تفسير سورة الصف
|
|
|
|
{سبح لله ما في السموات وما في الأرض}: أي نزه وقدس بلسان القال والحال جميع ما في السموات وما في الأرض من كائنات.
{وهو العزيز الحكيم}: أي العزيز الغالب على أمره الحكيم في تدبيره وصنعه.
{لم تقولون ما لا تفعلون}: أي لأي شيء تقولون قد فعلنا كذا وكذا وأنتم لم تفعلوا؟ والاستفهام هنا للتوبيخ والتأنيب.
{كبر مقتاً عند الله}: أي عظم مقتاً والمقت: أشد البغض والمقيت والممقوت المبغوض.
{أن تقولوا ما لا تفعلون}: أي قولكم ما لا تفعلون يبغض الله أشد البغض.
{صفاً كأنهم بنيان مرصوص}: أي صافين: ومرصوص ملزق بعضه ببعض لا فرجة فيه.
{لم يؤذونني}: أي إذ قالوا أنه آدر كذباً فوبخهم عل كذبهم أذيتهم له.
{وقد تعلمون أني رسول الله إليكم}: أي أتؤذونني والحال أنكم تعلمون أني رسول الله إليكم.
{فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم}: أي فلما عدلوا عن الحق بإيذائهم موسى أزاغ الله قلوبهم أي أمالها عن الهدى.
معنى الآيات
( 1 ) نزَّه الله عن كل ما لا يليق به كلُّ ما في السموات وما في الأرض، وهو العزيز الذي لا يغالَب، الحكيم في أقواله وأفعاله.
( 2 ) يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، لِمَ تَعِدون وعدًا، أو تقولون قولا ولا تفون به؟! وهذا إنكار على مَن يخالف فعلُه قولَه.
( 3 ) عَظُم بغضًا عند الله أن تقولوا بألسنتكم ما لا تفعلونه.
فى ظلال الآيات:
مُقدمة هامة لتفسير السورة(هامة)
0هذه السورة تستهدف أمرين أساسيين واضحين في سياقها كل الوضوح , إلى جانب الإشارات والتلميحات الفرعية التي يمكن إرجاعها إلى ذينك الأمرين الأساسيين:
0تستهدف أولا أن تقرر في ضمير المسلم أن دينه هو المنهج الإلهي للبشرية في صورته الأخيرة , سبقته صور منه تناسب أطوارا معينة في تاريخ البشرية , وسبقته تجارب في حياة الرسل وحياة الجماعات , تمهد كلها لهذه الصورة الأخيرة من الدين الواحد , الذي أراد الله أن يكون خاتمة الرسالات . وأن يظهره على الدين كله في الأرض . .
0ومن ثم يذكر رسالة موسى ليقرر أن قومه الذين أرسل إليهم آذوه وانحرفوا عن رسالته فضلوا , ولم يعودوا امناء على دين الله في الأرضوإذ قال موسى لقومه:يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم . فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم , والله لا يهدي القوم الفاسقين). . وإذن فقد انتهت قوامة قوم موسى على دين الله ; فلم يعودوا أمناء عليه , مذ زاغوا فأزاغ الله قلوبهم , ومذ ضلوا فأضلهم الله والله لا يهدي القوم الفاسقين .
0ويذكر رسالة عيسى ليقرر أنه جاء امتدادا لرسالة موسى , ومصدقا لما بين يديه من التوراة , وممهدا للرسالة الأخيرة ومبشرا برسولها ; ووصلة بين الدين الكتابي الأول والدين الكتابي الأخير: وإذ قال عيسى ابن مريم:يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم , مصدقا لما بين يدي من التوراة , ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد . . وإذن فقد جاء ليسلم أمانة الدين الإلهي التي حملها بعد موسى إلى الرسول الذي يبشر به .
0وكان مقررا في علم الله وتقديره أن تنتهي هذه الخطوات إلى قرار ثابت دائم , وأن يستقر دين الله في الأرض في صورته الأخيرة على يدي رسوله الأخيرهو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون).
(سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم). .
0تجيء هذه التسبيحة من الوجود كله لله العزيز الحكيم , في مطلع السورة التي تعلن للمسلمين أن دينهم هو الحلقة الأخيرة في دين الله ; وأنهم هم الأمناء على هذا الدين الذي يوحد الله , وينكر على الكافرين المشركين كفرهم وشركهم , والذي يدعوهم للجهاد لنصرته , وقد قدر الله أن يظهره على الدين كله ولو كره المشركون . فيوحي هذا المطلع أن الأمانة التي يقوم عليها المسلمون هي أمانة الوجود كله ; وأن العقيدة التي يطلب إليهم الجهاد فيها هي عقيدة كل ما في السماوات وما في الأرض ; وأن ظهور هذا الدين على الدين كله , هو ظاهرة كونية تتسق مع اتجاه الكون كله إلى الله العزيز الحكيم .
0ثم يعاتب الله الذين آمنوا عتابا شديدا على أمر حدث من طائفة منهم . أمر يكرهه الله أشد الكره , ويمقته أكبر المقت , ويستفظعه من الذين آمنوا على وجه الخصوص:
(يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون الآية..) .
قال ابن كثير في تفسيره:"وحملوا الآية - يعني الجمهور - على أنها نزلت حين تمنوا فريضة الجهاد عليهم , فلما فرض نكل عنه بعضهم , كقوله تعالى: (ألم تر إلى الذين قيل لهم:كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة , فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية . وقالوا:ربنا لم كتبت علينا القتال ? لولا أخرتنا إلى أجل قريب ! قل:متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا . أينما تكونوا يدرككم الموت . ولو كنتم في بروج مشيدة). .
وقال قتادة والضحاك نزلت توبيخا لقوم كانوا يقولون:قتلنا . ضربنا . طعنا . وفعلنا . . . ولم يكونوا فعلوا ذلك !
.(إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص). .
فليس هو مجرد القتال . ولكنه هو القتال في سبيله . والقتال في تضامن مع الجماعة المسلمة داخل الصف . والقتال في ثبات وصمود (صفا كأنهم بنيان مرصوص). .
0إن القرآن - كما قلنا في مناسبات متعددة - كان يبني أمة . كان يبنيها لتقوم على أمانة دينه في الأرض , ومنهجه في الحياة , ونظامه في الناس . ولم يكن بد أن يبني نفوسها أفرادا ويبنيها جماعة , ويبنيها عملا واقعا . . كلها في آن واحد . . فالمسلم لا يبنى فردا إلا في جماعة . ولا يتصور الإسلام قائما إلا في محيط جماعة منظمة ذات ارتباط , وذات نظام , وذات هدف جماعي منوط في الوقت ذاته بكل فرد فيها . هو إقامة هذا المنهج الإلهي في الضمير وفي العمل مع إقامته في الأرض . وهو لا يقوم في الأرض إلا في مجتمع يعيش ويتحرك ويعمل وينتج في حدود ذلك المنهج الإلهي .
0والإسلام على شدة ما عني بالضمير الفردي وبالتبعة الفردية - ليس دين أفراد منعزلين , كل واحد منهم يعبد الله في صومعة . . إن هذا لا يحقق الإسلام في ضمير الفرد ذاته , ولا يحققه بطبيعة الحال في حياته .ولم يجئ الإسلام لينعزل هذه العزلة . إنما جاء ليحكم حياة البشرية ويصرفها . ويهيمن على كل نشاط فردي وجماعي في كل اتجاه . والبشرية لا تعيش أفرادا إنما تعيش جماعات وأمما . والإسلام جاء ليحكمها وهي كذلك . وهو مبني على أساس أن البشر يعيشون هكذا . ومن ثم فإن آدابه وقواعده ونظمه كلها مصوغة على هذا الأساس . وحين يوجه اهتمامه إلى ضمير الفرد فهو يصوغ هذا الضمير على أساس أنه يعيش في جماعة . وهو والجماعة التي يعيشون فيها يتجهون إلى الله , ويقوم - فيها - على أمانة دينه في الأرض , ومنهجه في الحياة , ونظامه في الناس .
ثمَّ نقف ثانية أمام حب الله للذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص . . نقف أمام هذا الإغراء القوي العميق على القتال في سبيل ن الإسلام لا يتشهى القتال , ولا يريده حبا فيه . ولكنه يفرضه لأن الواقع يحتمه , ولأن الهدف الذي وراءه كبير . فالإسلام يواجه البشرية بالمنهج الإلهي في صورته الأخيرة المستقرة . وهذا المنهج - ولو أنه يلبي الفطرة المستقيمة - إلا أنه يكلف النفوس جهدا لتسمو إلى مستواه , ولتستقر على هذا المستوى الرفيع . وهناك قوى كثيرة في هذه الأرض لا تحب لهذا المنهج أن يستقر , لأنه يسلبها كثيرا من الامتيازات , التي تستند إلى قيم باطلة زائفة , يحاربها هذا المنهج ويقضي عليها حين يستقر في حياة البشر . وهذه القوى تستغل ضعف النفوس عن البقاء في المستوى الإيماني وتكاليفه , كما تستغل جهل العقول , وموروثات الأجيال , لتعارض هذا المنهج وتقف في طريقه . والشر عارم . والباطل متبجح . والشيطان لئيم ! ومن ثم يتعين على حملة الإيمان وحراس المنهج أن يكونوا أقوياء ليغلبوا عملاء الشر وأعوان الشيطان . أقوياء في أخلاقهم , وأقوياء في قتال خصومهم على السواء . ويتعين عليهم أن يقاتلوا عندما يصبح القتال هو الأداة الوحيدة لضمان حرية الدعوة للمنهج الجديد , وحرية الاعتقاد به , وحرية العمل وفق نظامه المرسوم .
0وهم يقاتلون في سبيل الله . . لا في سبيل ذواتهم أو عصبيتهم من أي لون . . عصبية الجنس وعصبية الأرض وعصبية العشيرة وعصبية البيت . . . في سبيل الله وحده , لتكون كلمة الله هي العليا . والرسول
عليه الصلاة والسلام يقول:" من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " .
إنَّ الإسلام لا يتشهى القتال , ولا يريده حبا فيه . ولكنه يفرضه لأن الواقع يحتمه , ولأن الهدف الذي وراءه كبير . فالإسلام يواجه البشرية بالمنهج الإلهي في صورته الأخيرة المستقرة . وهذا المنهج - ولو أنه يلبي الفطرة المستقيمة - إلا أنه يكلف النفوس جهدا لتسمو إلى مستواه , ولتستقر على هذا المستوى الرفيع . وهناك قوى كثيرة في هذه الأرض لا تحب لهذا المنهج أن يستقر , لأنه يسلبها كثيرا من الامتيازات , التي تستند إلى قيم باطلة زائفة , يحاربها هذا المنهج ويقضي عليها حين يستقر في حياة البشر . وهذه القوى تستغل ضعف النفوس عن البقاء في المستوى الإيماني وتكاليفه , كما تستغل جهل العقول , وموروثات الأجيال , لتعارض هذا المنهج وتقف في طريقه . والشر عارم . والباطل متبجح . والشيطان لئيم ! ومن ثم يتعين على حملة الإيمان وحراس المنهج أن يكونوا أقوياء ليغلبوا عملاء الشر وأعوان الشيطان . أقوياء في أخلاقهم , وأقوياء في قتال خصومهم على السواء . ويتعين عليهم أن يقاتلوا عندما يصبح القتال هو الأداة الوحيدة لضمان حرية الدعوة للمنهج الجديد , وحرية الاعتقاد به , وحرية العمل وفق نظامه المرسوم .
من هداية الآيات
1- بيان غنى الله تعالى عن خلقه وأنه سبح لله ما في السموات وما في الأرض وأن ما شرعه لعباده من العبادات والشرائع إنما هو لفائدتهم وصالح أنفسهم يكلموا عليه أرواحاً واخلاقاً ويسعدوا به في الحياتين.
2- حرمة الكذب وخلف الوعد إذ قول القائل أفعل كذا ولم يفعل كذِب وخلف وعدٍ. ولذا كان قوله من المقت الذي هو أشد البغض، ومن مقته الله فقد أبغضه أشدَّ البغض وكيف يفلح من مقته الله.
__________________________
المراجع
تفسير ابن كثير تفسير القرآن العظيم.
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء.
في ظلال القرآن الكريم سيد قطب
الجزائرى أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
|
|
|
|
|
jtsdv s,vm hgwt jtsdv
|