المسألة الحادية والثلاثون
(القدر والبعث).
أن الله تعالى قد قدَّر بعث العباد لأجل لا يعلمه إلا هو.
فيا أيها العبد:
1) اعلم أن الله تعالى قد قدَّر بعث العباد ليوم القيامة كما قال تعالى: (قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير) فمَنْ أنكر البعث فقد كذَّب الله تعالى وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك أما تكذيبه إياي أن يقول إني لن أعيده كما بدأته وأما شتمه إياي أن يقول اتخذ الله ولدًا وأنا الصمد الذي لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفؤًا أحد: {لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوًا أحد}) لأن الله تعالى قد قدَّر الدنيا وانتهائها ومجيئ الآخرة وكل ما فيها فاستعد لآخرتك من اليوم.
2) إن تأخر إتيان يوم القيامة لأجل معدود لا يزيد ولا ينقص كما قال تعالى: (وما نؤخره إلا لأجل معدود) فقد علم الله ذلك الأجل فلا يعلمه غيره كما قال تعالى: (لا يجليها لوقتها إلا هو) فلا يظهرها لوقتها الذي قدر أن تقوم فيه إلا هو, فلا تسأل ايها العبد عن ذلك الوقت المقدَّر ولكن: "ما أعددت لها؟" وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك: أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: متى الساعة يا رسول الله؟ قال: (ما أعددت لها؟) قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله قال: (أنت مع مَنْ أحببت).
3) ابحث عمَّا ينفعك واجتهد واحرص على ما فيه فائدة لك في الدنيا والآخرة ولا تسأل عن وقت قيام الساعة فليس في معرفة وقت مجيئها مصلحة دينية أو دنيوية للعباد وقد قال تعالى: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها) وأجاب تعالى: (فيمَ أنت من ذكراها) فما الفائدة لك ولهم في معرفة وقت مجيئها؟, ولكن الذي عليك أن تشمِّر إلى طلب الآخرة بالعمل الصالح كما قال تعالى: (ومَنْ أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمنٌ فأولئك كان سعيهم مشكورًا...) الآية.
4) اعلم أن الله قد قدَّر أهل الجنة وأهل النار وفي صحيح ابن حبان عن عبدالرحمن بن قتادة السلمي -وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خلق اللهُ آدمَ ثمَّ أخذ الخلق من ظهره فقال: هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي) قال قائل: يا رسول الله فعلى ماذا نعمل؟ قال: (على مواقع القدر)" فالعباد إنما عملهم على ما قدره الله لهم في الدنيا والآخرة وما يحصل لهم وقد علم أهل الجنة وأهل النار فلا يخفى عليه منهم شيء لكن لا تنظر أيها العبد إلى ذلك وإنما اجتهد فيما ينفعك وهو الإيمان والعمل الصالح مؤمنًا بما قضاه الله وقدَّره في الدنيا والآخرة.
المسألة الثانية والثلاثون
(إنزال الماء بقدر).
إن الله تعالى قد أنزل الماء بقدر كما قال تعالىوأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون).
فيا أيها العبد:
1) اعلم أن الله تعالى أنزل الماء بقدر بحسب الحاجة لا كثيرًا فيفسد الأرض والعمران ولا قليلاً فلا يكفي الزروع والثمار بل قدر الحاجة إليه من السقي والشرب والانتفاع فإذا رأيت الأمطار فاعلم أنها مقدرة تقديرًا مُحكمًا في إنزالها وفوائدها ومصالحها قد علم الله ذلك كله وقدره وأحكمه إحكامًا تامًا بلا زيادة ولا نقصان وهذا يدل على عظمة الله عز وجل الذي خلق كل شيءٍ بقدر كما قال تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر).
2) إذا علمت أن هذا الماء مُقدَّر فاحمد الله واشكره على هذه النعمة (نعمة إنزال الماء) وادع الله عز وجل وإذا رأيت المطر كما كان يدعو النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى المطر فيقول: (اللهم صيبًا نافعًا) رواه البخاري.
ولما أصابهم المطر خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فخر ثوبه عنه حتى أصابه فقلنا يا رسول الله لِمَ صنعت هذا؟ قال: (لأنه حديث عهد بربه) رواه أبو داود "صحيح".
3) أن هذا الماء قد قدره الله فهل تنفق منه بقدر حاجتك في شربك واغتسالك ووضوءك وغيرها أم أن كثيرا من الناس يسرف فيه ولا ينتفع به بالقدر المشروع وقد قال تعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) وفي حديث أنس قال: (كان صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد) رواه الشيخان, فاحذر من الإسراف في الماء في كل استعمالاتك وتمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.
4) إذا أصبت بالحمى فاغتسل بالماء البارد ثلاث ليال من السحر وفي مسند أبي يعلى عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا حم أحدكم فلسن عليه الماء البارد ثلاث ليال من السحر).
5) تصدق بسقي الماء (اسق الناس الماء) بعمل برادة أو مياه مبردة أو غير ذلك للناس ليشربوا من ذلك وفي سنن النسائي عن سعد بن عبادة قال قلت: يا رسول الله إن أمي ماتت أفأتصدق عنها قال نعم قلت فأي الصدقة أفضل قال سقي الماء.
6) اعلم أنك سوف تُسأل يوم القيامة عن شربك الماء البارد؟ فاتق الله وحاسب نفسك وفي حديث صلى الله عليه وسلم قال: (إن أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يُقال له الم نُصح لك جسمك؟ ونرويك من الماء البارد) رواه الترمذي.
المسألة الثالثة والثلاثون
(القدر والأقوات والنبات).
ان الله تعالى قد قدَّر كل شيء فقدَّر الأقوات في الأرض كما قال تعالى: (وقدَّر فيها أقواتها) وقال تعالى عن النبات في الأرض: (وأنبتنا فيها من كل شيءٍ موزون).
فيا أيها العبد:
1) اعلم أن قوتك قد قدَّره الله عز وجل وسوف تأخذه كاملاً ولن تموت حتى تأكل آخر لقمة لك وحتى تستكمل رزقك فاتق الله واطلب الرزق الحلال ولا تطلبه بمعصية الله وفي حديث أبي أمامة إن روح القُدُس نفث في رَوعي أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته. "صحيح ".
فخذ الحلال ودع الحرام وفي حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب خذو ما حل ودعوا ما حرَّم) صحيح.
2) إذا رأيت النبات في الأرض فاعلم أنه مقدر موزون بدقة متناهية لا يعلمها إلا الله كما قال تعالى: (وأنبتنا فيها من كل شيءٍ موزون) وهذا يدل على قدرة الله العظيمة فهل قَدرتَ اللهَ حق قدرهِ فعدت إليه عابدًا تائبًا معتذرًا راغبًا فيما عنده خائفًا منه.
3) أن قوتك مُقدَّر مكتوب فاقنع به وفي سنن الترمذي عن سلمة بن عبيد الله بن محصن الخطمي عن أبيه وكانت له صحبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ أصبح منكم آمنًا في سربه معافىً في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا.
المسألة الربعة والثلاثون
(القدر والنكاح).
أن الله قدَّر كل شيء ومن ذلك أنه قدَّر ما يحصل للعبد من النكاح وغيره.
فيا أيها العبد:
1) إذا كنت لم تتزوج فاستعف وابتعد عن الحرام حتى يُيسر الله لك النكاح وقد قال تعالى: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحًا حتى يُغنيهم الله من فضله) واطمئن أن الله جل وعلا سوف يُيسر لك النكاح إن اتقيته وقال تعالى: (ومَن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه مِنْ حيث لا يحتسب).
2) إذا كنت لم تتزوج (الرجل أو المرأة ) فكن مبتعدًا عن كل طريق يؤدي إلى الزنا وابتعد عن النظر إلى الحريم في القنوات وغيرها وابتعد عن الخلوة بالنساء والعمل معهن.. ابتعدي أيتها المرأة عن السفر دون محرَم وعن الخلوة بالرجال الأجانب وعن الاختلاط بالأجانب ليبتعد الرجل والمرأة عن الاستمناء وعن النظر إلى الصور وعن كل ما يثير الشهوة واعلم أيها المسلم والمسلمة أن الله إن كان كتب لكم نكاحًا فإنه سوف يحصل وإن لم يكتب شيئًا من ذلك فلن يحصل وما عليكم إلا بذل الأسباب المشروعة وترك الحرام وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: إني رجل شاب وأنا أخاف على نفسي العنت ولا أجد ما أتزوج به النساء فسكت عني ثم قلت: مثل ذلك فسكت عني ثم قلت: مثل ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أبا هريرة جَفَّ القلم بما أنت لاقٍ فاختص على ذلك أو ذر).
3) أنت أيتها المرأة المسلمة إذا خطبك الرجل الذي ترضين دينه وأمانته وكان متزوجًا بامرأة أو أكثر فلا تساليه أن يُطلق زوجته ويتزوجك ولكن تزوجيه مع بقاء زوجته معه لأن سؤال ذلك مُحرَّم وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح فإن لها ما قدر لها) رواه الشيخان.
4) أنت أيتها المرأة إذا خطبك الرجل الذي ترضين دينه وأمانته فقومي ببذل الأسباب إن ترددت في نكاحه فاستخيري الله في ذلك وابتعدي عن الرجل الذي يضرب النساء أو كثير الأسفار عن زوجته وأهله أو الفقير الذي لا مال له إلا إن كنت لم تجدي من يخطبكِ غيرهم وأنت محتاجة إلى النكاح وفي حديث فاطمة بنت قيس لما خطبها بعض الرجال فقد قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم: (أما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له أنكحي أسامة بن زيد) قالت فنكحته فجعل الله لي خيرًا. رواه مسلم.
المسألة الخامسة والثلاثون
(القدر وما يأتي من الدنيا).
أن كل شيء يأتي العبد من الدنيا فإنه مقدر مكتوب لا يزيد ولا ينقص.
فيا أيها العبد:
1) اعلم أن ما قدَّر لك من الدنيا سوف يصلك ولن تموت حتى تحصل عليه فأجمل في طلب الدنيا بطلب الحلال دون الحرام, وفي حديث ابن حُميد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أجملوا في طلب الدنيا فإن كلٌ مُيسر لما خُلق له لما كتب له منها) رواه الحاكم والطبراني "صحيح".
2) أن ما كُتب لك فإنه لن يُزاد على ما كتبه اللهُ لك فارض بما قسمهُ اللهُ لك ليبارك لك فيه وفي مسند أحمد بن حنبل أبو العلاء بن الشخير حدثني أحد بني سليم ولا أحسبه الا قد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الله تبارك وتعالى يبتلي عبده بما أعطاه فمّنْ رضي بما قسم اللهُ عز وجل له بارك اللهُ له فيه ووسعه ومَنْ لم يرض لم يُبارك له.
3) اجعل الآخرة همَّك ولا تجعل الدنيا همَّك لأنه لن يأتيك منها إلا ما كتب لك وفي الحديث: (ومّنْ كانت الآخرة همَّهُ جمع اللهُ شملهُ وجعل غناهُ في قلبه) رواه أحمد "صحيح".
4) اعلم أن الغنى ليس عن كثرة المال وأن ما كتب اللهُ لك من الرزق سوف يأتيك فخُذ الحلال دون الحرام وكن غني النفس وفي حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (يا أيها الناس إن الغنى ليس عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس وإن الله عز وجل يؤتي عبده ما كتب له من الرزق فأجملوا في الطلب...).
5) اعلم أنك إن جعلت الآخرة نيتك وهمَّك أتتك الدنيا وهي راغمة ولذا استمر في طلب الآخرة لا في طلب الدنيا وفي سنن ابن ماجة عبد الرحمن بن أبان بن عفان عن أبيه قال خرج زيد بن ثابت من عند مروان بنصف النهار. قلت ما بعث إليه هذه الساعة إلا لشيء سأل عنه. فسألته فقال سألنا عن أشياء سمعناها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ كانت الدنيا همَّه فرَّق اللهُ عليه أمرهُ وجعل فقرهُ بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ماكتب له. ومَنْ كانت الآخرة نيته جمع اللهُ لهُ أمرهُ. وجعل غناهُ في قلبه وأتتهُ الدنيا وهي راغمة).
يتبع إن شاء الله...
hgrqhx ,hgr]v V 4C hgrqhx