جمع يوما (هنري فورد) مهندسيه وطلب منهم صناعة محرك سيارة يضم ثماني أسطوانات، لكن المهندسين أجمعوا على استحالة صنع مثل هذا المحرك، ولكن (فورد) أصرّ على رأيه، وجعل ثمن استمرارهم في وظائفهم هو صناعة هذا المحرك! .. أمضى المهندسون ستة أشهر ولم يتمكنوا من صنع المحرك. عادوا إلى (فورد) وقد تملكهم اليأس وأبلغوه بعدم استطاعتهم .. ردّ عليهم: ستصنعون المحرك؛ فلا خيار أمامكم .. ارجعوا إلى المصنع وحاولوا .. أمضوا ستة أشهر أخرى وقد أعيتهم الحيلة ونال منهم الإحباط وأبلغوا (فورد) بهذا؛ فاجتمع بهم وقال لهم: هي فرصتكم الأخيرة. عودوا إلى مصانعكم فوراً، وستصنعون المحرك .. كان المهندسون لا يرون بارقة أمل،
وفي لحظة اليأس أشرقت الفكرة، ووجدوا الحل، ونجحوا في صناعة المحرك الأسطورة .. لم يكن (فورد) أكاديمياً ولا مثقفاً بل كان رجلا يحمل إصراراً وإرادة جعلت منه أسطورة السيارات الأول في العالم.
الإرادةُ واحدةٌ من أجل النِّعَمِ التي منّ اللهُ بها على الإنسان .. تلك القوةُ الخفيةُ التي تفصِلُ في مصيرِ المرء إزاء العديدِ من القضايا الحسّاسةِ الّتي تنفعُهُ أو تضرّه، قال تعالى مشيراً إلى تلك النعمة: {مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ} [آل عمران/ 152]، وقال جل وعلا: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الفرقان/ 62]، وقال سبحانه: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ} [الأنفال/ 67] ولا يعرف النجاح من لا إرادة له، ولا يعرف الإرادة من لا ضمير له، ولا يعرف الضمير من لا عقل له، ولا فائدة في عقل لم تعمل فيه يد المعرفة .. فالإرادة القوية لا تكون خلقا محمودا إلا إذا كانت مقرونة بالعلم والعقل والحكمة في التصرف وإلا كانت سلاحا خطيرا تدفع صاحبها إلى التهلكة، وتحمّله ومن حوله من المشاق ما لا طاقة لهم به.
وليست الإرادة أن يستبد الإنسان بسلطته إن كان من ذوي النفوذ، أو يتمسك بكل شيء دون أن يقدره أو يفهم طبيعته، فإن هذا يسمى جهلاً لا إرادة؛ لأنه إذا قيل: فلان له إرادة قوية، كأنه قيل: فلان هذا له عقل مهذب، وضمير سليم؛ لأنه عرف كيف يستفيد منهما. الإرادة القوية تعني الاستعلاء على كل مظاهر الإغراء والمتع اللحظية بغية الوصول إلى الهدف المرسوم .. تعني التحلي بالصبر على معوقات العمل التي تقابلنا في الطريق، وإيجاد الحلول المناسبة لها حتى نحقق مرادنا، ونصل إلى أهدافنا .. تعني القدرة على تحمل الأذى، وتجاوز الأزمات حتى يتحقق المأمول ونصل إلى الهدف المنشود .. تعني التصدي لكل عوامل الضعف التي تبث اليأس والإحباط في قلوب أصحابها .. تعني الحرمان والمشقة أثناء السير في الطريق، وهو ما لا تقدر عليه إلا كبار النفوس.
إن الإرادة القوية والعزيمة الفولاذية هي الصفة التي تميز صفوة البشر وتعطي الأفضلية لبعضهم دون الآخرين، ليست كلمة ننطقها أو شعارا نزين به صدورنا، بل إنها الرغبة والقدرة على إكمال الطريق وتخطي الحواجز ومواجهة الصعاب وكسر كافة القيود النفسية والمادية لتحقيق الإنجازات والوصول إلى أهدافنا السامية وغايتنا النبيلة. أعلِ همتك .. قوِّ إرادتك .. اشحذ عزيمتك .. لا تتوانَ ولا تتكاسل .. فجر ينبوع الطاقة التي بداخلك، فإن عمرك لا يحتمل كل هذا الخمول. يقول الكاتب الشهير والمدرب المتميز (زيج زيجلار): كنت أظن أن أكثر الأحداث مأساوية للإنسان هو أن يكتشف بئر نفط أو منجم ذهب في أرضه بينما يرقد على فراش الموت، ولكن عرفت ما هو أسوأ من هذا بكثير، وهو عدم اكتشاف القدرة الهائلة والثروة العظيمة داخله!! تحقيق هدفك في الحياة بحاجة إلى مزيد من العزيمة، وقوة الإرادة والثقة بالنفس، والقوة النفسية، ومن أجل خلق إرادة فعّالة وقوية التأثير يجب أن تنوي وتصمم على فعل المهام التي ظننت أنك لا تستطيع القيام بها .. حاول القيام بالأشياء السهلة أولا، وكلما ازددت ثقة وقوة وأصبحت إرادتك أكثر فعالية حاول إنجاز أشياء أكثر صعوبة وتحديا، وعليك دوما أن تجعل إرادتك في خدمة وعيك..! وليس في خدمة أحاسيسك النابعة عن هواك..! فالإحساس النابع عن الهوى غالباً ما يكون غير صادق!
ثم إنك ستواجه سيلاً عارماً من التثبيط، ومن التشكيك، ومن التنقيص .. كل هذا بهدف التقليل من مكانتك وشأنك، ولا ضير من ذلك إذا كانت مناعتك النفسية قوية وعزيمتك فولاذية،
فهناك عوائق وعقبات ومشاكل في طريق هدفك عليك أن تستعد لها وأبعد من ذلك، وتأكد من أن الطرق المتكرر لابد وأن يفتت يوما الصخرة الصماء.
من المهم في نشوة الانطلاق ألا تركز دائماً على الخبرات السلبية التي تجد طريقها وتتسلل إلى اللاوعي وتتحكم في ردود الأفعال، بل يجب عليك أن تدرك أن الوقت ليس متأخراً أبداً لتعديل الأهداف أو الأحلام، فالإنسان يمتلك الفهم والخبرة والحكمة التي يمكنه استخدامها بأفضل الطرق لتكوين وتحديد أهداف جديدة ..
قد يغلق الباب في وجهك أولاً، وربما تتعرض أفكارك وأهدافك للرفض ممن حولك إذا عبرت عنها مبكراً، وربما تتعرض للسخرية أيضاً، لكن تذكر في النهاية أنها حياتك وحدك، وعليك أن تحارب من أجل أحلامك .
أيضا أحد أهم أسباب الإخفاق «المشاعر السلبية» التي تعتبر كوابح تمنع الإنسان من التقدم والارتقاء، بل تجعله في أحسن حالاته ثابتا في مكانه دون تقدم، لكنها في الغالب تزيد من انحداره، حتى تغرقه في بحر من اليأس والقنوط المؤدي إلى الفشل في جميع مناحي الحياة ..
المشاعر السلبية – كما يقول عالم النفس الإداري (بريان تريسي) -: تتغذى بغذائين «التبرير وانخفاض النفسية» .. بمعنى أننا عندما نجابه بمصائب الحياة ومشاكلها, أو نتعرض لأذى الآخرين فإننا نلجأ فورا لإلقاء اللوم على الآخرين، ونبرر أخطائنا, وننسى إلقاء أي من اللوم على أنفسنا.
كما أن المصاعب تؤثر علينا وعلى نفسيتنا، وتضع عقبة كأداء أسمها «النفسية المحبطة» في طريق التقدم والارتقاء الذاتي