الكأس الممتلئ

الكأس الممتلئ

الغرفة المعزولة
في حرب الخليج 1990 كان يُلزم على كل بيت تجهيز غرفة معزولة حتى عن الهواء الخارجي مُجهزه من احتياجات اهل البيت من اكل وشرب وادوات طبيه
وكان لجارنا ابو وافي غرفة قديمة استخدمها كمستودع ليس بها أي مخرج للهواء حتى ولو ثقب صغير فكانت ممتازه لتكون غرفة عزل في الحرب
لم نستخدم الغرفة الا يوم واحد حتى اني اتذكر تفاصيل هذه اليوم اُصبنا بالهلع عند سماعه صوت الصافرات تنطلق من كل مسجد تنذر لوقوع كارثة أي اننا يجب علينا ان نختبئ داخل الغرف
لم نظل بالغرفة الا ساعات قليلة ثم زال الخطر . شاهدنا بعد ذلك نار تخرج من مستودع جارنا ابو وافي وهي التي جهزها للعزل وماهي الا لحظات حتى سمعنا خبر وفاة ابنه عمر البالغ من عمره اربعة سنين عندما سقطت شمعه قرب قارورة الغاز وبسبب الهلع ارادوا البقاء لفترة اطول بالغرفة ظناً ان ما سيصيبهم من الخارج اقوى من الداخل
بقيت لفترة طويلة وانا اظن ان سبب وفاة عمر هو الصاروخ الذي وقع على بيته . ليس انا فقط بل جميع الاطفال في ذلك الوقت ..
رمم ابو وافي المستودع وجعله غرفة تابعه للمنزل فكانت من نصيب الاطفال اذا تجمعوا نساء الحي عند ام وافي
فكانت الغرفة اول " فوبيا " اكتسبتها في الصغر . ارفض ان اشارك الصغار اللعب داخل الغرفة واصر ان ابقى خلف امي حتى تنتهي الزيارة
غرفة النشاط
في حرب البوسنة والهرسك 1994
كُنت في المرحلة الابتدائية
كان في حصص الفراغ او النشاط يكون هناك وقت مُخصص لعرض بعض اشرطة الفيديو على الشاشة الكبيرة داخل غرفة خصصت لذلك ومن المفترض ان تكون مادة العرض اما رسوم متحركة او افلام وثائقية علمية تتناسب مع سن المشاهد .
لكن في تلك السنوات بالذات كثفت ادارة المدرسة جهدها لعرض جميع الاحداث الدموية في حرب البوسنة .
تخيلوا معي اطفال لم يبلغوا حتى الثالثة عشر من سنهم يشاهدون الاموات متمزقين وجماجم مُهشمة وجسد مُقطع اشلا
واطفال يصرخون .
وجميعنا نبكي واذا اردنا ان ننسحب من غرفة العرض وبختنا المشرفة وقالت : شاركوا اخوانكم المسلمين في معاناتهم
وما زلت حتى هذه اللحظة استرجع جميع الصور في ذلك الوقت واقول في نفسي : اين حقوق الطفل منكم !!
تلك الايام جعلتني اخرج من فوبيا غرفة العزل الى الفضول لمشاهدة شهداء المسلمين في غرفة النشاط
فالصور التي عُرضت في تلك الاشرطة كافية ان اعتاد على مشاهدة المناظر المميتة
ابن الخالة الشهيد
في حرب الشيشان 1996
تلقينا خبر استشهاد ابن الخالة في احدى جبال الشيشان
قد سمعت وانا صغيره ان لي ابن خالة مجاهد في ارض افغانستان والشيشان وهو في سن المراهقة . وما ان يعود الى ارض الوطن الا وعاد من جديد للجهاد . تتحدث عنه خالتي وهي فخورة به . ابناءها جميعاً مُلتزمين
احداهم الان في هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر . والاخر إمام مسجد .
ايام العزاء لم تكن خالتي تبكي كأي ام فقدت ابنها . على العكس وجهها مستبشر وتتمتم بالشكر لله على ان من الله على ابنها الشهادة في ارض الجهاد . وتكون ام شهيد
الموقف اثر بي كثيراً . بدات افهم بعض الاحداث التي دارت بالسابق وان القتل في سبيل الله لا يعني الموت البشع الذي شاهدت في المرحلة الابتدائية
الكتاب الاصفر
وقع بين يدي كتاب اجهل مصدرة لا اعلم هل كان من ضمن الكتب المعروضة في المسجد او حلقات التحفيظ في دار التحفيظ او في المنزل . المهم ان الكتاب لا يُلفت الانتباه غلاف اصفر وورق بالِ لا يًشجع على قراءته
والا اتذكر حتى اسمه مع اني بحثت عنه الان للاستشهاد به ولم اجده
لكني ما زلت احفظ اسم الكاتب فهو المعروف الذي لا يعرف " اسامة بن لادن " بداية انضمامه للجهاد ونقله للاحداث الحاصلة في افغانستان . شدني اسم البلد واحببت ان اتعمق في معرفة حال المسلمين هناك
كان بارع في تصويرة لحال الجهاد هناك ونقلة للقصص المؤثرة للمجاهدين .
كلما قراءة اكثر تعمقت اكثر وتأثرت اكثر وعشقت معنى الجهاد اكثر .
حتى ان سلوكي تغير وعلاقتي مع ربي تغيرت مع اني مازلت مراهقة الا اني فضلت الانخراط في الاحلام عن الحروب الجهادية وانصب كل جهدي على استكشاف عن الدول المسلمة الضعيفة وكيف هو حالهم
محمد الدرة
انتفاضة الاقصى عام 2000 ذلك الفتى الذي لا يغيب عن مُخيلتكم . الذي صور لنا اروع اللحظات الحية للشهادة
ولاجل ذلك المنظر الرائع اردت ان يكون لدي صور اكثر لوجوه كثيره عن الشهداء في ساحة المعركة
فما كان مني الا وان احتفظ بجميع صور الشهداء من بقاع العالم الاسلامي المضطهد . كان في حوزتي قصاصات عدة من مصادر عدة الجرائد والمجلات وملصقات وكل ما يسقط في يدي لصورة شهيد . ثم أخبئه عن الاخرين . ومتى ما سمحت لي الفرصة لمشاهدتها اشعر بحزن العالم كله في جوفي
حتى سقطت في يد والدي ومن ضمنها الكتاب الاصفر . لم يُبخني ولكن شعرت انه وجد جواب لتساؤلاته عن الحزن الذي ينتابني اخر الليل حين يراني وانا اصلي
ابراج امريكا
في عام 2001 عندما سقطت ابراج امريكا وكان بفعل المجاهدين كنت في قمة التلذذ وانا اشاهد الرعب في وجوه سكانها
والحزن في وجوه من فقد ابناءه واهله واحبابه في هذه البرج
كم استشعرت بالانتصار وانا اقول في نفسي ذلك هو الثأر
..
والكثير من المواقف والاحداث التي لحقت حياتي وحياة الكثير من جيل الثمانينات والسبعينات وحتى التسعينات وعن نوعية التربية التي تلقيناها في ذلك الوقت
الكثير منا زُرع في داخلة جزء كبير عن الركن الخامس في الاسلام واخذ مساحة هائلة كونه هو الطريق الاسهل والابسط للجنه دون حساب او عقاب
اختزلت المحاضرات والندوات واحاديث المجالس عن الشهادة في سبيل الله واخذت عمق كبير من عاطفتنا
تأثرنا وبشدة فكان من السهل استدراجنا نحو أي حديث يرتبط بالجهاد ونصرة المسلمين
فكان أي داعية يصدع صوته بـ : حي على الجهاد . حتى التف حولة مئات المسلمين ملبيين الدعاء بغض النظر عن وجهة الجهاد واي غاية كانت هي
ولكم في صورة " داعش " اقرب مثال حي
داعش
تلك الفئة التي خرجت لنا وهي مُحملة بالكثير من الاستفهامات والتساؤلات عن ماهيتها . وان كانت تحمل ظاهرياً جميع صفات قوم الرايات السود والامام الذي يخرج اخر الزمان يدافع عن الاسلام والمسلمين . وانخدع برسالتهم الكثير
لا اخفي عنكم ان الكثير ممن خاطبتهم في مسالة داعش كان يؤمن بهم ويعزم في شد الرحال لهم مع انهم اكثر وعياً وادراكاً . الا ان تلك البذرة العاطفية اتجاه الجهاد بدأت تنضج ثمارها . لم تعطيهم عاطفتهم حق المعرفة عن حقيقة أي حملة مزعومه للجهاد . المهم ان ينضموا لقافلة المجاهدين
.
تتوالى الاحداث تلوى الاحداث وكثيراً من المتغيرات التي لحقت مفهوم الجهاد حتى بات الجميع يستخدمه سياسياً . ومذهبياً
كُنت اظن انه منحصر بين المسلم على الكافر حتى يُقتل المسلم على يد الكافر فيكون شهيد
نتلذذ لمنظر المقتول وكأننا وحوش خُلقوا من نار
الحروب ضد المسلمين ازدادت والعدو هو نفسه . الشهيد مسلم والقاتل مسلم . وجميعهم يرددون الله اكبر
لم اعد افهم كيف انقلب حالنا الى هذه الوضع المزرى !
نحن اكثر شعوب العالم ازعاجناً للعالم . نعشق الثأر ونتمنى دمار شعب ما لمجرد انه اخذ تيار سياسي يخص بلده
نعتقد ان الله انتصر لحقنا كما اعتقدت ان دمار ابراج امريكا هو بمثابة حق .
ونسينا ان الله قال في كتابة الكريم
" ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى "
امنت حينها ان جميع ما يحدث معنا كانت بسبب تلك الاحداث التي نشائنا عليها . لا اقول ان الجهاد في السابق خطئيه على العكس تماماً كان مثالي ووافق جميع شروط الجهاد في سبيل الله . ونحسبهم عند الله من الشهداء
ولكن ان تغرس في طفل صغير منظر الدماء واناشيد الثأر وان الجنة داخل هذه الركن فقط لا غيره . فحتماً سنكون
كـ الكأس الممتلئ حين فاض .
الغريب في الامر ان لدينا قضية دائمة وذكرت في القران واضمن ان كل من يموت لاجلها هو شهيد الا وهي القدس
ومع ذلك ننساها حتى يذكرنا بها الاعلام . وان ذكرنا بها نصدع بالاصوات خلف منبر وعدد من الميكروفونات ونحسبها عند الله جهاداً. ونقول للتاريخ سجل نصرنا للقضية
باختصار نحن شعوب عاطفية وسهل تقييدنا بحسب ما يندرج في الملفات السياسية
الجهاد
لا نريد ان نعطي صورة للعالم ان الاسلام هو الجهاد . حتى لا يعتقد اننا امة " مافيا " تعشق الدم والدمار
وتربي ابناءها على القتل والقتال .
لا تظنوا بي ظن السوء وتعتقدوا اني اريد اسقاط الجهاد من الدين
ولكن وجهوا اصابعكم الى قضية دين لا قضية شعوب حين تذكرون الجهاد لأبنائكم
فالدين للامة جمعاً . وما يحدث للشعوب هي خلافات سياسية فالقاتل ظالم والمقتول مظلوم
اما الجهاد فهو اعظم منزلة فالقاتل منتصر لدينة والمقتول شهيد
هكذا نكون شعوب طبيعية

الموضوع الأصلي: الكأس الممتلئ || الكاتب: حلم || المصدر: منتدى همسات الغلا

https://hamsatq.com/

كلمات البحث

العاب ، برامج ، منتدى همسات الغلا ، هاكات ، استايلات

المصدر: منتدى همسات الغلا

---

hg;Hs hglljgz