تقوى
عناصر الموضوع
1- علاقة العلم بالتقوى .
2- مراتب التقوى .
3- منزلة التقوى .
4- وصايا السلف بعضهم بالتقوى .
5- علامات التقوى .
6- وسائل تحصيل التقوى .
7- الأسباب الباعثة على التقوى .
8- كيف تكون تقيا ؟
9- من ثمرات التقوى .
10- صفات المتقين .
التعريف
المعنى اللغوى :
قال فى المصباح : وقاه الله السوء وقاية : حفظه والوقاء مثل كتاب كل ما وقيت به شيئاً ، وروى أبو عبيد عن الكسائى الفتح فى ( الوقاية ) و (الوقاء) أيضاً و ( اتقيت ) الله ( اتقاءً ) و ( التقية ) و (التقوى ) اسم منه والتاء مبدله من واو والأصل (وقى) أهـ [المصباح المنير فى غريب الشرح الكبير للرافعى (669) - دار المعارف] . وأما
المعنى الشرعي:
فقد ذكر العلماء في تعريفها عدة عبارات فمن ذلك قولهم : أن تجعل بينك وبين ما حرم الله حاجبا وحاجزا .. امتثال أوامر الله واجتناب النواهي فالمتقون هم الذين يراهم الله حيث أمرهم، ولا يقدمون على ما نهاهم عنه .. قال ابن رجب رحمه الله: وأصل التقوى أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره وقاية تقيه منه، فتقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه، من غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك، وهو فعل طاعته واجتناب معاصيه. وقال القشيري: فالتقوى جماع الخيرات. وحقيقة الاتقاء: التحرر بطاعة الله من عقوبته، وأصل التقوى: اتقاء الشرك، ثم بعد ذلك اتقاء المعاصي والسيئات، ثم بعد ذلك اتقاء الشبهات، ثم بعد ذلك ترك الفضلات. وقال ابن مسعود في معنى قوله تعالى: (اتقوا الله حق تقاته) [آل عمران:102] : أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر.
وقال سهل بن عبد الله: من أراد أن تصح له التقوى فليترك الذنوب كلها.
وقال الروذباري: التقوى: مجانبة ما يبعدك عن الله. والتقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل .. التقوى أن يجعل المسلم بينه وبين ما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك وذلك بفعل طاعته واجتناب معاصيه .. وقد سأل عمر رضي الله عنه أبي بن كعب فقال له: ما التقوى؟ فقال أبي: يا أمير المؤمنين أما سلكت طريقا فيه شوك؟ قال: نعم .. قال: ما فعلت؟ .. قال عمر: أشمر عن ساقي وأنظر إلى مواضع قدمي وأقدم قدما وأؤخر أخرى مخافة أن تصيبني شوكة .. فقال أبي بن كعب: تلك التقوى .. !، فهي تشمير للطاعة ونظر في الحلال والحرام وورع من الزلل ومخافة وخشية من الكبير المتعال سبحانه وتعالى ..
فالتقوى هي أساس الدين، وبها يرتقى إلى مراتب اليقين، هي زاد القلوب والأرواح فبها تقتات وبه تتقوى وعليها تستند في الوصول والنجاة .. قال ابن المعتز:
خل الذنوب صغيرها *** وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماش فوق أرض الشوك *** يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة *** إن الجبال من الحصى
وتارة تضاف التقوى إلى اسم الله عز وجل كقوله: (واتقوا الله)، فإذا أضيفت التقوى إليه سبحانه فالمقصود اتقوا سخطه وغضبه، ليس المقصود اتقوا القرب منه ولا اتقوا شرعه لكن اتقوا عذابه وسخطه، وعن ذلك ينشأ عقابه الدنيوي والأخروي كما قال تعالى: (ويحذركم الله نفسه) [آل عمران: 28]، وقال تعالى: (هو أهل التقوى وأهل المغفرة) [المدثر: 56]، هو أهل أن يتقى وأن يخشى وأن يهاب وأن يجل وأن يعظم سبحانه وتعالى وأن يعظم في صدور عباده حتى يعبدوه ويطيعوه لأنه المستحق للجلال والإكرام وهو صاحب الكبرياء والعظمة وقوة البطش .. وتارة تضاف التقوى إلى عقاب الله أو إلى مكان العقاب كالنار قال تعالى: (واتقوا النار التي أعدت للكافرين) [آل عمران: 131]، أو إلى زمان العقاب كيوم القيامة قال تعالى: (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) [البقرة: 281]. ويدخل في التقوى الكاملة فعل الواجبات وترك المحرمات والشبهات، وربما دخل فيها أيضا فعل المندوبات وترك المكروهات والمشتبهات فقول الله تعالى: (آلم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) يشمل ذلك كله ..
قال ابن القيم رحمه الله: في التقوى في تعريفها الشرعي: حقيقتها العمل بطاعة الله إيمانا واحتسابا أمرا ونهيا، فيفعل ما أمر الله به إيمانا بالآمر وتصديقا بوعده، ويترك ما نهى الله عنه إيمانا بالناهي وخوفا من وعيده .. قال طلق بن حبيب: إذا وقعت الفتنة فأطفئوها بالتقوى، قالوا: وما التقوى؟ قال: أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله .. وهذا من أحسن ما قيل في حد التقوى .. والتقوى تطلق في القرآن الكريم على عدد من الأمور:
(1) تأتي بمعنى الخشية والهيبة كما قال تعالى: (وإياي فاتقون) [البقرة: 41] أي اخشوني وهابوني، وكذلك في قوله: (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) [البقرة: 281] أي خافوا هذا اليوم وما فيه.
(2) تأتي بمعنى الطاعة والعبادة كقوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) [آل عمران: 102] يعني أطيعوه حق الطاعة واعبدوه حق العبادة، وهو قول مجاهد: أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر.
(3) تطلق على التنزه عن الذنوب وهذه هي الحقيقة في تعريف التقوى في الاصطلاح، قال تعالى: (ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفآئزون) [النور: 52]، يتقه أي يترك المعاصي والذنوب، فترك الطاعة والخشية ثم ذكر التقوى فعلمنا أن حقيقة التقوى شيء إضافي غير الطاعة والخشية في هذا النص وهو تنزيه القلب عن كل قبيح.
والله عز وجل ذكر التقوى ثلاث مرات في آية واحدة، فقال تعالى: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين) [المائدة: 93]، فهذا التكرار ليس تكرارا مجردا، فقال بعضهم: التقوى الأولى تقوى عن الشرك، والثانية تقوى عن البدعة، والثالثة عن المعاصي، ويقابل الأولى التوحيد، والثانية السنة، والثالثة الطاعة، فجمع بين هذه المنازل الثلاث (منزلة الإيمان ومنزلة السنة ومنزلة الاستقامة والطاعة).
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: تمام التقوى أن يتقي الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة وحتى يترك ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما. طبعا ليس المقصود أن يترك كل الحلال لكن الحذر يقتضي أحيانا ترك شيء من المباح خشية الوقوع في الحرام، ورع. فإن الله قد بين للعباد أنه من يعمل مثقال ذرة شرا يره، فلابد أحيانا حتى تتقي الذرة من الشر أن توسع الدائرة لتبتعد، ولذلك" لا يرتع غنمه فيه وإنما يبتعد عنه ألا وإن لكل ملك حمى وإن حمى الله محارمه"، ومن اقترب من الحمى أوشك أن يقع فيه.
وقال الحسن رحمه الله: ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرا من الحلال مخافة الحرام. وقال الثوري: إنما سموا متقين لأنهم اتقوا ما لا يتقى ما لا يتقى عادة أو ما لا يتقيه أكثر الناس. فالمتقون تنزهوا عن أشياء من الحلال مخافة أن يقعوا في الحرام فسماهم الله متقين، والمتقي أشد محاسبة لنفسه من محاسبة الشريك لشريكه، ولذلك يخلي جميع الذنوب [باختصار من (فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب) المؤلف: محمد نصر الدين محمد عويضة (5/7) ] .
آيات
1- قَالَ الله تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران:102].
2- قالَ تَعَالَى
فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16] وهذه الآية مبينة للمراد مِنَ الأُولى.
3- قالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70].
4- قالَ تَعَالَى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) [الطلاق:2-3].
5- قالَ تَعَالَى: (إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال :29].
أحاديث
1- عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، قَالَ: قِيلَ: يَا رسولَ الله، مَنْ أكرمُ النَّاس؟ قَالَ: (أَتْقَاهُمْ). فقالوا: لَيْسَ عن هَذَا نسألُكَ، قَالَ: (فَيُوسُفُ نَبِيُّ اللهِ ابنُ نَبِيِّ اللهِ ابنِ نَبيِّ اللهِ ابنِ خليلِ اللهِ ) قالوا: لَيْسَ عن هَذَا نسألُكَ، قَالَ: (فَعَنْ مَعَادِنِ العَرَبِ تَسْأَلوني؟ خِيَارُهُمْ في الجَاهِليَّةِ خِيَارُهُمْ في الإِسْلامِ إِذَا فقُهُوا) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
و(فَقُهُوا) بِضم القافِ عَلَى المشهورِ وَحُكِيَ كَسْرُها: أيْ عَلِمُوا أحْكَامَ الشَّرْعِ.
2- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (إنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرةٌ، وإنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرَ كَيفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاء؛ فإنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إسرائيلَ كَانَتْ في النِّسَاءِ) رواه مسلم.
3- عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه: أنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يقول: (اللَّهُمَّ إنِّي أَسألُكَ الهُدَى، وَالتُّقَى، وَالعَفَافَ، وَالغِنَى) رواه مسلم.
4- عن أبي طريفٍ عدِيِّ بن حاتمٍ الطائيِّ رضي الله عنه، قَالَ: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ ثُمَّ رَأَى أتْقَى للهِ مِنْهَا فَليَأتِ التَّقْوَى) رواه مسلم.
5- عن أبي أُمَامَةَ صُدَيّ بنِ عجلانَ الباهِلِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ في حجةِ الوداعِ، فَقَالَ: (اتَّقُوا الله وَصلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَأَدُّوا زَكاةَ أَمْوَالِكُمْ، وَأَطِيعُوا أُمَرَاءكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ) رواه الترمذي، في آخر كتابِ الصلاةِ، وَقالَ: (حديث حسن صحيح).
آثار
1- روي عن ابن عباس رضي الله عنه في التقوى: " الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل ".
2- قال ابن عمر رضي الله عنهما: " لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في الصدر " رواه البخاري.
3- قال علي بن عبدالله بن عباس: " سادة الناس في الآخرة الأتقياء " البداية والنهاية.
4- قال الحسن: " المتقون اتقوا ما حُرِّم عليهم، وأدوا ما افتُرِض عليهم " تفسير ابن كثير.
5- قال الثوري: " إنما سُموا متقين؛ لأنهم اتقوا ما لا يُتَّقى " جامع العلوم والحكم.
6- قال سهل: " من أراد أن تصح له التقوى - فليجتنب المعاصي كلها ".
7- قال بعض السلف الصالح: " لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما لا بأس به؛ حذراً مما به بأس " مدارج السالكين.
8- خطب الحسن بن علي فقال: " إن أكيس الكيس التقي، وإن أحمق الحمق الفجور " سير أعلام النبلاء.
9- أوصى عمر بن عبد العزيز رجلاً فقال: " أوصيك بتقوى الله الذي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلا أهلها، ولا يثيب إلا عليها؛ فإن الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل " حلية الأولياء.
10- قال أيضاً لرجل: " أوصيك بتقوى الله تخف عليك المؤونة، وتحسن لك من الله المعونة ".
11- عن أبي سليمان الداراني: " التقوى أن لا يراك الله حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك " سير أعلام النبلاء.
12- قال الفضيل: " لا يكون العبد من المتقين حتى يأمنه عدوه " سير أعلام النبلاء.
13- قال الحكم بن عمرو الغفاري: " أقسم بالله لو أن السماوات والأرض كانتا رتقاً على عبد فاتقى الله يجعل الله من بينهما مخرجاً ".
14- قال فضالة بن عبيد: " لأن أعلم أن الله تقبل مني مثقال حبة أحب إلي من الدنيا وما فيها؛ لأنه - تعالى -يقول: (إنما يتقبل الله مِن المتقين) " سير أعلام النبلاء.
15- عن ميمون بن مهران قال: " لا يكون الرجل تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه، وحتى يعلم من أين ملبسه ومطعمه ومشربه " نزهة الفضلاء.
16- قال بعض السلف: " الَّتقيُّ وقتُ الراحة له طاعة، ووقت الطاعة له راحة ".
17- قال جشم بن عيسى: سمعت عمي معروف بن الغيرازان يقول: سمعت بكر بن خنيس يقول: كيف تتقي وأنت لا تدري ما تتقي؟ قال: ثم يقول معروف: إذا كنت لا تحسن تتقي، أكلت الربا، ولقيت المرأة فلم تغض عنها، ووضعت سيفك على عاتقك، إلى أن قال: ومجلسي هذا ينبغي لنا أن تتقيه، فتنه للمتبوع، وذلة للتابع. (جامع العلوم والحكم).
18- قيل: ما احتاج تقي قط. (مجموع الفتاوى)
19- عن حسين بن شُفَي قال: كنا عند عبد الله بن عمرو، فأقبل تبيع بن عامر، فقال: أتاكم أعرف من عليها، ثم قال: يا تبيع! أخبرنا عن الخيرات الثلاث؟ قال: " اللسان الصدوق، وقلبٌ تقيٌّ، وامرأة صالحة " حلية الأولياء.
20- قال الشافعي رحمه الله: " الخير في خمسة: غنى النفس، وكف الأذى، وكسب الحلال، والتقوى، والثقة بالله " سير أعلام النبلاء.
21- وعنه قال: " من لم تُعزه التقوى، فلا عز له " سير أعلام النبلاء.
22- وعنه قال: " أنفع الذخائر التقوى، وأضرها العدوان " سير أعلام النبلاء.
23- قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: " فمن كان مخلصاً في أعمال الدين يعملُها لله؛ كان من أولياء الله المتقين أهل النعيم المقيم " مجموع الفتاوى.
24- عن بكر المزني قال: " لما كانت فتنة ابن الأشعث قال طلق بن حبيب: اتقوها بالتقوى قيل له: صف لنا التقوى فقال: العمل بطاعة الله على نور من الله رجاء ثواب الله، وترك معاصي الله على نور من الله مخافة عذاب الله " سير أعلام النبلاء.
* قال الذهبي: " أبدع وأوجز؛ فلا تقوى إلا بعمل، ولا عمل إلا بتروٍ من العلم والإتباع، ولا ينفع ذلك إلا بالإخلاص لله، لا يقال فلان تارك للمعاصي بنور الفقه؛ إذ المعاصي يفتقر اجتنابها إلى معرفتها، ويكون الترك خوفاً من الله، لا ليمدح بتركها؛ فمن داوم على هذه الوصية فقد فاز " سير أعلام النبلاء.
25- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ليس في كتاب الله آية واحدة يُمدح فيها أحد بنسبه ولا يُذم أحد بنسبه وإنما يمدح بالإيمان والتقوى، ويذم بالكفر والفسوق والعصيان " مجموع الفتاوى.
26- قال النصر أباذي: " من التزم التقوى اشتاق إلى مفارقة الدنيا لأن الله تعالى يقول: (وللدار الآخرة خير للذين يتّقون أفلا تعقلون) ".
قصص
1- سئل عيسى عليه السلام: أي الناس أشرف؟، فقبض قبضتين من تراب، وقال: " أي هاتين أشرف؟ "، ثم جمعهما وطرحهما، وقال: " الناس كلهم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ".
2- قال رجل لعمر رضي الله عنه: اتق الله، فقيل للرجل: كيف تقول لأمير المؤمنين اتق الله؟ فقال لهم عمر: " دعوه؛ والله لا خير فيكم إن لم تقولوها لنا، ولا خير فينا إن لم نقبلها منكم ".
3- وقيل: عن حكيم بن حزام باع دار الندوة معاوية بمائة ألف، فقال له ابن الزبير: بعت مكرمة قريش؟ فقال: ذهبت المكارم يا ابن أخي إلا التقوى، إني اشتريت بها داراً في الجنة أشهدكم أني قد جعلتها لله.
4- عن ابن عيينة قال: قال رجل لمالك بن مغول: اتق الله، فوضع خده على الأرض.
5- عن أبي عبيد: دخلت البصرة لأسمع من حماد بن زيد، فقدمت فإذا هو قد مات، فشكوت ذلك على عبد الرحمن بن مهدي فقال: مهما سُبقت به، فلا تُسبقن بتقوى الله.
6- عن يزيد بن كميت سمع رجلاً يقول لأبي حنيفة: اتق الله، فانتفض واصفر وأطرق، وقال: جزاك الله خيراً ما أحوج الناس كل وقت إلى من يقول لهم مثل هذا.
7- سمعت سحنون يقول: كنت إذا سألت ابن القاسم عن المسائل، يقول لي: يا سحنون، أنت فارغ، إني لأحس في رأسي دوياً كدوي الرحال يعني من قيام الليل قال: وكان قلما يعرض لنا إلا وهو يقول: اتقوا الله، فإن قليل هذا الأمر مع تقوى الله كثير، وكثيره مع غير تقوى الله قليل.
8- قال رجل لميمون بن مهران: يا أبا أيوب لا يزال الناس بخير ما أبقاك الله لهم. قال: أقبل على شأنك، ما يزال الناس بخير ما اتقوا ربهم.
9- عن بكر المزني قال: لما كانت فتنة ابن الأشعث قال طلق بن حبيب: اتقوها بالتقوى قيل له: صف لنا التقوى فقال: العمل بطاعة الله على نور من الله رجاء ثواب الله، وترك معاصي الله على نور من الله مخافة عذاب الله.
10- لما هرب الحسن من الحجاج دخل إلى بيت حبيب بن محمد، فقال له حبيب: يا أبا سعيد أليس بينك وبين ربك ما تدعوه به فيسترك من هؤلاء، ادخل البيت فدخل ودخل الشرط على أثره فلم يروه، فذكر ذلك للحجاج فقال: بل كان في البيت، إلا أن الله طمس أعينهم فلم يروه.
11- قيل لأحد الصالحين: إن الأسعار قد ارتفعت. قال: أنزلوها بالتقوى.
12- ذكر أن رجلاً مدح آخر في وجهه، فقال له: يا عبدالله لم مدحتني؟! أجربتني عند الغضب فوجدتني حليماً؟ قال: لا، قال أجربتني في السفر فوجدتني حسن الخلق ؟ قال: لا، قال: أجربتني عند الأمانة فوجدتني أميناً؟ قال: لا، قال: فلا يحل لأحد أن يمدح آخر مالم يجربه في هذه الأشياء الثلاثة.
13- قيل لرجل من الفقهاء: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب) [الطلاق:3،2]، فقال الفقيه: والله، إنه ليجعل لنا المخرج، وما بلغنا من التقوى ما هو أهله، وإنه ليرزقنا وما اتقيناه، وإنا لنرجو الثالثة: (ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً) [الطلاق:5].
14- أحد الشباب يأتيني في يوم من الأيام، في يوم جمعة، ويأتي إليَّ ويقول: يا شيخ رأيت أخي الذي مات قبل فترة في المنام، وأحببت أن أذكِّرك بهذا لتذكِّر الناس بمثل هذه الرؤيا، قال: فقلت لأخي لما رأيته في المنام: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي ورحمني فله الحمد والمنَّة أولا وأخرًا، وظاهرًا وباطنًا، قال: فبم توصينا؟ قال: أوصيكم بتقوى الله، وألا تناموا ليلة من الليالي إلا وقد تعبت أقدامكم من الوقوف بين يدي الله، واحمرَّت أعينكم بكاءً من خشية الله؛ فو الله ما نفعنا هنا بعد رحمة الله إلا تلك الأعمال. فضيلة الشيخ / علي عبد الخالق القرني
15- قال أبو بكر بن عياش لما حضرته الوفاة وبكت ابنته: يا بنية لا تبكي؛ أتخافين أن يعذبني الله وقد ختمت في هذه الزاوية أربعة وعشرين ألف ختمة؟!
16- قال أبو بكر بن عياش: نظرت إلى أقرأ الناس فلزمته عاصماً ثم نظرت إلى أفقه الناس فلزمته مغيرة فأين تجد مثلي؟.
17- قال ابن طاهر المقدسي الحافظ : سمعت أصحابنا بهراة يحكون أن أبا محمد عبد الرحمن بن أبي شريح الأنصاري قال : كنت أقرأ على أبي القاسم البغوي ببغداد فلما كان في بعض الأيام وكنت أقرأ عليه جزءا وقد وضع رأسه بين ركبتيه فرفع رأسه وقال : كأني بهم إذا مت يقولون: مات البغوي، ولا يقولون: مات جبل العلم، ثم وضع رأسه بين ركبتيه، واستند، فلما فرغت من قراءة الجزء، قلت: كم قرأت عليك؟ فلم يجبني، فحركته فإذا به قد مات رحمه الله.
أشعار
أَبِـي الإِسْـلامُ لا أَبَ لِي سِـوَاهُ *** إِذَا هَتَـفُـوا بِبَكْـرٍ أَوْ تَمِيـمِ
وَمَـا كَـرَمٌ وَلَو شَرُفَـتْ جُدُودٌ *** وَلَكِنَّ التَّقِـي هُـوَ الْكَـرِيـمُ
[نهار بن توسعة]
وَلَسْتُ أَرَى السَّعَادَةَ جَمْـعَ مَـالٍ *** وَلَكِـنَّ التَّقِـيَّ هُـوَ السَّعِيـدُ
[الحُطَيئة]
إِذَا أَنْتَ لَمْ تَرْحَلْ بِـزَادٍ مِـنَ التُّقَى *** وَلاقَيْتَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَنْ قَدْ تَزَوَّدَ
نَدِمْتَ عَلَـى أَنْ لا تَكُـونَ كَمِثْلِهِ *** وَأَنَّكَ لَمْ تَرْصُدْ لِمَا كَانَ أَرْصَـدَا
[الأعشى]
إِذَا الْمَـرْءُ لَمْ يَلْبَسْ ثِيَابًا مِنَ التُّقَى *** تَقَلَّبَ عُرْيَانًـا وَإِنْ كَـانَ كَاسِيَا
[أبو العتاهية]
لَعَمْـرُكَ مَـا الإِنْسَـانُ إِلاَّ بِدِينِـهِ *** فَلا تَتْرُكِ التَّقْوَى اتِّكَالاً عَلَى النَّسَبْ
فَقَدْ رَفَـعَ الإِسْـلامُ سَلْمَانَ فَارِسٍ *** وَقَدْ وَضَعَ الشِّرْكُ الشَّرِيفَ أَبَا لَهَبْ
[علي بن أبي طالب]
وَغَيْرُ تَقِـيٍّ يَأْمُـرُ النَّـاسَ بِالتُّقَى *** طَبِيبٌ يُـدَاوِي النَّاسَ وَهْوَ عَلِيلُ
[...............]
إِنِّـي وَجَـدْتُ الأَمْـرَ أَرْشَـدُهُ *** تَقْـوَى الإِلَـهِ وَشَـرُّهُ الإِثْـمُ
[الْمُخَبَّل السَّعْدي]
عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ فِـي كُـلِّ مَـرَّةٍ *** تَجِدْ غَيَّهَا يَوْمَ الْحِسَابِ الْمُطَـوَّلِ
أَلا إِنْ تَقْـوَى اللهِ خَيـرُ مَغَـبَّـةٍ *** وَأَفْضَلُ زَادِ الظَّاعِـنِ الْمُتَجَمِّـلِ
وَلا خَيْرَ فِي طُولِ الْحَيَاةِ وَعَيْشِهَـا *** إِذَا أَنْتَ مِنْهَـا بِالتُّقَى لَمْ تَرْحَـلِ
[أعشى باهلة]
تَدُلُّ عَلَى التَّقْـوَى وَأَنْتَ مُقَصِّـرٌ *** أَيَا مَنْ يُدَاوِي النَّاسَ وَهْـوَ سَقِيمُ
[أبو العتاهية]
أَلا إِنَّمَا التَّقْوَى هِيَ الْعِـزُّ وَالْكَـرَمْ *** وَحُبُّـكَ للدُّنْيَا هُـوَ الذُلُّ والْعَدَمْ
[أبو العتاهية]
وَصَفْتَ التُّقَى حَتّى كَأَنَّـكَ ذُو تُقًى *** وَرِيـحُ الْخَطَايَا مِنْ ثَنَايَاكَ تَسْطَعُ
[أبو العتاهية]
وَإِذَا بَحَثْتَ عَـنِ التَّقِـيِّ وَجَدْتَـهُ *** رَجُـلاً يُصَـدِّقُ قَوْلَـهُ بِفِعَـالِ
وَإِذَا اتَّقَـى اللهَ امْـرُؤٌ وَأَطَـاعَـهُ *** فَيَـدَاهُ بَيْـنَ مَكَـارِمٍ وَمَعَـالِ
وَعَلَى التَّقِيِّ إِذَا تَرَسَّخَ فِـي التُّقَـى *** تَاجَانِ تَـاجُ سَكِينَـةٍ وَجَـلالِ
[أبو العتاهية]
إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًـا فَلا تَقُلْ *** خَلَوْتُ وَلَكِـنْ قُـلْ عَلَيَّ رَقِيبُ
وَلا تَحْسَبَـنَّ اللهَ يَغْـفُـلُ سَاعَـةً *** وَلا أَنَّ مَـا تُخْفِيـهِ عَنْـهُ يَغِيبُ
[أبو نواس]
وَحَلَّ الْمُتَّـقُـونَ بِـدَارِ صِـدْقٍ *** وَعَيشٍ نَاعِـمٍ تَحْـتَ الظِّـلالِ
لَهُـمْ مَـا يَشْتَهُـونَ وَمَـا تَمَنُّوا *** مِـنَ الأَفْـرَاحِ فِيهَـا وَالْكَمَـالِ
[أمية بن الصلت]
يُرِيـدُ الْمَـرْءُ فَـائِـدَتِي وَمَالِـي *** وَيَـأْبَــى اللهُ إِلاَّ مَــا أَرَادَ
يَقُـولُ الْمَـرْءُ فَـائِدَتِي وَمَالِـي *** وَتَقْوَى اللهِ أَفْضَلُ مَـا اسْتَفَـادَا
[الشافعي]
وَاسْتَشْعِرِ الْبِرَّ وَالتَّقْـوَى تُعَـدَّ بِهَا *** حَتَّى تَنَـالَ بِهِـنَّ الْفَوْزَ وَالرِّفَعَا
[..........]
حكم
1- قال لقمان الحكيم: " يا بني اتق الله، ولا تري الناس أنك تخشى الله؛ ليكرموك بذلك، وقلبك فاجر.. يا بني لا يأكل طعامك إلا الأتقياء ".
2- التُّقى رئيس الأخلاق.
3- لا كرم كالتقوى.
4- قال الإمام الرافعي: عليك بتقوى الله؛ فإنها جماع كل خير.
5- من لا يتقِ الله يخسر.
متفرقات
1- قال الدكتور أحمد فريد: التقوى عباد الله! هي أجمل عباءة يتزين بها العباد، فقد منَّ الله عز وجل على بني آدم بإنزال اللباس الذي يوارون به السوءات، والرياش الذي يتجملون به، منّ الله عز وجل عليهم بهذا اللباس الظاهر، وميز الله عز وجل بين بني آدم وبين الحيوانات، بأن جعل الحيوانات مكشوفة السوءات، أما بنو آدم فقد أنزل الله عز وجل لهم لباساً يواري سوءاتهم، كما قال عز وجل: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا) [الأعراف:26]. فاللباس ما يواري السوءات، والرياش ما يتجملون به، ثم قال: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف:26].
فبعد أن منّ الله عز وجل على عباده باللباس الظاهر الذي يستر عورات البدن في الدنيا، منّ الله عز وجل عليهم بأجمل لباس وأحسنه، وهو الذي يواري عورات الظاهر والباطن، وهو الذي يستر العبد في الدنيا والآخرة، ويكون سبباً للنجاة في الدنيا والآخرة، هذا اللباس هو لباس التقوى، فقال عز وجل: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف:26].
إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى تقلب عرياناً وإن كان كاسياً وخير ثياب المرء طاعة ربه ولا خير فيمن كان لله عاصياً فالله عز وجل يتمنن على عباده بهذه الملابس التي يوارون بها العورات والسوءات، والسوءة: ما يسوء ظهوره، فلا تظنوا عباد الله أن التبرج والعري مدنية وحضارة وتقدم، بل هو هبوط وسفول وحيوانية وشهوانية، فالله عز وجل جعل بني آدم مستوري العورات والسوءات، وتمنن عليهم بهذا اللباس الظاهر، وهذا العري والتبرج والسفور والفجور عباد الله! ليس حضارة ولا مدنية، بل هو عقوبة من الله عز وجل للعباد على ذنوب أخرى اقترفوها. ألم تروا إلى آدم وحواء كيف بعد أن عصوا الله عز وجل بدت لهما سوءاتهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، كما قال الله عز وجل: (يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) [الأعراف:27]. فالله عز وجل شرع للعباد ما يستر العورات والسوءات، وتمنن عليهم بذلك، ثم تمنن بأحسن لباس وهو لباس التقوى، فقال عز وجل: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف:26
jr,n jr,d