائد الخاصَّة ـ هداهم الله ـ نشرُ أخبار وحكاية وقائع وتسجيل أحداث تمسُّ حياة أناس من رجال ونساء، وشباب وشيوخ، وأُسر وأرحام، جرَّهم ضعف الإيمان والجهل والغفلة والبعد عن الشَّرع إلى ارتكاب جرائم وجنايات، والوقوع في مكايد وخيانات؛ من قتل أنفس وتدنيس أعراض وسرقة أموال وخطف أبرياء وما إلى ذلك، بحيث صار يُخصَّص لهذه الأخبار أركان وأعمدة تسع صفحة بأكملها أو أكثر، تُبرَّزُ بعناوين مثيرة، تخطف عين القارئ عند أوَّل نظرة يستهلُّ بها تصفّح مقروئه اليومي، وربَّما أخذت منه وقتًا طويلًا وتركيزًا في قراءتها، حتَّى كأنَّه يشاهد فيلمًا بوليسيًّا أو درامَا اجتماعيَّة تزعج أحداثهما طبعه، وتعكِّر مزاجه، وتقلق راحته. ومثل هذه الأخبار وإن كانت مطابقة في الغالب لما يحدث من مآسٍ ومنكرات في واقعنا المرير؛ لأنَّها تصدر من أناس فقدوا كلَّ شعور وضيَّعوا كلَّ دين وأفلسوا من كلِّ فضيلة وخلق، إلَّا أنَّه ينبغي مراعاة أهل الإسلام بالسَّتر عليهم والغضِّ عن معايبهم والتَّغافل عمَّا يقع بينهم من انتهاكات وفضائح وتجاوزات، وترك التَّشهير بهم في المجالس وعلى صفحات الصُّحف والجرائد؛ لأنَّ هذه الإذاعة والتَّشهير لا يفيد في حلِّ المشكلات بل يعقِّدها، ويعطي صورة قاتمة ومظلمة عن أحوال أهل الإسلام، تُفرح أعداءَ الله وأعداء الأمَّة وتسرُّهم، وتشجِّع المنحرفين والشُّذَّاذ على سلوك هذه الأفعال الدَّنيئة ومجاراتها. إنَّ مسالك العباد وتقلُّباتهم يجب أن تكون محكومة بدين الله، فمن عمل بالإسلام عُرف به، ومن عمل للإسلام دعا إليه، ولا إسلام بغير عمل، ولا استقامة في دروب الحياة بلا تمسُّك والتزام. والكلام في النَّاس وفي أحوال النَّاس وقضاياهم ونشر ما يجوز من أخبارهم وأحوالهم وما لا يجوز، ينبغي أن يُضبط بضوابط شرعيَّة تقوم على رعاية مصالح النَّاس ودرء مفاسدهم، وتكثير منابع الخير فيهم، وتجفيف موارد الشَّرِّ المحيطة بهم ما أمكن السَّبيل إلى ذلك؛ لأنَّ أهل الإسلام حيثما كانوا وإن خَفَتَ فيهم الإيمان وضعف، وغُيِّبَتْ من ساحتهم مظاهر العفَّة والحياء والغيرة؛ فإنَّه لا يتصوَّر أن يكون بينهم من يسرُّه خبر اعتداء جنسيٍّ مارسه أبٌ على ابنته أو أخ على أخته، أو يستهويه مشهد قتل رجل لزوجته والتَّمثيل بها وقطع أطراف جسدها بسبب خيانة أو وشاية، أو يرضيه أن يكون شاهد عيان في مسرح جريمة يتفنَّن ممارسو الاعتداء في التَّنكيل والتَّمثيل بجُثث المجنيِّ عليهم، وما إلى ذلك من غرائب الأحداث والوقائع الَّتي يسعى ناشرو هذه الأخبار في إبلاغها وإيصالها إلى القرَّاء باسم التَّغطية الصُّحفيَّة، أو السَّبق في صناعة الأحداث ونقل الأخبار، أو دعوى إطْلاع الرَّأي العام على واقع المجتمع. إنَّ الحزم في معالجة هذه القضايا الحسَّاسة المتعلِّقة بحياة النَّاس الخاصَّة وما يُداخِلُها من أسرار وغموض، يجب أن يكون معلنًا، يتَّسم بالزَّجر والتَّشديد على كلِّ من يُسْهم في بثِّ مثل هذه الأخبار وترويجها، والإعانة على مدِّ المعلومات الَّتي تجعلها تتصدَّر الأحداث ما لم تدعُ الحاجة إلى ذلك، منعًا لكلِّ تصدُّع وتفكُّك ينال مجتمع أهل الإسلام ويُعرِّضه للخيبة والإفلاس في القيم والمقوِّمات، شأن المجتمعات الكافرة اليوم السَّابحة في رذائل الأخلاق وزبالة الأفكار وزيف المعتقدات وفقدان الأمل وغياب الحلول. إنَّ كلَّ من يحبُّ أن تشيع الفاحشة في الَّذين آمنوا هو على خطر عظيم ومرتكب لجُرم جسيم؛ لأنَّه مُخاطر بدينه ومتجاسر على إخوانه بالتَّطاول والاعتداء، حريص على تفكيك لحمتهم وتشتيت شملهم، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول: «مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ وَالحُمَّى»([2]). فستر عيوب النَّفس وعيوب النَّاس فضيلة من فضائل الدِّين ومِنْ شيم النُّفوس الأبيَّة، فكما أنَّ كلَّ إنسان لا يريد أن تُنشر معايبه بين النَّاس، فكذلك ينبغي أن لا يرضى ذلك لأخيه المسلم؛ لأنَّ مِنَ الايمان أن تحبَّ لغيرك ما تحبُّ لنفسك، فمن رأى عيبًا أو تقصيرًا في أخيه المسلم أن يدعو له بالاستقامة والصَّلاح، وأن ينصحه سرًّا لا جهرًا حتَّى لا يخدش كرامته ويلحق به العار والهوان، إذ الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تُدان، فـ«مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ»، كما قال النَّبيُّ صل الله عليه وسلم. وروى أبو داود (4880) عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم : «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الإيمَانُ قَلْبَهُ! لَا تَغْتَابُوا المُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَورَاتِهِمْ؛ فَإنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِع اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحهُ في بَيْتِهِ». وفي «صحيح مسلم» (2590) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صل الله عليه وسلم قال: «لَا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا في الدُّنْيَا إلَّا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ»، فبقدر سترك لنفسك ولغيرك ـ أيُّها المسلم ـ بقدر ما ينالك ستر الله في الدُّنيا والآخرة، وبقدر تجاوزك وتغاضيك عن هفوات الآخرين وزلَّاتهم بقدر ما يتخلَّى النَّاس عن إيذائك والاشتغال بعيوبك، قال مالك رحمه الله : «أدركت بهذه البلدة ـ يعني المدينة ـ أقوامًا لم يكن لهم عيوب، فعابوا النَّاس فصارت لهم عيوب، وأدركت بهذه البلدة أقوامًا كانت لهم عيوب، فسكتوا عن عيوب النَّاس، فَنُسِيَتْ عيوبهم»([3]). إنَّ القول لدى الله لا يبدَّل، فمن شغل وقته بعيوب النَّاس والتَّفكُّه بأعراضهم والانشغال بمثالبهم لم يسلم من أذيَّة النَّاس له قولًا أو فعلًا، حالًا أو مآلًا. وهذا فقه في الشَّريعة يجب أن يُعلم، ومسلك من مسالكها القويمة يجب أن يُعمل به في التَّعامل مع نوعي النَّاس المجاهرين منهم والمستورين، فمن كان منهم مستورًا لا يُعرف بشيء من المعاصي والعيوب، أو هو قليل الوقوع فيها، فإذا وقعت منه هفوة أو زلَّة، فإنَّه لا يجوز هتكها ولا كشفها ولا التَّحدُّث بها؛ لأنَّ ذلك غِيبة محرَّمة، وهذا الَّذي وردت فيه النُّصوص، كقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ ﴾ [النور: 19]. فقوله: ﴿ يُحِبُّونَ ﴾ أي يريدون، وعبَّر بالحبِّ إشارةً إلى أنَّه لا يرتكب هذا مع شناعته إلَّا محبٌّ له، ولا يحبُّه إلَّا بعيد عن الاستقامة، فكلُّ من شارك في نشر عورات المسلمين وعيوبهم، أو دلَّ عليها، أو أراد لها الذُّيوع والتَّسميع؛ ناله ـ ولا شكَّ ـ نصيب من عذاب في الدُّنيا وآخر في الآخرة. وثبت عن النَّبيِّ صل الله عليه وسلم أنَّه قال: «أَقِيلُوا ذَوِي الهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إلَّا الحُدُود»([4])، و«أقيلوا»: اعفوا وتجاوزوا، و«ذوو الهيئات»: الَّذين لا يُعرفون بين النَّاس بالشَّرِّ، وقيل: من يندم على الذَّنب ويتوب منه، وقيل: الَّذين يعصون أوَّل مرَّة، ففي الحديث ندب النَّاس إلى ستر المسلمين الَّذين لا يعرف منهم إصرار على المعاصي أو مجاهرة بها. وأمَّا من كان مشتهرًا بالمعاصي معلنًا بها، لا يبالي بما ارتكب منها ولا بما قيل له؛ فهذا هو الفاجر المعلن، وليس له غيبة كما نصَّ على ذلك الحسن البصري وغيره. ومثل هذا لا بأس بالبحث عن أمره والإخبار عن حاله ليحذره النَّاس أو لتقام عليه الحدود([5])، أو يطبَّق في حقِّه التَّعزير، لكن يبقى الأمر في حدود ما تدعو له المصلحة العامَّة أو الخاصَّة، وأمَّا الاهتمام والعناية بنشر التَّفاصيل الَّتي تقزِّز النُّفوس وتخدش في الحياء وتمسُّ بالكرامة، فلا سبيل إلى تسويغها وتجويزها تحت أيِّ غطاء وبأيَّة ذريعة. والله تعالى نسأل أن يحفظ على المسلمين وحدتهم، وأن يستر عليهم عيوبهم وعوراتهم، وأن لا يشمت بهم الأعداء والحاسدين. * * * |
|
|
u]l jjfu u,vhj hglsgldk ,hgkid uk `g; hglwlldk `g; fjfu u]l uk u,vhj ,hgkid |