كيف تكون من احباب الرسول صلى الله عليه وسلم
بكى النبي صلى
الله عليه وسلم يوما، فقال له أصحابه: ما يبكيك يا رسول اللّه؟ قال: اشتقت لأحبابي, قالوا: أولسنا أحبابك يا رسول الله؟ قال: لا أنتم أصحابي, أما أحبابي فقوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني.
قد يختلف في صحة هذا الحديث الشريف، ولكنه جاء بروايات مختلفة، لتبشر المؤمنين الذين أمنوا بالنبي صلى
الله عليه وسلم، ولم يرونه، بالجنة، وبرؤية الحبيب صلى
الله عليه وسلم.
فالنبي صلى
الله عليه وسلم بالنسبة لنا وبالرغم من تواجده في قلوبنا، إلا أنه غيب لم نره، والغَيْب هو كلّ ما غاب عنك، وقوله تعالى (الذين يُؤمنونَ بالغَيب) البقرة 3 ، أي يؤمنون بما غاب عنهم، وورد في لسان العرب لابن منظور: الغَيْب كلّ ما غاب عن العُيون، وإن كان مُحصَّلاً في القلوب.
و جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة: أن رسول
الله صلى
الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة, فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين, وإنا إن شاء
الله بكم لاحقون، وددت أني قد رأيت إخواننا، فقالوا: يا رسول الله, ألسنا بإخوانك؟ قال بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد، وأنا فرطهم على الحوض، فقالوا: يا رسول الله, كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟ قال: أرأيت لو كان لرجل خيل غر محجلة في خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإنهم يأتون يوم القيامة غرًّا محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض، ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلم, ألا هلم, ألا هلم. فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: سحقًا سحقًا.
وروى الإمام أحمد من حديث أبي جمعة - رضي
الله عنه - قال: تغدينا مع رسول
الله صلى
الله عليه وسلم, ومعنا أبو عبيدة بن الجراح, فقال: يا رسول الله, أحد منا خير منا؟ أسلمنا وجاهدنا معك, قال: نعم, قوم يكونون من بعدكم, يؤمنون بي ولم يروني.
فالإيمان بالغيب يشمل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار والقدر خيره وشره.. قال تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) البقرة 285 .
والإيمان في اللغة معناه التصديق بالقلب، ولكنه في الشريعة الاعتقاد بالقلب، والإقرار باللسان، والعمل بالجوارح.
يقول تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ). الحجرات 15.
أحباب النبي
وقد أخبر الحبيب صلى
الله عليه وسلم أن له في آخر الزمان إخوانا من بعده، إخوانا ليسوا صحابة لأن الصحبة خُتمت بموته صلى
الله عليه وسلم، إخوانا لهم فضل بما آمنوا به ولم يروه، وبالتعلق القلبي والمحبة الخالصة لرسول
الله صلى
الله عليه وسلم.. أناس لهم الفضل بما صبروا على غربة الإسلام، وعلى شدة وكيد أعداء الإسلام على أهل الإيمان.
أناس آمنوا به واقتدوا به وتأسوا بهديه وتمنوا لقاءه ولو فقدوا كل شيء في الحياة، فكافأهم صلى
الله عليه و سلم بأن أفاض عليهم أعظم مشاعر الود والحب والشوق والرغبة، فتوجهم بتاج الإخاء والمحبة، وعبر صلى
الله عليه وسلم عن ذلك بشوق وحب وود لا يملك المؤمن المحب المشتاق دمع عينيه عن الجريان، فقال النبي الحبيب المحب صلى
الله عليه وسلم: (وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا قَالُوا: أَوَلَسْنَا بِإِخْوَانِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي، إِخْوَانِي الَّذِينَ يَأْتُونَ بَعْدُ).
بشرى عظيمة يهتز لها كل ذي قلب مشتاق للحشر في زمرة النبي صلى
الله عليه وسلم، توّاق، ويرشح نفسه لها بالصدق الدائم، والطاعة الكاملة والاستقامة والدعوة الدائبة الدائمة، والجهاد المستمر.
فالسابقون الأولون سابقون مُقربون، والمؤمنون اللاحقون إخوان مُحبون مشتاقون، وكلُّهم على خير عظيم، لأنهم عاشوا للإسلام لا لأنفسهم، ولأنهم أحبوا رسول
الله صلى
الله عليه وسلم وتفانوا في حبه واتبعوا هديه ونشروا ونصروا دينه، وصبروا على ما يلقونه في سبيل ذلك.
النبي يشتاق لك
فالمؤمنون الصادقون في زمان الغربة هذا على قلتهم وذلتهم لا يشعرون بالغربة ولا بحياة الضنك، التي يُحسُّ بها غيرهم، إذ كيف يشعرون بها وقلوبهم ملأى بحب
الله ورسوله والشوق إلى لقائهما.
فالنبي صلى
الله عليه وسلم أحب الخلق إلى
الله يشتاق إلينا.. أطيب الخلق سبقنا بالشوق، اشتاق لرؤيتنا فهلاَّ اشتقنا إليه؟ هلاَّ اشتقنا لرؤيته ومجالسته والاستمتاع بحديثه؟ ألا هل ضاعَفْنا حبَّنا وشوقنا وأوقدْنا طموحنا لنفوز بوسام الشرف ونرد
عليه الحوض؟؟.
لذلك فالتابعي الجليل، أويس القرني بالرغم من أنه كان معاصرًا لعهد رسول
الله صلى
الله عليه وسلم، لكنه لم يلتحق به، ولهذا لا يعرف من الصحابة، إذ لم يستطع أن يترك اليمن ويلتحق بالنبي بسبب بره بأمه.
فقد حبسه مرض أمه عن اللحوق بالنبي صلى
الله عليه وسلم، وأخبر
الله النبي به، أن أويسًا القرني منعه بره بأمه عن اللحاق به، وقال النبي صلى
الله عليه وسلم لسيدنا عمر بن الخطاب رضي
الله عنه: ألتمس أويسًا القرني فإذا رأيته فليدع لك.
فكان أويس مقربا للنبي بالرغم من أنه لم يره، ليس ذلك إلا أن أويسا آمن بالنبي صلى
الله عليه وسلم ولم يره، وهو نفس ما نتعرض له، من حيث إيماننا بالنبي.
فكان عمر رضي
الله عنه إذا حج ألتمس أويسًا في الحج، حتى وصل إليه، فقال له: ما منعك أن تأتي رسول الله، مختبرًا أياه، فقال أويس: كانت أمي مريضة وكنت أمرضها فبقيت معها، وفاتني رسول
الله صلى
الله عليه وسلم، فقال عمر: لا اتركك حتى تدعو لي، فإني سمعت رسول
الله صلى
الله عليه وسلم يقول التمس أويسًا وليدع لك، فدعا له أويسًا ثم اختفى حتى لا يعرفه الناس ويحدث في نفسه شيئًا من العجب.