المعلم الأب

#1 09-10-2017, 03:09 PM

المعلم الأب

المعلم .. الأب ..
المكان : مدرسة ابتدائية
الزمان : 1996 م
الصف : الأول الابتدائي
الفصل الدراسي : الأول
صفتي : معلم صف أول ابتدائي

كانت رابع سنة لي كمعلم ؛ وثالث سنة لي كمربّ للصف الأول الابتدائي...
كانت الحصة الثانية من يوم أحد ؛ وكانت في مادة القراءة ...
بدأ الطلاب يعملون في حل تدريب في الكتاب؛ انتهى البعض ...
بدأت أتجول بينهم أصوّب لمن انتهى منهم من الحل ....
كنت وما زلت صاحب مسبحة لا تفارق جيبي ولا يدي منذ مراهقتي ...
وبينما كنت منحنيًا للتصويب لأحد الطلاب ؛
وإذا بالمسبحة قد ظهر جزءًا منها من فتحة جيبي....
أحسست بمن يعبث فيها ..ويلامسها بإصبعه الصغير ؛
لم ألتفت ؛ والتزمت وضعيتي ....
أطلت التدقيق في التصويب ؛ ونظرت نظرة من تحت يدي ....
فماذا شاهدت ؟!
أحد الطلاب يلامس المسبحة العالقة من جيبي ... ويتبسم بهيام غريب !!!

اعتدلت .... أخرجت السبحة بهدوء ؛ ووضعتها أمامه دون أن ألتفت إليه ؟؟
اتجهت للسبورة وعدت للشرح ... وطلبت من الصغار تجهيز أنفسهم لفسحة الإفطار .
لمحت الصغير ... وإذا به قد وضع المسبحة فوق الطاولة بين يديه ؛
يدعكها بقوة ثم يشمها وينظر إليها بعينيه البريئتين الجميلتين .
تعجبت من تصرفه ولم أرغب أن يراني أرقبه .
قرع جرس نهاية الحصة ؛ وبدأ الأطفال يتوافدون للخارج .
وطفلي صاحب المسبحة باقٍ في مكانه ؟؟!! ويفعل ماكان قد فعله !!
لم أنظر إليه ... تشاغلت بترتيب الصف والسبورة !
تقدّم الطفل إليّ وقال : يا أستاذ ... توقف ثم قال : أستاذ… مسبحتك !
مددت يدي لآخذها ووسط شكري له ...أمسك الطفل يدي وقبّلها ...
وقال : أنا أحبك ياأستاذ ؟؟!!
نزلتُ له جاثيًا وقبّلت رأسه ... وقلت له : وأنا أحبك وحضنته ؟؟
وإذا بقلبه يخفق !!!
خرج من الصف ... وخرجت… واستفهامات كثيرة.
أن يقول لك طفل : أحبك .... فهذا شرف كبير لا زيف فيه،،
مشيت داخل أحد أروقة المدرسة ؛ فرحاً ... يخالط فرحي الذهول !!!

سبحان الله ...
وإذا وكيل المدرسة في وجهي ... وبعفوية سألته : أين ملفات طلاب الصف الأول الابتدائي .
فأشار مشكوراً إليها في مكتبه .
استأذنته وبدأت افتش عن ملف الطالب !!!
فقال الوكيل : ماذا تريد ... بالضبط ؟؟
فقلت : لا أعرف !!! فابتسم وغادر.
وصلت لملف الطفل وفتحته ؟؟!!
وصلت دفتر العائلة ..... ماذا أرى ؟ وماذا أشاهد ؟؟!!
صورة الأب لم تكن موجودة !!! وختمت بختم كتب مكانها (متوف) !!!
إنه السر المؤكد.
تبيّنتُ لاحقاً .... أن والد الطفل – رحمه الله- قد توفي قبل دخوله المدرسة بشهر ! إثر حادث مروري
وهذا الطفل اليتيم ابنه الأول.... !!!
كان الطفل يتمنى أن يشاركه والده تجربته المدرسية ولكن ...
غيبته أقدار الله !!

وبلا نظريات علم النفس .... الطفل أرادني ( أبًا بديلًا )
أعوّضه حنوّ الأب الذي غاب عنه ؟؟
ذلك الموقف .... غيّر مسار حياتي المهنية وعلاقاتي الإنسانية ...
بتّ أومنُ أنّ التربية قيمة .. ورسالة عظيمة .
لاحقاً .... بدأتُ أعزِّزُ طفلي الصغير بالملامسة والسلام ومسح الرأس .
في الطابور الصباحي ... اعتدتُ أن اتفقدهم واحدًا تلو الآخر .
وبعد الموقف ... اعتدتُ أن أقف بقرب هذا الطفل .
وأتابعه في اليوم الدراسي كاملاً ؛ وفي جميع المواد أتفقده .

نجح الطفل إلى الصف الثاني .
وأذكر أنه كان يلعب كرة القدم في حصة التربية الرياضية ؛
فضربه أحد زملائه ...
انطلق باكياً ... وتعدّى معلّم التربية الرياضية الذي كان يحكم المباراة ...
دخل بهو المدرسة ثم إلى غرفة المعلمين ....
وأتجه إليّ .. ودموعه تسيل من عينيه ..
وقال : فلان ضربني ؟؟؟
فقلت له : ماله حق .
فقال : قُمْ ... احسب لي بلنتي !!!!
فقلت : أبشر .
خرجت معه للملعب المدرسي ....
وأعلنتُ احتجاجي عند الحكم (معلم التربية الرياضية ) ...
وهددته بأن أطالب بالحكم الأجنبي في المباراة القادمة ... !
فامتثل جزاه الله خيرًا ... وأخذتُ الصافرة ..
وأعلنتُ عن بلنتي (بأثر رجعي ! ) لصغيري .
سدّد صغيري الكرة ... ودوّت صافرتي التي سمعها كلُّ من في الحي معلنةً الهدف ؛ وكنتُ أوّل من صفّق بحرارة.

صغيري الآن .... اجتاز المستوى الثالث فى الجامعة
لن أنساك ...... يا ماجد ؛ فأنت - بعد فضل الله - مَنْ ألَنْتَ قساوة قلبي ؛ وعلّمتني كيف يجب أن يكون ميدان التربية والتعليم ميدانًا لكلَّ ضمير حيّ .
كلُّ مرّة أسرد القصة .... تغالبني دموعي .
وهذه المرّة أرهقتني بحقّ .
تحياتي لكم ...

تأملوا كيف كان رد الطالب ماجد على أستاذه بعد أن قرأها .. ودارت في مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن وصلت إليه

( رد الطالب ماجد على رسالة أستاذه )

أستاذي الكريم، يتناقل الناس رسالتك عبر وسائل الاتصال الحديثة ...
وصلَتْ إليَّ رسالتك - كغيري من الناس - فقرأتُها وأنا أسترجع تلك المرحلة ..

طفلٌ يتيمٌ فَقَدَ والده وهو في أشهره الأولى .. شبَّ ودرج عند أخواله ... لم يعرف قاموسُه اللغوي عبارات كان يردّدها أقرانه !! فحينما يتشاكس مع غيره تنهمرثُ دموعه ويقول : ( والله لأعلم أمي ) بينما يقول الأخرون : ( والله لأعلم أبوي ).

مرت السنوات .. ووالدتي - جزاها الله خيرًا - تقوم بدورين ..دور الأب ودور الأم معًا !!

في أول يوم دراسيِّ أمسكتْ والدتي بيدي وذهبنا إلى المدرسة ..وهي تُهَمْهِمُ طوال الطريق .
لم أفقه من همهمتها إلا (… الذي لا تضيع الودائع عنده )
ودّعتني عند باب المدرسة ورجعتْ للبيت.
دخلتُ المدرسة لأول مرة .. وفي تلك السنوات كان الأسبوع التمهيدي في بداية العام الدراسي ..
كلّ طفل يشجّعه والده … إلا أنا وقفتُ وحيدًا .. لا أدري ما الله صانعٌ بي ..
لكنّ ما كانت تهمهم به والدتي بدأ مفعولُه .. سار نحوي رجلٌ وأخذ بيدي .. سأل عن اسمي .. فأجبُته ...
سأل عن والدي أين هو؟ ..ببراءة الطفولة قلت : ما عندنا أبو .. تقول أمي أنه مسافر ..
كتب اسمي على بطاقة وعلّقها على صدري ..
إنَّ ذلك الرجل هو أنت أستاذي الكريم!!!!!!!

كنتَ تظنّ أنَّ بداية قصتي معك هي المسبحة .. لا والله…
إنَّ البداية من أول لقاء ..
فالانطباع الأوليّ هو الذي الذي يترسّخ بالذهن…
سواءً أكان انطباعًا جميلاً أم قبيحًا ..

المصدر: منتدى همسات الغلا

hglugl hgHf

09-10-2017, 04:17 PM

فالانطباع الأوليّ هو الذي الذي يترسّخ بالذهن…
سواءً أكان انطباعًا جميلاً أم قبيحًا ..

اطيب التحايااا طرح يحاكي اذان صماء وتسمع
لان اسلوبك تلقائي وليس تصنع

محبتي ودي لك

09-10-2017, 04:57 PM

تسلم يمينك
ودام عطائك العذب
پآقة ورد

09-10-2017, 05:20 PM

طرح رائع كروعة حضورك المميز
بقمة الروعه وتحمل بين طياتها الكثير
يعطيك الف عآفيه على الطرح الرائع..
لاحرمنا منك ..آبدآ..ولآمن تميزك..
بآنتظار جديدك المتميز
دمت بسعآدهـ

09-10-2017, 06:29 PM

كل منا يتذكر اول انطباع لرؤية شخص آخر لأول مرة في حياته
فينطبع بالذاكرة سواء كان طالع محمود أو مذموم خاصة لدى الأطفال
لذا فلنحاول قدر المستطاع أن نريهم حسن افعالنا ليذكرونا بالخير

آل همسات الغلا الكرام
انرتموني بردودكم الراقية

14-10-2017, 09:42 AM

سلِمت الذائقة و اليُمنى
على شذرات الحُضور
وعبق المنثُور ..
يعطيك العافية على
ثمراتِ جهودك ..

محبتي و التقدير ..

14-10-2017, 10:01 PM

حضوركم زاد حروفي تألقا
لا عدمت أريج حروفكم

المواضيع المتشابهه
الموضوع	كاتب الموضوع	المنتدى	مشاركات	آخر مشاركة
صفعة المعلم والظلم/ مشاركة بفعالية الجوري	حنين الروح	(همســــات قصص وروايات)	20	27-09-2017 04:08 AM
فاعلية التعلم التعاوني في تحصيل الطلاب وتنمية اتجاهاتهم	ملكه	(همسات الجامعة والطلبه والطالبات)	13	14-05-2016 11:33 AM
:: مَنْ هو المعلم.. وما هو دوره؟‎ ::	تايقر	(همســـــات الحوار والنقاش الجاد)	8	12-06-2015 01:32 PM
بحث كيف تتحسن العلاقة بين المعلم والمشرف التربوي !!	النـور	(همسات الجامعة والطلبه والطالبات)	20	05-06-2014 06:21 PM
ايها المعلم ... كيف تعامل الطلاب ؟؟!!!	تحطيم أحلامي	(همسات الجامعة والطلبه والطالبات)	24	12-05-2014 08:43 PM

الإهداءات

المعلم الأب

(همســــات قصص وروايات)