مكانة العقل في الإسلام

مكانة العقل في الإسلام

مكانة العقل في الإسلام ذهب ابو بكر الرازى ؛ في مختار الصحاح الى تعريف العقل لغوياً ؛ أن العقل هو صفة التوقف والرباط ؛ ومحل الفهموالادراك ؛ وهو معنى مستفاد من أحد أحاديث النبي محمد صل الله عليه وسلم ؛ اذ أومئ الرسول بهذا المعنى حينما قال للرجل الذى ترك دابته طليقه وزعم انه متوكلاً ؛ فقال له النبى " اعقلها وتوكل " فالمقصود بالعقال فى هذا المقام الرباط ؛ وهو المعنى الذى استخدمه ابو بكر الصديق نفسه عندما قال عن مانعى الزكاة " والله لو منعونى عقالا كانوا يعطونه لرسول الله صل الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه " ؛ ومن هنا عرف ابو بكر الرازى - فى مختار الصحاح - العقل بانه الرباط والتوقف ؛ وهذا المعنى ايضا يفيد ان كل الامور ؛ صغيرها وكبيرها ؛ حتما على الإنسان العاقل ان يوقفها امام عقله ليعرضها عليه بادواته وعلومه العقلية ليخرج معها وبصددها برأى وعقيدة ؛ لانه المختص بالتعامل معها .. ((( مختار الصحاح – لأبى بكر الرازي – طبعة بيروت – صفحة 446 : بتصرف ))) لكن الامام ابى حامد محمد الغزالى له رأى أيضاً فى هذا الصدد ؛ اذ يقول ان العقل - مثل القلب والروح والنفس - له معنيان ؛ احدهما :- انه قد يطلق ويراد به العلم بحقائق الأمور ؛ ومن ثم يكون المقصود صفة العلم الذى محله القلب . والمعنى الثانى : انه قد يطلق ويراد به العضو المدرك للعلوم فيكون هو القلب أى تلك اللطيفة الربانية . ونحن نعلم ان كل عالم فله فى نفسه وجود هواصل قائم بنفسه ؛ والعلم صفة حالة فيه ؛ والصفة غير الموصوف ؛ فالعقل قد يطلق ويراد به صفة العالم ؛ وقد يدرك ويراد به محل الادراك ؛ وهوالمراد بقوله صل الله عليه وسلم: ( اول ما خلق الله العقل ) .. ((( احياء علوم الدين – لأبى حامد محمد الغزالى – طبعة دار التقوى – صفحة 533 القاهرة ))) وعقل الانسان هو الهدف من أى رسالة وخلق الانسان ؛ فقد ميز الله تعالى الانسان بميزة العقل التى هى نعمة كبرى ؛ ومحلة عالية ؛ ومكانة سامية ؛ لو تبوأها الانسان ؛ وبهذه الميزه يفضل الانسان على سائر الحيوان ؛ فالعقل نور من عند الله تعالى ينير به الطريق للانسان ؛ ويهديه سبل الرشاد ؛ اذ المفروض انه بهذا العقل يسيطر على كل الشهوات . وهناك من أقوال الحكماء منذ قديم الازل ما يفيد ذلك ؛ حتى انهم قالوا : " لكل شىء اساس ؛ واساس الانسان عقله ؛ وبقدر عقله يكون دينه وعلمه " .. وهذا ما يتيقن منه المتأمل من بين ثنايا ءايات القرآن الكريم ؛ وتلافيف كلمات الاحاديث النبوية وبلاغتها ؛ فقد قال الله تعالى : ( وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ) سورة الحجر الاية 52 فكل المخاطبات للبشر تدعوهم لاستخدام العقل ؛ وتنمية الفكر ؛ واستثمار المعرفة ؛ والاجتهاد ؛ ليكون سلوك الناس متفقاً مع العقل السليم المخاطب باءايات الله تعالى : ( ِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) سورة الرعد الاية 4 وكذلك روى أنس بن مالك ؛ قال : أثنى قوم على رجل عند النبى صل الله عليه وسلم حتى بالغوا ف الثناء . فقال لهم النبى : كيف عقله ؟ فقالوا : نخبرك عن اجتهاده فى العباده وأصناف الخير وتسألنا عن عقله ! فقال النبى صل الله عليه وسلم : ان الأحمق يصيب بجهله أكثر من فجور الفاجر ؛ وانما يرتفع العباد غداً فى الدرجات الزلفى من ربهم على قدر عقولهم . ((( الإعلام فى القرآن الكريم – د. محمد حاتم عبد القادر – طبعة مكتبة الاسرة – 2003 – القاهرة ))) قسم لايقبل الزيادة والنقصان : والعقل ينقسم الى قسمين ؛ قسم لا يقبل الزيادة أو النقصان ؛ وقسم يقبلهما .. فالقرآن وهو معجزة الله الخالدة قائم على العقل ؛ يقول الشيخ محمد بن رضا فى كتاب " الوحى المحمدى صفحة 70 : " ان الله تعالى جعل رسالة محمد صل الله عليه وسلم قائمة على قواعد العلم والعقل " ؟ وهو العقل الغريزى المشترك بين جميع العقلاء كجسم موجود فى الدماغ .. القسم الذى يقبل الزيادة والنقصان : والمقصود به العقل التجريبى ؛ وهو محصلة الخبرات المكتسبة والتجارب المتعددة ؛ بحيث تحصل زيادة العقل بكثرة التجارب والوقائع ؛ ومن هذا الجانب يقال ان الشيخ أكمل عقلاً ودراية من الشاب ؛ باعتبار تراكم الخبرات والتجارب عند الشيخ . وهذا القسم يثقل بجانب هذا التجارب بما رزق الله به وفضل بعض عباده على بعض ؛ فقد يختار الله تعالى بعض عباد فيفضلهم على بعض ويفضلهم فى الرزق ؛ والرزق ليس قاصراً على المال ؛ فالصحة نوع من انواع الرزق ؛ والمال نوع من انواع الرزق ؛ والبنون نوع من انواع الرزق ؛ وايضاً العقل هو نوع من انواع الرزق ؛ بيد انه افضل انواع الرزق على وجه الاطلاق ؛ فقد قال الله تعالى : ( وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً ) سورة مريم الاية 12 ((( المستطرف فى كل فن مستظرف – شهاب الدين محمد بن أحمد ابى الفتح الابشهى – طبعة بيروت – ص 19 ))) علوم العقل : والعقل له علومه العقلية التى هى طبيعة الانسانية ؛ من حيث كون الانسان ذو فكر ؛ فهذه العلوم العقلية غير مختصة بملة دون أخرى ؛ بل هى لاهل الملل كلهم ؛ ويستوون فى مداركها ومباحثها ؛ وهى موجودة فى النوع الانسانى منذ كان عمران الخليقة ؛ وتسمى هذه االعلوم علوم الفلسفة والحكمة ؛ وهى تشتمل على أربعة علوم : العلم الأول : علم المنطق : وهو علم يعصم الذهن من الخطأ ويساعده فى تحصيل المطالب المجهولة من الامور المعلومة ؛ وذلك لاتحاد علة بينهما ؛ وفائدة هذا العلم معرفة الخطأ من الصواب ؛ فيما يعرض للانسان من عوارض ؛ فيصل بفكره على تحقيق الحق فيها ؛ ودحض الباطل منها ؛وتأهيل الانسان بموجب هذا العلم ليقوم بذلك .. العلم الثاني : العلم الطبيعي : وهو علم معرفه ما وراء الطبيعة من الروحانيات ؛ ومن علومها الطب . العلم الثالث : العلم لألهى : فما لا يدركه العقل بقدراته ؛ قد يأتى الوحى ليقرب المسافات للبشر فى هذا الشأن لفهمه ؛ وادراك بعض قواعده ؛ ونواميسه ؛وقوانينه ؛ لأن العقل فى النهاية مقيد وفق قوالب المحسوسات من حوله ؛ ومكنوانات خبراته المرئية أو المسموعة او المقروءة وأشباهها ؛ وهى غير كافيه لادراك بعض الحقائق التى لا يدركها الانسان بأحد حواسه ؛ كالموت أو ما يدور يوم القيامه .. العلم الرابع : علم المقادير : ويقصد به العلم الذى ينظر فى المقادير من عدة ابواب ؛ فمنها : علم الهندسة ؛ سواء أكانت مقادير منفصلة ( معدودة ) أومقادير متصلة ( تختص ببعد و احد أو اكثر ) ؛ ومنها أيضاً : علم " الارتماطيقى " وهو علم معرفة الكم المنفصل الذى هو العدد ؛ ويؤخذ له الخواص والعوارض اللاحقة . ومنها أيضاً : علم الموسقى الذى هو علم معرفة نسب الاصوات والنغم بعضها من بعض ؛ وتقديرها بالعدد ؛ وثمرة هذا العلم معرفة نسب تلاحين النغمات والغناء . ومنها كذلك : علم تعيين الاشكال للافلاك واوضاعها وتعددها لكل كوكب من السيارة والقيام على معرفة ذلك من قبل الحركات السماوية المشاهدة الموجودة لكل واحد منها ؛ رجوعها ؛ واستقامتها ؛ واقبالها ؛ وادبارها ؛ وضبط ذلك على حسب قوانينها .. ((( مقدمه بن خلدون – عبد الرحمن بن خلدون المغربى – طبعة دار بن خلدون – الاسكندرية – صفحة 335 بعنوان العلوم العقلية ))) . عقل الإنسان هو هدف الاعلام والخطاب القرآنى لتحقيق الرسالة الالهية ..ان العقل الانسانى هو الهدف من اى رسالة ؛ وخلق الله تعالى الانسان وجعل العقل هو الميزه التى ميزها به على سائر الحيوان ؛ والعقل نور من عند الله تعالى ؛ ولذلك فالمتدبر فى الخطاب القرآنى يجد انه خطاب موجه لعقل الانسان ؛ فالله يحثنا لاستخدام العقل فى كل الامور ؛ فاحكام الاسلام لا تتناقض مع العقل ؛ وواجب الانسان ان يصلح من كل أحواله فى المجتمع ؛ ويتصرف بعقله وفكره ؛ ويتدبر كل امر ؛ وينمى هذا العقل بالبحث والتفكر والتدبر والتأمل فى الحياة الدنيا والأخرة : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) سورة البقرة الاية 164 ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) سورة ال عمران 190 – 191 واذا ما أطفأ الانسان نور عقله ؛ فانه ينساق كالانعام ؛ ويتبع هواه ويتعصب لشهواته ومعتقداته الباطله ؛ وللعادات والتقاليد التى ربما تخالف ادنى قواعد العقل ؛ فيتخبط الانسان فى الحياة الدنيا ؛ وباطفاء نور العقل تكون الانعام افضل من هذا الانسان ؛ وهم أولئك الذين وصفهم الله تعالى اذ قال : ( إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ) سورة الفرقان الآية 44 لذلك يعاقب الله الانسان ان هو فعل شيئاً ما يؤثر على نور عقله ؛ مثل شرب الخمر ؛ فالسكر يفقد الانسان عقله ؛ فيتصرف فى امور الحياة بلا وعى او ادراك ؛ ولا اتزان ؛ فقد ينزل وهو سكران الى مستوى يجعله يفعل كل ما يتنافى مع ادميته وكونه سيداً لهذا الكون من جراء تأثير الخمور ؛ لذلك دائماً ما يجد المتأمل فى أى الذكر الحكيم ان الله يحث الانسان على استثمار العقول فى الفكر والتدبر والتأمل والتعقل : ( وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ) سورة الحجر الاية 52 ومن هنا فان الله تعالى يحث بنى الانسان دائماً على استعمال العقل ؛ وتنميته ؛واستثماره ؛ بالفكر ؛ والمعرفة ؛ والعلم ؛ والاجتهاد ؛ ليكون سلوكنا متفقا مع العقل السليم ؛ فى الجسم السليم ؛ ومن ثم فسعيا للوصول للعقل السليم حقيق على الانسان وقمين به ان يحافظ على صحة جسمه .. وقد ذكر القرآن الكريم العقل ومشتقاته نحو 50 مرة ؛ ثم ذكر اولو الالباب اى العقول عشر مرات ؛ وقد ورد فى المأثور : ( ما اكتسب رجل مثل فضل عقل يهدى صاحبه الى الهدى ؛ ويرده عن ردى ؛ وماتم ايمان عبد ولا استقام دينه حتى يكمل عقله ) . ايضاً : ( ان لكل شىء مطية ؛ ومطية المرء العقل ؛ واحسنكم دلالة ومعرفة بالحجة افضلكم عقلاً ) . وأيضاً : ( لكل شىء دعامة ؛ ودعامة المؤمن عقله ؛ فبقدر عقله تكون عبادته ) ؛ وهو المعنى الذى تستطيع ان تستخرجه من سورة الملك الاية االعاشرة : ( وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ولذلك فالقرآن الكريم كونه يخاطب العقل ؛ فهو معجزة باقية ما بقى عقل الانسان ؛ بينما كانت معجزات الانبياء وليدة اللحظة ؛ من شاهدها أمن بها ؛ ومن لم يشاهدها أصبحت أثراً بعد عين بالنسبة له ؛ أما القرآن فانه معجزة باقية ما بقى العقل الانسانى يتدبر القرآن بحياد وموضوعية ودون استباق النتائج .. يقول الشيخ محمد عبده فى كتابه ( الاسلام والنصرانية ) ( معجزة القرآن جامعة من القول والعلم ؛ وكل منهما مما تتناوله العقول بالفهم ؛ فهى معجزة عرضت على العقل وعرفته بما فيها ؛ واطلقت له حق النظر فى انحائها ؛ ونشر ما انطوى فى اثنائها ؛ وله منها حظه الذى لا ينتقص ؛ فهى معجزة اعجزت كل طرف ان يأتى بمثلها ؛ ولكنها دعت كل قدرة ان تتناول ما تشاء منها ؛ فهى معجزة موت حى بلا سبب معروف للمعروف ؛ أو حياة ميت ؛ أو اخراج شيطان من جسم ؛ أو شفاء علة من بدن ؛ فهى مما ينقطع عنه العقل ؛ ويجمد لديه الفهم وانما ياتى بها الله على يد رسله لاسكات اقوام عليهم الوهم ؛ ولم يضىء عقولهم نور العلم ؛ وهكذا يقيم الله بقدرته من الابيات للامم على حسب الاستعدادات ) . بل القرآن دحض مثل الكافرين الذى يستبعدون عقولهم ؛ ويسيرون من خلف مقولات وعادات وتقاليد مورثة ؛ دون فهم او ادراك : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (170) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (171) ) سورة البقرة 170 - 171 اى انهم يقلدون تقليد اعمى ؛ دون استعمال عقولهم . أما قول النبى صل الله عليه وسلم ( فيما معناه ) : ( لا يكن احدكم امعه ؛ ان احسن الناس احسن ؛وان اساءوا اساء ) فبه كثير من الدلالات على وجوب ان يسير المؤمن وراء عقله ويحكمه دائماً ؛ ولا يتبع غيره اتباع اعمى .. ويقول الشيخ محمد متولى الشعراوىرحمه الله : ( منهج الانسان .. الحياة السعيدة .. الأمنه .. المطمئنه .. وضعها الله سبحانه وتعالى للانسان .. هذا منهجى .. وضعته لكم لتطيعوه فى الحياة الدنيا .. فتفوزوا فى الدنيا والأخرة .. ولقد وضعت لكم فى هذا المنهج حرية الاختيار .. وحملتكم الامانة .. فمن جاءنى طائعا مختاراً .. فهو فى كنفى .. ادافع عنه .. وأحميه .. واوفيه أجره .. فى الدنيا والأخرة .. ومن لم يأتى وكفر بنعمتى .. فليتحمل وزر ما فعل .. وكان هذا هو المنهج الذى نزل به ادم الى الارض .. والذى ارسل الله الرسل ليذكروا به كل أمة .. كل رسول الى قومه .. بعد ان نسى اولاد ادم المنهج .. فحرفوه .. أو اخفوا بعضه .. واضافوا اليه اشياء من عندهم ونسبوها الى الله سبحانه وتعالى ظلماً وزوراً وبهتاناً وعدواناً .. لذلك عندما انزل الله المنهج كاملاً متكاملاً وهو القرآن الكريم .. جامعاً لكل الرسالات الانبياء .. ومزيداً عليها ... ومصححاً لما حرف .. وجعله الله خاتم الرسالات فى الارض .. قرر سبحانه وتعالى ان يقوم هو بالحفاظ على المنهج حتى لا يدخله تحريف بشرى .. وظل القرآن طوال اربعة عشر قرناً .. وسيظل الى قيام الساعة .. محفوظاً من الله تعالى :( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) العاقل يستدل على عقل الرجل بما يصدر عنه ؛ فان العقل لا يمكن مشاهدته ؛ فالمشاهدة من خصائص الاجسام ؛ لكن من الممكن ان يستدل على عقل العاقل بأمور متعددة ؛ منها ميله الى محاسن الاخلاق ؛ واعراضه عن رذائل الاعمال ؛ ورغبته فى اسداء صنائع المعروف ؛ وتجنب العاقل ما يكسبه عاراً ؛ اويورثه سوء السمعه .. وقد قيل لبعض الحكماء : بما يعرف عقل الرجل ؟ فقال : بقله سقطه فى الكلام ؛ وكثرة اصابته فيه . فقيل له : فان كان غائباً ؟ فقال : باحدى ثلاث خصال : اما برسول صل الله عليه وسلم . واما بكتابه . واما بهديته . فان رسوله قائم مقام نفسه . وكتابه واصف نطق لسانه ؛ وهديته عنواناً لهمته ؛ فبقدر ما يكون فيها من نقص يحكم به على صاحبها ) . وقال الحكماء : من اكثر الاشياء التى تدل على عقل الرجل حسن مدارته للناس ؛ ويكفى ان حسن المدارة يشهد لصاحبه بتوفق الله تعالى اياه ؛ فقد روى عن النبى صل الله عليه وسلم( فيما معناه ) من حرم مدارة الناس فقد حرم التوفيق ) . حتى قال صل الله عليه وسلم: ان الجنة مائة درجة ؛ تسعة وتسعون منها لأهل العقل ؛ وواحدة لسائر الناس ) . وقالت العرب : ان كل شىء اذا كثر رخص ؛ الا العقل اذا كثر غلا ) والعقل هو نور الله الذى وضعه فى القلب ؛ فكما تعمى الابصار ؛ فان القلوب ايضاً تصاب بالعمى ؛ فعمى الابصار هين ؛ لكن عمى القلوب التى هى محل التعقل والفهم والادراك صعب ؛ كما قال جل شأنه : َإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) سورة الحج الاية 46 ( فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا ) سورة الحج الاية 46 وقال عامر بن قيس : ( اذا عقلك عقلك عما لا يعنيك فأنت عاقل ) وقيل لعلى بن ابى طالب رضي الله عنه صف لنا العاقل : فقال : هو الذى يضع الشىء فى موضعه . فقالوا : صف لنا الاحمق . فقال : قد فعلت ( اى خلاف ما ذكرت لكم ) . وقال انو شروان : اربعة تؤدى الى اربعة : العقل الى الرياسة . والرأى الى السياسة ؛ والعلم الى التقدير ؛ والحلم الى التوقير . وقال الحكماء :ثلاثة هى رأس العقل : مدارة الناس ؛ والاقتصاد فى المعيشة ؛ والتحبب الى الناس .. وقال عمرو بن العاص : أهل مصر اعقل الناس صغاراً ... وارحمهم كباراً .. وقال ابو الدرداء رضى الله عنه : قال رسول الله صل الله عليه وسلم: ياعويمر ازدد عقلاً تزدد من الله تعالى قرباً ) قلت : بأبى وامى ومن اين لى بالعقل ؟ قال : ( اجتنب محارم الله ؛ واد فرائض الله تعالى ؛ تكن عاقلاً ؛ ثم تنقل الى صالح الاعمال تزدد فى الدنيا عقلاً ؛ وتزدد من الله قرباً وعزاً ) . وقال العلماء : حياة النفوس بالروح ؛ وحياة الروح بالذكر ؛ وحياة القلوب بالعقل ؛ وحياة العقل بالعلم . والعاقل من كان علقه فى ارشاد ؛ ورأيه فى امداد ؛ قوله سديد؛ وفعله حميد . والاحمق الجاهل من كان جهله فى اغراء ؛ فقوله سقيم ؛ وفعله ذميم . والاحمق ضال مضل ؛ ان اونس تكبر ؛ وان اوحش تكدر .قال النبى صل الله عليه وسلم: ( الاحمق ابغض الخلق الى الله اذ حرمه اعز الاشياء عليه وهو العقل ) . ويستدل على الاحمق بكثرة كلامه ؛ وعدم نظره فى العواقب ؛ وثقته بكل احد ؛ وسرعة جوابه ؛ والخلو من العلم ؛ والتظاهر بالمعرفة ؛ والعجلة والخفة والطيش ؛ والظلم ؛ والغفلة ؛ والخيلاء ؛ ان استغنى بطر ؛ وان افتقر قنط ؛ ان قال افحش ؛ وان سئل بخل ؛ وان سأل الح ؛ وان قال لم يحسن . قال نبي الله عيسى بن مريم عليه السلام : ( عالجت الأبرص والأحمق فإبرتهما بأذن الله ؛ وعالجت الأحمق فأعياني ) . وروى عن رسول الله صل الله عليه وسلمانه قال : ((( اول ما خلق الله تعالى العقل ؛ فقال له : اقبل . فأقبل . ثم قال له : ادبر . فأدبر . فقال عز من قائل : وعزتى وجلالى ما خلقت خلقاً اعز على منك ؛ بك أخذ ؛ وبك أعطى ؛ وبك أحاسب ؛ وبك اغاضب ) . وقال اهل العلم : العقل جوهر مضىء خلقه الله تعالى فى الدماغ ؛ وجعل نوره فى القلب ؛ يدرك به المعلومات بالوسائط والمحسوسات بالمشاهدة .. وهومحل خطاب الشرع للانسان ..

الموضوع الأصلي: مكانة العقل في الإسلام || الكاتب: مبارك آل ضرمان || المصدر: منتدى همسات الغلا

https://hamsatq.com/

كلمات البحث

العاب ، برامج ، منتدى همسات الغلا ، هاكات ، استايلات

المصدر: منتدى همسات الغلا

---

l;hkm hgurg td hgYsghl hgurg hgYsghl