ارتقي في خفة سلم ترام الرمل صاعدا الي الدور العلوي...واستقر فرحا الي جانب احدي النوافذ
مع غمرة ارتياح غريب ...متشمما رائحة البحر القادم من بعيد تمنى ان يري البحر بزرقته وصفائه...فلم يري غير خرسانات مسلحة متراصة جنبا الي جنب تلاصقت في قبح عجيب حجب عن عينيه الشاطىء...
عدي بعض صيحات لطائر النورس تنقض من اعلي لتلتقط رزقها من بين الامواج...
*
نظر في استغراب الي عامل بناء تفوح منه رائحة العرق ..
دفعه في غلظة وجلس الي جواره..!!!
في المقعد المقابل جلست أمرأة بدينة تحمل طفلا رضيعا لا يكف عن الصراخ...
في لحظة وقف امامه جسد فارع ووجه حاد القسمات...
ثم امتدت اليه يدا ضخمة وسمع صوت كالحشرجة...تذكرة يا استاذ...
صوب نظره عبر النافذه ..بينما اصر كمساري الترام علي المطالبة بالتذكرة التى دفع ثمنها منذ دقائق معدودة...
توقف الترام في احدي المحطات...وتدافع النازلون والصاعدون...وخف الزحام قليلا...
ثم بعد فترة توقف الترام تماما وانصرف الركاب لمغادرة عربة الترام
خامره احساس غامض ان عليه هو الاخر ان يغادرالترام....
بعد ان وجد نفسه في وسط طوفان من الناس...الناس تسير في شتى الاتجاهات..
يتحدثون باصوات عاليه ....
وقف حيث هوه لايتحرك ساكنا يتأمل ماحوله يستغرب المكان...
هل هذا المكان تحديدا هو مقصده ..؟ اسماء الحوانيت ..مطاعم الوجبات الجاهزة السريعة التى تجاورت حتى غطت علي باقي المحلات ....كان يحب هذا الميدان كما كان يحبه كل الاسكندرانيه ويفتخرون به ...ميدان محطة الرمل..ماذا حدث...؟؟
تلفت في كل مكان يبحث عن مكان يستريح فيه وقد اخذ منه التعب مأخذا ودون جدوي...!!!
رأي بائع جرائد يجلس علي مقعد متهالك يبدو سعيدا وهو يدخن الشيشة مستمتعا يتصاعد دخان كثيف من فمه وانفه بنفس الوقت خجل ان يسأله ان يجلس الي جواره قليلا ويقطع عليه متعته
لماذ فكر في ان يأتى الي هذا المكان مختارا ...!! ..راكبا الترام دون سيارة او مساعدة من احد
يري انه قد اثرت عليه كثيرا حياته بعاصمة النور الباريسية ..يري نفسه غريبا بالمكان لا مكان له في وسط هذا الكم المزدحم والمتلاصق من البشر...!!!
استقرت عيناه علي مقهي جانبي كان شهيرا ولم يتبقي منه غيرالاسم...اسم أتينيوس الشهير ...
كان هذا المطعم يمثل أعرق المقاهي اليونانية في ثاني كبرى مدن مصر، ويتميز بموقعه المطل مباشرة على كورنيش البحر، حيث الاستمتاع بهواء المدينة العليل ومتابعة حركة المارة، إضافة الي رونق ديكوراته وتماثيله البديعة التي تزين جميع أركانه، ليشعر الزائر معها بالعبق التاريخي اليوناني، يملأ المكان في كل أرجاءالمقهى.
كان يميز هذا المطعم والمقهي وجود الموسيقى
الكلاسيكية (تعزفهاأوركسترا خاصة)، الرقص على أنغام الفالس والتانغو.
دخل ليستريح قليلا ولم يشغله اصوات نقاش الزبائن واصواتهم الزاعقة
كان كل هدفه ان يجد مكانا يستريح فيه قليلا ...يتناول خلاله فنجانا من القهوة قبل ان يواصل مسيرته الي مابعد راس التين وقلعة قايتباي ..اراد ان يلحق بمعرض الكتاب السنوي الذي يقام بالقلعة..ويحضر امسياتها الشعرية التى يحضرها غالبا شعراء مشهورين..وقد كان هذا ما انتواه كي تغطي زيارته هذه المرة كل الاسكندرية القديمة
مر عليه نادل المقهى دون ان يعيره انتباها حتى ناداه وطلب منه فنجانا من القهوة ...
مالبث ان بدأ دخان الشيشة ينتشر في كل مكان بالمقهي رجالا وشبابا وفتيات ونساء يغطين وجوههن بالخمار حتى تكشف الخمار قليلا لتسحب نفسا عميقا من ارجيلتها يتصاعد بعده دخانا كثيفا الى الاعلى في حلقات متتالية ...!!
تعجب كثيرا ان يكون معظم المدخنين فتيات ونساء
لا يعرف هل هو في المكان المناسب او قد تكون قدماه اخطأتا الطريق...؟
او ان يكون في حلم عابث او كابوس مقيت...؟؟
تلفت حوله كي يبحث عن هذا الباب الذي دلف منه لداخل المقهي ففشل في ذلك..!!
دون قصد التقت عيناه بعينيها ..وقد صوبت نظراتها اليه في جرأة بالغة...وكعادته ابتسم في أدب شديد وان كانت ابتسامته باهته..!!
ردت بابتسامة مشجعة لم يتوقعها وزاغ بصره وهو يمتحن مظهرها وقد بدت عليها مسحة من ارستقراطية وثراء واضح من هذه الملابس التى ترتديها
أقترب الغروب ولازال جالسا في مكانه لم يبرحه لا يفعل شيءا الا البحلقة في سماء القهوة والنظر من خلال الزجاج الجانبي للمارة
يشرد ذهنه قليلا ويعود للخلف حيث هناك ...النظام والبشر الذين وكأنهم قد خرجوا توا من جاكوزى مليئا بافخر انواع العطور...لا احدا يشغل باله بأحد كل في طريقه وكل في حواره مع ذاته لا يشغل بالا لمن هو بجانبه
تجد حتى حرية في التنفس .....!!
وسريعا يعود الي هنا حيث الجذور حيث ارض الاجداد
ويتذكر مقولة في فيلم ....عندما يسأل الممثل الشهير بطل الفيلم وقد كره الارض والناس حتى الهواء
ناقم علي كل شيء في بلده لا يراها الا زحاما وفوضى وقذاره
لا يري الا السيء فيها..!!
ماهي علاقتك بامك ؟ هل تحبها؟
وأعاد السؤال هل تري انها احلا سيدة في الكون..؟؟
قال هو ذا لا يشترط ابدا ان تكون بلدك احلا بلد في الكون ولكنها كذلك في نظرك دائما
لاحتآخد ايه ولاكام وليه ..ده العشق لو م القلب طالع ..
العمر حتى نضحى بيه ونغني للفجر اللى راجع ..
افتح خزاين ذكرياتك شوف الصور ..
والمس ضفاير بنت حلوة زى القمر..
ح تلاقي قلبك يرتعش حب وشجن ..
ويدوب يدوب بين الضلوع لو كان حجر..
تقدر تحقق امنياتك رغم المحن..
وتبقي قادر على الخوف والزمن ..
ف عيون تحبك تحضنك تنسى الخطر..
ح تلاقى اهلك .. ذكرياتك .. طعم الوطن..
.. لاحتآخد ايه ولاكام وليه..
ده العشق لو م القلب طالع..
العمر حتى نضحى بيه ونغني للفجر اللى راجع
نعم عندما تحب تري في حبيبك كل شيء جميل لا تبحث عن سلبيات او ايجابيات تحبها كده علي بعضها..!!
عاد بسرعه الي حيث مازال جالسا يحملق ويفكر عندما وضع نادل القهوة يده يربط علي كتفه
ايوه يابيه تشرب ايه.. ...
اخرجه نادل المقهي من شروده الي واقعه وطلب مزيدا من القهوة
وجد السيده مازالت تبحلق فيه وتبتسم
بادلها بافضل من ابتسامتها
امسك بفنجان القهوة وافرغها كلها في جوفه وهب واقفا متخذا طريقه خارج المقهي صدرت منه التفاته الي السيده الجالسة في طريقه للخروج من المقهي وعلي طريقة الفرنسيين رفع طاقية يرتديها لتحميه من حرارة الشمس واومأ برأسه قليلا واتخذ طريقه خارج المقهي مرددا كلمات جميلة