هناك شيءٌ آخر يَغْفُلُ عنه كثيرٌ من الناس،وهو بحيث يركعُ القلبُ قبل رُكوع البدن، ويسجد قبل سجودِ البدن،
وينبغي أن نأتي بخضوع القلب وحضوره،بذكر الله وتعظيمه، وتكبيره ودعائه، والثناء عليه، ووصفه بأكمل الصفات(التحيات لله والصلوات)
وقد ورد في الحديث(إن الله حرم على النَّار أن تأكل أثَرَ السُّجود) صحيح على شرط الشيخين،وصححه الألباني،
فيمن يدخل النار من العصاة،لأن عصاة المؤمنين إذا لم يتب الله عليهم ولم يكن لهم حسنات ترجح على سيئاتهم، فإنهم يعذبون بالنار بقَدرِ ذنوبهم،لكن أعضاء السجود لا تأكلها النار،ولا تؤثر فيها،
فإن الله سبحانه وتعالى قد فرض الصلاة على عباده هكذا،ركوع واحد وسجودان في كل ركعة،فعلمها جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم،وقال صلى الله عليه وسلم(صلوا كما رأيتموني أصلي)رواه البخاري،
فالشمس والقمر والنجوم والشجر والدواب،كلها خاضعة لله تسبحه سبحانه وتعالى،وتسجد له،ولكل واحد منها عبوديتها اللائقة بها لله عز وجل ، يقول تعالى( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ)الحج،
يقول الإمام ابن كثير( يخبر الله تعالى عن عظمته وجلاله وكبريائه الذي خضع له كل شيء ودانت له الأشياء والمخلوقات بأسرها،جماداتها وحيواناتها ومكلفوها من الإنس والجن والملائكة فأخبر أن كل ما له ظل يتفيأ ذات اليمين وذات الشمال أي بكرة وعشيا فإنه ساجد لله تعالى،
فالشمس تسجد لله،من خلال التزامها بالقوانين التي أمرها الله بها،وتبث لنا الكمية المحددة من الضوء والحرارة لا تزيد على ذلك ولا تنقص، وهذا امتثال لأمر الله وسجود له، ولكن بلغة الشمس التي لا نفقهها،
الشجر يسجد لله،فهو ينمو بنظام، وينتج الثمار بنظام، ويصنع لنا الغذاء بنظام، وما هذا النظام إلا امتثال لأوامر الحق عز وجل وسجود له،بأسلوبه الذي لا نفقهه،
كذلك النجوم تسجد لله تعالى،والنظام الدقيق الذي تسير عليه في ولادتها ونشوئها وتطورها وموتها يشهد على ذلك،
حتى الدواب التي سخرها الله لنا،لنركبها ونحمل عليها أثقالنا فإنها تسجد لله، ومن خلال طاعتها لنا وسيرها بنظام لا تحيد عنه أبداً، فهذا دليل على طاعتها لخالقها سبحانه وتعالى، وهكذا جميع المخلوقات تسجد لله وتسبحه وتطيعه،
ومن هنا ندرك جانباً من الحكمة الإلهية في السجود،وإن ألذّ لحظة يمر بها المؤمن عندما يكون ساجداً لأنه يكون أقرب ما يكون من الله تعالى، وهل هناك أجمل من أن تحس أنك قريب من خالق الكون عز وجل،
نحن نعلم أن السجود يكون على سبعة أعضاء،لقوله عليه الصلاة والسلام (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم) رواه البخاري،
وهاهو الشيطان يتميز غيظاً وأغيظ ما يكون يوم العج والثج،
يوم العج،يوم تعج الأصوات ملبية وموحدة،
معلنة تفرد المولى تبارك وتعالى بالملك والحمد،
ويوم الثج،يوم تذبح القرابين تقرباً إلى الله تعالى،
وفي الأثر،عن أبي الدرداء، رضي الله عنه قال(ما رؤي الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أغيظ ولا أحقر منه يوم عرفة،وما ذلك إلا مما يرى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام)صحيح مسلم،
وفي نفس التخريج قال ثوبان مولى رسول اللّه،صلى الله عليه وسلم،سألت رسول اللّه، صلى الله عليه وسلم أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنةَ،أَو قلت،بأحب الأعمال إلى الله،فسكت،ثم سألته فسكت،ثم سألته الثالثة فقال(عليك بكثرة السجود لله،فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة) أخرجه أحمد وابن ماجه،
فالسجود لهذا أفضل أركان الصلاة عند العلماء(فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء)
وذلك لأن الله يقول(وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)العلق،رواه أحمد،ومسلم،وأبو داود،والنسائي، فكلما سجد الإنسان زاد قرباً من الله سبحانه وتعالى،
رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي،
وقوله( من ربه ) أي من رحمة ربه وفضله قوله( وهو ساجد ) أي،أقرب حالاته من الرحمة حال كونه ساجداً،لأن العبد بقدر ما يبعد عن نفسه يقرب من ربه ، والسجود غاية التواضع وترك التكبر وكسر النفس،فإذا سجد فقد خالف نفسه وبعد عنها،فإذا بعد عنها قرب من ربه في السجود،وحالة القرب مقبول دعاؤها،لأن السيد يحب عبده الذي يطيعه ويتواضع له ويقبل منه ما يقوله وما يسأله،
(فأعني على نفسك بكثرة السجود) رواه مسلم في،صحيحه،
فيه أن السجود من أعظم القرب التي يكون بسببها ارتفاع الدرجات عند الله إلى حد لا يناله إلا المقربون،
والحديث يدل على مشروعية الاستكثار من السجود،ومن الدعاء فيه،
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لي ولكم وللمسلمين، وأن يعفو عنا ويجعلنا من ورثة جنة النعيم.